المعجزات بين الدعاء والتفويض (( القسم الاول ))
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــــة
قال تعالى في سورة الرعد: ((قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ))
صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ
كل شيء خلقه الله عزَّ وجلَّ ، كل الكائنات في عالم الطبيعة وفي عالم ما وراء الطبيعة. والمعجزات هي شيء مما خلقه الله سبحانه ، ولذلك فإنَّ الله عزَّ وجل هو خالقها. اما الانسان فمهما ترقى في عالم الكمال فلن يتمكن من ان يصل الى مرتبة كن فيكون. ولذلك فان المعجزات لا يمكن الاتيان بها من قبل الانسان سواء كان ذلك الانسان معصوماً (الانبياء والاوصياء) او غيرهم. نعم أقصى ما يمكن للانسان ان يأتي به هو الخوارق وهي تستند الى رياضات نفسانية تكون مقدمة لتمكين الانسان من احداث بعض الخوارق. فما يميّز المعجزة عن خوارق اصحاب الرياضات كالسحرة وتسخير الجان هو ان الخوارق يمكن لكل من يمارس تلك الرياضات النفسانية ان يأتي بمثلها بخلاف المعجزات التي لا يمكن الاتيان بها لكل البشر.
نعم يمكن للمعصوم (عليه السلام) أي النبي أو الوصي ان يدعو الله سبحانه فيتحقق دعاؤه فوراً لأن دعاؤه مستجاب ، ولان المعصوم (عليه السلام لا يشاء الا ما يشاء الله ، وكما في بعضالاحاديث انهم اوعية لمشيئة الله سبحانه وتعالى ، فعن الامام الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه الشريف) انه قال: (وجئت تسأله عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله فإذا شاء شئنا والله يقول وما يشاؤن الا ان يشاء الله)[1].
. اما ان يُقال ان هناك "قوى إعجازية" عند المعصومين (نفسية او غيرها) تمكن المعصوم (عليه السلام) من الاتيان بالمعجزات فهذه دعوى مخالفة لمذهب الشيعة الامامية ولا يصح عليها دليل. ولذلك فانه لا تفويض في المعجزات الى المعصومين (عليهم السلام) وحيث انه لا تفويض فلا ولاية تكوينية لهم من حيث انه لا وجود لـ "قوى إعجازية" عندهم. نعم يمكن ان يقال ان للمعصوم (عليه السلام) ولاية تكوينية من حيث تسليط الله سبحانه له على الكائنات وانه تبارك وتعالى أمر الكائنات بطاعة المعصومين (عليهم السلام) إنْ دلّ دليل صحيح على هذا التسليط وهذا الامر بالطاعة.
ولا يخفى انه في العقيدة الاسلامية تكون المعجزة التي يأتي بها النبي على نوعين:
1. معجزة ترافق بعثة النبوة والرسالة لإلقاء الحجة على الناس بدون ان يكون هناك تحدي من قبل الكفار او المشركين ، ومنها معجزة القرآن الكريم في بداية نزوله ، ومعجزة تكلم عيسى (عليه السلام) في المهد.
2. معجزة يأتي بها النبي على سبيل التحدي الذي يطلبه الكفار او المشركون ، كمعجزة ناقة صالح ، ومعجزة شق القمر.
وكلا الحالين لا تكون المعجزة الا من طريقين ، هما:
1. ان تجري المعجزة بأمر الله سبحانه حالاً ويكون دور النبي احد امرين:
أ- ظهورها على يديه ، كما في قوله تعالى: (واخرج يدك من جيبك) الخ. وكما في القرآن الكريم الذي ظهر الى البشرية من خلال انزاله على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يكن له اي دور في انتاج القرآن او إحداثه وانما دوره الوحيد هو في تبليغه للعالمين كما اُنزِلَ وشرح مضامينه.
ب- ان يكون النبي محلاً للمعجزة كما في تكلم عيسى (عليه السلام) في المهد واعلانه نبوته.
2. ان تجري المعجزة بدعاء النبي لله سبحانه ، ودعاء الانبياء مستجاب ولا سيما وان عندهم الاسم الاعظم الذي قد يستخدم في الدعاء وربما قد يستخدم في التصرف في الكائنات.
ومن لوازم القول بتفويض المعجزة للنبي او الوصي ان المعجزة تكون على جميع الخلق الا النبي الذي جاء بها فهو لا يثبت عليه اعجاز لانه مصدر الاعجاز !! وبذلك يسقط التحدي القرآني قول الله سبحانه في سورة الاسراء: ((قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)) ، فالنبي هو من الانس وهو الذي يأتي بمعجزة القرآن او يمكنه ان يأتي بها بتفويض الله سبحانه له ذلك ، فتسقط الآية الكريمة عن الاعتبار لخرقها من قبل النبي وهذا غير ممكن في عقيدتنا. وقد يُعتَرض على ما ذهبنا اليه من ان المعجزة تظهر على يد النبي بتمكين الله سبحانه فيثبت له بذلك ما يثبت لغيره ! بمعنى ان الله سبحانه يعطي النبي قوة خارقة لقوانين الطبيعة (يمكن تقريب الفكرة بانها كالقوى الباراسايكولوجية !) فيفعل النبي المعجزة وفي نفس الوقت تثبت المعجزة عليه لأنه يعلم انها بفضل القوة الممنوحة له من الله سبحانه ! ولكن هناك آيات قرآنية كالتي ذكرناها آنفاً تنفي امكانية ان ياتي الانس (والنبي منهم) بمثل معجزة القرآن بغض النظر عن ان من يأتي بالمعجزة يقر انها من عند الله ام لا !
ومن جهة اخرى هناك آيات قرآنية اخرى تبين ان النبي لا يمتلك قوى اضافية غير الموجودة فيه بحسب طبيعته الانسانية ، منها قوله تعالى: ((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ، وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً )).
وحينما نتتبع آيات القرآن الكريم نجد انها تنص صراحة على انه ليس للنبي (صلى الله عليه وآله) القرار والقدرة على الاتيان بالمعجزة بل هي جميعها بيد الله عزَّ وجل. منها قوله تعالى:
((وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)).
وهذه الآية الكريمة تفيد ان دور النبي انما هو نذير مبين وليس الاتيان بالمعجزة فهي عند الله سبحانه ان شاء انزلها. كما ان الآية تقر معنى ان الآيات والمعجزات هي تنزل من عند الله تبارك وتعالى ، فعندما ذكرت الآية الكريمة على لسان المشركين طلبهم انزال الآيات (المعجزات) من الله تعالى اقرت الآية صحة كون الآيات تنزل من عنده سبحانه ولم تعترض عليه. ويضاف لهذه الآية قوله تعالى: ((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) ، والتي تنص صراحة على ان الآيات هي عند الله سبحانه مؤيدة ما جاء في الآية السابقة على لسان المشركين. فلو لم تكن المعجزات تنزل من عند الله سبحانه لما اقرهم الله عز وجل على صحة طلبهم وان لم يلبه لهم.
((قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ)).
ففي هذه الآية المباركة يبين الرسل (عليهم السلام) انهم بشر كسائر البشر ليس لديهم قوى اضافية او خارقة تميزهم عن سائر البشر. وفي نفس السياق نقرأ قوله تعالى:
((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)).
((فَقَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (*) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (*) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ)).
((فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (*) وَقَالَ المَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (*) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ (*) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (*) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (*) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (*) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (*) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ)).
((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ)).
((قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ)).
((وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ)).
فهذه الآية الكريمة تبين بوضوح انه ليس للنبي مقدرة على الاتيان بآية والا لفعل. فالامر كله بيد الله سبحانه.
ومن هذا القبيل قوله تعالى: ((فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)).
وقال تعالى: ((فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (*) وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الخَاسِرِينَ)).
*****
بل ان بعض المعجزات التي جرت بين الله سبحانه بكل وضوح ان النبي ليس هو مصدر الفعل الحقيقي بل الله عزَ وجل ، وانما النبي هو مصدر الفعل الظاهري ، قال تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)). فالنبي هو مصدر الفعل الظاهري بينما الله سبحانه هو الفاعل الحقيقي للمعجزة ، ونجد هذا ايضاً في قصة النبي موسى عليه السلام ، قال تعالى: ((فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ)). وقال تعالى: ((وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)).
ولا يخفى ان ابرز المعجزات المتعلقة برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) والمذكورة في القرآن الكريم هما معجزة القرآن الكريم نفسه ومعجزة الاسراء ومعجزة انشقاق القمر ، وهناك معجزات اخرى وردت في الحديث الشريف ابرزها معجزة رد الشمس ومعجزة تحريك الشجرة وهما معجزتان وردتا في روايات اهل السنة والشيعة جميعاً.
وما سنتناوله في بحثنا هذا هو التاكيد على الجانب العقائدي القائل بأن المعجزة هي من فعل الله سبحانه وحده لا شريك له ، ولا يملك النبي او الوصي اي تفويض في إحداث المعجزة ولا ولاية تكوينية بإصدار فعل الاعجاز بل هي ولاية على الكائنات من خلال الدعاء وهناك روايات تفيد بأن جميع الكائنات هي في طاعة النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة آل البيت الاطهار (عليهم السلام). وهذا يعني ان المعصوم ليس عنده قوة اعجازية يتفرد بها عن بقية البشر بل هي المشيئة الالهية باستجابة دعاء المعصوم (عليه السلام) وان تكون الكائنات في طاعته. وشتان بين ان تكون الكائنات في طاعة المعصوم بمشيئة الله سبحانه ، وبين ان تكون هناك قوة اعجازية في نفس المعصوم تمكنه من تحقيق المعجزات !
من اقوال العلماء في مصدر المعجزات
وفيما يلي استعراض لبعض اقوال العلماء حول المعجزة وانها انما تحدث بدعاء النبي او الوصي ، وليس بتفويضهما:
قال قطب الدين الراوندي: وإن المعجزة تظهر عند دعاء الرسول أو الوصي ابتداءا من غير تكلف آلة وأداة منه أكثر من دعائه لله تعالى أن يفعل ذلك[2].
وقال ايضاً: والمعجزة لا تتعلق بزمان مخصوص ، ولا ببقعة مخصوصة ، ولا يستعين فيها صاحبها بآلة ولا أداة ، وإنما يظهرها الله على يده عند دعائه ودعواه ، وهو لم يتكلف في ذلك سببا ، ولا استعان فيها بعلاقة ولا معالجة ، ولا أداة ولا آلة . وأنها على الوجه الناقض للعادات ، والباهر للعقول ، القاهر للنفوس ، حتى تذعن لها الرقاب والأعناق ، وتخضع لها النفوس ، وتسمو إليها القلوب ممن أراد أن يعلم صدق من أظهرها عليه[3].
وقال الشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (متوفى 877هـ): أن المعجزة غايتها الدعاء إلى الله سبحانه و تزداد ظهورا مع الأزمان[4].
وقال العلامة المجلسي: ثم نقول في الفصل بين المعجزة والشعوذة ونحوها : فرق قوم من المسلمين بين المعجزات والمخاريق ، بأن قالوا المعجزة يظهرها الله لرسول أو وصي رسول عند الأفاضل من أهل عصره والأماثل منهم ، فيتعذر عليهم فعلها عند التأمل لها والنظر فيها على كل حال ، والشعوذة يظهرها صاحبها عند الضعفة من العوام والعجايز ، فإذا بحث عن أسبابها المبرزون وجدوها مخرقة ، والمعجزة على مر الأيام لا تزداد إلا عن ظهور صحه لها ولا تنكشف إلا عن حقيقة فيها . وإن الشعوذة ربما تعلم من يظهر عليه مخرجها وطريقها وكيف يتأتى ويظهر مما يهتدي صاحبها إلى أسبابها ، ويعل أن من شاركه فيها أتى بمثل ما يأتي هو به ، وإن المعجزة يجري أمرها مجرى ما ظهر في عصا موسى عليه السلام من انقلابها حية تسعى حتى انقادت إليه السحرة ، وخاف موسى أن تلتبس بالشعوذة على كثير من الحاضرين . وإن المعجزة تظهر عند دعاء الرسول أو الوصي ابتداء من غير تكلف آلة وأداة منه والشعوذة مخرقة وخفة يد تظهر على أيدي بعض المحتالين بأسباب مقدرة لها وحيل متعلمة أو موضوعة فيمكن المساواة فيها ولا يتهيأ ذلك إلا لمن عرف مباديها ، ولابد من آلات يستعين بها في إتمام ذلك ويتوصل بها إليه[5].
وقال الشيخ محمد جواد مغنية حول قوله تعالى: ((وما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه )): المعجزة بيد اللَّه لا بيد رسوله[6].
وقال مير سيد علي الحائري الطهراني: لأنّ المعجزة شهادة من اللَّه له بالنبوّة[7].
وقال الشيخ محمد آصف محسني حول مصدر المعجزة: (كونها من قبل الله تعالى أو بأمره ذكره العلامة وجماعة من العامة لكنه عندي لغو ، بعد اعتبار عدم إمكان معارضتها لأحد كما ستعرفه ، فالمعجزة حينئذٍ لا تكون إلا من قبل الله ، فافهم)[8].
قال الشيخ ماجد الكاظمي: (وحتى جريان المعجزة على يد الانبياء والائمة (عليهم السلام) لم يكن بالاستقلال ولا بالتفويض والذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء يقول الشيخ المفيد (رحمه الله) في الرد على المفوضة بعد قوله اولاً (والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين والائمة من ذريته (عليهم السلام) الى الالوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد وهم ضلال كفار حكم فيهم امير المؤمنين (عليه السلام) بالقتل والتحريق بالنار وقضت الائمة (عليهم السلام) عليهم بالاكفار والخروج عن الاسلام): والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الائمة وخلقهم ونفي القدم عنهم واضافة الخلق والرزق مع ذلك اليهم ودعواهم ان الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة وانه فوّض اليهم خلق العالم بما فيه وجميع الافعال)[9]. نقله عن كتاب (اوائل المقالات) للشيخ المفيد (قدس سره). وواضح ان عبارة (وجميع الافعال) يدخل في ضمنها افعال المعجزات وهي داخلة ايضاً في نفي الشيخ المفيد (قده).
وربما يقول قائل ان مراد الشيخ المفيد (قده) هو نفي التفويض الذي قالت به المفوضة وليس نفي صدور المعجزات عن الانبياء من خلال قوى اعجازية! ويرد على ذلك بأن دعوى صدور المعجزات عن الانبياء عبر "قوى اعجازية" يمتلكونها هو معنى من معاني التفويض. حيث يعني ان الله سبحانه فوض الى الانبياء الاتيان بالمعجزات بعد ان خلق فيهم "قوى اعجازية" بها يأتون بالمعجزات. وقد فهم الشيخ ماجد الكاظمي نفس ما بيناه ولذلك نجده يذكره ويعضده بنص الشيخ المفيد (قده) الخاص بالتفويض ورد المفوضة ، وقد قالها الشيخ الكاظمي صريحة: (جريان المعجزة على يد الانبياء والائمة (عليهم السلام) لم يكن بالاستقلال ولا بالتفويض والذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء).
ولا يمكن الادعاء بأن هناك تفويض مستقلاً عنه تعالى وتفويضاً آخر غير مستقل عنه سبحانه. ويمكن تقريب الفكرة بالملك الذي يعطي صلاحياته لنائبه ، فما يتصرف به النائب لا يمكن ان يقال عنه انه من تلقاء نفسه بل بأمر الملك وتفويضه وقبوله اذا لم يصدر عنه ما يعارضه. وفي حالتنا هذه لا يمكن ان يصدر عن نائب الملك ما لا يرضى عنه الملك لمكان العصمة.
__________
الهوامش:
[1] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه / الشيخ محمد تقي المجلسي ت1070هـ / تحقيق السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه الاشتهاردي / الناشر فرهنك اسلامي حاج محمد حسين كوشانبور – ج12 ص214.
[2] الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج 3 - ص 1032.
[3] الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج 3 - ص 1033.
[4] الصراط المستقيم - علي بن يونس العاملي النباطي البياضي - ج 1 - ص 57.
[5] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 89 - ص 155.
[6] التفسير المبين - محمد جواد مغنية - ص 628.
[7] تفسير مقتنيات الدرر - مير سيد علي الحائري الطهراني ( المفسر ) - ج 2 - ص 63.
[8] صراط الحق في المعارف الاسلامية والاصول الاعتقادية / الشيخ محمد آصف محسني – ج3 ص44.
[9] الرؤيا الفلسفية / آية الله ماجد الكاظمي / الطبعة الاولى ، 1433هـ ، مطبعة وفا في قم المقدسة – ص133 و134.