صفحة الكاتب : عقيل العبود

عن محاضرات بروفسور M حلقة (4)
عقيل العبود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

التاريخ يصنعه الالم، فهو ضميره الحي، وعنوان بصماته التي يسلكها عبر مساراته المتعثرة، فأبذل اقصى جهدك، لتكتب عنهم، اي أولئك العظام من الأحرار، والفلاسفة، والشعراء، وغيرهم.  

 ذات يوم جلست انا والمشاعر، تأملت بعض الشيء في صفحات ذاكرتي؛ تلك التي أتعبتها الفواصل، وأرهقتها الحروف، تحدثت قليلاً مع الصمت، ابتسم الكبرياء، ليستحث خطواتي نحو نقاء عالم راح يتجدد. 

لم يكن سهلاً هذا الذي ينتفض في محطاته الخوف، ويعبث في مساحات عمره الطغاة، اي ليس كما تمشي معنا الامور، فهنالك عند بقايا أرض محطمة، ثمة الام يجمعها نزيف، ويستفز مصيرها بحر كثيف من الاوجاع والتصدعات.

الأحداث مسرح، حاولت أن أخُضِعَ نفسي ذات يوم لإختبار مشاهده لإرتقي، لكنني بعد حين رحت أستغرق في بطاقات فصوري وضعفي، حين أيقنت أنها تعبر عن الهزيمة، ولهذا ونظراً لقدسية الاختبار، الالم إستوقفني، راح يتطلع نحوي هكذا، سألني سؤالاً له علاقة على ما يبدو بحجم ما أسعى إليه، لم أكن أتذكر سؤاله على وجه التحديد، لكنني أدركت أنه أراد أن يقودني الى عالم الكبرياء ليثبت لي باني صغير بعد.

كلماتي حينها كانت تبحث عن شروط نقائها بين أرواح الطيبين، تتحدث برفق عن أرض مزقتها الأخطبوطات، عن نهارات مضت، عن مرافيء ما زالت اثار بصماتها ماثلة، عن أقلام جفت موائد حبرها، أجابتي كانت وجيزة وحازمة جداً.

الخلود سالني بعدها: من اين انت، وهل لديك أصدقاء؟ فأجبته لديَّ نتاجاتهم فقط. 

عندئذٍ استأنف بلغة أتعبها الانتظار: هل تؤرخها؟ فقلت، أستجمع عطر النقاء من بعض أوجاعها، ألتمس عبر مخاضاتها فجراً جديداً، يعود فيه المنفى إلى مزاولة طقوسه القديمة؛ هنالك حيث أشجار النخيل، وتلك السنابل، انتظر عودتها، حيث الحمائم تلك التي غادرتنا منذ زمان.

عندئذ ونظراً لصدق الإجابة، قادني بيديه صوب دهاليز تعيش بين ثناياها كيانات محاطة بأسوار من  الاحجار والأبواب المرصعة، تقع عند مداخل بيوتاتها اثار شامخة. 

هنالك وجدت قبوراً من الألغاز تبكي، يحيطها ظلام يدعوك الى التساؤل، يشدك اليه، حاولت أن أسأله عن مصائر تلك الكائنات، لكنه ابطل أسئلتي. 

ساومني البكاء، تطلعت حولي،  لم أر شيئا، حتى عرفت أنها المواكب تمضي دون ان يرها احد، ولهذا مع ذروة المشاعر، نجحت في الاختبار، 

حتى قرر الصمت أن يصبح لي صديق دائم، قال حين مرافقتي إياه، بعد حين، وأحيان من الزمان ستكتشف حقائق اخرى، وأخرى لم تسجل بعد.

من يومها تطلعت الى أعظم ألأصدقاء، وأتفقنا أن ندون بصمات أولئك الذين لم يكتب عنهم بضم الياء، وعن هؤلاء الذين توهموا في عصر التملق هذا انهم باتوا أثرياء أوسمة واطراءات. 

إتفقنا أنا والتاريخ، ان نبحث عن سجلات عالم ما زالت تحلق في أجوائه  الكواكب، أن نبحث عن كيانات لم تذكر بعد في سجلات هؤلاء المشغولين بلقاءات حضوراتهم. 

عندها تعلمت اننا بهذه الطريقة فقط، سوف نؤسس لحقيقتنا، بعيداً عن التآكل؛ عن الدجل، ولغة الرياء، بعيدا عن المجاملات، هذه التي تستهلكنا، تسرق اوقاتنا، وبذلك فقط، يمكننا ان نستجلي تاريخ إنسانيتنا العريق.

فالكتابة الحقيقية هي البحث عن وجودات اخرى، لا عن وجوداتنا نحن.

وشروط عظمتنا لا تكون الا لحظة ان نؤرخ لتاريخ عظامنا، اما نحن فلسنا الا صغارا، لم ندرك الحياة بعد.

ساندياكو 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل العبود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/03



كتابة تعليق لموضوع : عن محاضرات بروفسور M حلقة (4)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net