صفحة الكاتب : سعيد العذاري

المنهج السياسي للمدينة الفاضلة (1)
سعيد العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  

موقف الشريعة من الانقلاب العسكري والثورة المسلحة
سعيد العذاري
في البداية لابد من معرفة خصائص القائد او الحاكم على ضوء النظرية السياسية الاسلامية وهي :
    اولا :العلم بالدستور والقانون الاسلامي عن طريق الاجتهاد 
    ثانيا: الوعي السياسي 
    ثالثا: الكفاءة السياسية والادارية في ادارة الدولة
    رابعا :العدالة والتقوى بأن يكون قدوة للمواطنين
     وهناك خصائص اخرى قد تتداخل مع من سبقها وهي: الاخلاص والشجاعة والصدق والامانة والتواضع والاستشارة والحلم والايثار وازالة الحواجز بينه وبين المواطنين ومشاركتهم امالهم والامهم والزهد 
وهذه الخصائص ليس بدعة ابتدعها الاسلام السياسي او ابتدعتها انا صاحب المقالة ؛ فهي خصائص واقعية تتبناها جميع التيارات الفكرية والسياسية فهي تقدم القائد المطلع على الدستور والقانون والكفوء والنزيه على ضوء نظرتها او متبنياتها الفكرية
فالشيوعييون قدموا لينين وماو والراسماليون قدموا نيكسون وكارتر وبوش واوباما مثلا اعتقادا منهم بأنهم الاعرف بالقانون والأكفأ والانزه
ونظرية الاسلام السياسي تبنت ذلك فالقيادة والزعامة والحاكمية للفقيه الجامع للشرائط وهي معمول بها عمليا حتى من قبل الذين لا يؤمنون بولاية الفقيه فاعمالهم فيها روح النظرية فعلى مستوى شعبنا العراقي بجميع مذاهبه نرى انه يتعامل مع المرجع الديني كقائد وولي وان لم يكن على راس الجكومة
وبعد هذه المقدمة نتطرق الى الوصول الى قيادة الحكومة عن طريق الغلبة بالقوةوهي أحد طرق الوصول إلى تسلّم منصب القيادة في الادارة الفعلية لشؤون الدولة والأُمّة، ويمكن أن نتصور حالتين في الغلبة بالقوة:
الاُولى: أنّ القائد السابق كان فقيهاً عادلا كفوءاً لم يقصّر في واجباته تجاه الشريعة وتجاه الأُمة.
الثانية: أنّ القائد السابق كان غير مكتمل الشروط، بأن كان فاسقاً أو جائراً منذ بداية وصوله للحكم، أو طرأ عليه الفسق والجور بعد ذلك واستمر عليه.
ففي الحالة الاُولى لا يمكن أن نتصور أن يأتي فقيه عادل بالقوة لإزاحة الفقيه السابق المكتملة فيه شروط القيادة.
أمّا الحالة الثانية فيمكن تصورها بأن يأتي فقيه عادل كفوء يقوم بإزاحة الفاسق والجائر من منصبه ليتصدّى هو للاُمور التي يشترط في التصدّي لها أن يكون المتصدي متصّفاً بالفقاهة والعدالة والكفاءة.
وقد تظافرت الروايات على حرمة الخضوع للحاكم الجائر، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»( ).
وقال (صلى الله عليه وآله): «من أرضى سلطاناً بما أسخط الله تعالى خرج من دين الإسلام»( ).
وقال (صلى الله عليه وآله): «... ألا إنَّ رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب، إلاّ أنّه سيكون عليكم أُمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، فإن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم» قالوا: يارسول الله كيف نصنع؟ قال: «كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله»( ).
فرسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر المسلمين بالدوران مع القرآن وعدم مفارقته، وهذا يعني رفض طاعة المفارق للقرآن من الحكّام، والقرآن المطلوب الدوران معه قد حدّد طرق وأساليب التعامل مع حكّام الجور، والحكّام الفسقة، والعمل على إبعادهم من المناصب الإلهية المختصة بالعدول.
قال الله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّهُ بكلمات فأَتَمَّهُنَّ قال إِنّي جاعلُكَ للنّاسِ إِماماً قال وَمِن ذُرِّيَّتي قالَ لا ينالُ عهدِي الظّالمينَ)( ).
والذي لا يهدي إلى الحق ليس مؤهلا للاتِّباع والطاعة، قال الله تعالى: (... أَفَمَن يَهدِي إلى الحقِّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أَمَّن لاّ يَهدِّي إلاّ أن يُهدَى ما لكم كيف تَحكُمُونَ)( ).
ونهى الله تعالى عن الركون والخضوع للظالمين نهياً واضحاً وجعل عقوبته النّار فقال: (ولا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وما لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن أولِياءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ)( ).
وجعل الله تعالى مقياس تشخيص الكافر والظّالم والفاسق هو المخالفة لحكم الله وعدم اتِّباعِه في الواقع.
قال تعالى: (... وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فأُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ)( ).
وقال تعالى: (... وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فأُولئِكَ هُمُ الظالمون)( ).
وقال تعالى: (... وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِما أنزَلَ اللهُ فأولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ)( ).
والآيات القرآنية المتقدمة واضحة الدلالة في عدم صلاحية غير العادل للإمامة والقيادة والحكومة، وظهورها واضح في عدم جواز الركون إلى الظالمين والفاسقين والكافرين.
والمتعارف بين حكّام الجور إنّهم لا يروق لهم عدم الطاعة وعدم الركون إضافة إلى إعلان المعارضة، فإنَّ ذلك يجعلهم غير مكتوفي الأيدي تجاه المعارضين والرافضين للركون إليهم، فيقدمون على قتلهم أو سجنهم، ومع هذه النتائج المتوقعة فإن الحكم بعدم الركون ساري المفعول، حتّى إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل المقتول بسبب أمْرِه للجائر بالمعروف ونهيه له عن المنكر، في درجة سيد الشهداء فقال (صلى الله عليه وآله): «سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطِّلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره، فنهاه، فقتله»( ).
ووجوب المعارضة واضح باستقراء مظاهر ومراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والفعل والقلب أي بالإرادة.
والدعوة إلى معارضة الجائر والفاسق معارضة مسلحة ظاهرة في أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحينما خرج الإمام الحسين (عليه السلام) على حاكم زمانه ذكَّرَ المسلمين بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام): «أيّها الناس إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله ...»( ).
فالدعوة صريحة في المعارضة المسلّحة، وإضافة إلى ذلك فإنَّ المعارضة المسلحة أمر حتمي فإن لم تتحقق إبتداءً، فإنّها تتّحقق كنتيجة لتمادي الجائر في جوره، فالجائر سيلاحق المعارض معارضة سلمية، أو الرافض للأوامر أو البيعة أو غير ذلك، والغالب على ولاة الجور أنّهم يحكمون بقتل المعارضين، فلا يكون للمعارضين أسلوب بديل إلاّ المعارضة المسلّحة التي تتحول إلى معارضة جماعية إنْ كثر عدد المظلومين، وحينها يكون التفكير بإزاحة الجائر عن الحكم حقيقة موضوعية بعد رفض الاستسلام للقتل، وهو الخيار الوحيد.
وجواز المعارضة المسلحة متسالم عليه عند فقهاء الشيعة وهو الرأي المشهور عندهم حيث حدّدت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وفقهاء الشيعة موقفها الشرعي من الحاكم الجائر والمنحرف عن أحكام الشريعة وقيمها السلوكية، وتبنّت التعامل معه وفق أسلوبين: «1ـ المقاطعة وعدم التعاون مع الحاكم الظالم، أو التحاكم إليه، أو الاعتراف بولايته ...
2 ـ الثورة على الحاكم الظالم والإطاحة به، وتبلغ المواجهة السياسية والعقيدية قمتها ضد الحاكم الظالم والسلطة المنحرفة بإعلان الثورة عليه، واستعمال القوة للإطاحة به، واستبداله بمن تتوفر فيه شروط الحاكم المسلم التي اشترطتها الشريعة وربطت شرعيّة الولاية والسلطة بتوفرها»( ).
والموقف من الجائر هو وجوب الإزاحة أولا واختيار الأسلوب الأصلح للإزاحة ثانياً، وتتحدد الأساليب لتصل إلى الثورة المسلحة والإزاحة بالقوة.
وقد فصَّلَ الشهيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه) الموقف من الحاكم الجائر وحكومته فقال:
النحو الثالث من أنحاء الدولة الإسلامية ... أن تشذ الحكومة في تصرفاتها التشريعية أو التنفيذية فتخالف القاعدة الاسلامية الأساسية عن عمد مستندة في ذلك إلى هوى خاص أو رأي مرتجل، وحكم الإسلام في هذه الدولة:
1ـ أنّه يجب على المسلمين عزل السلطة الحاكمة، واستبدالها بغيرها، لأنَّ العدالة من شروط الحكم في الإسلام، وهي تزول بانحراف الحاكم المقصود عن الإسلام، فتصبح سلطته غير شرعية ...
2ـ وإذا لم يتمكن المسلمون من عزل الجهاز الحاكم وجب عليهم ردعه عن المعصية طبقاً لأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة المقدسة.
3ـ وإذا استمرت السلطة المنحرفة في الحكم فإنَّ سلطتها تكون غير شرعية، ولا يجب على المسلمين إطاعة أوامرها وقراراتها فيما يجب فيه إطاعة ولي الأمر إلاّ في الحدود التي تتوقف عليها مصلحة الإسلام العليا، كما إذا داهم الدولة خطر مهدّد وغزو كافر، فيجب في هذه الحالة أن يقف المسلمون إلى صفِّها ... وتنفيذ أوامرها المتعلقة بتخليص الإسلام والاُمة من الغزو»( ).
والرأي المختار عند الشيعة هو وجوب إزاحة الحاكم الجائر من منصبه، وجواز استخدام القوة المسلحة في ذلك( )، أمّا وجوبها فهو أمر تتحكم به الظروف والأوضاع القائمة، وقد دلَّت سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم على ذلك، وكان الرائد الأول للتغيير المسلّح هو الإمام الحسين (عليه السلام) ثم توالت الثورات المسلحة من بعده.
واختلف فقهاء السنّة في الموقف من الحاكم الجائر، فذهب القدماء منهم إلى عدم وجوب الإزاحة باستثناء قليل منهم وعلى رأسهم أبي حنيفة ـ ـ.
واختلف المتأخرون منهم في ذلك، ولكنّ الرأي المشهور هو عدم وجوب الإزاحة وادّعى النووي الإجماع على عدم الوجوب فقال: «... وأجمع أهل السنّة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنّه ينعزل ... فغلط من قائله مخالف للإجماع ... وقال القاضي عياض: قال جماهير أهل السنّة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق»( ).
وخالف بعضهم الإجماع ومنهم: الماوردي، وعبدالقاهر البغدادي والبزدوي، وابن حزم الظاهري والجرجاني( ).
واختلف فقهاء السنة في جواز الخروج بالسيف لإزاحة الحاكم الجائر، فذهب القدماء منهم إلى عدم الجواز ومنهم: عبد الله بن عمر وأحمد بن حنبل ـ ـ وفي ذلك حكى أبو بكر المروذي عن أحمد بن حنبل أنّه كان يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكاراً شديداً( ).
وفي تعليق الدكتور عطيّة الزهراني على حكاية المروذي يقول: «إسناده صحيح وهو مذهب السلف»( ).
وادعى النووي الإجماع على ذلك فقال: «... وأمّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين»( ).
وهذا الادعاء لا أصل له، فالشيعة يخالفون ذلك ويرون جواز الخروج على الجائرين، وثوراتهم المتتابعة خير دليل على ذلك.
وخالف بعض السنة هذا الإجماع وجوّزوا الخروج بالسيف ومنهم ابن حزم الظاهري، فبعد مناقشته للقائلين بالحرمة يقول: «وأما قتله أهل المنكر قلّوا أو كثروا فهذا فرض عليه، وأمّا قتل أهل المنكر الناس وأخذهم أموالهم وهتكهم حريمهم، فهذا كلّه من المنكر الذي يلزم تغييره. وأيضاً فلو كان خوف ما ذكروا ـ إباحة الحريم وسفك الدماء ـ مانعاً من تغيير المنكر ومن الأمر بالمعروف لكان هذا بعينه مانعاً من جهاد أهل الحرب، وهذا ما لا يقوله مسلم ... ولا خلاف بين المسلمين في أنّ الجهاد واجب مع وجود هذا كلّه، ولا فرق بين الأمرين، وكل ذلك جهاد ودعاء إلى القرآن والسنة»( ).
ثم يوضّح رأيه ـ بعد هذا النقاش ـ فيقول: «... فان امتنع من إنفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه وإقامة غيره ممّن يقوم بالحقِّ ... ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع»( ).
وذهب إمام الحرمين الجويني ـ كما قال التفتازاني ـ إلى ذلك فقال ـ حاكياً عنه «وإذا جار والي الوقت، فظهر ظلمه وغشمه، ولم يرعو لزاجر عن سوء صنيعه بالقول، فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه، ولو بشهر السلاح، ونصب الحروب»( ).
وذهب الجرجاني إلى جواز الخلع بالقوة والخروج بالسيف فقال: «وللاُمة خلع الإمام وعزله، بسبب يوجبه مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين، كما كان لهم نصبه وإقامته لانتظامها وإعلائها، وإنْ أدّى خلعه إلى الفتنة احتمال أدنى المضرّتين»( ).
فالقوة ملازمة لجواز الخلع أو وجوبه، فالجائر لا يمكنه التخلِّي عن منصبه إلاّ بالقوة، وسيعد العدّة للحيلولة دون خلعه، فالقوة أمر طبيعي ملازم لأساليب الخلع.
وفي القرون المتأخرة أصبح الخروج بالسيف أو الإزاحة بالقوة أمراً واضحاً كما قال محمد رشيد رضا: «وقد صار رأي الاُمم الغالب في هذا العصر وجوب الخروج على الملوك المستبدِّين المفسدين، وقد خرجت الاُمة العثمانية على سلطانها عبدالحميد خان فسلبت السلطة منه، وخلعته بفتوى من شيخ الإسلام»( ).
 
 
 
 
انعقاد القيادة بالغلبة بالسيف
على الرغم من اختلاف المسلمين في جواز الخروج بالقوة وعدم جوازه، إلاّ أنّهم متفقون على أنّ الغلبة بالسيف أو بمطلق القوة هي أحد طرق الوصول إلى القيادة، وقد اختلفوا في شروط المتغلب بالقوة، فذهب الشيعة إلى انعقاد القيادة لمن هو أهلا لها، والمتوفرة فيه شروط القيادة، وهي الفقاهة والعدالة والكفاءة.
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «... إن أتاكم آت منّا فانظروا على أيّ شيء تخرجون، ولا تقولوا: خرج زيد، فإنَّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه»( ).
فخروج زيد كان دعوة للرضا من آل محمد وهو الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كما هو واضح، فلا تنعقد القيادة إلاّ للمؤهل لها، وفي عصر الغيبة بما أنَّ القيادة للفقيه، فلو تغلب غير الفقيه لا تنعقد قيادته ويجب عليه إرجاعها للفقيه لأنها من حقِّه دون غيره، قال الشيخ محمد رضا المظفر: «فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامّة، فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصاته لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه إلاّ بإذنه»( ).
وقال احد العلماء الكبار): «ليس لأحد تكفل الاُمور السياسية إلاّ إمام المسلمين (عليه السلام) ... وفي عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجلّ الله فرجه الشريف يقوم نوابه العامة وهم الفقهاء ... في إجراء السياسات وسائر ما للإمام»( ).
فالقيادة هي للفقيه العادل الكفوء، ويجب على المتغلِّب إن لم يكن فقيهاً أن يعيدها للفقيه.
وبوصول الفقيه الجامع للشرائط إلى الحكم عن طريق الغلبة ـ أي التغلّب على الجائر ـ تنعقد له القيادة الفعلية أي بسط اليد، وهل تتوقف قيادته على رضى الاُمة؟ والجواب: أنّ ذلك غير متوقف على ذلك وإنّما دور الاُمة هو دور بسط اليد، ولا تتوقع من أمّة عانت من الجور والظلم واغتصاب الحقوق أن لا تنبسط اليد للفقيه العادل بعد تغلبه، فهي مأمورة بطاعته، إضافة إلى ذلك فإن الفقيه لا يستطيع التغلّب على الحكم القائم ما لم يجد له أنصاراً من الفقهاء ومن مختلف طبقات الاُمة تعينه على التغلّب، فنفس وجود الأنصار له وطاعته قبل التغلب يعتبر دليلا على الرضا، وبعد مراجعة الروايات المتعلقة بولاية الفقيه وقيادته ترى انّه منصب من قبل المعصومين (عليهم السلام) وإنما دور الاُمّة هو تشخيص واختيار المؤهل من الفقهاء وبسط اليد له، قال احد العلماء الكبار «وتشكيل أساس الدولة الاسلامية من قبيل الواجب الكفائي على الفقهاء العدول، فان وفّق أحدهم بتشكيل الحكومة يجب على غيره الاتِّباع»( ).
ويرى السيد كاظم الحائري نفس الرأي فيقول: «... ومن يتصدّى للحكم ويسيطر على الاُمور وهو جامع للشرائط يجب على الاُمّة الانقياد له، ويحرم على الفقهاء الآخرين شقُّ عصا المسلمين»( ).
وإنّنا نرى لا حاجة للبحث في مسألة الرجوع إلى الانتخاب بعد فرض الغلبة بالقوّة، لانَّ المسألة هي من المسائل العملية التي تحدّدها الظروف، والأولى حتى في حالة الانتخاب ترجيح المتغلب بالقوة المؤهل للقيادة، لأنّنا نرى أنّ تحركه المسبق وقدرته للوصول إلى الحكم دليلا على كفاءته.وتجرى الانتخابات بعد استقرار الاوضاع ووجود مؤهلين للقيادة او انخرام بعض شروط القيادة فيه 
فرأي الشيعة هو انعقاد القيادة للفقيه العادل الكفوء ولا عبرة بغلبة الفاسق أو الجائر أو غير الفقيه.
أمّا فقهاء السنّة فانهم اختلفوا في المسألة، فذهب أغلب القدماء إلى انعقاد القيادة للفاسق أو الجائر المتغلِّب بالسيف، ولم يشترطوا العدالة فيه، ومنهم عبد الله بن عمر وأحمد ابن حنبل، 
واعتقد ان هذا الراي ينطلق من دراسة الواقع في ظل دولة مترامية الاطراف كالدولة الا موية والعباسية فان القوة مهما كانت لا تستطيع ازاحتها بل قد تسبب في فتنة داخلية يستفيد منها العدو المشترك
.
أمّا المتأخرون فهذَّب بعضهم النظرية واشترط في المتغلِّب أن يكون جامعاً للشرائط بأن يكون فقيهاً عادلا كفوءاً.
قال الشربيني: «ثالثها: باستيلاء شخص متغلِّب على الإمامة جامع للشروط المعتبرة في الإمامة على الملك بقهر أو غلبة بعد موت الإمام لينتظم شمل المسلمين»( ).
وقال التفتازاني: «الثالث: القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام وتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف، وقهر النّاس بشوكته انعقدت الخلافة له»( ).
فقد اشترطوا في المتغلِّب أن يكون جامعاً للشرائط، ولكن لم يفصِّلوا في صفات الإمام والحاكم السابق، فإذا كان جائراً تنعقد للمتغلب العادل الإمامة بلا إشكال، أمّا إذا كان الإمام والحاكم السابق عادلا فهذا يحتاج إلى تفصيل، هل هنالك مجلس لأهل الحل والعقد موجود قبل موت الحاكم أم لا يوجد، وهل إنَّ الوضع مستقر أم مضطرب، وهل هنالك أكثر من مؤهل أم مؤهل واحد، فنحن نرى إن كان هنالك مجلس لأهل الحلِّ والعقد وكان هنالك متصدون آخرون، فإنّ انعقاد القيادة للمتغلِّب مشروط برضى أهل الحل والعقد.
وذهب آخرون إلى الرأي نفسه بأن يكون المتغلِّب جامعاً للشرائط إلاّ أنهم جوّزوا انعقادها لغيره.
قال النووي: «الطريق الثالث: فهو القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام فتصدّى للإمامة من جمَع شرائطها ... وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإذا لم يكن جامعاً للشرائط بأن كان فاسقاً، أو جاهلا، فوجهان: أصحهما: انعقادها»( ).
وقال القلقشندي: «... وإن لم يكن جامعاً لشرائط الخلافة بأن كان فاسقاً أو جاهلا فوجهان لأصحابنا الشافعية، أصحهما: انعقاد إمامته أيضاً»( ).
والقول بانعقاد القيادة للجاهل أو الفاسق منضماً إليه القول المتقدم بحرمة الخروج على الجاهل والفاسق والجائر، يعني تشجيع الفسّاق والجائرين على الغلبة، وإبعاد العدول عنها، فتصبح القيادة بيد الفسّاق والجائرين على طول التاريخ. فالعادل إن التزم بآراء من تقدّمه من الفقهاء فإنه يرى حرمة الخروج على الفسّاق والجائرين، فيتوقف عن إعداد القوة للوصول إلى القيادة، أمّا الفاسق والجائر فإنّه يرى أنّ تخلّيه يكفي لانعقاد القيادة له، فإنّه سيعمل للوصول إليها، فتكون القيادة من اختصاصه على مرّ التاريخ.
وفي نهاية البحث ننبّه على مفهوم قد يكون غير واضح: أنّ الحاكم الفاسق أو الجائر الذي نقصده، هو الحاكم الذي يكون على رأس حكومة إسلامية تتبنّى الإسلام قاعدة فكرية لها، ومنهاجاً في الحياة، بمعنى إنّ جميع قوانين الدولة وتشريعاتها إسلامية مطابقة للكتاب والسنّة، غاية الأمر أنّ الحاكم لا تتوافر فيه شروط القيادة، أو أن المؤسسات الحكومية يكون على رأسها وزراء وأمراء منحرفون، ففي هذه الحالة قد يكون للخلاف في الموقف منها موضوع في وجوب الإزاحة أو عدمه.
أمّا إذا كان الحاكم على رأس حكومة لا تتبنّى الإسلام قاعدة فكرية لها، بأن تستمد تشريعاتها وقوانينها من مناهج وضعية شرقية أم غربية كالقانون الفرنسي أو البريطاني أو الألماني مع الادعاء أنّ الإسلام هو دين الدولة، ففي مثل هذه الحكومة وهذا الحاكم لا موضوع للخلاف في وجوب الإزاحة أو عدمه، لأنّ الحاكم خارج موضوعاً عن الحاكم الإسلامي الفاسق أو العادل، فلا تعتبر حكومته إسلامية، بل يجب العمل على إقامة الحكومة الاسلامية، وعقدها لمن تتوافر فيه الشروط.
وهناك راي طرحته في التسعينات لم يوافقه الشهيد محمد باقر الحكيم ولا المرجع السيد كاظم الحائري وهو(( القيادة للفقيه العادل الكفوء او للعادل الذي يلتزم باراء الفقهاء ))
وهذا الراي طرحته في ظروف لايستطيع الفقيه التصدي للقيادة او لايؤمن بقيادة الفقيه
الموضوع جزء من كتاب عنوانه(( طرق تولي القائد)) اشتركت به في مسابقة الشيخ الطوسي الاولى سنة 1997 ونال درجة 97 باشراف الدكتور المرحوم عبد الجبار شرارة
سعيد العذاري 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعيد العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/10/03



كتابة تعليق لموضوع : المنهج السياسي للمدينة الفاضلة (1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net