نلوم .. والعيب فينا!
سالم مشكور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كنت أحدّث مسؤولا رفيعا مرّة، عن تقصير الحكومة في تواصلها مع الجانب الاميركي، مستنداً الى حجم سفارتنا البسيط في واشنطن وطبيعة العاملين فيها، مقابل ما هو مطلوب، وأسوة بباقي الدول ذات العلاقة الوطيدة مع واشنطن، ومقابل حجم ومستوى كوادر السفارة الاميركية في بغداد. ردّ عليّ هذا المسؤول بالقول: «الشغل الحقيقي هنا في بغداد والعلاقة تسير عبر سفارتهم». وجدت صاحبي غير عارف بآليات صنع القرار ورسم السياسات في الولايات المتحدة. لم يقنعه توضيحي له بأن السفارة تنفذ ما يرسم من سياسات في عاصمتها، مع وجود دور لها في رفد المركز بمعلومات وتحليلات تساهم في رسم السياسات. نعم تساهم ولا تتحكم في رسم السياسات.
في واشنطن عاملان رئيسان يوجهان السياسات الخارجية، الاول: مصانع السلاح العملاقة، والثاني: شركات النفط العابرة للقارات والتي تتحكم باقتصاديات بلدان عدة، بل يمتد تأثيرها الى الجانب السياسي في هذه العلاقة، لدرجة أن بعضها يملك القدرة على اطاحة حكومات ودعم بقاء أخرى قد لا تتمتع بابسط مقومات البقاء. هذا إضافة الى شركات عملاقة أخرى عابرة للقارات تبحث عن أسواق أو مصادر للمواد الاولية. تؤثر في رسم هذه السياسات بشكل كبير أيضاً، مراكز الدراسات والبحوث التي تضم كبار خبراء السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والامن والستراتيجيا، حاملين معهم خبرات عشرات السنين قضوها في حياتهم العملية في الحكومة او الكونغرس والاجهزة الاستخبارية، بمن فيهم رؤساء ووزراء وسفراء سابقون. هناك أيضا شركات العلاقات العامة التي تقوم - بأجر طبعاً- بالترويج لأية دولة أو جهة أو شخصية بطريقة الـ «اللوبي» لكسب ما ومن يمكن كسبه، من العوامل السابقة التي يمكنها التأثير في السياسات، خصوصا أعضاء الكونغرس الحاليين وكذلك مراكز الدراسات المعروفة باسم «خزانات الفكر»، بوسائل الاقناع أو التلويح بمصالح آنية أو قادمة. لا ننسى أيضا الصحافة بكل أشكالها وأصحاب الاقلام المعروفة بتأثيرها في خلق رأي عام يدعم عوامل التأثير والضغط الاخرى.العلاقات الدولية تقوم على المصالح، على قاعدة ان السياسة يحركها الاقتصاد، وهو ما يجعل الدول تسعى لخلق مصالح لديها لصالح الدول المؤثرة في أوضاعها لضمان تعاونها ودعمها. بموازاة ذلك تكون لها سفارات نشيطة مدعمة بدبلوماسيين مخضرمين متعمقين في السياسات الاميركية، مع امكانيات مادية كبيرة تقتضيها طبيعة العمل في عاصمة الدولة المؤثرة. من هنا ندرك لماذا تنفق سفارات مثل السعودية في واشنطن ما لا يقل عن مليار ونصف المليار دولار سنويا، فضلاً عن المصالح الكبرى للشركات الاميركية في السعودية، التي تؤدي كلها الى استمرار دفاع أميركي عن العائلة الحاكمة في السعودية رغم كل ما بات معروفا عنها من الفساد والقمع وتمويل الارهاب الذي طال اميركا نفسها في مرات عدة أبرزها تفجيرات برجي نيويورك في أيلول ٢٠٠١.منذ الدخول الاميركي الى العراق واسقاط نظام صدام عام ٢٠٠٣ وواشنطن تملك، حتى بعد انسحابها عسكرياً، تأثيراً كبيرا في الوضع العراقي، فهل وعينا ذلك؟ وهل عملنا ما يضمن علاقات ايجابية قائمة على المصالح؟ هل أنشأنا سفارتنا في واشنطن بالحجم والكفاءة التي تقتضيها العلاقة بين الجانبين؟ هل تضم دائرة أميركا في «خارجيتنا» خبراء كبار في الشأن الاميركي تكون داعما لعمل السفارة في واشنطن؟، هل تحرك العراق الرسمي في واشنطن بما يجب وهل يملك الامكانات المادية والبشرية لذلك؟. الجواب بالتأكيد: كلاّ. والنتيجة أن صورة الوضع العراقي في واشنطن يساهم في رسمها سياسيون كرد يتصرفون باستقلالية تامة، وآخرون طائفيون معارضون للعملية السياسية وأغلبهم مشاركون فيها، ينشطون في واشنطن سياسياً و»ماديا»، والنتيجة أن صورة العراق في واشنطن هي: «ميليشيات ايرانية» و»اقصاء وتهميش لاهل السنة» و»البيشمركة هي القوة الرئيسية في محاربة داعش»!.