صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العنبكي

التكنوقراط .. والإصلاح.. وأزمة العراق المالية
د . عبد الحسين العنبكي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مستشار الشؤون الاقتصادية في رئاسة الوزراء

 

 

اولاً: من هم التكنوقراط:

 استحدث مصطلح التكنوقراط  عام 1919 على يد وليام هنري سميث الذي طالب بتولي الاختصاصيين العلميين مهام الحكم في المجتمع الفاضل ، والمصطلح من مقطعين الاول (تكنو ) وتعني التقنية او التكنولوجيا او المعرفة الفنية ، و(قراط ) وهو من البيروقراط المعنيين بالادارة والحكم ، وبذلك يعّرف التكنوقراط على انهم شريحة من المتعلمين بعمق في مجالات اختصاصهم بمعنى ان تعليمهم في مجال معين ليس سطحي او التقاط مفردات من هنا وهناك يرسلوها ارسال البديهيات والذين اسميهم من باب التنذر (المتعمقين جداً في المسائل السطحية)، او يمكن اعتبارهم (مختصين بسفاسف الامور) او انهم (انصاف المتعلمين ) لان معرفتهم لا تتعدى معرفة والدتي المسكينة الطيبة في المجال الطبي على اعتبار انها مريضة على مدى ثلاثين سنة منصرمة فتراكمت لديها نتف معلومات طبية غير مترابطة وهذا يسري على كل من يقتحم اختصاص غير اختصاصه. ولان التكنوقراط متعمقين في اختصاصاتهم فهم معتدين بانتمائهم المهني ( النقابي) وبذلك يكون جزء كبير من ولائهم مجير لانتمائهم الحرفي او المهني حتى لو انتموا الى أحزاب سياسية معينة فلن تكون لديهم ولاءات عمياء لأحزابهم، وبذلك نضمن ان اغلب ولائهم للمعرفة العلمية العالية والخبرة المهنية المتراكمة التي ينتمون اليها، فتجدهم مستنفرين في مواجهة الاغلاط التي ترتكب في مجال تخصصهم والتي يشخصوها بكل دقة وحرفية ويعرفون كيفية مواجهتها بحماس وصدق، الامر الذي يجعل تأثير الأحزاب التي ينتمون اليها عليهم بأضيق الحدود وهي مرحلة متطورة جداً اذا ما استطاع العراق من تمكين هؤلاء من ادارة الانشطة المتخصصين فيها.

كما لا يمكن ان نعتبر المهندس الحذق تكنوقراط في المحاسبة والمال والاقتصاد مثلما لا يعتبر الاقتصادي الحذق تكنوقراط في البيئة او الزراعة او الموارد المائية او البلديات وهكذا، اما المفاهيم الشائعة لدى العامة و في بعض وسائل الاعلام بأن التكنوقراط يعني المستقلين (حصرا ) الذين لا ينتمون لتوجهات سياسية او حزبية فهذا خطأ شائع يجب ان لا نتعامل معه بالمطلق، فقد يكون التكنوقراط مستقلاً وقد يكون منتمياً لحزب ما، فذلك سيان.

ثانياً: تمكين التكنوقراط جزء من الإصلاح وليس كله:

لو افترضنا جدلاً ان لدينا مركبة بموديل قديم وتكنلوجيا متخلفة ولم تجري لها الصيانة منذ امد فتراكمت العطلات في المحرك والعجلات والكهربائيات وغيرها بحيث ان اقصى سرعة لهذه المركبة لا تتعدى 5 كم /ساعة ، فهل بالإمكان زيادة سرعتها الى 100 كم/ساعة بمجرد استبدال السائق فقط، حتى لو كان السائق حذق جداً، ولكنه مكبل بقيود عدة، منها الأنظمة المتخلفة التي لا يسمح له باستبدالها وعدم توفر التمويل لصيانتها واذا توفر التمويل فأن الميكانيكي المختص بالصيانة لم يطور خبراته خلال السنوات الأخيرة من جهة ولا توجد قطع غيار جيدة لاستبدالها وغيرها من القيود، وهذه الأمور برمتها سوف نسميها (العوامل المكملة ) وهي كثيرة تجعل من استبدال الوزراء فقط لن يوفر الا فرصة بسيطة للإصلاح لان الحكومة لا تعمل بشكل صارم على ايجاد العوامل المكملة الأخرى، مثل الأنظمة والتعليمات ونظم العمل ونظم المتابعة والمحاسبة والعقوبات الإدارية الصارمة وتفكيك منظومة الفساد بين صغار موظفي الدولة وكبارهم وتنمية الانتماء المؤسسي على حساب الانتماء الحزبي وقمع كل اشكال المحسوبيات والواسطات وتفكيك العوائل الإدارية المتعشعشة في مؤسسات الدولة ليحل التكنوقراط محل (الفاملي قراط ).

 

ثالثاً: كيف السبيل الى التكنوقراط الأقوياء:

اذا أخذنا بالتعريف الشائع الخاطئ للتكنوقراط وجئنا بهم مستقلين فأنهم سيكونون ضعفاء غير مسنودين وسوف يصبحون فريسة سهلة للضغوط المنفلتة وما اكثرها وللابتزاز بمختلف اشكاله، واذا تركنا الامر برمته بعهدة الأحزاب فأن الأحزاب لا ترشح التكنوقراط الحقيقي المتعمق باختصاصه بشهادة عليا (رصينة) والمنتمي لاختصاصه ومؤسسته التي راكمت لديه خبرة طويلة لان هذا النوع سوف لا يكون ولائه اعمى لحزبه فلا تستطيع الأحزاب تمرير مشاريعها في الوزارات من خلالهم، واعني المشاريع المخالفة للمهنية والعلمية والمصلحة العليا ، فانها ستكون سياسة خاطئة نغرق في أوحالها مجددا وتلهينا عن الهدف الأساسي المتمثل بالإصلاح وإنقاذ البلد واستدامة زخم محاربة داعش ومن ورائهم، وعليه لابد من مسك العصى من الوسط، واعني ان ترشح الأحزاب (خمسة مرشحين) من ذوي الاختصاص الدقيق وبشهادة عليا وخبرة متراكمة للوزارات التي تخص الأحزاب.

على ان تراعي تلك الأحزاب مخافة الله سبحانه ومصلحة البلد والانتباه الى حجم الكارثة التي تنتظرنا فيما لو تقاعسنا عن الإصلاح ، وعندما تقوم الاحزاب بالترشيح يتولى رئيس الوزراء اختيار احدهم وفقاً للسيرة الذاتية والعلمية المرفقة لكل مرشح، وبذلك نضمن استمرار التوافق السياسي و في ذات الوقت تحسين أداء الوزارات من خلال تمكين المختصين.

رابعاً : القدوة الحسنة :

من باب أولى ان تكون رئاسة الوزراء أنموذجا وقدوة حسنة يحتذى بها من خلال تمكين خبراتها المختصة لديها كل في مجال اختصاصه، من حيث الاعمال واللجان ذات العلاقة باختصاصه وخبرته وبذلك تتوفر لديها الحجة في محاسبة الوزارات المنحرفة عن هكذا منهج ، وبخلاف ذلك فأنها لا تستطيع ان تحاسب أي جهة عن فعل هي أيضا تمارسه في اروقتها، ونرى بوضوح ان البلد مليء بالخبرات العالية والانسان عادة مهما تعلم في مجال فهو جاهل في غير اختصاصه وبدلاً من فهمه لفلسفه قراراته وتأثيرها في المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة نجده يتحول الى إمعة لمجموعة محتالين من حوله يتحكمون به وهو محتار في امره ويمارس عملية استحسان القول ليس الا ويسقط في مطبات، ثم يصبح رويداً رويداً معادي لما يجهل ويدفع بالخبرات الحقيقية لأنه لا يستطيع مجاراتها ويستقدم أنصاف المتعلمين لكي يبقى هو منظرهم وقراره – حتى وان كان خطأ - ماضٍ فيهم، ويكون البلد هو الخاسر الأكبر.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العنبكي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/18



كتابة تعليق لموضوع : التكنوقراط .. والإصلاح.. وأزمة العراق المالية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : مي عبد السلام ، في 2016/02/25 .

مهما كتبنا و مهما قلنا فلن نصل الى دولة تعطي حق المواطن و تمنحه فرصة تحقيق الاحلام لان جزء من صدام يسكن في نفوس من انتخبناهم. نحن في ورطة ما بين حقبتين لم نستطع التخلص من الاولى ووقعنا في وحل الثانية و السبب فينا حيث اننا لم نفهم ما معنى انتخابات و لم ندرك ما نحن فاعلون بانفسنا و بلدنا لاننا نفتقر الى كل عوامل و مفاصل المواطنة و حب العراق و الشعور بالانتماء لهذا الوطن الذي طحن عظامنا بالحروب و شرب دمنا بالحصار و فتت لحمنا بالفساد و كل ذلك بسببنا و ليس بسبب الحكام فنحن من سكتنا على صدام و البعثيين 40 سنة و نحن من انتخبنا من جاءوا بالبعثيين مرة اخرى و سلطوهم على رقابنا بالمناصب العليا و جعلهم في مقدمة من يقرر و ينهي و يأمر. ابعد كل هذا نسمح لانفسنا ان نحلم بالتكنوقراط؟ اليس هذا من ضرب الخيال؟ دعنا نحلم ان نجد خبزا صباح كل يوم ليكون ما هو حق لنا حلما ندغدغ به جفوننا قبل ان نذهب للنوم.




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net