صفحة الكاتب : نجاح بيعي

العِـــرَاقُ .. بَـينَ خِـيـانَـة الـطـّبـَقَـةِ السِّـياسِيّـةِ وغـَبـَائِـها !!.
نجاح بيعي

 الكلّ يكاد يُجمع على أنّ ( الأسف ) الشّديد الذي أطلقته المرجعية الدينية العليا , عبر منبر صلاة الجمعة 8/1/2016 , ردّا ًعلى تقاعس السلطات الثلاث , عن مكافحة الفساد وملاحقة كبار الفاسدين والمفسدين , كان بمثابة جرس إنذار . وإنّ هذا الجرس قد رنّ حقا ّ بآذان جميع الزعامات السياسية العراقية الصمّاء , منذرا ًإياهم بالخطر الحقيقي , وخصوصا ًممّن يمسكون بالسلطة . ولأنهم منغمسون كليةً بالفساد , لذا لم تطاوعهم أنفسهم بالمرة . ومثل كل مرّة , وبالكاد جاءت ترجمتهم لصوت النذير, الذي ملئ الآفاق , بمبادرات واهية لا تسمن ولا تغني من جوع . فقدم هذا ورقة إصلاح للحكومة , من شأنها ( حسب زعمه ) أنها تحارب الفساد والمفسدين , متناسيا ً أنه جزء هام من هذه الحكومة الفاسدة . وقدّم ذاك حلا ً ظنّ أنّه ناجعا ً, هو اقتراحه إدخال العامل الدولي لمحاربة الفساد في العراق . وبين هذا وذاك يطلّ مجددا رئيس السلطة التنفيذية ( السلطة المتهمة رقم واحد بالفساد ) على الجميع وبدون أيّة مقدمات , ليعلن أنّ عام 2016 هو عام القضاء على الفساد .
و جميعا ً لم يكونوا إلا ّ كالذي يشيح بوجهه عن المرآة , لكي لا يرى قذارة وجهه , ويوهم نفسه و الآخرين , بأنه عمل ما يتوجب عليه عمله لتنظيفه !.
إنّ إصرار المرجعيّة على مطالبتها لمكافحة الفساد والمفسدين , لم يكن وليدة اليوم , وإنما هي مسيرة طويلة ابتدأتها المرجعية منذ عام 2003 ولغاية 8/1/2016 الخطبة التي أعلنت بها صراحة عن أسفها الشديد , لعدم تحقق شيء من الإصلاح الحقيقي على أرض الواقع (وهذا أمر يدعو للأسف الشديد , ولا نزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر ) ,
والمتتبع لهذه المسيرة يرى أن الخطاب الإصلاحي , ومنذ انطلاقه أخذ منحىً تصاعديّا , من ناحية الشّدة واللين , مارا ً بمحطات من الممكن أن نصفها بأنها ذات ــ نقلة نوعيّة ــ بالخطاب تجاه السلطات الثلاث نحو مكافحة الفساد . وإذا ما أخذنا تاريخ إعلان فتوى الجهاد الكفائي في ــ 13 / 6 / 2014 ــ ضد عصابات داعش , كحد فاصل بين فترتين في الخطاب الإصلاحي . ( قبل ) الفتوى ونراها متّسمة باللين , و ( بعد ) الفتوى , حيث نراها متّسمة بالشّدة الغير معهودة , متضمنة أحيانا ً التلميح إلى جهات بعينها , والتصريح بها أحيانا أخرى .
ـ فخطاب المرجعية يوم ــ 28/ 11/ 2014 ــ أي بعد خمسة أشهر من إعلان الجهاد الكفائي ضد عصابات داعش المجرمة . تَضمّنَ اللإنطلاقة الصريحة الأولى , لإعلان حربها على الفساد والمفسدين , حيث وجهت كلامها المباشر إلى السياسيين العراقيين كافة ( فقد آن الأوان لسياسيينا ولكل من يعمل في مؤسسات الدولة ..) من أن يأخذوا الدروس والعبر من المقاتلين وهم يقاتلون ( داعش ) في الجبهات , وعكسها حربا ضد الفاسدين في جميع مفاصل الدولة , وكذلك تطهير الدوائر الأمنية والمدنية منهم , وإن كانوا في مواقع مهمة في هذه المؤسسات .
ـ بينما وبعد ثمانية أشهر , أي في يوم ــ 7 / 8 / 2015 ــ دعت المرجعية الحكومة إلى اتخاذ قرار جريء , وصارم في مجال مكافحة الفساد , موجهة الكلام إلى رئيس مجلس الوزراء , باعتباره رئيس السلطة التنفيذية ( فيضرب بيد من حديد مَن يعبث بأموال الشعب ..) .
ـ ويمضي بعدها أكثر من عام , وتحديدا ً في ــ 25 / 9 / 2015 ــ نرى المرجعية تكشف ولأول مرة , وتبين للجميع من أن هناك جهات وقوى تمانع الإصلاح , بل تراهن على عدم الاستجابة , مستغلة فتور حدّة الغضب الشعبي المتمثل بالتظاهرات التي نادت بالإصلاح الحقيقي , محذّرة من أن مصير هؤلاء بالنهاية هو الندم , حيث قالت ( وليعلم البعض , الذين يمانعون من الإصلاح , ويراهنون على أن تخف المطالبات به , إنّ الإصلاح ضرورة لا محيص منها , وإذا خفّت مظاهر المطالبة به هذه الأيام , فإنها ستعود في وقت آخر , بأقوى وأوسع من ذلك بكثير ـ ولات حين مندم ــ !) .
والخطورة تكمن حينما ربطت المرجعية , المفسدين الذين بفضلهم , أتخذ الفساد أشكالا وأبعادا مختلفة , سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية خطيرة جدا ّ , بظاهرة داعش وأسمتها بــ ( الظاهرة الداعشيّة ) . وهذا يعتبر نقلة نوعيّة بخطابها , وكأنها تريد أن تقول أن الضرر المتحقق , والواقع على المواطن العراقي البسيط , من قبل الفاسدين والمفسدين , لا تقل خطورة عن جرائم عصابات داعش , بل تماثلها وتفوقها خطرا في الأفق البعيد .
ـ ونظرا لعدم الاستجابة لدعوات المرجعية ومطاليبها , من قبل جميع القوى والفعاليات السياسية والحكومية , نراها تعود وبعد أقل من أربعة أشهر من ذلك الخطاب , وتحديدا ً في ــ 1 / 1 / 2016 ــ لتفضح أطرافا داخلية وأخرى خارجية , اتخذت من العنف وسيلة لتحقيق أهدافا سياسية , ووصفت مخططاتها تلك بالخبيثة ,واتهمتها بأنها جرّبت ـ الظاهرة الداعشيّة ــ التي أدّت ّإلى مزيد من الدّمار ( ثم جرّبت الظاهرة الداعشيّة , كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف , وقد فشلت في كل ذلك ..) و شخّصت بشكل دقيق جدا , علـّة هذه الظاهرة التدميرية بــ ( إنّ بعض السياسات الخاطئة , التي انتهجتها بعض الأطراف الحاكمة , وسوء الإدارة , وتفشي الفساد , قد وفّر أجواءً مساعدة لنمو وتفاقم الظاهرة الداعشيّة !) .
فربط المفسدين بداعش , وجعلهم وكأنهم وجهين لعملة واحدة , وجعلهم متحدين بالنتيجة , على نحو الحقيقة هو الفساد في الأرض, ينذر من أن هناك وقفة ( مرجعية ) مأمولة في المستقبل , وصولة عظمى ضدهم , تدفع خطرهم نحو نحورهم , وتخلص البلاد والعباد منهم , كما فعلت مع عصابات داعش بفتوى الجهاد الكفائي . وقد ألمحت المرجعية إلى ذلك من خلال الإشارة إلى إقامة الحكم الرشيد . حيث قالت للقوى السياسية ( لا سبيل أمامها لإنقاذ البلد من المآسي التي تمر به إلا المساهمة في إقامة الحكم الرشيد ..) .
فالأسف الذي أبدته المرجعية مؤخرا , من شأنه أن يزلزل الأرض تحت أقدام جميع الفاسدين , مهما كان حجمهم في الدولة وفي المجتمع , ومهما كان دورهم ومكانتهم وقوتهم . ومن الحماقة الوقوف بالضدّ من إرادة المرجعية , ومن يفعل ذلك إلا ّ مَن سَفِه نفسه , (وهذا أمر يدعو للأسف الشّديد , ولا نزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر ) . ولا تزيد المرجعية على كلامها , في الوقت الحاضر كلام , ولكنها ستعاود ذلك , والله هو العالم حينها ماذا سيكون ردّها؟. فالقوى السياسية جميعها الفاعلة وغير الفاعلة , والممسكة بالسلطة وغير الممسكة لها , والرئاسات الثلاث جميعها بلا استثناء , أمام هذا الأسف ( المرجعي ) هي واحدة من أثنين لا غير :
1 ــ إما خائنة , تعمل بالضد من تطلعات الشعب العراقي ومقدراته ومصيره , لذلك وقفت وتقف بيد مغلولة , وبآذان صماء أمام دعوات ونداءات المرجعية الحقّة .
2 ــ وإما غبيّة . وغبائها هنا مركب , يفسر كل مظاهر السوء والنـّكوص والدّمار ,منذ التغيير والآن.

وما بين فرْض الخيانة والغباء , ترنو الأنظار , وتشرأبّ الأعناق نحو المرجعية الدينية العليا , وردّها الآتي , الذي لا يعلم ما هو إلا الله تعالى , ولكننا نعلم على نحو اليقين , من أنه لو صدر الردّ منها , سيكتسح الجميع ولا أحد بإمكانه الوقوف أمامه .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/13



كتابة تعليق لموضوع : العِـــرَاقُ .. بَـينَ خِـيـانَـة الـطـّبـَقَـةِ السِّـياسِيّـةِ وغـَبـَائِـها !!.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net