صفحة الكاتب : نزار حيدر

حِواراتٌ وَنَدَواتٌ {الجزء الاول (2003-2009)} ( 1 )
نزار حيدر
 تَوْطِئَة
هذا الكتابُ يجمعُ بين دفَّتَيهِ مجموعة الحوارات الصّحفيّةِ والاذاعيّةِ والمتلفزة بالاضافة الى الندوات والخطاباتِ والمحاضرات التي شاركت فيها والقيتها خلال الفترة الممتدّةِ بين العام (2003) والعام (2009) وهي محاولة لتلّمس حزمة الشُّعاعِ الممتدّة بين الامل والواقع.
أَلإِهْداء
الى مَنْ ظلَّ يتطلَّعُ لبزوغ فَجرٍ جديدٍ في العراق يعيش فيه بحريَّةٍ وأَمنٍ وكرامة بعد سقوط نظام الطاغية الذّليل صدام حسين
.......ثمَّ طال انتظارهُ
أهدي جهدي المتواضع هذا، ومنه تعالى نستمِدّ العون والسّداد
 
نـــــــــــــزار حيدر لصحيفة (المؤتمر) العراقية:
المعارضة العراقية بحاجة الى ثلاث لاءات
{1 كانون الثاني 2003}
      السؤال الاول: أصدرت سلطة بغداد سلسلة من القرارات، مثل إطلاق سراح السجناء ورفع القيود عن السفر، كالغاء الضريبة عن المسافرين وغيرها. 
   ماهو برأيكم القصد أو السبب الذي دفع هذه السلطة الى إصدار مثل هذه القرارات الان وليس قبل ذلك؟.
   الجواب: بات من الواضح جدا أن سياسة نظام بغداد تعتمد مبدأ (كل شي من أجل البقاء في السلطة) كاستراتيجية ثابتة لاتتغير. 
   كان ذلك في العام 1975 م عندما أهتزت سلطته فتنازل عن كل شيء لشاه ايران آنذاك وقبل يديه، وتكرر المشهد في عام 1991م عندما كادت عاصفة الصحراء ان تعصف بسلطته فوّقع على كل شي متوسلا في خيمة صفوان حتى سمى العراقيون الديكتاتور (بصام حسين) تندرا لكثرة ما بصم ووقع.
   ويتكررالمشهد اليوم بعد أن تيقن النظام من أن راسه هو المطلوب هذه المرة وليس أسلحة الدمار الشامل فقط.
   ولذلك حاول ويحاول إعطاء صورة مغايرة للحقيقة والواقع من خلال اصدار سلسلة قرارات تبدو للعيان وكأن العراق بدأ ينافس اعرق دول العالم ديمقراطية فبادر مثلا الى فتح أبواب السجون على مصراعيها (حسب بما يدعي) وأعلن انه ليس في العراق اليوم أي سجين سياسي، وكلامه هذا صحيح 100% كالنسبة المئوية التي حصل عليها الديدكتاتور في الاستفتاء الأخير، ولكن بالمقلوب، فاذا كانت النسبة المعلنة للاستفتاء 100% كذب، فان الادعاء بأن سجون العراق خالية من نزلائها صحيحة 100%، لان النظام لم يبق على أي سجين سياسي حيا، أذ تمت تصفيتهم جميعا اما بعمليات الإعدام الجماعية، أو بحملات تنظيف السجون التي يقودها إبن الديكتاتور، واما باستخدامهم مادة للتجارب المختبرية على الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا.
   إن طبيعة القرارات التي صدرت مؤخرا عن النظام تحكي عن نفسها بشكل واضح وجلي، فهو يحاول بها ذر الرماد في عيون المغفلين من جانب، وكسب ود الشعب العراقي والحيلولة دون تمرده على السلطة حال تعرض النظام لاي هجوم عسكري محتمل من قبل الولايات المتحدة الامريكية من جانب آخر.
   كذلك سعى النظام بمثل هذه القرارات الى اعطاء مادة لحلفائه في المجتمع الدولي كفرنسا مثلا للدفاع عنه أمام التصلب الأمريكي والبريطاني من خلال حصرالموضوع  في أسلحة الدمار الشامل فقط وإغلاق الباب أمام واشنطن التي تحصر النظام وحلفائه في زاوية حرجة من خلال فتح ملفات أخرى غير ملف الاسلحة مثل ملف حقوق الإنسان ومحاكمة صدام وأعوانه كمجرمي حرب ضد الإنسانية وغيرها، إضافة الى أن النظام حاول بقرراته الأخيرة أن يساعد فلول المثقفين والاعلاميين العرب المأجورين من الذين باعوا آخرتهم بدنيا سيدهم الديكتاتور من خلال إعطائهم مثل هذه المواد الصحفية الدسمة التي تطرب لها اليوم آذان الشعوب العربية والاسلامية المغلوبة على أمرها ليواصلوا التطبيل والتزمير والثناء والمديح له من على شاشات التلفزة والفضائيات والصحف والمجلات.
   أما الحقيقة فلا زال نظام بغداد لم يغيرمن طبيعته الديكتاتورية المستبدة الأرهابية قيد أنملة، فهل يمكن للذئب أن يستبدل طبيعته العدوانية بأخرى مسالمة؟.
   فلازال الديكتاتور الآمرالناهي الوحيد ولازالت الأجهزة القمعية والأرهابية هي التي تسيطر على الشارع العراقي بلا منازع ولازالت الأفواه مكممة وإرادة الشعب مصادرة والسجون والمعتقلات أعيد تنظيمها لتستقطب المزيد من المعارضين والمتمردين والرافضين لهذا النظام، الذي لم يكن ليبادر إلى هذه المسرحيات لو لم يشعر أن ساعة التغيير باتت قاب قوسين أو أدنى، في محاولة منه لتأجيلها وليس لالغائها بالتأكيد، لعل الزمن يحدث لصالحه أمرا ما في الربع ساعة الأخيرة، وهو يراهن على إحتمالات التصادم بين واشنطن وباريس في مجلس الأمن أو غيره.
   وبكلمة موجزة فان حديث الديكتاتور صدام حسين عن الديمقراطية يشبه الى حد بعيد حديث المومس عن الشرف.
   السؤال الثاني: كيف تقيمون وضع المعارضة العراقية الآن، بمعنى هل تمكنت المعارضة من الإرتقاء الى مستوى الإنعطافة الخطيرة التي تمر بها القضية العراقية؟.
   الجواب: أعتقد أن مشكلة المعارضة العراقية في كل برهة زمنية معينة من عمرها المديد تتلخص في ثلاثة امور:
   الامر الأول: هي أنها لاتمتلك مشروعا حقيقيا وواضحا لاسقاط نظام بغداد، وتغيير الاوضاع في الداخل لصالح إرادة الشعب العراقي، يأخذ بنظر الأعتبار الظروف الموضوعية التي تمر بها القضية العراقية في كل مرة، واذا كانت أحيانا تمتلك مثل ذلك فلا يعدو كونه ملامح عامة ونظرية مجردة لاترقى الى مستوى المشروع الفعلي والعملي القادر على تحقيق إنجاز ملموس على الارض، ولذلك فهي ترنو بعيونها عادة الى القوى الخارجية تستمد منها الدعم كلما لاحت في الافق بوادر جدية، سواء الأقليمية منها أو الدولية ساعية الى معرفة ماتحمله في جعبتها لاسقاط النظام ومن ثم هي تسعى للاستفادة من هذا المشروع او ذاك قدر الأمكان.
   الأمر الثاني: انها لاتزال تعيش عقدة إختصار بعضها للبعض الاخر، فنرى في كل حقبة زمنية هناك من الفصائل المعارضة من يدعي أنه يمثل كل الساحة فيسعى لالغاء الآخر او اقصائه عن الساحة.
   ان من يفكر بتغييرالاوضاع في العراق بعد إزالة الديكتاتورية لتحل محلها الديمقراطية، ينبغى عليه أن يثبت مصداقيته للآخرين اليوم وهو في المعارضة قبل أن يصل الى السلطة غدا، ليطمئن الآخرون ويصدقوا متبنياته وشعاراته، لأن من يتعامل بديكتاتورية وأستبداد مع زملائه ورفاق دربه وهم بعد في المعارضة لايمكن أن ننتظر منه تعاملا ديمقراطيا مع الاخرين عندما يصل الى السلطة.  
   ان صورة التعامل في مرحلة ما قبل السلطة هي الصورة الحقيقية، وإن كانت المصغرة، لصورة التعامل  في مرحلة السلطة.
   الامر الثالث: أنها تحولت إلى سفراء للدول المضيفة في ساحاتها الداخلية بدل ان تكون سفراء ساحاتها الداخلية الى الدول المضيفة، وهذا أفقدها الكثيرمن خصوصياتها ونقاط قوتها وإرادتها وهيبتها.
   نتمنى أن تقلع المعارضة عن هذه الصفة وتقرر أن تعين نفسها سفراء قضيتها الى كل القوى الأقليمية والعربية والدولية التي تتعامل معها أو تبدي إستعدادا لدعم قضيتها.
   أما المعارضة العراقية في هذه المرحلة بالذات فاعتقد أنها بحاجة الى أن تتحلى بسعة الصدر ليستوعب بعضها البعض الآخر، فلا يقولن أحدهم أنني أولى من الآخر أو أن يسعى هذا الطرف لالغاء الطرف الآخر، أو أن يسعى بعضهم لاضعاف البعض الآخر أو تلخيص هذا التيار او ذاك بإسمه أو تنظيمه.
   المعارضة العراقية بحاجة إلى رفع شعار يحمل ثلاث لاءآت: ألاولى، لا  للإلغاء، والثانية، لا للتهميش، والثالثة، لا للمصادرة، فلا يلغي أحد أحدا، ولايهمش تنظيم ولايصادر نشاط.
   إن القضية العراقية تمر اليوم بمنعطف مصيري خطير بحاجة الى طاقات جبارة كبيرة وكثيرة لايقدر فصيل أو قائد أو تيار على ضمانها او توفيرها لوحده، ولذلك يلزم أن يفسح المجال للجميع ليشارك في عملية التغيير ومن دون إستثناء أحد، ومن كل حسب طاقاته وقدراته ومميزاته.
   يخطأ من يظن أنه القادر لوحده على إستغلال فرصة التغيير من دون جهد الآخرين، ويخطأ من يتصور أن الساحة بلون واحد أو بتيار واحد فيعمد الى إلغاء الاخرين وتكريس وجوده لوحده، ويخطأ من يظن أن قوته تكمن بتضعيف الآخرين أو أنه سينهض إذا اتكأ على الآخرين وأقعدهم عن العمل وسلب منهم الفرصة.
   ان لكل جهد عراقي معارض، تنظيما كان أم فردا، موقعه الطبيعي في عملية التغيير وأن لكل منهم مفتاح لحل عقدة ما من عقد القضية العراقية، فلماذا نزهد به وتظل العقدة من دون حل؟.
   السؤال الثالث: كيف ترون الخارطة الاسلامية السياسية وما هو موقف القوى الاسلامية العراقية عموما وموقفكم خصوصا من عملية التغيير سواء بمساعدة العامل الخارجي أو بانتفاضة جماهيرية عراقية؟.
   الجواب: لاتختلف الخارطة الإسلامية السياسية كثيرا عن بقية أجزاء خارطة المعارضة العراقية وان كانت تتميز ربما ببعض نقاط القوة التي لاتمتلكها بقية الاجزاء، الا انها بشكل عام جزء هام ومكمل لخارطة المعارضة، فلا هي تفكر في الاستغناء عن بقية اجزاء الخارطة، ولا باقي الاجزاء تفكر بذلك.  
   ولهذا نرى أن الحركة الاسلامية بكافة فصائلها وقياداتها تؤكد دائما بانها جزء لايتجزء من الخارطة العامة والكبيرة والواسعة للمعارضة العراقية، شاركت معها في النضال والتضحية في مختلف المراحل، كما ساهمت معها بمختلف التحالفات السياسية وتعاونت معها على عقد كل المؤتمرات طوال العقدين الماضيين، كما أنها لاتزال تقيم تحالفات إستراتيجية وثيقة مع بقية التيارات بمختلف إتجاهاتها الفكرية والسياسية والقومية.
   أما بالنسبة للموقف من عملية التغيير، فكان بودنا جميعا كعراقيين أن يأتي التغييرعلى يد الشعب العراقي مباشرة، ومن دون تدخل من أي قوة خارجية إلا أن قسوة النظام على الشعب وقواه المعارضة، وسياساته الكارثية التى ورطت البلاد بثلاثة حروب عبثية داخلية ومع الجيران من جانب، والمشاكل المتعددة والمستعصية في بعض الأحيان التي تعيشها المعارضة العراقية بسبب كونها المعارضة المهاجرة الوحيدة في العالم أجمع ومن دون استثناء من جانب ثاني، والتناقضات التي يعيشها الجوار العراقي إزاء قضيتنا والموقف من النظام وعملية التغيير، سواء فيما بينه أو بينه وبين العامل الدولي من جانب ثالث، إن كل ذلك ساهم بشكل أو بآخر، وبكل أسف، في تدويل القضية العراقية حتى أنتهت الامور الى مانراه اليوم من صراع محموم بين الإدارة الأمريكية التي تصر على تغييرالنظام في العراق وبين الأخيرالذي يصر على البقاء في السلطة مهما غلا الثمن، فيما تتوزع المواقف الأقليمية والعربية والدولية بين من يقف مع واشنطن في مشروعها ضد النظام وبين من يصطف الى جانب النظام ضد الإدارة الامريكية، الكل ينطلق من مصالحه الذاتية المعروفة ولا أستثني أحدا من ذلك.
   وبين مطرقة الولايات المتحدة الأمريكية وسندان النظام الديكتاتوري يقف الشعب العراقي ومعه المعارضة العراقية بكافة تياراتها وفصائلها وشخصياتها ساعية الى الإستفادة من الفرصة للإجهاز على النظام بأقل ثمن ممكن وبأسرع فرصة متاحة.
   وبسبب هذه الظروف المعقدة، ترى المعارضة أن مسار الأحداث يجب أن ينتهي بإسقاط النظام الحاكم في بغداد، وإقامة البديل الوطني الذي يؤمن للشعب الحرية والعزة والكرامة، في ظل نظام ديمقراطي تعددي دستوري برلماني يعيد للعراق عافيته ويساعده على أن ياخذ موقعه الإقليمي والعربي والدولي الطبيعي.        نظام يحترم حقوق الإنسان ويطلق العنان لارادة الشعب الذي سيختار بملء إرادته وبكامل حريته نوع
النظام السياسي الذي يرتئيه، في إطار حكم الأغلبية مع إحترام رأي الأقلية التي ستتمكّن من لعب دورها في الحياة السياسية من دون ديكتاتورية الأغلبية، من خلال الاحتكام الى صناديق الاقتراع فقط (صوت واحد لمواطن واحد) ليضع حدا للعبة الانقلابات العسكرية (السرقة المسلحة) سيئة الصيت.
   وإزاء كل ذلك تشخص امام المعارضة العراقية مسؤولية إستثمار الفرصة والتعاون مع من يمد لها يد العون والمساعدة لتحقيق إرادة الشعب العراقي في الخلاص من هذا النظام الديكتاتوري الأرعن.
   نحن مع كل مساعدة تقدم للشعب العراقي في إطار المصالح المتبادلة، وإحترام الإرادة والخصوصية للخلاص من النظام الدكتاتوري، سواء جاءت من الدول الاقليمية أو من المجتمع الدولي، ولكننا وبكل تأكيد وحزم واقولها بضرس قاطع، لسنا مع أية مساعدة مقرونة بالاملاءآت والشروط التي ربما تساهم مرة اخرى في مصادرة رأي الشعب العراقي وتجاوز إرادته وسحق حقوقه وكرامته وهدرطاقاته وتبديد مستقبله وتطلعاته.
   نحن نتمنى على المعارضة العراقية أن تحث الخطى لتجميع صفوفها والإتفاق والاعلان عن القواسم المشتركة في عملية التغيير وما يخص عراق ما بعد الديكتاتورية، والاتفاق على مرجعية سياسية واحدة تمثل كل مكونات الشعب العراقي، قادرة على طمأنة دول الجوار والمجتمع الدولي بشأن مستقبل العراق، لتسد كل الأبواب والمنافذ بوجه المتربصين بها الدوائر، لاقتحامها بحجج وأعذار واهية، إما لتشويه سمعتها أو لحشد الرأي العام ضدها ولصالح النظام أو لفر ض إملاءات معينة هي في نهاية المطاف بالضد من إرادتها وإرادة شعبها، او بالتخويف من إحتمالات مايسمونه بالتقسيم أو الحرب الأهلية أو ماشابه من العناوين المرفوضة وغير الواقعية.
   السؤال الرابع: كيف تنظرون الى مواقف الحكومات العربية والاسلامية من قضية الشعب العراقي واصطفاف الكثير منها مع سلطة صدام؟.
   الجواب: إن مما يؤسف له حقا هو هذا الموقف العربي والاسلامي المتخاذل من قضية الشعب العراقي، والذي يصب كل إهتمامه على النظام ومستقبله من دون أن يعير الشعب العراقي ومأساته وظروفه أي إهتمام.
   إن القضية ليست منحصرة بالنظام والادارة الامريكية، كلا وانما هناك الشعب الذي عانى ما عانى من الديكتاتورية الحاكمة في بغداد نيف وثلاثين عاما، فلماذا النظر الى القضية من زاوية واحدة؟ ولماذا لا تنظر لها الأنظمة العربية والاسلامية من مختلف جوانبها؟. 
   لقد أبتلى الشعب العراقي بنظام بطموحات مريضة يتصف بالقابلية على تنفيذ سياسات ورغبات الاخرين، من جانب، كما أبتلى بجوار أصم أبكم أعمى، لايسمع صرخاته ولاينتصر لمظلوميته ولو بكلمة طيبة، ولاينظر الى حمامات الدم التي لاتزال تجري انهارا من شمال العراق الى جنوبه مرورا بالوسط مدة 35 سنة.
   أما إذا تضررت مصالحه مباشرة من النظام تراه يملأ الدنيا صراخا ويقيمها ولايقعدها لماذا؟ أو ليس الشعب العراقي بشرا هو الاخر؟ أو ليس لهذا الشعب حق الجوار على جيرانه؟ أو لم يناصف شعوب المنطقة والعالم العربي والاسلامي خيرات بلاده؟.
   أجزم ان الأنظمة التي تصطف اليوم مع نظام بغداد أنما هي أحد نظامين: أما مستفيد من النظام، او خائف على حاله بعد التغييرالمرتقب في بلاد الرافدين.
   يبقى أن هناك نوع ثالث من الأنظمة،  تلك هي التي لا ترغب بأن ترى صدام حسين في السلطة في بغداد، الا أنها في نفس الوقت لاتريد أن يتغير النظام السياسي القائم في العراق، ولهذا فهي تسعى الى فرض بدائل اقرب ماتكون الى نموذجها السياسي، ولضمان ذلك  فهي تسعى للحفاظ على النظام السياسي مع تغيير رأس الهرم الحاكم فقط، وهذا مانراه مضرا بمصلحة الشعب العراقي ولايخدمها بشكل من الاشكال ولايحل المشكلة. 
   ان مثل هذا الامر مرفوض من قبلنا جميعا جملة وتفصيلا.
   كنا نتمنى ان يساعد العالم العربي والاسلآمي شعب العراق في محنته مع الديكتاتورية حتى لانضطر الى ما أضطررنا اليه الان، اما وقد آلت الامور الى ما آلت اليه اليوم، نتمنى عليها الا تعارض عملية التغييرالمرتقبة في العراق، فليقولوا خيرا او يسكتوا.
   السؤال الخامس: بعد الاختلافات والخلافات الكثيرة، هل تفضلون عقد مؤتمر موسع للمعارضة، ام تقليص حجم المشاركة على العدد المعروف؟.
   الجواب: اذا ارادت المعارضة العراقية، وخاصة ما بات يعرف بمجموعة الستة، ان تحترم نفسها وتقوي شوكتها وتحافظ على وحدتها، فلتبادر الى فسح المجال امام الجميع ليشاركوا في الجهود المبذولة من اجل تغييرافضل.
   يكفي المعارضة العراقية التخطيط في الظلام ويكفيها سياسة الاقصاء والتشبث بالاساسي وغير الاساسي وعليها ان لا تعول كثيرا على شهادات تصدرها عناصر في الادارة الامريكية لتحدد لها من هو الاساسي ومن هو غير الاساسي.
   ان كل عراقي معارض ناشط هو عنصر اساسي في عملية التغيير ما لم يثبت العكس، ولا يثبت العكس الا بعد سقوط نظام بغداد والاحتكام الى صناديق الاقتراع، فعندها فقط يحق لمن يشاء ان يدعي انه اساسي وغيره ثانوي اذا ما أعتمده الشعب وصوت لصالحه وصالح مشروعه السياسي ومتبنياته الفكرية.
   اننا مع عقد مؤتمر عام موسع للمعارضة العراقية يشارك فيه الجميع، فليس من المعقول ان نهمش من يعرض خدماته لصالح عملية التغيير بحجج واهية.
   كما اننا ضد الوصاية التي يسعى البعض لفرضها على هذا التيار اوذاك  الخط، اذ ليس من حق احد ان ينصب نفسه وصيا على الاخرين مهما كان موقعه في الخارطة السياسية للمعارضة العراقية او امتد نضاله في عمق الزمن او زادت تضحياته على الاخرين، لاننا جميعا سنظل مدينين للشعب العراقي الذي ناضل وضحى وصمد وتحمل الالام اكثرمن اي واحد منا.
   ادعو الفصائل الستة الى التحلي بالواقعية والشجاعة والاخلاص والمرونة لتبادر فورا الى التنازل عن الامتياز الذي كسبته بزيارتها الى واشنطن (!!) لصالح عموم المعارضة العراقية، وذلك قبل فوات الاوان، والا فان الاصرار على قضايا هامشية والتضحية بالقضايا الاستراتيجية والتشبث بالفيتو الذي منحته لنفسها من دون ادنى وجه حق يعرض مصداقية المعارضة الى التساؤل والتشكيك ،خاصة وان الوقت يجري لغير صالحنا فلا بد من التنازل للصالح العام لتحقيق المطلوب ولنتذكر ابدا بان المعارضة اليوم امام امتحان القدرة واختبار الوحدة والقيادة.
   النقطة المهمة التي يجب ان  لا تغيب عن بالنا هي ان المعارضة العراقية قطعت اشواطا كبيرة ومهمة في مؤتمر صلاح الدين، سواء على صعيد تسمية التيارات ونسب التمثيل، او على صعيد  الهيئات القيادية والخطاب السياسي، ولذلك فان من المناسب ان تستفيد المعارضة من جهدها الذي بذلته طوال العقد الماضي من الزمن لاكمال المشوار مع الاخذ بنظر الاعتبار المعطيات الجديدة ومتطلبات المرحلة الحالية حتى لاتبدأ مرة اخرى من نقطة الصفروالذي يعني الاستهانة بالجهود الذاتية والزمن المبذول.
   اننا على ثقة عالية من ان المعارضة العراقية قادرة على لملمة شملها والعض على الجراح وتجاوز مرارات الماضي واخطائه لتثبت كفاءتها وحرصها وقدرتها على حاضر العراق ومستقبله من اجل استغلال الفرصة التاريخية على طريق بناء مستقبل زاهر للعراق بعد اسقاط النظام الديكتاتوري، ولتؤكد مرة اخرى انها فوق الحزبية الضيقة والفئوية المحدودة وانها على استعداد تام للتنازل عن كل شيء الا المصلحة العليا للشعب العراقي، بالضبط مثلما فعل التيار الكردي مؤخرا عندما تجاوزت فصائله وقادتها المناضلين كل مشاكل الماضي وتعقيداته ليعيدوا الحياة من جديد الى العمل المشترك تحت قبة البرلمان.
   المؤتمر: نشكركم لاتاحتكم لنا هذه الفرصة لاجراء هذا اللقاء.
   نــــــــزار حيدر: أشكركم كذلك متمنيا لكم كل التوفيق والنجاح ولـ (المؤتمر) السداد في تبليغ رسالتها الاعلامية المقدسة، رسالة الشعب العراقي المظلوم، وكلي أمل في أن نلتقي في المرة القادمة في العراق الجديد، عراق الحرية والكرامة والعزة، عراق الديمقراطية والتعددية والحياة البرلمانية والدستور، عراق الانسان الجديد المتمتع بحريته وإرادته وكرامته، عراق السلم والأمن، عراق يحترم حقوق الإنسان ويصون الدين والعرض والعلم ويحترم العلماء، عراق المجتمع المدني، بعد زوال النظام الديكتاتوري باذن الله تعالى.
(إباء) تحاور الكاتب والباحث السياسي العراقي المعارض نـــــــــزار حيدر
حاوره: حيدر السلامي
{20 آذار 2003}
توطئة:
   مع دوران رحى الحرب على العراق، واستمرار عملياتها، على ما يبدو في آخر معركة فاصلة، لعلها تكون (أم القواصم) لا (أم الحواسم) كما ادّعاها نظام الانحطاط الصدّامي، ومع انعدام الأمن والسلام وغياب الحكومة والنظام، مؤقتة كانت أم دائمة، وطنية أم حكومة احتلال، تتزايد التعليقات والتحليلات السياسية، بل وتتكاثر التحليقات في سماوات التنظير العلى، وتتطاير التقليعات الإعلامية - كما في موضة الأزياء- يمليها التنافس بين المواقع والفضائيات والأرضيات، وتتعالى الأصوات المؤيدة والرافضة سواءاّ بسواء، مع هذا كله، كان لابد لموقع الوكالة الشيعية للأنباء (إباء) أن يتصدر مجلسه ويدلي بدلوه بين هذا الزحام من اللغط والكلام، وتقافز الأرقام، إحصائية وتحليلية، وأن يسلط شيئا من الضوء على جوانب ربما بدت غائبة عن البعض رغم أننا نعيش عصور الانفتاح والاتصال. 
   وكان مما دأبت الوكالة على نشره توخيا لملامسة الحقائق بجلدها، وسماع نغماتها من طنبورها، فتح قنوات الحوار مع رجال السياسة الميدانيين والباحثين في مجالاتها، ومن بين هؤلاء، الكاتب والباحث العراقي المعارض الأستاذ نزار حيدر، الذي التقيناه (في العاصمة السورية دمشق) وهو في طريق عودته إلى العراق (بعد هجرة قسرية دامت 23 عاما) وكان لنا معه الحوار الآتي: 
   السؤال الاول: ما الذي كان وراء الإصرار الأمريكي على إسقاط نظام صدام حسين؟.
   الجواب: منذ عدة سنوات كان هناك بحث جاد في مراكز البحوث والدراسات الستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية يتمحور حول السياسة الأمريكية الخارجية إزاء المناطق الساخنة في العالم، والسؤال الذي كان يطرح خلال هذه البحوث هو: هل من الصحيح أن تدعم الولايات المتحدة الأمريكية الأنظمة الدكتاتورية في العالم؟ أم أنها يجب أن تغير هذا الأسلوب وتبدأ بدعم الديمقراطيات مثلا؟ وهل أن مصالحها القومية في مختلف مناطق العالم يمكن تأمينها من خلال استمرار الدعم لأنظمة دكتاتورية؟ أم أن من الأفضل لمصالحها أن تغير هذه الاستراتيجية وهذه السياسة الخارجية وتبدأ بدعم الديمقراطيات في العالم؟! هذا البحث كان جديا وكان قائما في أكثر من مركز أبحاث ودراسات ستراتيجية وفي كثير من الجامعات في مختلف الولايات الأمريكية وعلى مستويات عالية من المفكرين والباحثين والستراتيجيين. 
   وجاءت أحداث 11 (أيلول) سبتمبر لترجح كفة الذين كانوا ينظرون لضرورة دعم أمريكا للديمقراطيات وليس للدكتاتوريات لأنهم اكتشفوا بهذه الأحداث أن الديكتاتورية أنتجت إرهابا أو يمكن أن نقول بأنها فرخت بؤرا إرهابية لم تكن منطلقة من عامل اقتصادي، أي أن عناصر هذه البؤر والشبكات الإرهابية ليسوا من الفقراء المحتاجين ليمكننا القول بأنهم اشتروا بالمال لينفذوا عملا إرهابيا معينا.
   السؤال الثاني: تقصد حركة طالبان وتنظيم القاعدة مثلا؟.
   الجواب: نعم بالضبط هؤلاء ومن أشبه. 
   يعني نحن نعرف أن الكثير من قادة وأعضاء وعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي، هم أناس ميسورون ويملكون الملايين وأغلبهم أصحاب شهادات وثقافات ودارسون في أمريكا فهم ليسوا من الطبقات المعدومة لكي نقول أن السبب اقتصادي، فإذن لتأت أميركا فتوزع الحصص بشكل عادل وتقضي على هذه البؤر الإرهابية، كلا فهؤلاء من الطبقة الميسورة والغنية وهذا يعني أن القضاء على مثل هذه البؤر الإرهابية لا يكون من خلال توزيع الأموال والثروة بشكل عادل على سبيل الفرض وإنما السبب الرئيسي هو أن هذه البؤر عشعشت وباضت وفقست وفرخت في ظل أنظمة ديكتاتورية تمنع حرية الرأي وتمنع المشاركة السياسية وتمنع حتى الاعتراف بأبسط حقوق المواطن، وشعوبها تعيش أبشع حالات التمييز الطائفي والسياسي والقومي وما إلى ذلك. 
   لقد رجحت أحداث 11 (أيلول) سبتمبر نظرية الحد من دعم الديكتاتوريات والبدء بدعم الديموقراطيات وبالمناسبة وبين قوسين، ففي الولايات المتحدة الأميركية هناك عدة مؤسسات شبه حكومية يدعمها الكونغرس على اعتباره ممثل الشعب الأميركي مهمتها نشر الديمقراطيات في العالم الثالث والنامي ومحاولة تعليم الناس كيف يؤسسون للمجتمع المدني ويحاولون أن ينقلوا تجارب ديمقراطية نامية من بلد لآخر كما حدث في بعض البلدان.
   السؤال الثالث: أستاذ نزار.. هناك سؤال طالما رددته وسائل الإعلام العربية وهو: هل أن الديمقراطية تصنع حسب المنطق الأمريكي بالحروب والدمار مثلا؟.
   الجواب: لقد حاولت منذ أشهر أن أجيب على هذا السؤال بشكل منطقي وعلمي بعيدا عن العواطف والشعارات الفارغة فدرست مجموعة تجارب على الأقل تجارب معاصرة فاكتشفت وللأسف الشديد أن الديمقراطيات في العالم، وليس في العالم العربي فحسب، عادة ما تولد إما بعد حرب أو بعد ثورة وعادة ما تكون ثورة دموية، فعلى سبيل المثال: في أميركا ذاتها كانت الديمقراطية نتاج حرب أهلية التي اعقبت حرب الاستعمار كما تسمى أو حرب التحرير، والديمقراطية في فرنسا كانت على أثر الثورة الفرنسية، في اليابان، في كوريا، في ألمانيا، في الاتحاد السوفيتي، لو لم تكن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ما كان لدول المعسكر الشرقي أن تؤسس ديمقراطياتها.
   السؤال الرابع: إذن يمكننا القول بأن إيجاد الديمقراطية في الأغلب إنما هو رد فعل معاكس لحالة الدكتاتورية؟.
   الجواب: أكيد، فالدكتاتورية ماذا تنتج عادة؟ تنتج حربا أو إرهابا أو قمعا وهذه في المحصلة تولد الثورة، فنتيجة حرب الديكتاتورية واحدة من اثنتين: إما زيادة نسبة الديكتاتورية بمعنى تكريس حالة الدكتاتورية بشكل أكبر، وإما الانطلاق نحو الديمقراطية وعلى سبيل المثال: هتلر وكما نعرف جاء إلى السلطة في ألمانيا بنظام ديمقراطي، عبر صندوق الاقتراع والانتخابات وليس مثل صدام حسين الذي تسلق جدران القصر الجمهوري بدبابة عسكرية و..، لا .. هتلر جاء للسلطة بالانتخابات ولكن عقليته كانت عقلية حرب، كان يعتقد بالعنصر الجرماني المتميز، كما يقولون، وأنه يجب أن يكون متفوقا على بقية العناصر في أوربا والعالم وأن بقية القوميات يجب أن تكون خادمة لهذا العنصر المتفوق فاشعل حربا والتي كانت ستنتهي إلى أحد أمرين: إما تكريس هذه النظرية ومعناها دمار العالم أو على الأقل دمار أوربا، وإما إنهاء هذه الديكتاتورية وإنتاج الديمقراطية وهو ما حصل فعلا.
   نحن في العراق، وأعود إلى السؤال السابق، كنا نأمل ونتمنى أن حربا واحدة من تلك الحروب التي شنها نظام صدام، مثل حربه ضد الكرد في الشمال التي استمرت سنين أو مع إيران أو حربه على الكويت، كنا نتمنى أن واحدة من هذه الحروب تكفي لإسقاط ديكتاتوريته، لكن للأسف الشديد لم تنتج كل منها ديمقراطية بل كرست الديكتاتورية، وبقي صدام حسين يدخل كل حرب ويخرج منها وقد تكرست ديكتاتوريته إلى أن وصل ما وصل إليه اليوم. 
   أعود إلى السؤال الأول مرة أخرى كذلك، فأقول أن الولايات المتحدة الأميركية عندما أحست من خلال قراءة الواقع وتفسير ظاهرة الإرهاب في منطقتنا بالذات، تأكدت من أن هذه الموجة الإرهابية إنما هي وليدة أنظمة ديكتاتورية تقمع الصوت الآخر، تقمع حق المواطن ، تقمع رأيه، تقمعه مذهبيا وقوميا، وحتى مناطقيا، لذلك بدأ الحديث يتكرس حول ضرورة إسقاط أو التوقف بالمرحلة الأولى عن دعم الأنظمة الديكتاتورية والبدء بالمساعدة على إحداث التغيير نحو الديمقراطية وكان البدء بنظام صدام حسين لأسباب كثيرة منها:
   أن حالة اللاحرب واللاسلم إن صح التعبير في العراق مع المجتمع الدولي قد وصلت إلى نقطة الذروة ولم يعد ممكنا الاستمرار على هذا الحال مدة أطول فإما أن تحسم الولايات المتحدة الأميركية أمرها وتقرر إسقاط النظام، وإما أن تعلن بأن نظام صدام لا يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه عاد إلى رشده مستمرة في أسلوب التغطية على جرائمه لتنتهي أخيرا إلى إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي برفع العقوبات وإعادة تاهيل نظام صدام ليعود مرة اخرى إلى المجتمع الدولي وكأن شيئا لم يكن. 
   عندما وصلت الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا المفترق كان يجب عليها أن تختار أحد الطريقين: إما أن تستمر بالعقوبات الذكية وبالاحتواء المزدوج...إلخ وهذا ما لم يعد ممكنا مع هكذا نظام تحدى المجتمع الدولي، وقد وقع بنفسه، وليس بواسطة، على كل شروط وقف إطلاق النار، فكان بذلك حجة كافية بالنسبة للولايات المتحدة للتعامل معه بالطريقة التي تراها، ثم جاء القرار 1441 ومجريات التفتيش وما رافقها وكانت النتيجة أن القرار الأميركي النهائي انصب في اتجاه إسقاط النظام وليس إعادة تأهيله.
   السؤال الخامس: يذهب بعض المحللين إلى أن إسقاط نظام صدام هو بداية سلسلة تغييرات سياسية سوف تشهدها المنطقة.
   ما قولك أستاذ؟.
   الجواب: في رأيي أن هذا الكلام مبالغ فيه، وبنفس الوقت أنا أعتقد أن مثل هذا الكلام يطلقه أولا نظام صدام حسين نفسه، من أجل تخويف الأنظمة وتخويف الشعوب وللأسف الشديد فإنه نجح إلى حد بعيد في ذلك، ولو رجعنا الى الوراء قليلا نرى أن نظام صدام كان في السابق، وعندما يجري الحديث عن قضية إسقاطه وتغييره، كان يتبع سياسة تخويف الشعب العراقي وبعض دول الجوار ويروج لفكرة الحرب الأهلية أو تقسيم وتفتيت العراق وما أشبه ليرهب بذلك الشعب العراقي أولا والأنظمة العربية ثانيا.
   لكن الآن لما وصلت القضية إلى أبعد مما كان يتصور، من عملية إسقاط حقيقية، عمد إلى تعبئة الرأي العام لصالحه فلم يكن يكفي، في هذه الحالة أن يوجه الخطاب إلى الداخل، ولم يكن يكفي أن يتحدث للشعوب والأنظمة من أجل من أجل تعبئتها مخوفا لهم بأن العراق سيتفتت، فلربما البعض يفكر بان القضية داخلية فماذا يهمه لو تفتت العراق؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي تتفتت بها الدول العربية؟ ألم يتفتت الوطن العربي والإسلامي برمته من قبل؟ فجاء وابتكر هذا اللون الجديد من العزف وكان على وتر القومية العربية في محاولة إفهام الأمة العربية بأنه ليس النظام الوحيد الذي سوف يسقط وإنما هو بداية انهيار النظام العربي بأكمله.
   والأمر الثاني الذي دعاني لأقول بأن هذا الكلام مبالغ فيه هو أن نظام صدام نظام استثنائي في المنطقة ولا يمكن القياس عليه فلا يوجد نظام عربي فعل ما فعله، فلماذا هذا التخوف؟! نعم قد نقول هناك ديكتاتوريات في بعض البلدان، لكنها ديكتاتوريات محدودة جدا ولا يمكن قياسها بدكتاتورية صدام حسين، فلا يوجد نظام عربي استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه غير نظام صدام حسين، ولا يوجد بينها نظام دخل ثلاثة حروب متتالية على الأقل غيره، ولا من نظام قمع شعبه بالقسوة التي مارسها نظام صدام وهو الذي حفر نهرا ثالثا يمتد بين دجلة والفرات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب اسمه نهر الدم، فلماذا هذا التخوف والهلع الذي تبديه الأنظمة العربية والإسلامية؟. 
   نعم، نحن نتمنى على هذه الانظمة أن تعي بأن التغيير يجب أن يحصل. 
   النقطة المهمة التي أريد تسجيلها هنا هي، أننا إذا نظرنا إلى خريطة العالم فسنلاحظ أن الأنظمة التي تسود منطقتنا هي من مخلفات الحرب العالمية الأولى، ولا أقصد هنا نظام حكم بعينه وإنما النمط العام هو من مخلفات تلك الحرب، بمعنى آخر انه ومن الحرب العالمية الأولى ولحد الآن، حوالي تسعين سنة، تغير العالم كله إلا منطقتنا وهذه كارثة في الحقيقة فلا يمكن ولا يعقل أن يتغير العالم كله والمنطقة تبقى محافظة على ومتمسكة بنفس النمط السياسي ونظم الحكم.   
   لقد كانت الحرب العالمية الثانية سببا في تغيير الكثير من الأنظمة السياسية في العالم، وحرب الخليج كانت سببا في تغيير سياسي كبير، فالمعسكر الشرقي لم يكن بهذا الشكل، وأنا لا أقول ان الحرب كانت سببا مباشرا لهذا التغيير، ولكنها كانت عاملا مهما والنتيجة ان المعسكر الشرقي تغير، شرق آسيا تغير، أفريقيا، أميركا اللاتينية، كل العالم القديم.
   نحن نتمنى على أنظمة المنطقة أن تفكر وتعي هذه الضرورة خاصة ونحن نعيش في زمن تفجر المعلومات وثورة التكنلوجيا، فالمواطن اليوم يسمع ويشاهد ويتصل بالعالم الخارجي عبر الستالايت والإنترنيت وبقية الوسائل الأخرى، ولذلك لا يمكن حجب المعلومة عنه والتفاعل مع العالم مهما تقمعه الانظمة واجهزتها البوليسية والمخابراتية التي تعد انفاسه.
   لماذا، ونحن في القرن الواحد والعشرين، والإنسان العربي لا يستطيع أن يمارس أي حق من حقوقه الا وهو حرية التفكير؟!. 
   نحن نعرف إن الإنسان يولد وتولد معه حقوقه بل وهو في بطن أمه له حقوق التغذية الجيدة، المتابعة الصحية، فالطبيب مثلا يمنع الام عن بعض أنواع الأكلات والمشروبات والأدوية، او ان يأمرها الدكتور بأن تأخذ القرص الفلاني ولا تأخذ الدواء الفلاني لئلا يتأثر الجنين، وبعد الولادة كذلك فان من حق الولد حسن التسمية وحسن التربية، وكذا طعامه، ملبسه، إلخ.، إلى أن يموت فمن حقوقه أنه يكفن ويدفن ويصلى عليه، بينما المواطن العربي عنده حق واحد هو حق الدفن فقط. 
   لا يعقل أن العالم كله يتغير ونحن نطلب من المواطن العربي أن يغمض عينيه ويضع أصابعه في أذنيه ويعطي لعقله إجازة، بمعنى دعني أنا الحاكم أفكر نيابة عنك،  إلى متى؟ نتمنى من الأنظمة ان تعي هذا الشيء وهي تبادر إلى التغيير، قبل ان تشهد منطقتنا زلزالا مدمرا.
   السؤال السادس: أستاذ نزار.. هل ترى أن الأميركيين جادين فعلاً في الالتزام بالأهداف المعلنة للحرب؟.
   الجواب: الهدف المعلن من عملية إسقاط نظام صدام حسين هو تحرير الشعب العراقي من هذه الديكتاتورية وتمكين الشعب العراقي من إدارة نفسه (يعني إدارة بلده بنفسه) وهذا أصل الموضوع، وأنا أعارض من يقول أن الأميريكيين يريدون أن يفرضوا الديمقراطية في العراق، لماذا؟ لأنني أعتقد أن المواطن العراقي يفكر في الديمقراطية أكثر من أي إنسان آخر، إذ أنه عاش 35 عاما في ظل أعتى نظام دكتاتوري لم يشهد العالم مثيلا له.
   لقد حاول الشعب العراقي كثيراً ان يغير هذا النظام ولقد دفع ثمنا باهضا في كل محاولاته، الا ان نوعية النظام الدتكاتوري في العراق وقساوته كانت نوعية خاصة بحيث ما استطاع الشعب العراقي أن يغيّره بالرغم من كثرة التضحيات وبالرغم من كل الجهود التي بذلت، فأنا أعتقد أن الأميركيين سيطلقون العنان للديمقراطية في العراق، وسيطلقون العنان للشعب العراقي لإقامة النظام الذي يريده، والديمقراطية التي يريدها، وليس بالضرورة أن تكون على الطريقة الأمريكية أو على الطريقة الأوروبية أو على أية طريقة أخرى، وإنما على الطريقة التي يرتئيها، المهم أن تحقق له الحرية والمهم أن تحقق له صيانة حقوقه، أما بعض المتخوفين من أن أميركا ستسقط النظام الديكتاتوري، وتستبدله بنظام ديكتاتوري آخر، فأنا أستبعد تخوفهم هذا، لأن الشعب العراقي الذي عانى من هذه الديكتاتورية الشيء الكثير جداً، سوف لن يسمح بتكرار التجربة إن شاء الله.
   السؤال السابع: لقائل أن يقول: هذه الديمقراطية المزمعة هي بضاعة أميركية، ونحن كمسلمين مأمورون بمقاطعة البضائع الأميركية. 
   ما هو تعليقكم على هذه العبارة؟.
      الجواب: حسب فهمي على الأقل للإسلام ولتأريخ الإسلام وتجربة الإسلام ونحن شعب مسلم في العراق، فهمي للإسلام أنه هو سيد الديمقراطية، وطبعاً الآن الإستراتيجيون والسياسيون يعرفون الديمقراطية بثلاثة مقومات: أولاً الحرية، ثانياً المساواة، وثالثاً المشاركة، البلد الذي فيه هذه المقومات الثلاثة هذا البلد هو بلد ديمقراطي، فأسألك بالله أليس في الإسلام حرية؟ أليس في الاسلام مساواة؟ أليس الحديث النبوي يقول لا فضل لعربيِ على أعجميٍ إلا بالتقوى؟ ويقول كلكم لآدم وآدم من تراب؟ ويؤكد يدخل الجنة كل مسلم وإن كان عبدا حبشياً، ويدخل النار كل مشرك وإن كان سيدا قرشياً، أليس هذه مساواة؟ والمقوّم الثالث المشاركة، هل يوجد فكر ومذهب ودين دعا إلى المشاركة أكثر مما دعا إليه الإسلام؟ وهذا قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): {كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته} هل يوجد أكثر من هذه المشاركة؟! يعني أيها الإنسان المسلم أنت مسؤول وأنت حاكم في موقعك، فأنت إذا كنت جزءا واحدا من الرعية مسؤول أمام الحاكم، أو أنت رب بيت مسؤول، أو كنت في حزبٍ سياسي فأنت مسؤول، فهل يوجد أكثر من هذه المشاركة؟!.
   إذن، فمفهوم الديمقراطية لكل شعب، ولكل بلد لها خصوصياتها، وهذه الخصوصيات لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، لكن أنا أتكلم بالخط العام، الديمقراطية تعني ثلاثة مقومات: الحرية والمشاركة والمساواة، ولا تجد هذه المقومات واضحة وجليّة وصريحة كما تجدها في الإسلام، فكيف نقول أن الديمقراطية هي بضاعة أميركية؟ لماذا لا نقول أن الديمقراطية بضاعة الشعب العراقي في الأساس؟ نحن عندما نقرأ التاريخ الإسلامي في فترة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وفترة أمير المؤمنين (عليه السلام) لم نقرأ ولا حالة اعتقال واحدة لمواطن بسبب رأيه، وهذه قمة الديمقراطية وإلا لو لم تكن الديمقراطية هي بضاعتنا، أسألك هل الديكتاتورية هي بضاعتنا؟ أبداً لا الرسول الكريم (ص) مارس أو دعا إلى ديكتاتورية (أعوذ بالله) ولا  الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولا أي إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
  حتى مع الخوارج الذين كانوا أشد أعدائه فقد تعامل الامام علي (ع) معهم بالعدل، عندما قال لهم: أن لكم السوية وأن لا أمنعكم من مسجد ولا أسقطكم من بيت المال، لكن لا ترفعوا بوجهي السيف، والمسجد في ذلك الوقت كان وزارة الإعلام وهو المحطة الفضائية وهو التجمعات السياسية، فالمسجد كان شيئا مهما في ذلك الوقت، فمن كان يمتلك رأياً، سواء كان مع الحاكم أو ضد الحاكم، كان يأتي ويطرحه في المسجد، فقال لهم (عليه السلام) لا أمنعكم من المسجد، تعالوا وقولوا رأيكم بشرط أن لا ترفعوا السلاح في وجهي، فمنطق الديمقراطية هي بضاعتنا وليست الديكتاتورية.  
   السؤال الثامن: زعم الأمريكيون أنهم سيسلّمون دفة الحكم إلى العراقيين أنفسهم وهذا ما نوهت به خلال إجابتك السابقة بعد إسقاط نظام صدام وإحلال الديمقراطية. 
   فهل تجدهم صادقون وأنهم سوف يتخلون عن أطروحة الحاكم العسكري؟.
   الجواب: كفى الأمريكيون أخطاءا في منطقتنا بدء من قضية فلسطين إلى قضية دعمهم الديكتاتوريات ولا أعتقد أنهم اليوم قادرون أن يتحملوا عواقب خطأ آخر ربما يكون أفدح وأخطر من كل الأخطاء الماضية، فاذا ارادوا ان يتعاملوا اليوم مع العراق بالضد من الأهداف المعلنة فإنه سيكون لهم مستنقعا قد يدخلونه ولكن من الصعب عليهم أن يخرجوا منه، لذلك أعتقد أن الأمريكيين سيفكرون بجدية وبصوت عال قبل أن يرتكبوا خطأ  قد يتمثل بالحكم العسكري أو بتجاوز الشعب العراقي باختياره نظام الحكم السياسي أو بفرض دستور معين كما حصل في اليابان مثلا بعد الحرب العالمية الثانية. 
   هذا من جانب، والجانب  الآخر فأن ثقتنا بالشعب العراقي عالية جدا ولا أعتقد أن من الممكن أن ينسى هذه العقود الثلاثة من الزمن التي عاشها في ظل هذا النظام الشمولي ويعيد الكرة من جديد ويترك المجال لأميركا أو غيرها لارتكاب خطأ بحقه، فأنا أعتقد بأن العراقيين سوف يصرون على انتزاع ما يريدونه بأي شكل من الأشكال، وبنفس الوقت أعتقد بأن الأميركيين سوف لن يرتكبوا مثل هذا الخطأ الذي أعتبره فادحا وجسيما ليضاف إلى بقية أخطائهم في العالم العربي.
   السؤال التاسع: إذن فكيف ترى ملامح العراق الجديد؟.
   الجواب: برأيي فأن العراق الجديد يفترض أن يكون بملامح الصورة الآتية: فأولا حرية الشعب العراقي وحرية إرادة الإنسان العراقي.
   منذ 35 سنة والمواطن العراقي لم يكتب رأيا في ورقة ليضعها في صندوق اقتراع بشكل حرّ وبكامل إرادته، فالذي كان يحدث دائما هو التزوير والاستعراض (الديمقراطي) الكاذب الذي يفرز نسبة 100% كما حصل في استفتاء صدام الأخير.
   العراق الجديد يجب أن يكون عراقاّ المواطن فيه حر وإرادته حرة، في إطار شعار ألخصه بعبارة واحدة هي: (صوت واحد لمواطن واحد) فلا نستعيض عن صوت مواطن بصوت غيره إطلاقا، أو نتجاوز صوت مواطن ورأيه، ولا يمكن لمواطن أن يتنازل عن صوته لأن الصوت هنا سيكون مسؤولية، فإذا كان الإنسان متدينا فالمسؤولية شرعية، وإذا كان حريصا على بلده ومستقبل بلده فالمسؤولية وطنية، وإذا كان يفكر بالمستقبل أي بالأجيال القادمة فالمسؤولية تاريخية.
   هذا أولا، وأما ثانيا: فيجب إشاعة قانون المساءلة في العراق الجديد إن شاء الله تعالى، فالحاكم فيه مستعد دائما للمساءلة، بمعنى آخر فكل مواطن بمجرد أن يتصدى لمسؤولية ما سواء كان رئيسا أو وزيرا أو عضوا في البرلمان أو متصد لحزب أو لشأن اجتماعي عام، يجب أن يقبل ويستعد على الدوام لأن يكون تحت المجهر وفي أية لحظة يمكن أن يوجه له سؤال من أي مواطن: من أين لك هذا؟ لماذا اتخذت القرار الفلاني ولم تتخذ القرار الفلاني؟ مثلا، ففي عراقنا الجديد ليس هناك إنسان معصوم عن او فوق المساءلة، ولن يكون هناك مواطن لا يتمتع بحق السؤال، وليس هناك طبقية فالكل يسأل ويسأل في ذات الوقت.
   السؤال العاشر: أستاذ نزار.. يلاحظ على كلامك هذا أنك رسمت صورة للعراق الجديد انطلاقا من المنى والأحلام والآمال كما يبدو.
   ترى كيف تستشرف مستقبل العراق من على أرض الواقع؟.  
   الجواب: أكيد، فأن مجرد ذكر الحرية أو الديمقراطية والتعددية والمساءلة وتداول السلطة السلمي والبرلمان والانتخاب الحر وما أشبه أمام المواطن العراقي اليوم، يعدّ حلما، لماذا؟ لأنها سـتأتي بعد 35 سنة من الحكم الشمولي، 35 سنة غيبت هذه المعاني ونسيت هذه المصطلحات وأصبح المواطن العراقي يراها تحلق في سماء المثاليات أو المستحيلات.
   والآن، لو سألت أي مواطن عراقي ما هي حقوقك؟ لا يعرف إجابة لهذا السؤال لأنه عاش 35 سنة محروما من أبسط حقوقه، وهو كان مشغولا باداء واجباته فقط!، ولأضرب لك مثالا: فصدام حسين كان يعتقل الآلاف بلا سبب وبعد مدة يصدر قرارا بإطلاق سراحهم، وللأسف تجد حتى أناسا مثقفين يعتبرونها مكرمة للسيد الرئيس!، أية مكرمة هذه؟! والحق أنه يجب عليه، ورغم أنفه، أن يطلق سراحهم لأنه أصلا لم يعتقلهم بقانون أو حكم عادل والحال أنه يعتقل بلا قانون ويسرح بمكرمة، ومن هنا يحق للعراقي أن ينظر إلى أية مفردة مما ذكرتها وكأنها حلما لأنه حتى في الحلم لم يعشها لحظة. 
   ومن طريف ما يحكى في هذا الباب أن عراقيا رأى في المنام أنه وقع انقلاب عسكري وتشكلت حكومة جديدة فلما استيقظ روى هذا الحلم لصاحبه، وصاحبه رواه لصاحبه الآخر، وهكذا راح هذا الحلم ينتقل من واحد إلى آخر حتى وصل إلى المخابرات الصدامية فاعتقلوا ذلك الرجل الحالم يعذبونه ليل نهار أن أخبرنا عن أعضاء حكومة الانقلابيين، من هم؟ لكي يعتقلوهم خوفا من أن يصبح هذا الحلم حقيقة!.
   ان المواطن الذي يقتل بالسم الكيمياوي كيف له أن يفكر بالحرية والديمقراطية وأمثالها وكيف يصدق بوجودها؟!. 
   أما في العراق الجديد فيجب أن تتحقق هذه الأحلام كما تسميها وأنا أسميها حقائق، على الأقل أنها ستكون النتيجة الطبيعية لذلك الثمن الباهظ الذي دفعناه.
   السؤال الحادي عشر: هل تعتقد أن أحلام العراقيين سوف تتحقق بالصيغة الفيدرالية؟.
   الجواب: لا أستطيع تحديد الأسلوب الدقيق الذي ستتحقق به هذه التي تكرر تسميتها بالأحلام وأصرّ على أن أسميها الحقائق، ولكن في الخط العام سيكون هناك حالة الصوت العراقي الواحد والمحترم وتداول السلطة السلمي واستقلالية القضاء، وهذه الأخيرة قضية مهمة جدا لأن مشكلتنا في العراق ولعقود طويلة من الزمن هي أن القضاء بيد الحاكم فالحاكم هو المدعي وهو القاضي وهو الحاكم وهو المنفذ للحكم، وفي ظل قضاء غير مستقل لا يمكن تحقيق الديمقراطية مطلقا ولا يمكن صيانة حقوق المواطن أبدا.
   السؤال الثاني عشر: كان حديثك يدور حول صورة العراق بعد إحلال الديمقراطية المنشودة. 
   لكن، ماذا عن المرحلة الانتقالية التي سيمر بها الوطن حال سقوط نظام الحكم؟.
   الجواب: في الحقيقة نحن كنا نتمنى أن لا تصل الأمور إلى مستوى من التعقيد كما هي اليوم لتتدخل الولايات المتحدة الأميركية بهذه الطريقة المؤلمة والمؤسفة لإسقاط نظام صدام حسين، وكنا نتمنى أن يتمكن الشعب العراقي من تحقيق التغيير من خلال جهوده الذاتية وبمساعدة الجامعة العربية مثلا او العالم الإسلامي او دول الجوار. 
   كما كنا نتمنى مثلا أن تضغط الدول العربية أو الإسلامية على صدام ليتنحى عن السلطة فتتغير الأوضاع أو يتم حلحلتها على الأقل ولكن، وللأسف الشديد فأن سياسات نظام صدام انتهت بالأمور إلى ما انتهت إليه اليوم وبهذه الطريقة المأساوية المفجعة، وللأسف الشديد فلقد كان الشعب العراقي هو الضحية الأولى والأكبر لسياسة هذا النظام. 
   ولكن، الآن وقد وقع المحذور وجاءت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وحلفاؤهما ودخلوا هذه الحرب وسقط نظام صدام حسين فأنا أعتقد: 
   أولا: أن وجود الولايات المتحدة الأميركية في العراق، سيكون أمرا واقعا على اعتبار أنها هي التي جيشت كل هذه القوات ودفعت الثمن السياسي والسمعة في مجلس الأمن فليس من المعقول أنها تسقط النظام وبعد لحظة تدير وجهها وتعود إلى بلادها.
   ثانيا: أن هناك عدة سيناريوهات لمرحلة ما بعد صدام، ومنها: إقامة إدارة مدنية أميركية لفترة انتقالية قد تكون ستة أشهر أو تمتد لأكثر من سنتين بالاستفادة من العراقيين كمستشارين وما أشبه. 
   لكن هناك رأي آخر تعمل عليه المعارضة العراقية وأعتقد أنه بدأ يثمر وهو السعي لتشكيل حكومة عراقية انتقالية، وأنا شخصيا ومعي الكثير من الشخصيات المعارضة الأخرى اتفقنا على إقامة مثل هذه الحكومة المؤقتة لأننا نعتقد أن من المهم جدا أن لا تثلم سيادة العراق حتى ولو للحظة واحدة بعد الخلاص من نظام صدام. 
   السؤال الثالث عشر: المظاهرات العالمية المناهضة للحرب على العراق، ما هو انطباعك عنها؟ ولأي سبب تعزو ضخامة حجمها؟.
   الجواب: السبب الأول هو أن وجدان الإنسان الطاهر والنقي يرفض القتل ومنظر الدم، لذلك فإن الناس في العالم كانوا ولا يزالون ونحن من بينهم ضد الحرب فلا أحد في هذا الكون يحب الحرب ويحب أن يرى شعبه وقد سحق بآلة الحرب المدمرة.
   وفي قضية العراق أعتقد أن الإنسان الوحيد الذي يحب الحرب هو صدام حسين ولقد نشرت مقالة أسميتها (تاجر الحروب) وهو الوصف الدقيق برأيي لهذا الرجل، فهو منذ أن استولى على السلطة ولحد الآن زج بالعراق قي ثلاثة حروب مدمرة شاملة خارجية وأدخله في عدة حروب داخلية، ولو كان مفهوم الحرب يعني استخدام الدبابة والسلاح فإن نظام صدام استخدم السلاح كأداة وحيدة للتعامل مع الشعب العراقي، فأبسط مظاهرة شعبية للتعبير عن رأي معين في قضية ما يواجهها نظام صدام بالسلاح كما حدث في انتفاضة 1977 ميلادية المعروفة بانتفاضة صفر وكما فعل بانتفاضة آذار وما فعله مع الكرد في شمال العراق.
   على مدى 35 سنة لم يستخدم صدام غير السلاح المدمر للتعامل مع شعبه، فهو تاجر الحرب المتميز، أما هذه التظاهرات الرافضة للحرب فهي تعبر عن مشاعر إنسانية صادقة وهذا شيء يفرحنا حقيقة فالعالم كله ضد الحرب وضد قتل الأبرياء وضد تدمير الشعب العراقي لكن ما يؤسفنا في ذات الوقت هو أن هذا الرأي العام وهذا الوجدان الإنساني للعالم، وبغض النظر عن الدين والانتماء والخلفية، تعرض لماكينة الدعاية المضللة لنظام صدام بشكل كبير ومخيف جدا ووقع ضحية استغلال المشاعر من قبل الإعلام الصدامي. 
   كنا نتمنى أن تكون هذه المشاعر الإنسانية الصادقة اكثر وعيا فلا تقع ضحية الماكينة الإعلامية للنظام، وأن تعبر بشكل دقيق وصحيح عما يجول في خاطرها كأن ترفع مثلا شعار لا لصدام لا للحرب حتى يعرف الجميع، وأولهم نظام صدام، أن هذه المظاهرات ليست دفاعا عنه ولا تعني تأييده فيتشبث اكثر بالسلطة بغرور، غير أن الذي حصل هو أن هذا الوجدان الإنساني قد أخطأ في التعبير عن نفسه، للأسف الشديد، فـفهم نظام صدام الاخرين، أو هكذا أراد أن يفهمهم، بأن هذا الوجدان هو لصالح سياسته وتأييدا لبقائه في السلطة.
   السؤال الرابع عشر: إذن، يمكننا ألقول بأن هذا الهاجس الإنساني أو الوجدان، كما تسميه، قد فهم النتيجة وهي الحرب وأدانها بينما لم يفهم السبب الذي يقف وراءها وهو نظام صدام حسين؟.
   الجواب: نعم بالضبط إضافة إلى كونه عبر عن الهدف بشكل خطأ، فالإنسان إذا أراد التعبير عن شيء فليس من الصحيح أن يهتم فقط بإبراز الهدف وإنما من الواجب عليه كذلك أن يستخدم الوسيلة الصحيحة، فمثلا حين أريد أن أشرب كأسا من الماء، الماء طاهر ولكن ربما الكأس نجسة فهل يجوز الشرب في هذه الحالة؟! كلا فالواجب علي أن أتيقن من طهارة الكأس الذي أشرب فيه أيضا.
   السؤال الخامس عشر: والإعلام العربي، كيف رأيته في التعامل مع الحقائق؟.
   الجواب: مشكلة الإعلام العربي أنه لا يمتلك مفتاح المهنة بيده بل الذي يمتلك هذا المفتاح هي الأنظمة الحاكمة، ففي العراق فالفضائية العربية التي تغطي الحدث ليس بيدها مفتاح او قرار الذهاب إلى موقع الحدث لتغطيته او حتى اختيار الموقع، وإنما هو بيد النظام فهو يقودها إلى حيث يريد لا إلى حيث تريد او يجب ان تكون، ولذلك فهي في حقيقة الأمر ليست حرة وليست مستقلة وإن ادعت ذلك، بل ان الذي يسيرها هو النظام الحاكم، ومثال على ذلك أن الفضائيات تقول أن أميركا أطلقت على العراق 2000 صاروخا، طيب هذه الفضائيات التي تقول عن نفسها مستقلة كم هدفا أرتنا؟! يمكن 10 أهداف، حسنا فأين الأهداف الأخرى؟ لماذا لم تنقلها لنا كلها؟ وأكثر من هذا أقول أنها ليس بإمكانها أن ترينا بقية الأهداف فهي لا تستطيع أن تنقل لنا غير الهدف الذي يريد عرضه للراي العام نظام صدام حسين. 
   وأوجه السؤال الآتي لهذه الفضائيات: أين كانت عندما ضرب صدام مدينة حلبجة مثلا بالسلاح الكيمياوي؟ كم فضائية عرضت هذا الحدث الخطير؟ لنقل في ذلك الوقت لم تكن هذه الفضائيات موجودة، ولكن، الآن لماذا لا يعرضونها وهي مسجلة في أفلام وأقراص؟.
   وجريمة صدام بقصفه مدينة كربلاء المقدسة ابان الانتفاضة الشعبانية، والتي قال عنها أحد الصحفيين الألمان عندما زارها إثر الانتفاضة وقضاء النظام عليها (كأنها مدينة خرجت للتو من زلزال) وقال آخر (ذكرتني كربلاء بمدينة برلين التي لم يبق فيها حجر على حجر بعد الحرب العالمية الثانية) واتساءل كذلك أية فضائية عرضت لنا الصلاة المليونية التي كان يقيمها الشهيد محمد الصدر (الصدر الثاني) في مسجد الكوفة؟! ليعرف العالم أن الجماهير العراقية ليست موالية لصدام وإنما هي مخلصة الولاء لزعاماتها الدينية التي ترزح تحت نير الإقامة الجبرية والاضطهاد المادي والمعنوي.
   المشكلة الأخرى التي تعاني منها الفضائيات العربية، شأنها شأن المواطن العربي، أن الصورة المأساوية التي تعرض أمام عدسات الكاميرا تعدها جريمة أما تلك التي لا تسمح الأنظمة بعرضها فهي تمر عليها وكأن شيئا لم يكن. 
   المشكلة الثالثة حقيقة هي أن الإعلام العربي يميز في مفهوم الظلم أي أن الظلم الصادر من صدام حسين هو ظلم محبوب، ظلم مبرر، ظلم منطقي، ويوجد له الإعلام العربي ألف مصطلح ومصطلح تبريري مهما كان هذا الظلم عظيما، لكن الظلم الصادر من أميركا مثلا، وإن كان بسيطا، فإنه ظلم شنيع، لماذا؟ لأنه صادر من أميركا والحال أن الظلم واحد كيفما كان وحيثما وجد سواء كان الظالم مسلما أو يهوديا، حاكما أو محكوما، صديقا أو عدوا، فالظلم ظلم، لكن الإعلام العربي، ومثله المثقف العربي، يجزئ الظلم وهذا من أكبر الأخطاء.
   *شكرا أستاذ نزار. 
   نلتقيك في عراق حرّ ديمقراطي مزدهر إن شاء الله.
   *شكرا لكم، أسأله تعالى ذلك في أقرب وقت، وليوفق الله الجميع.
في ندوة مركز (دار السلام) بالعاصمة الاميركية واشنطن، نــــــزار حيدر يتحدث عن:
العراق... بين مخاطر الماضي وتحديات الحاضر وآفاق المستقبل
{5 ايلول 2003}
   في الأسبوع الماضي، استضافني مشكورا مركز دار السلام في العاصمة الاميركية واشنطن، لإلقاء محاضرة حول العراق بعنوان (العراق... بين مخاطر الماضي وتحديات الحاضر وآفاق المستقبل) حضرها جمع من العراقيين الواعين والمتنورين والحريصين والمتحمسين.
   شعرت أن الندوة تحولت إلى ورشة عمل بكل معنى الكلمة ، لا ادري لماذا؟ ربما لان النقاط التي أثرتها في محاضرتي كانت بالنسبة للحضور في غاية الحساسية والأهمية، أو لان حرص الحضور وتحمسهم لبلورة قناعات مشتركة إزاء وطنهم وشعبهم من اجل الإسراع في الانتقال إلى مرحلة بناء العراق الجديد بعد عقود القمع والإرهاب والاستبداد والديكتاتورية، هي التي دفعتهم لان يشاركوا في المداخلات التي لا أبالغ إذا قلت أن كل واحدة منها تستحق أن تكون مادة لندوة مستقلة، أو مقالا ينشر على مواقع الانترنيت أو في الصحف اليومية ، لثراء مادتها وعمق نظرتها وتحليلها.
   في المحور الأول، قلت أن العراق الذي ابتلي بنظام استبدادي شمولي استثنائي، ابتلي كذلك بالاحتلال الذي كان وللأسف، الطريقة الاستثنائية لتغيير الأوضاع (طريقة استثنائية لتغيير نظام استثنائي) ولذلك فان العراق وشعبه ورث من الماضي، وبسبب سياسات النظام البائد التدميرية، عدة مخاطر حقيقية أهمها:
   أولا: بلد مدمر على كل المستويات، مدنيا، اقتصاديا، اجتماعيا، وغير ذلك، لان النظام المقبور بدد المال العام وصرف واردات العراق على عمليات التدمير المنظمة لكل شيء، كما صرفها على بناء ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي كان العراقيون أول وأعظم ضحاياها، كما صرفها على بناء الأجهزة القمعية وشن الحروب العبثية.
   ثانيا: احتقانات عرقية وطائفية، بسبب التمييز الطائفي والعرقي الذي كان يمارسه ويكرسه النظام البائد، بالإضافة إلى سياسات التعريب والتهجير والاستيلاء على الممتلكات وتوزيعها وبيعها إلى آخرين.
   ثالثا:مخلفات أخطاء قاتلة ارتكبها النظام المقبور، والتي كان يحاول في كل مرة يشعر بدنو نهايته، اثر كل فشل أو هزيمة، تصحيح مساراتها بتقديم تنازلات سيادية لإرضاء الآخرين وإنقاذ رأسه من المقصلة والحفاظ على سلطته، فبسبب حربه العنصرية ضد الكرد في شمال العراق تنازل لشاه إيران المقبور عن سيادة العراق على أجزاء هامة من شط العرب في إطار توقيعه على اتفاقية الجزائر عام 1975.
   كذلك، فبسبب حربه العدوانية ضد الجارة إيران واحتلاله للجارة الكويت، وحرب الخليج الثانية،
ومماطلته في تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بشروط وقفها، إن كل هذه الأخطاء القاتلة خلفت للعراق وشعبه مصاعب جمة تتعلق بالحدود والتعويضات بالإضافة إلى ذات القرارات الدولية المثقلة بالمخاطر، سيكون من الصعب جدا على العراقيين تجاوزها والتخلص من آثارها المدمرة قبل أن تمر مدة طويلة من الزمن.
   في المحور الثاني، قلت أن من ابرز تحديات الحاضر، والتي هي نتيجة طبيعية كذلك لسياسات النظام التدميرية، هي:
   أولا: الاحتلال، وما يؤثر على السيادة الوطنية وعلى شكل النظام السياسي الجديد بالإضافة إلى تداعياته على كتابة الدستور للعراق الجديد.
   ثانيا: الاقتتال، وهو من اخطر ما يواجهه الشعب العراقي من تحد داخلي بسبب القنابل الموقوتة التي زرعها النظام البائد قبل أن يرحل بظله الثقيل عن العراق وشعبه.
   ثالثا: الإرهاب، بسبب الانفلات الأمني وغياب أية مراقبة على طول الحدود العراقية مع جيرانه، والذي منح عصابات الإرهاب المنظم فرصة لفك الطوق والحصار الذي ربما كاد أن يأتي عليها ويخنقها ويقضي عليها في دول الجوار كالسعودية وأفغانستان وا لباكستان وإيران وغيرها، والتسلل إلى العراق الذي اعتبرته ساحة حرب مفتوحة مع الاميركان من جانب ومع القوى السياسية والمذاهب الدينية التي تختلف معها بشكل أو بآخر (قلت هذا الكلام قبل أربعة أيام من وقوع الجريمة البشعة التي شهدتها مدينة النجف الأشرف يوم الجمعة الماضية والتي أودت بحياة الشهيد الحكيم والمئات من الأبرياء) كما تعتبر العراق ملاذا آمنا جديدا لها.
   رابعا: تحدي المخدرات التي بدأت تتسلل إلى العراق بشكل رهيب، إذ استغلت عصابات وتجار ومافيا المخدرات، كذلك، الظروف الأمنية السيئة وانفلات السيطرة على الحدود ، لتهجم على العراق وتنتشر في مختلف المناطق،  لتزرع الموت والدمار والتفسخ الاجتماعي والقتل والتدمير الذي تخلفه عادة المخدرات في كل بلد تحل فيه.
   انه تحد كبير قد يكون العراق أرضية خصبة لنموه بسبب الظروف الاقتصادية والبطالة القاتلة التي يعيشها العراقيون اليوم، والتي يستغلها عادة تجار الموت (المخدرات) في مثل هذه الظروف بالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه.
   خامسا: هنالك كذلك تحدي بناء هيكلية الدولة الجديدة، فبعد عقود طويلة من الزمن غابت فيها عن العراق كل مقومات الدولة العصرية والنظام الحضاري التقدمي، يقف العراقيون اليوم أمام تحديات بناء دولة جديدة تحترم الإنسان وحقوقه كما تحترم إرادة المواطن وحريته ورأيه، ولذلك فإنهم أمام تحديات خطيرة وهامة ستؤسس لمستقبل هو الأول من نوعه، وذلك في إطار تحديات هيكلية بناء الدولة الجديدة والتي منها تحديات (صياغة الدستور) و(نوعية النظام الإداري والسياسي) و (الفيدرالية وأسسها ونوعها) و (موقع الدين والمؤسسات الدينية من وفي بناء الدولة الجديدة) وغير ذلك من القضايا الاستراتيجية التي يناقشها العراقيون اليوم لأول مرة في حياتهم، والتي تحتاج إلى الحكمة والتأني وسعة الصدر والتواضع ووضع المصلحة العليا فوق أي اعتبار آخر، ليأتي البناء سليما معافى، وقبل ذلك، لتأتي المناقشات والمداولات والحوارات سليمة من دون ضحايا أو مشاكل.
   أما في المحور الثالث، فقد قلت أن آفاق المستقبل والتي يمكن تلخيصها بالأمل الذي يحدو كل العراقيين في بناء عراق ديمقراطي يأخذ الخصوصية بنظر الاعتبار، تبشر بالخي، وأضفت: انه يجب أن تكون النتيجة التي سيحصل عليها العراق والعراقيون ضخمة وقيّمة تساوي وتعادل الثمن الباهض الذي دفعه العراقيون طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، والذي كان بحق ثمنا غاليا جدا لا يجوز التفريط به أو نسيانه وتجاوزه، إذ ستأتي النتائج باهتة وغير مشجعة.
   ومن اجل الإسراع في انتزاع سيادة العراق من المحتل وإعادة بناء الدولة العراقية الجديدة، وكذلك إعادة بناء العراق المدمر، اقترحت ما يلي:
   أولا: صناعة مجموعات الرأي العام في داخل العراق من قبل العراقيين الذين عاشوا تجارب الحرية والديمقراطية والتعددية واحترام الآخر والتنمية، لنقل هذه التجارب الإنسانية إلى اكبر عدد ممكن من العراقيين في داخل العراق، من اجل إشاعة كل المفاهيم الحضارية والإنسانية التي تساهم في بناء العراق الجديد، والمجتمع المدني، فالنظام الديمقراطي لا يمكن تأسيسه بليلة وضحاها، خاصة في ظروف بلد كالعراق الذي خرج للتو من تحت ركام وأنقاض نظام شمولي مدمر طال عهده خمسة وثلاثين عاما.
   كذلك ، فكما أن للديكتاتورية ثمن تدفعه الشعوب، كذلك فان للديمقراطية ثمن يجب أن يدفعه العراقيون قبل التلذذ بنعيمها ومزاياها الجمة.
   ثانيا: صناعة مجموعات ضغط في الخارج وبالذات في الولايات المتحدة الاميركية من قبل العراقيين، كذلك للتأثير على وجهة سير الأحداث في داخل العراق من جانب، وللدفع باتجاه تبني السياسات الصحيحة التي يراها العراقيون والذين هم اعرف بالعراق وظروفه وحاجاته وخصوصياته من الاميركيين وغيرهم، من اجل التقليل قدر الامكان وبالتالي وضع حد للأخطاء القاتلة في بعض الأحيان التي يرتكبها الاحتلال في العراق، وكل ذلك في سبيل تسريع الخطى الرامية إلى إعادة صياغة وبناء العراق الجديد.
   بالإضافة إلى ذلك، فان صناعة مثل هذه المجاميع العراقية في الخارج سيساهم في مشاركتهم في عملية إعادة البناء والأعمار كما سيساهم في تسريع عملية انتزاع السيادة.
   المداخلات التي جاءت من قبل الحضور الكريم على القضايا والمواضيع التي طرحتها في المحاضرة كانت قيمة لدرجة أنها تستحق أن افرد لها مقالا خاصا، إذ لا يمكن استيعابها هنا وبهذه العجالة، ولكن (ما لا يدرك كله لا يترك جله) لذلك اكتفي بذكر ما يلي:
   إحدى المداخلات أشارت إلى فكرة هامة جدا تقول، أن للعراقيين اليوم في الخارج فرصة توضيح حقيقة في غاية الأهمية ربما غابت عن الكثيرين، وهي أن تضحيات الشعب العراقي العظيمة هي التي أسقطت النظام البائد بالفعل العسكري الاميركي، إذ لولا هذه التضحيات التي جاءت على يد النظام البائد بالقتل والاغتيال والمقابر الجماعية، لما فكر الاميركيون في إسقاط النظام الديكتاتوري، من اجل ان يصححوا الفكرة التي تقول بان الاميركيين منّوا عليهم بإسقاط النظام من دون ان يفعل العراقيون شيئا بهذا الصدد.
   مداخلة أخرى علقت على مخاطر المخدرات، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وامنيا، بشواهد وإحصائيات علمية دقيقة، فيما أشارت كذلك إلى لزوم التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وهي في المهد قبل أن تستفحل، من خلال مطالبة دول الجوار وقوات الاحتلال بمراقبة الحدود، كما يلزم القيام بحملة إعلامية واسعة وسريعة للكشف عن هذا التحدي الخطير، لالفات أنظار العالم والعراقيين إليه.
   مداخلة ثالثة قالت إن من المهم أن نتحدث أولا عن إثبات العراقيين لقدرتهم على إدارة أنفسهم وبلدهم قبل أن نطالب برحيل الاحتلال، على اعتبار أن أي إنجاز واثبات وجود يسجله العراقيون يقصر من عمر الاحتلال زمنا معينا.
حوار عبر الأثير مع اذاعة (الشمس):
الديمقراطية وأدواتها مطلب وطني قبل اي شيء آخر
{28 تشرين الاول 2003}
   في حوار عبر الأثير مع (إذاعة الشمس) التي تبث برامجها من مدينة الناصرة في فلسطين المحتلة، سألني معد البرنامج السياسي عن معالم العراق الجديد الذي ينشده العراقيون، فقلت له: انه عراق خال أولا من الديكتاتورية والنظام الشمولي والحزب القائد والزعيم الأوحد والمقابر الجماعية والانقلابات العسكرية والحروب العبثية وأسلحة الدمار الشامل، انه عراق الحرية والديمقراطية والتعددية ومبدأ التداول السلمي للسلطة ودولة القانون والدستور والنظام ألتعددي البرلماني، وحدهم المواطنون هم الذين سيختارون نوع النظام السياسي الذي يرتأونه، وهم الذين سينتخبون مؤسساته الدستورية عبر صندوق الاقتراع على قاعدة {صوت واحد لمواطن واحد}.
   سألني: ومن أي جيران العراق أو الدول العربية تخشون على هذا الوليد الجديد؟ أجبته: نحن لا نخشى أحدا من كل هؤلاء، وان كنا نتمنى عليهم أن لا يتدخلوا بشؤون العراق الداخلية، ويراقبوا حدودهم حتى لا يتسلل منها إلى العراق تجار الموت والإرهاب والتعصب والمخدرات، إنما المشكلة أن الآخرين يخشون من معالم هذا العراق الجديد الذي سيكون بالتأكيد بدعا من أنظمة البلاد العربية والإسلامية التي تحكم اغلبها أنظمة غير منتخبة من قبل شعوبها، ولذلك فهي تفتقد إلى الحد الأدنى من المشروعية، فهي إما أنظمة ملكية بالوراثة أو أنظمة انقلابات عسكرية (سرقات مسلحة) قيد التحول إلى أنظمة جمهورية بالوراثة، ولذلك فان قيام نظام ديمقراطي دستوري تعددي برلماني في العراق، يعتبرونه تهديدا مباشرا، وان كان على المستوى البعيد، لأنه ـ حسب زعمهم ـ سيتحول إلى أنموذج يحتذى بالنسبة إلى بقية الشعوب العربية والإسلامية، ستسعى للإقتداء به وتكراره إن عاجلا أم أجلا.
   وأضفت، انه ليس ذنب الإنسان العراقي إذا طالب بنظام ديمقراطي يضمن له حريته وكرامته ويحقق له النمو الاقتصادي والازدهار المدني والحضاري والتكنولوجي، ويوفر له الأمن والسلام الداخلي ومع الجيران والعالم، يصون حقوقه ولا يعتدي عليها احد أو يسحقها، وكذلك لا يصادر رأيه وإرادته، كما يحقق له الاستقرار ولا يسوقه إلى حروب عبثية مع جيرانه والمجتمع الدولي، إنما هو ذنب الأنظمة التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى من كل ذلك لشعوبها التي باتت تتطلع وترنو بعيونها إلى يوم التغيير، ربما بأي ثمن، كما رأينا ذلك في العراق.
   سألني عن رأي العراقيين بتغطية الفضائيات العربية لأخبار وأحداث وتطورات العراق، قلت له: إن العراقيين لا يخشون من التغطية السيئة لأخبارهم في هذه الفضائيات، التي تفقد مصداقيتها لدى الرأي العام العربي والعراقي خاصة، يوما بعد أخر، ولقد رأينا كيف هاجم المواطنون العراقيون فرق عمل عدة فضائيات عربية، بتهمة الانحياز إلى فلول النظام السابق والعناصر الإرهابية التي تحاول زرع الخوف والرعب وزعزعة الاستقرار وسلب الأمن من حياة المواطن العراقي المسكين، من خلال تنفيذ عملياتها الإرهابية التخريبية هنا وهناك من بعض مناطق العراق.
   إنهم لا يخشون ذلك، فلقد تعودوا على ظلم الإعلام العربي لهم، وهو الذي لم ينصفهم دائما وأبدا، ولكن في ذات الوقت يتمنى العراقيون اليوم على هذه الفضائيات أن تمسك العصا من الوسط، أي أن تتحلى ببعض الإنصاف فقط عند تغطيتها لأخبار العراق، فكما أنها تفرد متسعا كافيا من الوقت لعناصر إرهابية ملثمة، مجهولة ونكرة ولا يعرف احد ما إذا كان الفيلم المعروض قد سجل فعلا في داخل العراق أم في أستوديو المحطة الفضائية، تتحدث عن عملياتها الإجرامية وبطولاتها المزعومة في قتل الأبرياء واستهداف المساجد والمراقد المقدسة والأماكن الآهلة بالمدنيين وتهديدها العراقيين بالويل والثبور، كذلك يلزمها، إذا أرادت أن تنصف العراقيين، أن تستعرض مثلا أحاديث لعراقيين يتحدثون عن الحرية التي يتمتعون بها اليوم، سياسيا وإعلاميا ودينيا واجتماعيا وغير ذلك، والتي حرموا منها على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، أو ان تغطي أخبار الخدمات والحقوق الاساسية التي يتمتع بها المواطن اليوم، والتي كان يحلم بها طوال سني عهد النظام البائد البغيض، كالماء والكهرباء والهواتف الجوالة وشبكة ومقاهي الانترنيت وحرية الإعلام والصحافة والاتصال واقتناء الصحون اللاقطة وغير ذلك.
   كذلك، فإلى جانب تقاريرها الخبرية عن قتل الجنود الاميركيين، عليها ـ إذا أرادت أن تثبت إنصافها للعراقيين وعدم انحيازها لأي طرف، النظام البائد أو الشعب العراقي ـ أن تتحدث عن المقابر الجماعية وردهات السجون وطوامير المعتقلات الرهيبة وانتهاكه للأعراض واغتصابه للحرائر، والدمار الهائل والديون المستحقة على العراق التي خلفها النظام السابق، وضحايا حروبه العبثية وعمليات الأنفال وقمع الانتفاضة الشعبانية وقصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي، والمستوى المتدني للتعليم والصحة وانعدام الضمان الاجتماعي، وتدهور العملة العراقية الوطنية التي كانت في السبعينيات من القرن الماضي تعادل (3.7) دولارا اميركيا للدينار الواحد، ولما غادر صدام حسين السلطة في نيسان الماضي ترك السنت الاميركي الواحد يعادل عشرين دينارا.
   إذا تحدثت الفضائيات عن كل ذلك، وغطت مختلف جوانب ووجوه الأزمة العراقية، سيتيقن وقتها العراقيون أنها بالفعل بدأت تنصفهم من دون أن تجامل أحدا أو تميل إلى طرف دون آخر، أما أن تنظر بعين الشفقة على أيتام وفلول النظام البائد، وتغمض عينها وتصم آذانها وتقطع لسانها، فلا ترى شعبا كاملا انعتق من ربقة الإرهاب والديكتاتورية والنظام الشمولي، وهو الآن يشم أولى نسائم الحرية، فهذا عين الإجحاف والانحياز والظلم.
   سألني، ما رأيكم بقرار الجامعة العربية الذي أدان المقابر الجماعية، قلت له: انه قرار صحيح وان جاء متأخرا جدا، يلزم أن تتبعه خطوة  سليمة وضرورية أخرى، وهي أن تبادر الجامعة إلى إرسال بعثة تقصي الحقائق، للوقوف على كل الجرائم الخطيرة والانتهاكات الفضيعة التي ارتكبها النظام السابق، لتحفظ ملفاتها وأفلامها في أرشيف الجامعة، لتكون قوة ردع معنوية للأنظمة الديكتاتورية الشمولية الأخرى، وعبرة لمن خدعته دعاية النظام المعزول والإعلام العربي المأجور والمطبلين والمزمرين له والمبررين جرائمه، من مثقفي الكوبونات وإعلاميي وصحفيي الدولار الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
   قال لي، إن الإعلام عرض صورا لمتظاهرين في تكريت وبغداد وهم يرفعون صورا للرئيس العراقي السابق صدام حسين، قلت له: وهذا اكبر دليل على الحرية التي يعيشها العراقيون بعد سقوط النظام البائد، ففي عهد الرئيس المخلوع كان النظام يعدم المواطن إذا عثر الجلاوزة  بحوزته على منشور سياسي أو صورة لغير القائد الضرورة، حتى إذا لم يمسك بالجرم المشهود، فقد أبيد طلاب احد صفوف مدرسة ثانوية في بغداد عن بكرة أبيهم لان احدهم ـ لم تعرف هويته حتى الآن ـ كتب شعار ـ الموت لصدام ـ على لوحة الصف.
   كما كان السجن المؤبد بانتظار من يسب ـ هبة السماء إلى الأرض ـ ولكل من يذكر اسمه من دون أن يتبعه بعبارة ـ حفظه الله ورعاه ـ أما اليوم فان من حق المواطن العراقي أن يتظاهر ويعبر عن رأيه ويعرب عن حبه أو بغضه لمن يشاء، فيرفع مثلا صور الرئيس المخلوع أو أية صورة أخرى، وله كامل الحرية والأمان وسوف لن يلاحقه جلاوزة وزارة الداخلية وأجهزة الأمن والمخابرات، كما أن مجلس الحكم الانتقالي سوف لن يصدر بحقه مذكرة اعتقال مثلا أو قرارا يصادر بموجبه كافة أمواله المنقولة وغير المنقولة، كما انه سوف لن يغيب في طوامير السجون المظلمة أو في المقابر الجماعية.
   أخيرا، سألني: إن العرب يتهمون العراقيين بالتأمرك والولاء لأميركا عندما يطالبون بالديمقراطية، فقلت مستغربا: وهل أن كل من يطالب بحقوقه وحريته وكرامته يتهم بالعمالة لأميركا؟ أم أن من يطالب بممارسة حقه في الاختيار عند صندوق الاقتراع يوصم بالأمركة؟ وكأن الحرية قيمة اميركية أو أن الديمقراطية التي تعني المساواة والمشاركة إلى جانب الحرية، مشروع اميركي؟.
   إن كل العراقيين تواقون لرؤية نظام سياسي ديمقراطي في العراق، وكلهم متشوقون لرؤية الفرقاء السياسيين وهم يتنافسون عند صندوق الاقتراع، فلا يحتكمون إلى السلاح أو إلى منطق القوة والعنف، إنما يتنافسون على برامجهم السياسية ومشاريعهم التنموية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغير ذلك.
   وأضفت: أن قيام نظام ديمقراطي تعددي في العراق هو لصالح الشعب العراقي أولا، قبل أن يكون لصالح الاميركيين، وان تمتع المواطن العراقي بحريته وحقوقه هو مطلب عراقي قبل أن يكون مطلبا اميركيا، ولذلك ضحى العراقيون بأرواحهم ودمائهم وبكل ما يملكون وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود  عجاف قبل أن تكتحل عيونهم برؤية عراق خال من اخطر أسلحة الدمار الشامل واعني بها الديكتاتور صدام حسين الذي سخر كل شئ من اجل تحقيق أحلام مستحيلة وطموحات مريضة.
   ولا تنسى، أضفت، أن العراقيين ظلوا يواجهون النظام المقبور ويضحوا في سبيل نيل حريتهم يوم كانت أميركا وكل دول العالم الشرقي والغربي ودول العالمين العربي والإسلامي تقدم له كل أنواع الدعم وتتستر على جرائمه وتبرر له انتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان، ما يعني أن الديمقراطية مطلب عراقي أولا وأخيرا.
   إن من مصلحة العراق، كبلد وكشعب، أن يستقر ويتصالح مع نفسه ويتعايش مع جيرانه والعالم، ليشهد نموا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومدنيا وعمرانيا، قبل أن يكون ذلك مصلحة اميركية، فكيف نتهم العراقيين بالتأمرك والعمالة  وما إلى ذلك من النعوت غير الواقعية والتي لا أساس لها من الصحة، عندما يرفعون شعارات حضارية  كالحرية والمساواة والمشاركة والكرامة والتنمية وحقوق الإنسان والتعددية والنظام الدستوري والانتخابات؟ والتي هي في الأساس قيم دينية شرعها الخالق عز وجل لعباده من اجل تحقيق العدل والإنصاف والإحسان، وهو القائل في محكم كتابه الكريم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}؟ وهل يمكن أن نتصور العدل والإحسان التي أمر  بهما الله تعالى من دون هذه القيم الحضارية؟ فنتصور العدل في ظل النظام الديكتاتوري، أو الإحسان عند المقابر الجماعية؟ أو الإنصاف في ظل النظام الشمولي الذي يقتل على الشبهة ويعدم على الظنة؟.
   إن العدل توأم الحرية، والإحسان صنو الكرامة، والإنصاف يلازم المشاركة، ولذلك يلزم أن تتحقق في آن واحد، لان المتناقضات لا تجتمع إلى بعضها، فكيف يمكن أن نجمع العبودية والذل والاستبداد إلى جانب العدل والإحسان والإنصاف؟.
نــــــــــزار حيدر لموقع (النبأ) الاليكتروني: 
قانون الدولة يتعارض حتى مع مبادئ الديمقراطية المنصوص عليها في وثيقة الحقوق الاميركية
{20 آذار 2004}
   أجرى مراسل موقع (النبأ) الاليكتروني حوارا هاتفياً مع نـــــــزار حيدر مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، وسأله عن رأيه بقانون ادارة الدولة العراقية المؤقت الذي وقعه الأسبوع الفائت أعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق.
   في البدء سأله ما إذا كان القانون يمثل الطموح الديمقراطي الذي كان يتوق إليه الشعب العراقي؟ وهل يمثل خطوة صحيحة لمسيرة الإصلاح الديمقراطي التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية في العراق الجديد؟.
   أجاب نـــــــــــزار حيدر:
   إن القانون يتناقض حتى مع نموذج مبادئ الديمقراطية المنصوص عليها في وثيقة الحقوق الاميركية، كما أنها تتعارض مع ابسط قيم الديمقراطية في العالم.
   وأضاف:
   إذا كانت الديمقراطية تعني حكم الأغلبية ــ أية أغلبية ــ التي يفرزها صندوق الاقتراع على قاعدة (صوت واحد لمواطن واحد) فان النصوص التي وردت في الباب الأول (المبادئ الأساسية) المادة الثالثة الفقرة (أ) والباب الخامس (السلطة التنفيذية الانتقالية) المادة (36) البند(ج) والباب التاسع (المرحلة ما بعد الانتقالية) المادة (61) البند (ج) كلا على انفراد، أو مجتمعة، والتي تتحدث عن حق النقض (الفيتو) للأقلية ــ أية أقلية ــ تفرغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي وتضع الأغلبية تحت رحمة الأقلية، كما أنها:
   أولاً ــ ألغت صندوق الاقتراع.
   ثانياً ــ شرعنت الطائفية (المذهبية أو العرقية، لا فرق).
   ثالثاً ــ كرست مبدأ التوافق (المحاصصة) فألغت بذلك حق الأغلبية ـ أية أغلبية ـ التي سيفرزها صندوق الاقتراع، في التمتع بحقوقها السياسية، على وجه التحديد.
   رابعاً ــ عرقلة إمكانية سن دستور جديد دائم للبلاد.
   خامساً ــ كبل المجلس غير المنتخب، المجلس الوطني الذي سينتخبه العراقيون.
   بحسب نصوص القانون، ما يعني أن اللاشرعية حددت سقف الشرعية، حتى قبل تأسيسها.
   سادسا ــ أفرغت الرأي العام من محتواه الحقيقي، وجوهر رسالته الحقيقية.
   إن كل ذلك، وأكثر، ينسف كل الجهود المبذولة لإقامة النظام الديمقراطي في العراق الجديد، لأن التوافق (المحاصصة) ضد الديمقراطية، وأن إلغاء صندوق الاقتراع يتعارض مع أبسط قواعد اللعبة الديمقراطية، بصفته أول وأهم مصاديق العملية الديمقراطية على الإطلاق.
   عن الأخطار التي يؤسس لها هذا القانون، قال نـــــــــــزار حيدر:
   إن هذه النصوص الواردة أعلاه، وغيرها، تؤسس لتقسيم العراق ــ جغرافيا وعرقيا ومذهبيا ــ كما تدفع باتجاه إشعال حرب أهلية خطيرة، ينبغي أن لا نغفل عن خطورتها بأي شكل من الأشكال.
   عن المسؤول عن تمرير هذه الوثيقة، قال نــــــــــزار حيدر:
   إن الولايات المتحدة الاميركية، إذ تتحمل كامل المسؤولية القانونية إزاء تمرير هذا القانون المشوه، يستغرب العراقيون كيف أمكن تمريره وبهذه العجالة التي تنم عن غفلة أو تجاهل للأمور أو جهل بها، في الوقت الذي تقول فيه أنها تسعى لمساعدة شعوب العالم العربي على إقامة الديمقراطية في بلدانها، مع افتقار القانون إلى ابسط مستويات أسس الديمقراطية الحديثة.
   كذلك فان مجلس الحكم الانتقالي يتحمل كامل المسؤولية الوطنية والأخلاقية بقبوله تمرير القانون، من دون استشارة العراقيين، فكيف يا ترى أجاز لنفسه أن يصادق على وثيقة، هي من أخطر الوثائق في كل بلدان العالم وأهمها على الإطلاق، يحدد فيها مسار أجيال متعاقبة من العراقيين، ومن دون أي تفويض أو تمثيل شرعي حقيقي، أو حتى عودة إلى الشعب العراقي، المعني الأول والأخير بها؟.
  عن الوسائل والطرق التي من الممكن أن يسلكها العراقيون لإسقاط النصوص الخطيرة في القانون؟ قال نـــــــــــــزار حيدر:
   على العراقيين أن يسلكوا كل الطرق لإسقاطها، ولقد بادر عدد من العراقيين هنا في العاصمة الاميركية واشنطن، إلى تشكيل مجموعة عمل تضم اختصاصات علمية وسياسية وأكاديمية مختلفة، ومن كل شرائح المجتمع العراقي، تبنت على عاتقها العمل الدؤوب والسريع للعمل مع كل المعنيين بهذه الوثيقة، لتعديل نصوصها الخطيرة، قبل نهاية تاريخ الاستحقاق في الثلاثين من حزيران القادم، وهو موعد تسليم السلطة والسيادة للعراقيين، آخذين بنظر الاعتبار، تحفظات واعتراضات العراقيين، وبمختلف شرائحهم ومؤسساتهم، لتفادي حدوث أزمات مستقبلية جديدة، تعرقل سير العملية السياسية في العراق الجديد، برمتها.
في حوار صحفي صريح :
نــــــــــــــــــــزار حيدر يحذر من مغبة تمرير قانون إدارة الدولة
من دون الأخذ بنظر الاعتبار تحفظات العراقيين
حاوره: نوال اليوسف
{16 نيسان 2004}
توطئة
   قال نـــــــــــزار حيدر الكاتب والمحلل السياسي العراقي المعروف، ومدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، أن تمرير قانون إدارة الدولة العراقية بصيغته الحالية، ومن دون الأخذ بنظر الاعتبار تحفظات أغلبية العراقيين، سيؤسس لازمات حادة  تعرقل عملية بناء العراق الديمقراطي الجديد.
   وأضاف نـــــــــــزار حيدر في حوار صحفي صريح لموقع (سعوديات نت) الاليكتروني، إن اخطر ما في القانون، هو إلغائه مبدأ (صوت واحد لمواطن واحد) الذي ترتكز عليه كل النماذج الديمقراطية في العالم، عندما نص على حق النقض (الفيتو) في ثلاثة نصوص معروفة.
   ورفض نــــــــــــزار حيدر، أن تحتفظ أية ميليشيات في العراق الجديد، بتشكيلاتها وأسلحتها، معتبرا ذلك يتناقض كليا مع مبادئ الديمقراطية التي تقوم على أساس الحوار بقوة المنطق وليس بمنطق القوة.
   أدناه نص الحوار:
   السؤال 1: مؤخرا، صدرت عدة بيانات عن {مجموعة العمل العراقية في واشنطن} بشان عدد من القضايا العراقية الهامة، كان أبرزها ما صدر عنها بشان قانون إدارة الدولة العراقية، ورسالتها إلى السيد كوفي انان حول القانون.
   أولا: ما هي هذه المجموعة؟ وما هو طبيعة عملها؟ وماذا أرادت أن تقول عن قانون إدارة الدولة؟.
   الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم.
   قبل عدة اشهر، عقد مجموعة من العراقيين، سلسلة اجتماعات في العاصمة الاميركية واشنطن، لغرض دراسة الدور المطلوب والممكن أن يؤديه العراقيون المقيمون في الولايات المتحدة الاميركية، والذي من الممكن أن يؤثر في مسار الأحداث الجارية في العراق الجديد، بما يخدم العراقيين، من جانب، وبما يساعد الاميركيين على فهم الواقع العراقي بشكل أفضل، وعلى مختلف الأصعدة، من جانب آخر.
   ولا زالت المجموعة طور التأسيس والتبلور، وهي تسعى لان تأخذ صيغة مجموعة عمل حقيقية، مهمتها الأساس صناعة الأفكار الايجابية، وإيجاد الحلول للازمات التي يمر بها العراق الجديد، ولأي سبب كان.
   بشأن قانون إدارة الدولة العراقية، فلقد درست المجموعة نص القانون وخرجت بنتيجة مهمة وهي انه يؤسس للمحاصصة والطائفية وربما للحرب الأهلية، ولذلك أصدرت بيانها وبعثت برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أشارت فيهما إلى النصوص الخطيرة التي رأت أن من المهم جدا أن تتغير قبل موعد نقل السلطة إلى العراقيين نهاية حزيران القادم، إذا كان الاميركيون جادين بالفعل في العملية السياسية الديمقراطية الجديدة في العراق.
   سؤال 2: وماذا لو انتهت المدة المتبقية لنقل السلطة من دون أن تتغير هذه النصوص التي أشرتم إليها في البيان والرسالة؟.
   الجواب: اعتقد أن من مصلحة الجميع أن يعاد النظر في قانون إدارة الدولة، ومن الضروري أن يتم الأخذ بنظر الاعتبار تحفظات وملاحظات غالبية العراقيين، لان أي تجاهل لها، سيدخل العراق في سلسلة أزمات قد تتفجر تباعا وبطرق ووسائل مختلفة، وهذا ما نراه ونلمسه حاليا.
   وكما هو معروف، فان توالي الأزمات لا يخدم العملية السياسية برمتها، كما يعرقل عملية إعادة البناء في العراق الجديد، لان دول العالم التي من المفترض أن تساهم برؤوس أموالها في هذه العملية، ليست على استعداد في أن تجازف، إذا لم تتيقن بالحد الأدنى، على الأقل، من استقرار الوضع الأمني والسياسي.
   إن صدق نوايا الاميركيين في مساعدة العراقيين على إقامة الديمقراطية في بلادهم، ستتجلى بمدى استعدادهم للأخذ بملاحظات وتحفظات العراقيين على القانون، قبل انتهاء موعد نقل السلطة.
   ومن المعلوم فان أميركا هي المسؤولة الأولى والمباشرة عن الوضع في العراق، طبقا للقرارات الدولية، وان بامكانها أن تؤثر في مسار الأحداث إذا ما أرادت ذلك، فكما ألغت أو عدلت في الكثير من قرارات مجلس الحكم، كذلك فان بامكانها أن تغير في القانون بما يساهم في التقدم بالعملية السياسية برمتها إلى الأمام وبشكل صحيح وهادئ من دون التأسيس لأية أزمات سياسية وأمنية مستقبلية.
   سؤال 3: برأيك، هل سيعلن الشيعة عن نهاية اجل المقاومة السلمية للاحتلال، والبدء بالكفاح المسلح، بعد الأزمة الأمنية الخطيرة التي يمر بها العراق الآن؟. 
   الجواب: لا اعتقد أن الشيعة سيفكرون بهذه الطريقة، على الأقل في المستوى الزمني المنظور.
   إنهم يحاولون استيعاب الأزمة بكل الطرق السلمية الممكنة، ولذلك تسعى للتهدئة، جميع شرائحهم الدينية والاجتماعية والسياسية، بما فيها المرجعية الدينية، وعلى رأسها مرجعية السيد السيستاني.
   وإن المنطلق في ذلك، هو معرفة كل العراقيين بأن الكفاح السلمي والسياسي ضد الاحتلال لم تنفد أغراضه بعد، فلا زال هناك متسعا من الوقت والوسائل، لتجنيب العراق المزيد من إراقة الدماء والعنف.
   ولكن هذا لا يعني بان الشيعة، كما غيرهم من العراقيين، اسقطوا من حساباتهم نهائيا أسلوب الكفاح المسلح ضد الاحتلال إذا ما عجز الكفاح السلمي عن تحقيق أهداف العراقيين في الاستقلال والحرية والكرامة.
   إن الاحتفاظ  بالأسلوب، مرهون بمدى فهم الاحتلال لطبيعة الأهداف التي يتطلع إليها العراقيون، كما يعتمد كذلك على طريقة تعامله مع الأزمات، فإذا واصل الاحتلال استخدام القوة، وبهذا الشكل المفرط ضد الأهالي الأبرياء العزل، وواصل تبني سياسة العقوبات الجماعية، فذلك ينذر بعواقب وخيمة، لا اعتقد أن بإمكان حتى المرجعيات الشيعية العليا، الاستمرار في ضبط نفس الشارع العراقي الذي بدأ يتململ ويعرب عن ضجره من سياسات الاحتلال غير الموزونة.
   كذلك، فان تغيير أسلوب التعامل مع الاحتلال، قضية استراتيجية لا يجوز لأحد، مهما كان موقعه أو وزنه الاجتماعي أو الديني أو السياسي، أن ينفرد باتخاذ قراره، إذ يلزم التشاور بين الجميع، لان مثل هذا القرار يتخذ عادة مرة واحدة وليس عدة مرات، فلا يجوز، لا وطنيا ولا دينيا ولا حتى أخلاقيا، أن يتهور زعيم مثلا فيورط العراقيين بقرار لم يشترك في اتخاذه الجميع، وفي نفس الوقت سيدفع ثمنه كل العراقيين.
   إن أفضل طريق لتجنب التصعيد، هو إصغاء الاحتلال لرأي الشارع العراقي، وسعي كل الأطراف العراقية، وخاصة تلك التي تتعامل معه بشكل يومي، لان تسمعه الكلام الصحيح والحقيقة المرجوة وان كانت قاسية ومرة في اغلب الأحيان، إلا أنها تظل هي الطريق الأسلم والأسلوب الأفضل، إذ لا يجوز المجاملة على حساب المصلحة الوطنية العليا، كما لا تجوز مداراة المصالح الخاصة، على حساب المصلحة العليا للبلاد والعباد.
   إن من المهم جدا أن يسمع الاحتلال من أصدقائه، على وجه التحديد، كلاما صحيحا، سواء أصغى إليه أو رفضه، إذ يلزم أن ينقل مثل هؤلاء حقيقة الواقع العراقي بكل أمانة وصدق، إذا كانوا يتعاملون مع الموقع بمسؤولية، حتى إذا تطورت الأمور في الاتجاه السلبي، فان الاحتلال وحده من سيتحمل النتائج الكارثية، ولا يكون هؤلاء شركاءه بشكل أو بآخر.
   لقد قال رئيس الوزراء البريطاني تشرشل مرة (أن أميركا ستجرب كل الطرق، إلا أنها، في النهاية، ستفعل الشئ الصحيح) وهذا يتطلب أن يسمعها العراقيون كلاما صحيحا طوال الوقت، من دون أن يفكر أحدا بخداعها من اجل مداراة ولي النعمة، اقصد السيد بريمر، فمستقبل العراق أهم من منصب أو موقع سيزول عن صاحبه إن عاجلا أم آجلا.
   إن من مصلحة العراق والاحتلال أن لا تصل إليه رسائل خطأ وفي الوقت الخطأ على وجه التحديد.
   سؤال 4: هل تتوقع أن يستغل الاميركان الأزمة الخطيرة التي يمر بها العراق حاليا، لتأجيل موعد نقل السلطة إلى العراقيين في الثلاثين من حزيران القادم؟. 
   الجواب: شخصيا لا أميل إلى هذا الرأي كثيرا، لأنني اعتقد بأن موضوع نقل السلطة إلى العراقيين في الموعد المقرر هو ضرورة اميركية تدخل في لعبة الانتخابات الرئاسية القادمة، قبل أن تكون ضرورة عراقية.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، فكما هو معروف فان الذي سينتقل إلى العراقيين هو السلطة وليس السيادة ما يعني أن واشنطن ستظل تحتفظ بالقرار الأعلى للبلاد وعلى مختلف المستويات، كما أن الذي سيستلمه العراقيون نهاية حزيران القادم هو سلطة منقوصة من خلال:
   أولا: تعيين مستشار اميركي على راس كل وزارة من الوزارات العراقية.
   ثانيا: تصرف المستشار بالميزانية التي ستحددها السفارة الاميركية المرتقبة في بغداد.
   ثالثا: احتفاظ واشنطن بالملف الأمني جملة وتفصيلا.   
   رابعا: بقاء ما لا يقل عن (100) ألف جندي اميركي، منتشرين في العراق، واحدة من مهامهم الأساسية، حماية الحكومة العراقية المقبلة، كما أعلن عن ذلك الرئيس الاميركي جورج بوش في مؤتمره الصحفي الاستثنائي الذي عقده الثلاثاء الماضي في البيت الأبيض.
   إن ذلك وغيره الكثير من الأدلة التي تبرهن على أن ما سيشهده العراق والعالم في الثلاثين من حزيران القادم، هو انتقال شكلي للسلطة، وليس انتقالا حقيقيا، فلماذا يفكر الاميركان باستغلال الأزمة الحالية لتأجيل نقل السلطة؟.
   على الأقل أنهم ملتزمون بالموعد المحدد لنقل هذا النوع من السلطة لتخفيف حدة الضغط السياسي الدولي الذي يتصاعد ضدهم يوما بعد آخر، والذي بدأت تمارسه حتى اقرب حلفاءهم في الائتلاف العسكري.
   سؤال 5: ما هي حقيقة قصة المليشيات، ومنها مليشيات ما يطلق عليه اسم (جيش المهدي)؟ وماذا يعني انتشار السلاح بيدها؟ وبرأيكم، ما هو الطريق الأسلم لنزع سلاح الشارع العراقي؟.
   الجواب: لقد أخطا الاحتلال عندما حل الجيش العراقي بشكل عشوائي، إبان غزوه للعراق العام الماضي.
   كما أخطا عندما لم يهتم بموضوع انتشار السلاح بيد الناس، والذي كان قد وزعه النظام الشمولي البائد قبيل سقوطه، على أزلامه والمجرمين على وجه التحديد.
   كما أخطا الاحتلال عندما تساهل في موضوع ضبط حدود العراق مع دول الجوار كافة، والتي تسرب منها الإرهاب، بزعمائه وأموالهم الضخمة.
   كما أخطا عندما ميز بين نوعين من المليشيات، الأولى ما اسماها الاحتلال بالمليشيات الحليفة، والثانية تلك التي سماها الاحتلال بالمليشيات غير الشرعية، خاصة وان النوع الأول من المليشيات، تخطت حدوده الجغرافية.
   هذه الأخطاء، بالإضافة إلى تلكؤ الاحتلال في حل مشكلة البطالة، وتسرب الناس، وبالذات الشباب، إلى الشارع العراقي، شجع زعماء العنف والإرهاب على تجنيد هذه الأعداد الغفيرة للانخراط في مجموعات العنف والإرهاب، لتمارس ما رأيناه على مدى العام الماضي.
   بالنسبة إلى ما يسمى بـ (جيش المهدي) التابع للسيد مقتدى الصدر، فحسب معلوماتي انه لم يتشكل بالأساس كميليشيا مسلحة، وإنما كمجموعات طوارئ منزوعة السلاح، تسعى لتعبئة الناس، في عملية إعادة بناء العراق، وهي اتخذت هذا الاسم لتوظيفه للتعبئة الشعبية فقط، وان كنت اعتقد بان مثل هذا التوظيف كان خطأ في الأساس، إذ لا اعتقد بصحة توظيف الأسماء المقدسة في لعبة السياسة القذرة.
   إلا أن فشل الاحتلال في فرض الأمن والحماية للزعماء الروحيين والدينيين وكذلك للمدن المقدسة، هو الذي شجع بعض زعماء هذا الجيش إلى الدعوة للتسلح ومحاولة إعادة تنظيم هذه القوات بشكل مليشيات مسلحة.
   وفي كل الأحوال، فانا اعتقد بان المظاهر المسلحة ونظام الميليشيات يتناقض مع مبادئ النظام الديمقراطي الذي يسعى العراقيون إلى بنائه في العراق الجديد، والذي يقوم على أساس قوة المنطق وليس منطق القوة.
   وإذا أردنا القضاء نهائيا على كل المظاهر المسلحة في الشارع العراقي، وأردنا أن ننجح في حل مختلف مظاهر المليشيات، في العراق الجديد، يلزم:
   أولا ــ حل مختلف الميليشيات التابعة إلى كل الجهات والأطراف السياسية، سواء تلك التي  تعمل في إطار مجلس الحكم وتتعاون مع الاحتلال، أو ليس لها علاقة به.
   ثانيا ــ توفير الحماية الكاملة لكل مواطن عراقي، حتى لا يضطر إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسه وعرضه ومنزله، إذ لا يمكن أن ندعو الناس إلى التخلي عن السلاح، في الوقت الذي يشعرون فيه بأنهم مهددون بأنفسهم وأرواحهم وزعاماتهم وممتلكاتهم ومقدساتهم.
   ثالثا ــ استيعاب العاطلين عن العمل، وعلى وجه التحديد شريحة الشباب، من خلال خلق فرص العمل التي تؤمن لهم الحياة الحرة الكريمة، حتى لا يستغلون من قبل زعماء العنف والإرهاب، المدججين بالمال والسلاح.
    رابعا ــ السعي الجاد والحثيث من اجل تأهيل العراقيين لاستلام الملف الأمني بالكامل، وعلى أسس رشيدة وصحيحة، أما أن يدفع الاحتلال الملايين لبعض دول الجوار، بحجة تدريب عناصر الشرطة العراقية الجديدة، والذي اعتبره العراقيون نوع من أنواع النصب والاحتيال والسرقة لقوتهم، فان ذلك لا يساهم في ترشيد العراقيين أمنيا، ففي العراق طاقات وكفاءات كثيرة قادرة على إعادة صياغة كل المؤسسات الأمنية، وبالشكل الصحيح، شريطة أن تتوفر النوايا الحسنة لدى الاحتلال، وان تتوفر لهم الفرصة اللازمة لذلك، وعدم التعامل مع هذا الملف كـ (بزنز) كما يقولون مع بعض دول الجوار والبلاد العربية.
   سؤال 6: ما هو رأيكم بما يسمى بالمصالحة الوطنية؟ وما هي الأسس الصحيحة التي يلزم أن تقوم عليها هذه المصالحة؟.
   الجواب: لا احد من العراقيين يحب أن تشيع حالات الانتقام العشوائي، كما أنهم لا يحبون أن ينجروا إلى آثار النظام الشمولي السابق الذي ورط العراقيين بعضهم بدماء البعض، ولذلك دعا الجميع منذ لحظة سقوط النظام البائد، من مراجع دين وأحزاب سياسية وزعماء وقادة رأي ووجهاء وكل من له كلمة مسموعة ورأي يعتد به، إلى عدم الانتقام من احد، وضرورة التحلي بالصبر والعفو وكظم الغيظ والتجاوز على المسيء لحين استتباب الأمور، ولهذا السبب لم تحصل في العراق حالات انتقام عشوائية، كما لم نشهد حالات من القتل والتصفيات والحرب الداخلية، إلا اللمم في بعض مناطق العراق.
   ولكن هذا لا يعني أن لا يأخذ المجرم، الذي تلطخت يداه بدماء الشعب العراقي ممن كان في خدمة النظام البائد، جزاءه العادل من خلال محاكم عادلة ستنظر بكل الجرائم التي ارتكبها النظام وازلامه، وعلى مدى (35) عاما.
   إن النظام البائد مثل أسوأ مرحلة في تاريخ العراق، ولابد من كنس كل آثاره حتى لا تتكرر التجربة وتتكرر المأساة، وهذا يتطلب تصفية الفكر البعثي الشمولي الذي صنع أجيال من الناس المجرمين الذين كانوا يتلذذون بمشهد الدم ومنظر الضحية، ممن لا زال الكثير منهم يمارس القتل والتدمير في الكثير من مناطق العراق، ولقد رأينا خلال العام الماضي ماذا فعل هؤلاء من أعمال وحشية ضد العراقيين.
   إن من المهم أن يتصالح العراقيون مع أنفسهم أولا، من دون أن يعني ذلك عدم مجازاة المجرمين، ولكن في نفس الوقت ليس بالطرق العشوائية، إذ يلزم أن يأخذ القانون مجراه، وان تأخذ العدالة مجراها، من خلال إنصاف المظلوم ومجازاة المجرم.
   كما أن على السلطة العراقية الوطنية أن تتحمل مسؤوليتها في إنصاف المظلومين وتعويض المتضررين من جرائم النظام الشمولي البائد، ليشعر العراقيون بان عهدا جديدا من الإنصاف قيد التأسيس.
   أما القول (عفا الله عما سلف) من دون حساب دقيق، ومن دون تمييز بين نوعية الناس الذين كانوا مع النظام البائد، فهذا ما يشجع المجرم على ارتكاب الجريمة، ويشيع روح العداوة وحالات الانتقام الشخصي، وكل ذلك لا يساعد على الاستقرار، لان الضحية لا تستطيع على أن تظل تشاهد المجرم طليقا إلى ما لا نهاية، من دون أن يأخذ احد منها حقها في إطار القانون والعدالة، التي هي أسمى شئ في الوجود.
   *شكرا لإتاحتكم لنا الفرصة لإجراء هذا الحوار.
نـــــــــــــــــــزار حيدر في حوار مع (المجلة الجامعية) الصادرة في جامعة السليمانية:
هذه هي أسس الاصلاح التعليمي في العراق الجديد
حوار: الطالب الجامعي ئاريان
{30 نيسان 2004}
   السؤال الأول: لقد كانت سياسة حزب البعث المنحل قائمة على أساس التدخل في كل مجالات الحياة.
   ما مدى انعكاس هذه السياسة على المجالات العلمية والتربوية، خاصة على صعيد الجامعات العراقية؟.
   الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
   لقد كان النظام البعثي البائد (شموليا) بكل معنى الكلمة، ولذلك كان يتدخل في شؤون الحياة العراقية العامة بكل تفاصيلها وأبعادها، وعلى رأسها التربية والتعليم، وخاصة التعليم العالي والبحث العلمي. 
   فكان الانتماء إلى الحزب الحاكم، هو الأساس  في قبول أو رفض الطلبة لإكمال الدراسات العليا، كما كان الأساس في قبول الطلبة في البعثات العلمية التي ترسلها الدولة إلى الخارج، مما أثر على المستوى العلمي والأكاديمي والتكنولوجي بشكل كبير، كاد أن يدمر الحياة العلمية إلى درجة كبيرة.
   يحدثني أحد أساتذة الجامعات الاميركية بقوله؛ إن طلبة البعثات الجامعية العراقية، كانوا يقولون لي عندما أحثهم على الدراسة، وأطالبهم  بواجباتهم لتحقيق النجاح المطلوب والحصول على الشهادة الجامعية العليا التي جاؤوا إلى أميركا من اجلها، بقولهم، إن العراق لا يحتاج إلى العلم وإنما إلى الشهادة فقط.
   ترى، كيف يمكننا أن نتصورعراقا يحترم العلم والعلماء، إذا كانت العقلية التي تتحكم بالطلبة الجامعيين، بهذا المستوى المتردي من الضحالة واللامعرفة؟.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، فقد حطم النظام الشمولي البائد مستوى التعليم العالي والبحث العلمي، عندما كان يعين على رأس وزارته، نماذج مثل المدعو سمير الشيخلي، رجل الشارع الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة، إلا اللمم، فكيف يا ترى يكون بإمكان مثل هذه النماذج أن ترتقي بالمستوى العلمي للجامعات وطلبتها؟.
   وهذه هي مشكلة الأنظمة الشمولية التي تسعى للتدخل في كل شؤون الحياة للسيطرة عليها وتسخيرها لخدمة أهدافها السياسية التي تكون، في اغلب الأحيان، عدوانية ومدمرة، كما كان الحال بالنسبة للنظام الشمولي البائد.
   السؤال الثاني: كيف يمكن أن نمحو آثار النظام البائد على صعيد التربية والتعليم؟.
   الجواب: أولا، يلزم أن تشكل لجنة متخصصة من ذوي الخبرة والنزاهة، لتعيد النظر في كل المناهج الدراسية، من أجل تحقيق منهجة علمية جديدة، تؤمن التربية الصحيحة والعلم السليم للطلبة العراقيين.
   كذلك يلزم أن نحقق قدرا عاليا من الاستقلالية لكل المؤسسات التعليمية في العراق الجديد، بدءا من مرحلة رياض الأطفال وإنتهاءا بالمراحل المتقدمة من الدراسات الجامعية.
   إن من الضروري بمكان عدم تسييس المؤسسات التعليمية، من أجل أن تنهض بنفسها إلى المراتب المتقدمة في التربية والتعليم، وحتى لا تكون أسيرة مناهج سياسية معينة أو إيديولوجيات حزبية خاصة.
   كما تتطلب عملية إعادة بناء مؤسسات التربية والتعليم، الاعتماد على الكفاءات والخبرات التعليمية، الكفوءة والأمينة، صاحبة التجربة والتاريخ النظيف، التي أثبتت نجاحا وقدرة في هذا المجال، من دون النظر إلى خلفياتها الحزبية أو انتماءاتها السياسية، فالمهم أن تكون نزيهة وكفوءة وصاحبة خبرة ولم تتلوث بجرائم النظام الشمولي البائد.
   كذلك يلزم، لتطويرالعملية التربوية والتعليمية في العراق الجديد، أن تتواصل المؤسسات التعليمية، وخاصة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، مع المؤسسات التعليمي العالمية، لتقف مؤسساتنا دائما على آخر ما أنتجته مؤسسات العلم والمعرفة من بحوث ونتاجات علمية وتطور تكنولوجي، لتستفيد منه مؤسسات العراق الجديد.
   ولا أنسى أن اذكر هنا أهمية التواصل الميداني بين طلبة العراق، وخاصة الجامعيين، مع طلبة العالم، لتبادل الخبرة والكفاءة والتجربة.
   السؤال الثالث: لقد شوه النظام البائد سمعة المنظمات الطلابية إلى درجة أفقدتها المصداقية.
   برأيكم، كيف يمكن إعادة المصداقية لهذه المنظمات؟.   
   الجواب: يلزم أولا أن تلجأ المنظمات الطلابية إلى تطهير صفوفها من العناصر التي كانت تسير في ركب النظام البائد، ليتيقن الطلبة بأن تنظيمات طلابية جديدة وحقيقية قيد التأسيس.
   هذا من جانب، ومن جانب آخر، يلزمها أن تعيد كتابة مواثيقها الداخلية من جديد بعيدا عن شعارات ومبادئ وأهداف ووسائل وأساليب النظام الشمولي البائد.
   ثم، يجب عليها أن تدير نفسها بأسلوب ديمقراطي حضاري جديد بعيدا عن التزمت والاحتكار ولغة التآمر، التي تشبعت بها المنظمات الطلابية زمن النظام البائد.
   إن من المهم جدا أن تتصدى المنظمات الطلابية في العراق الجديد لحل مشاكل الطلبة والسعي لتحقيق طموحاتهم في المجال العلمي، بالإضافة إلى السعي من أجل تذليل العقبات التربوية والاجتماعية والإدارية والاقتصادية والأمنية، التي تعترض طريق الطلبة الذين ينشدون تفوقا علميا، ليشعر الطلبة بان المنظمات الطلابية منهم واليهم، همها تقديم أفضل الخدمات لهم من أجل حياة علمية راقية.
   كذلك، فان من المهم جدا أن تفتح المنظمات الطلابية باب الترشيح والانتخاب لأكبر شريحة من الطلاب الذين يحبون أن ينخرطوا في صفوفها من اجل المساهمة في تطوير العملية التعليمية والتربوية.
   إن من المهم جدا أن يشعر الطالب (أي طالب) دائما أن بامكانه أن يترشح لأية مسؤولية في المنظمات الطلابية، متى ما وجد في نفسه القدرة والكفاءة على تقديم خدماته وتجاربه  لبقية زملائه الطلبة.
   ربما بهذه الوسائل ستنجح المنظمات الطلابية في العراق الجديد في تغيير الصورة في ذهن الطلبة، فتتمكن بالتالي من كسبهم إلى صفوفها وبرامجها ومشاريعها.
   السؤال الرابع: من اللازم أن يكون العراق الجديد تعدديا بكل معنى الكلمة.
   برأيك، كيف يمكن تحقيق ذلك مع كل هذا التنوع الديني والمذهبي والقومي والفكري الموجود في العراق اليوم؟.
   الجواب: أولا، فان التنوع من آيات الله تعالى في خلقه، فلولا التنوع لما تطورت الحياة، ولما تطور البشر، فالحكمة تقول (تعرف الأشياء بأضدادها) فلولا النور لما عرفت العتمة، ولولا الخير لما عرف الشر، ولولا النجاح لما عرف الفشل، وكذلك، فلولا التنوع والاختلاف في اللغة، التي يعبر عنها القران الكريم بـ (اللسان) في قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} وكذلك في الفكر والاجتهاد الديني والمذهبي، لما استطاع الإنسان أن يميز بين فكرة صحيحة وأخرى خطأ، وبين رأي صحيح وآخر أصح، وهكذا.
   ثانيا، فان التنوع الذي ذكرته في السؤال ليس جديدا في العراق، بل انه وجد مع وجود العراق قبل آلاف السنين.
   ثالثا، فان التنوع، عادة، مصدر قوة للإنسان ــ الفرد والإنسان ــ المجتمع، وهذا هو شأن التنوع في العراق، إذ كان ولا يزال مصدر قوة ومنعة للعراق والعراقيين.
   رابعا، سيظل التنوع العراقي مصدر قوة للعراقيين لا زالوا يتعاملون معه بايجابية بعيدا عن الطائفية والعنصرية والحزبية الضيقة.
   إن من المهم جدا أن يتعامل العراقيون مع تنوعهم بروح ايجابية من اجل أن يحقق لهم التكامل الذي لا يمكن لشعب من الشعوب في هذا العصر الذي نعيشه، أن يستغني عنه أبدا.
   فهذه الولايات المتحدة الاميركية التي تكمن سر قوتها في التعايش الايجابي بين شعوبها المتنوعة، والتي لم يجمعها سوى الانتماء إلى الأرض والبلاد التي يسكنون ويعيشون فيها.
   كذلك، فتلك أوربا التي راحت تبحث عما تجمع به دولها لتندمج في كيان واحد، بالرغم من تنوعها الثقافي والتاريخي وغير ذلك، لان الاندماج سمة الحياة في هذا العصر، وان شعبا لا يقدر على الحفاظ على وحدته في إطار تنوعه، لهو شعب ستتكالب عليه الأمم والشعوب الأخرى، ولم تبق له باقية.
   *في نهاية الحوار، اسمحوا لي أن أقدم جزيل شكري وتقديري لكم لإتاحتكم الفرصة لي للحديث مع شريحة اجتماعية هي من أهم الشرائح الاجتماعية في كل بلد، واقصد بها شريحة الطلبة الجامعيين، سائلا العلي القدير أن يوفق جميع الطلبة الأعزاء للمزيد من التقدم التربوي والعلمي.
   والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
دردشة هادئة مع الاستاذ نـــــــــــــــــــزار حيدر
حوار: علاء مهدي – سدني
{6 تموز 2004}
توطئة
   لم يسبق لي أن تعرفت بالأستاذ نـــــــــزار حيدر من قبل، لكنني ولعت بقراءة مقالاته المتميزة التي وجدت طريقها لبريدي الإلكتروني عبر صديق وفي وصدوق، فأدمنت متابعتها وقراءتها كلما وصلتني.        وللحقيقة أذكر أن إعجابي بكتاباته كان ولا زال بسبب تميزها عن الكثير من المقالات الأخرى التي تنشر على الشبكة هذه الأيام.
   ويأتي هذا التمايز بالدرجة الأولى من حسن اختيار الأستاذ نـــــــــــزار حيدر لعناوين مقالاته وانسجامها مع الحدث وزمانه، ناهيكم عن أسلوبه الشفاف والمتميز في عرض الفكرة ومناقشتها بهدوء وبسلاسة لغوية مقبولة حتى من القراء الذين يختلفون معه في التطلعات السياسية أو الفكرية أو الدينية. 
   لقد برع الأستاذ نـــــــــــزار حيدر في توظيف قلمه لخدمة القضية العراقية، فحوله إلى ريشة رسم فيها لوحات لمستقبل العراق بألوان زاهية، لوحات أطّرها بأطر تنسجم مع ما يتمناه الكثير من العراقيين، فنجح في نقل صورة متكاملة لكل حدث كتب فيه وعنه وبأسلوب كانت الاستقلالية وعدم التحيز من مميزاته الرئيسية وهذه بتقديري ملَكَّةٌ يندر توفرها لدى الكثير من الكتاب.
   أقول، في ذلك الظرف المرعب الذي ذاق فيه العراق والعراقيون ذلك الكم الهائل من العذاب بدءاً بالمشاكل الحياتية العامة وانتهاءً بالمقابر الجماعية، أجد أن من الصعب أن تفرز تلك المرحلة المرعبة أناساً يملكون هذه القدرة الخلاقة في الحيادية في الطرح والمعالجة.
   أنها ميزة أجاد الأستاذ نــــــــــــزار حيدر توظيفها من أجل إيصال الكلمة الحرة والعادلة في خضم حالة من التشتت فرضتها وأفرزتها حالة اللااستقرار التي أنجبتها مرحلة الحكم البعثي الشاذ على مر عقود طويلة من الزمن.
   ولإيماني بأهمية نقل هذه الصورة المتميزة فقد توجهت ببعض الأسئلة للأستاذ نـــــــــزار حيدر بقصد تسليط الضوء على هذه الشخصية بهدف نقل صورة من صور الواقع العراقي، فكان هذا اللقاء:
   *لقد قادت عصابة من البعثيين، إنقلابا عسكريا، استولوا به على السلطة في بغداد.
   سؤال: تاريخ حافل بالنضال بدءً من العام 1972 حيث ساهمتم بالعمل ضمن صفوف الحركة الإسلامية مروراً بمساهمات نضالية متعددة في عدد من الانتفاضات الوطنية والأعمال التنظيمية.
   ترى كيف كانت البداية؟ وما هي الأسباب والعوامل التي دفعتكم للعمل والمشاركة في تلك الانتفاضات؟
   الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
   كانت البداية، صبيحة أحد أيام تموز عام 1968، عندما اصطحبني والدي (رحمه الله) فجرا من المنزل إلى المحل الذي كان يمتلكه بالقرب من حرم الإمام الحسين بن علي (ع) في مدينة كربلاء المقدسة.
   في الطريق صادفه أحد أصدقائه، تحادثوا قليلا فيما بينهم، لم أسمع شيئا، سوى أنني رأيت قسمات وجهه وقد تغيرت بشكل ملفت للنظر، ثم قال لي، لنعد يا ولدي إلى المنزل، وقد سمعته يسترجع ويقول {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فظننت أن عزيزا عليه قد انتقل إلى رحمة الله تعالى.
   سألته مستغربا، ولم لا نذهب إلى المحل؟ ما الذي حصل؟.
   أجابني، لقد وقع انقلاب، ويجب أن نعود إلى المنزل، لنراقب ما سيجري.
   لم أفهم العبارة، ولم أستوعب معنى الكلمة التي طرقت أسماعي لأول مرة، تصورت أن أحدا من أصدقائه قد مات في حادث انقلاب حافلة أو ما أشبه.
   سألته، وما الذي حصل بالضبط؟.
   أجابني، لقد قادت عصابة من البعثيين، إنقلابا عسكريا، استولوا به على السلطة في بغداد.
   أردت أن أساله أكثر، بادرني على الفور، لا تتكلم، فلا زلت صغيرا على مثل هذه الأمور.
   ومرت الأيام، وأنا أحاول أن أستوعب ما يجري في بغداد بعد الانقلاب العسكري.
   وبدأت التطورات السيئة تتوالى على العراق والعراقيين، فقتل من قتل وطورد من طورد واعتقل من اعتقل، من العلماء والفقهاء والمراجع والمثقفين ورجال الأعمال والطلبة والعمال ومن كل شرائح المجتمع العراقي.
   في العام 1972 - وقد كنت طالبا في الصف الثاني المتوسط - تعرفت على أحد زملائي في الصف، وقد كان ناشطا في الحركة الإسلامية، شعرت أنه يحاول أن يبلور في ذهني فكرة العمل ضد النظام البعثي، من خلال توجيه حالة السخط والتمرد التي كانت تغلي في نفسي ضد ما يقوم به النظام آنذاك، ضد كل من ينبس ببنت شفة ضده وضد سياساته المنحرفة.
   عندما شن النظام حملته الشعواء ضد الحركيين الإسلاميين عام 1972 فاعتقل العشرات من خيرة القادة والناشطين، كان من بينهم الشهيد الشيخ عارف البصري ورفاقه الأربعة، والشيخ عبد الحميد المهاجر ورفاقه الأربعة عشر، رحت أبحث عن طريق يوصلني للانضمام إلى الباقين منهم، لأشاركهم العمل والجهاد ضد النظام، وبأي شكل من الأشكال.
   استفسرت من زميلي، الذي واصل مرافقته لي وأحاديثه الهادفة، عن شؤون وشجون العراق والعراقيين، فيما إذا كان يعرف الذين اعتقلوا، وفيما إذا كان بإمكانه أن يعرفني على مجموعات حركية أخرى لا زالت تعمل في الساحة؟ وبالإمكان الانضمام إليها؟.
   وتطور الحديث بيني وبين زميلي الذي اكتشفت بأنه حركي يرتبط بالمجموعات الحركية الإسلامية العاملة ضد النظام، ليفاتحني بعد مدة للانضمام إليه، ولتبدأ مسيرتي الحركية منذ ذلك الوقت وبلا انقطاع.
   لقد كنت أتحين الفرصة للمشاركة في أي نشاط سياسي ضد النظام، علنيا كان (كالانتفاضات الشعبية) أو سريا، ومن هذا المبدأ، كانت مشاركاتي في أكثر من انتفاضة، أبرزها انتفاضة صفر المظفر عام (1977) وقد كنت وقتها طالبا في المرحلة الأولى من الجامعة.
   وتواصلت وتطورت العلاقة والعمل بمرور الأيام، في المدرسة وفي الشارع، مرورا بسني الجامعة وسنوات الهجرة، حتى من الله تعالى علينا وعلى شعبنا بالخلاص من النظام الديكتاتوري الشمولي البائد.
   *لا زلت أعتبر، بل أحس وأشعر، بأن السليمانية هي مسقط رأسي الثاني.
   سؤال: من كربلاء، إلى السليمانية، طريق طويل تسوده تعرجات عميقة في دروب التوجهات السياسية والطائفية.
   حللتم في تلك البقعة الجميلة من العراق لدراسة الهندسة، وبعدها كانت لكم نشاطات عديدة في المنطقة الكردية. 
   هنا نود أن نطلع على طبيعة الأعمال التي قمتم بها منطلقين من المنطقة الكردية هادفين محاربة النظام الديكتاتوري وفيما إذا صادفتكم مصاعب في تنفيذها بسبب من تواجدكم في تلك المنطقة؟.
   الجواب: كانت السليمانية، المنعطف بالنسبة لي، وعلى مستويين:
   الأول، الطبيعة الاجتماعية والجغرافية، التي تختلف كثيرا عن مسقط رأسي (كربلاء).
   الثاني، التنوع الديني والمذهبي والقومي والفكري والسياسي.
   وبكلمة، فان السليمانية أتاحت لي فرصة أن أعيش في جو منفتح ومتنوع في آن واحد، يمثل العراق بكل أطيافه الاجتماعية.
   فبالرغم من المضايقات الأمنية، التي كان يحيطنا بها أزلام النظام الديكتاتوري البائد، إلا أنني - وبسبب التجربة الحركية والأمنية ـ نجحت في بناء علاقات وطيدة مع مختلف شرائح الطلبة في الجامعة، فلأول مرة أصبح عندي صديق كردي وآخر سني وثالث تركماني ورابع مسيحي، وهكذا، وبانتماءاتهم الفكرية والسياسية المتنوعة.
   تصور أنني كنت أفتخر أمام أهلي وأصدقائي، كلما عدت إليهم في كربلاء أيام العطلة، بأن لي صديقا كرديا أو مسيحيا أو ما إلى ذلك، ومن مختلف محافظات العراق، لدرجة أنني لم أكن أقضي مع الأهل إلا ساعات معدودة عند زيارتي لهم، لأنني كنت أقضي أغلب وقتي مع زملائي في الجامعة، من الذين كانوا يزورونني في كربلاء فترة العطلة، فكنت أتشرف باستضافة أصدقاء قادمين من محافظات الشمال والجنوب مرورا بالوسط، وفيهم الكردي والتركماني والسني والمسيحي، كما كنت في أسعد لحظات حياتي، عندما أرد لهم الزيارة في مدنهم وبين أهليهم، ولا أبالغ إذا قلت بأنني لا زلت أعتبر، بل أحس وأشعر، بأن السليمانية هي مسقط رأسي الثاني (إن صح التعبير) لأنني عشت فيها أروع أيام حياتي العلمية والحركية وكذلك الاجتماعية، التي فتحت أمامي آفاقا لا زلت أتحرك بقوتها الدافعة.
   كما أن تلك الأيام، هي التي منحتني فرصة التعرف على الانتماءات والاتجاهات العراقية، من خلال الانفتاح على، والاندماج مع مختلف شرائح المجتمع العراقي التي كانت تعيش التحدي المشترك في مواجهة استبداد وديكتاتورية النظام آنذاك.
   ومنذ ذلك اليوم، تحسست ووعيت مدى الآلام والمعاناة التي كان يعيشها الكرد بسبب السياسات العنصرية التي كان يمارسها النظام ضدهم، ولا زالت مخيلتي تحتفظ بتلك الصور المؤلمة التي التقطتها من باحة مسجد (مزكوتي كورة) أي الجامع الكبير، في مدينة السليمانية ظهر كل يوم جمعة، عندما كان الأهالي يتجمعون من مختلف أطراف المدينة للتعرف على أجساد الشهداء، ضحايا النظام البائد، لاستلامهم من هناك.
   لقد أتاحت لنا تلك السنين، صياغة مبادئ العمل المشترك بين مختلف الاتجاهات، ضد النظام الديكتاتوري، ولقد نشطنا سياسيا وإعلاميا إلى جانب النشاط الحركي والتنظيمي، وبسبب كل ذلك، طاردنا النظام، وشن حملة إعتقالات شعواء انتهت إلى إعدام العشرات من أعز أصدقائي وزملائي في الجامعة، فيما أصدر ضدي أحكاما غيابية بالإعدام، بعد أن تمكنت، بإرادة الله تعالى، أن أفلت من قبضته، في قصة طويلة، لا يسع المجال هنا لسرد تفاصيلها.
  *لم أفاجأ لكوني كنت مشغولا، وبكل مشاعري، بقصص الإعدام التي نالت ممن أحبه وأعزه وأقدر نضاله وتضحياته.
   سؤال: من نتائج نشاطاتكم السياسية صدور حكم بإعدامكم، ونحن معشر العراقيين كنا قد اعتدنا على سماع الكثير من أحكام الإعدام التي أصدرها نظام الطاغية منها ما تم تنفيذه ومنها ما لم يتم. 
   ترى كيف تلقيتم القرار؟ وماذا كانت مشاعركم في حينه وانتم بحكم نشاطاتكم السياسية كنتم بالتأكيد تتوقعون ذلك من حكم أعتاد أن يعدم بدون حكم أو محكمة؟.
   الجواب: في بلد، يكون فيه الإعدام اقل حكم يصدر ضد المعارض، لا يفاجئ أحدا، ولذلك كنت أتوقع (ككل العراقيين) مثل هذا الحكم القرقوشي الذي كان يصدر ضد الناس بالتهمة والضنة وبلا محاكمة أو مرافعة أو دفاع أو أي شئ آخر.
   لقد صدر الحكم ضدي، بعد صدوره وتنفيذه ضد عدد كبير من أعز أصدقائي وزملائي في العديد من المحافظات العراقية، ولذلك فعندما سمعت به لم أفاجأ لكوني كنت مشغولا، وبكل مشاعري، بقصص الإعدام التي نالت ممن أحبه وأعزه وأقدر نضاله وتضحياته.
   *إن مرحلة العمل العراقي المعارض، وبكل نجاحاتها وإخفاقاتها، وحلوها ومرها، هي التي علمت العراقيين كيف يعملون معا وينسجمون، بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم.
   سؤال: انتميتم إلى صفوف الحركة الإسلامية، فشغلتم منصب عضو المكتب السياسي في منظمة العمل الإسلامي، ولدورتين، ثم عضواً في المجلس التنفيذي لمؤتمر صلاح الدين، بعدها عضواً في المجلس المركزي لمؤتمر نيويورك.
   هذه النشاطات لا بد وأن تكون قد منحتك تصوراً معيناً لطبيعة العمل السياسي في العراق أبان تلك الفترة المؤلمة.
   ترى، هل تعتقدون بأن تلك السياسة المختلفة الاتجاهات والميول والتطلعات قد أثمرت فعلاً؟.
   الجواب: لقد مررت بتجربتي في مرحلتين، الأولى هي المرحلة الحركية ذات اللون الواحد ـ إن صح التعبير ـ  أما المرحلة الثانية فهي المرحلة الحركية والسياسية متعددة الألوان، لتشمل كل أطياف المجتمع العراقي، دينيا ومذهبيا وقوميا وفكريا وسياسيا.
   الأولى؛ امتدت من (1972) ولغاية (1982) فيما امتدت المرحلة الثانية من العام (1982) ولحد الآن. 
   ومما لا شك فيه، فان لكل مرحلة، خصوصياتها ووعيها والتزاماتها.
   وإذا كانت المرحلة الأولى قد صاغت شخصيتي الحركية والنضالية، فان المرحلة الثانية قد صاغت شخصيتي السياسية التي ساعدتني في الدخول إلى ساحة العمل العراقي المعارض من خلال الانفتاح على كل أطياف حركة المعارضة العراقية، ومن دون استثناء.
   ولا شك، فان مرحلة العمل العراقي المعارض، وبكل نجاحاتها وإخفاقاتها، وحلوها ومرها، هي التي علمت العراقيين كيف يعملون معا وينسجمون، بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم.
   وكما هو معروف، فان الاجتماعات والمؤتمرات والجبهات والمواثيق الكثيرة التي عقدها أو دونها العراقيون في تلك المرحلة، هي التي مكنتهم من تقريب وجهات النظر فيما بينهم، كما أنها هي التي نزعت الكثير من الفتائل والقنابل الموقوتة، التي كانت مزروعة في طريقهم لأسباب كثيرة، منها حالة التقاطع فيما بينهم والتي زرعت حالات الشك والتربص بعضهم بالبعض الآخر، إلى جانب السياسات القمعية التي كان يمارسها النظام البائد ضد الجميع، ومن دون استثناء، وان ما نلمسه اليوم من هدوء نسبي على جبهة القادة والزعماء في العراق، إنما هو نتاج تلك الجهود التي بذلت في تلك المرحلة المهمة من حياة وتجربة حركة المعارضة العراقية.
   *فان من هو خارج ساحة الملعب بإمكانه أن ينظر ويشخص الحدث بشكل أفضل.
   سؤال: تديرون حالياً مركز الإعلام العراقي من العاصمة الأمريكية واشنطن وهو مؤسسة إعلامية مستقلة.
   ما هي طبيعة النشاط الإعلامي للمركز؟ وما هي أهدافه؟ وكيف يتم تمويله؟ وهل في النية أن يتحول إلى داخل العراق أسوة بالصحافة العراقية التي عادت أو انتقلت للداخل؟.
   الجواب: أولا، فإن مركز الإعلام العراقي، هو مؤسسة إعلامية مستقلة حديثة التأسيس، تسعى لتوظيف تجربة العمل العراقي المعارض، من أجل صياغة نظرية إعلامية جديدة، تنسجم مع الظروف الجديدة التي يمر بها العراق، من جانب، وكون انتقال حركة المعارضة العراقية، من مرحلة المعارضة المهاجرة إلى موقع المسؤولية.
   إن المركز يسعى بالدرجة الأولى إلى ما يلي:
   أولا: رصد الواقع العراقي بشكل دقيق، والعمل، من ثم، على تحديد الرؤية الصحيحة، فكما هو معروف، فان من هو خارج ساحة الملعب بإمكانه أن ينظر ويشخص الحدث بشكل أفضل، ولذلك نرى أن مؤسسات المجتمع المدني في الدول الديمقراطية تكون عادة خارج إطار السلطة ولعبة الحكم، حتى يكون بإمكانها أن تتحدث بشكل واضح، فوق الميول والاتجاهات والمصالح السلطوية الضيقة.
   ثانيا: يسعى المركز أن يكون وطنيا في طروحاته، لا يميل إلى جانب فئة على حساب أخرى، فلا يميل إلى الحاكم على حساب مصلحة المواطن، أو يميل إلى طائفة أو قومية على حساب أخرى.
   إن مما يؤسف له حقا، وهذا ما أثبتته تجربة الأشهر الثمانية الماضية، هو أن جل المتصدين للمشهد العراقي الحالي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يتعاملون مع العراق الجديد ومتطلباته، برؤية انتمائية ضيقة، ونادرا ما نرى منهم من يتعامل برؤية وطنية شاملة وعامة، فهم، بكلمة، يتعاملون بعقلية المعارضة وليس بعقلية السلطة والحكم، الذي تختلف مسؤولياته اختلافا جذريا عن مسؤوليات مرحلة المعارضة.
   ولا تختلف الرؤية (الانتمائية) عن بعضها أبدا، سواء كان الانتماء دينيا أو مذهبيا أو قوميا أو فكريا أو سياسيا أو حزبيا أو حتى عشائريا.
   إن المركز يسعى للقفز على كل هذه الانتماءات، من أجل أن يتحدث برؤية عراقية شاملة، ولذلك أخذ على نفسه أن لا ينتمي أو يتحيز أو يميل إلى طرف على حساب آخر.
   إنه، بكلمة موجزة، يحاول أن يؤدي دور (المراقبة والموازنة) المعمول به في البلدان الديمقراطية، لان العراق يصوغ نفسه الآن من جديد، بعد سني القهر والاستبداد والديكتاتورية والنظام الشمولي الذي وظف سياساته العنصرية والطائفية ونزعاته الشخصية، لتدمير العراق والعراقيين.
   وبلا شك، فان المركز يخطط للانتقال إلى العراق في أقرب فرصة ممكنة، وان كان يمتلك حاليا شبكة واسعة من العلاقات في داخل العراق ومع مختلف الناس، من مرجعيات دينية وقادة رأي وزعماء أحزاب ومثقفين ورجال إعلام وصحافة وغيرهم، بالإضافة إلى متابعته الدقيقة لتطورات المشهد العراقي، إذ يسعى لنقل الخبر الخاص، في بعض الأحيان، كلما أتيحت له الفرصة لذلك، وعندما يرى أن مثل هذه المعلومة الخاصة، ضرورية لإيصالها إلى العراقيين عبر وسائل الإعلام، لان المركز لا يتبنى فكرة احتكار المعلومة أبدا، بل يرى بأن المعلومة الصحيحة والمشاعة للجميع، تساهم في بناء رأي عام صحيح وفاعل.
   *أتمنى أن يناقش العراقيون كل ما يدور في ذهنهم، وبصراحة وشفافية كاملة.
   سؤال: على الرغم من أن الكثير من مقالاتكم قد تطرقتم فيها للجانب الديني – الشيعي بالذات فأنكم قد كتبتم في الكثير من المواضيع والأمور غير الدينية. 
   في هذه الفترة الزمنية بالذات نطالع من خلال الشبكة الإليكترونية مقالات دينية وسياسية لم نكن نحن معشر العراقيين قد اعتدنا أن نقرأ مثلها من قبل، فهي صريحة في مناقشات طائفية بحتة، لابد وأنكم قد أطلعتم على البعض منها.
   ترى، ما رأيكم فيها؟ وهل تعتقدون أن هكذا كتابات قد تعمق الفكر الطائفي في العراق أم أنها الطريقة الصحيحة في معالجة موضوع اختلافات المذاهب المختلفة؟.
   الجواب: أعتقد أن من حق كل مواطن عراقي، وبلا استثناء، أن يناقش ما يعتقد أن بإمكانه الخوض فيه، ولكن بشروط:
   الأول؛ أن يكون ملما بالفعل بالموضوع الذي ينوي مناقشته وإبداء رأيه فيه.
   الثاني: أن يحرص على أن يبدي وجهة نظره الشخصية، فلا يحملها على المجموع، قهرا وبالإكراه. 
   الثالث: أن يكون مستعدا للإصغاء إلى رأي الآخرين، كما يحب أن يصغي الآخرون إليه. 
   الرابع: أن لا يتجاوز حدود أدب الحوار، فلا ينفعل أو يتجاوز أو يتهم من دون دليل، أو يستشهد بنصوص غير موجودة أو منتزعة من سياقها انتزاعا، أو يسخر طريقة الاقتباس الانتقائي السيئة، أو ما إلى ذلك.
   إن من المهم جدا أن يتحاور الناس ويتناقشون في كل القضايا الخلافية، لان واحدة من أسباب العنف، أيا كان شكله، هو جهل الواحد بالآخر، لان من يجهلك، يتهمك، ومن يتهمك قد يقتلك، أو على الأقل يسبك ويكفرك ويخونك، وكل ذلك لا يساهم في صياغة رؤى صحيحة، من الضروري أن تكون هي الحاكمة في هذه المرحلة بالذات، ونحن (العراقيين) نبذل قصارى جهدنا من أجل بناء عراقنا الجديد.
   أتمنى أن يناقش العراقيون كل ما يدور في ذهنهم، وبصراحة وشفافية كاملة، وبأعصاب باردة، ومن دون انفعال أو اتهام أو تشنج أو طعن آو تخوين، لان كبت الفكرة في الأذهان، يحرم الآخرين منها، إذا كانت صحيحة، ويساعد على نمو التباعد والكراهية والموقف غير الصحيح وأحيانا العنف والعدوانية، إذا كانت فكرة خاطئة.
   *إذا كانت الديكتاتورية يشيدها الديكتاتوريون بلحظات، فان الديمقراطية بحاجة إلى زمن طويل.
   سؤال: من حكم استبدادي أرعن عاث فساداً في وطننا طوال سنوات طويلة، إلى احتلال عسكري داست فيه أقدام الغرب أرض العراق وهو الوطن الذي طالما تغزل العراقيون بقدسيته وشرفه، شهور مضت والخلافات لا زالت تدور رحاها بين الجهات التي تألف منها مجلس الحكم المعين، شهور مضت ولازالت الدماء العراقية تسقي الأرض بدلاً من المياه.
   ترى أي مستقبل يراه الأستاذ نـــــــــــزار حيدر لعراق الغد؟ وهل على العراقيين أن يتوقعوا المزيد من – الشهداء – وهم في طريقهم لتحقيق فكرة وطن بدون آلام؟.
   الجواب: إذا كانت الديكتاتورية يشيدها الديكتاتوريون بلحظات، فان الديمقراطية بحاجة إلى زمن طويل قبل أن ينعم الشعب بخيراتها، فالهدم بسيط المؤونة، سريع التنفيذ، أما البناء، فصعب ومعقد ومكلف في آن.
   لذلك اعتقد بأن علينا ـ كعراقيين ـ أن نستعد لمعركة طويلة الأمد مع قوى الظلام والجاهلية والعنف والإرهاب، قبل أن نتصور الديمقراطية، وقد رست دعائمها في العراق الجديد.
   ومع ذلك، فانا شخصيا متفائل في نظرتي إلى المستقبل، وذلك لسببين؛
   الأول: هو الإرادة العراقية الوطنية الصلبة، التي اختارت نهج الديمقراطية، كبديل عن النظام الديكتاتوري الاستبدادي الشمولي الذي جربته لعقود طويلة من الزمن، فعرفت، بل تيقنت، بأنه يضر بالجميع، ويدمر كل العراق والعراقيين، ومن دون استثناء.
   الثاني: هو المخزون النضالي الذي عمده العراقيون بالدماء والدموع والمقابر الجماعية والأنفال وحلبجة وغيرها، والذي يضخ في إرادتهم الوطنية، كل هذه القوة التي لا تدع العراقي ينسى الماضي، وهو يكافح من اجل بناء عراق جديد.
   ولذلك، رأينا ردة الفعل السلبية العارمة التي اجتاحت العراق، منددة بالقانون المؤقت، لمجرد أن شعر العراقيون بأنه فرض عليهم فرضا، وأن عدد من نصوصه تصادر صندوق الاقتراع وتفرغ الديمقراطية من محتواها وجوهرها الحقيقي، وتجعل الأغلبية، التي سيفرزها صندوق الاقتراع، تحت رحمة الأقلية، لدرجة، أن أعضاء مجلس الحكم الانتقالي يشعرون حاليا، وكأنهم في قفص الاتهام من قبل العراقيين، بالرغم من كل الحجج التي حاولوا سوقها، دفاعا عن موقفهم الذي لا يحسدون عليه الآن.
   *إلا أن الأمنية شئ، والواقع شئ آخر. 
   سؤال: ونحن نتابع أخبار الخلافات بين أركان مجلس الحكم، ونحن نتابع تصريحات الرؤساء العراقيين الدوريين وزياراتهم الخارجية وتصريحاتهم هنا وهناك، نصاب بإحباط شديد ويأس من أن هنالك مستقبل لعراق واحد يضم كل ألوان قوس قزح العراقي، فهل تتصورون، من خلال خبراتكم السابقة ومعرفتكم، أن العراق سيبقى موحداً وأن شبح التقسيم هو ليس بأكثر من سراب لا وجود له؟.
   الجواب: من خلال معرفتي بأغلب قادة وزعماء الأحزاب السياسية العراقية، سواء ممن هم الآن في مجلس الحكم الانتقالي، أو خارجه، أعتقد أن موضوعة شبح التقسيم، خيال لا يجول إلا في أذهان الذين يبحثون عن مادة ما للطعن بكل خطوة سياسية يخطوها العراقيون باتجاه بناء العراق الديمقراطي الجديد.
   لا أنكر، فان هناك من الكرد العراقيين من يتطلع، في يوم من الأيام، إلى إقامة الدولة الكردية التي تضم كل المناطق الكردية المقسمة بين دول الجوار العراقي، إلا أن الأمنية شئ، والواقع شئ آخر، فكما أن لكل مواطن عراقي، بل لكل إنسان في هذا العالم، أمنياته التي يتخيلها كلما اختلى إلى نفسه أو أقرانه، كذلك فان للمواطن الكردي، عراقيا كان أم غيره، أمنياته التي يتمنى لو تتحقق في يوم من الأيام.
   إلا أنني على يقين من أن قادة الكرد على وجه التحديد، مصممون على أن يبقى الشمال (كردستان) جزء لا يتجزأ من التراب العراقي. 
   إن الإنسان، إنما يفكر بالانفصال عن وطنه الأم، عندما يشعر أن النظام المركزي الحاكم في البلاد التي يعيش فيها، يتعامل معه كمواطن من الدرجة الثانية، كما كان يفعل نظام الطاغية الذليل، وكذلك عندما لا يستطيع أن يتمتع بحقوقه، وعلى مختلف الأصعدة، أما إذا شعر بأنه يعيش في بلاده مواطنا من الدرجة الأولى لا يميزه شئ عن بقية المواطنين، وأن بإمكانه أن يتسنم أعلى المسؤوليات في البلاد على أساس الكفاءة، ومن دون تمييز عرقي أو ديني أو مذهبي، فلماذا يفكر في الانفصال؟.
   كذلك فان الكرد في العراق، يعرفون جيدا بأن من مصلحتهم الحفاظ على العراق موحدا، في عالم تتكتل دوله ومؤسساته، خاصة وان هناك تحديات كبرى ستواجههم من دول الجوار والمجتمع الدولي إذا ما فكروا بطريقة انفصالية.
   لكل ذلك فأنا مطمئن كامل الاطمئنان، بأن العراق سيبقى واحدا متحدا بأرضه وشعبه، وبإرادة العراقيين أنفسهم، بالرغم من كل التحديات التي تواجههم حاليا، وفي المستقبل المنظور.
   *فالزعماء، مهما كانوا إنسانيين، سيتنكرون للناس بمجرد أن يصلوا إلى السلطة.
   سؤال: خمسة وثلاثون عاماً من حكم فردي ضاع فيه القانون واستبدل بقوانين وأعراف عشائرية وفردية مبنية على أساس القوة المستمدة من العائلة الحاكمة وارتباطاتها. 
   في تلك الفترة المظلمة من حياة العراق فقد العراقيون الكثير من ممتلكاتهم ومعنوياتهم، عوملوا بقسوة وبإهانة وتم تهميش الشخصية العراقية على حساب الضيف العربي، فكان يكفي أن يراجع الفرد دائرة حكومية لكي يهان أو يجبر على دفع الرشوة أو الفدية.
   ترى، ألا تعتقدون أن الإنسان العراقي في ظل تشكيلة الحكم الجديدة يستحق أن يعامل بطريقة أفضل؟ وربما متميزة في طبيعة الخدمات التي تقدم له؟.
   الجواب: لا شك أن المواطن العراقي يستحق أن يعيش بطريقة أفضل، فالعراقي الذي ورث كل هذا التاريخ الحضاري المشرق، وقدم كل هذه التضحيات الكبيرة طوال ألـ (35) عاما الماضية من حكم النظام الديكتاتوري الشمولي الاستبدادي، يلزم أن يعيش بطريقة أفضل، وعلى مختلف الأصعدة، ليحقق كرامته أولا، التي هدرها النظام البائد.
   السؤال المهم هو؛ من يحقق العيش الكريم للمواطن العراقي في العهد الجديد؟.
   يخطئ من يتصور بأن الكرامة تمنح له، وسيطول انتظار من ينتظر ليقدم له الآخرون كرامته على طبق من ذهب، إنما الكرامة تنتزع، والحقوق لا توهب.
   دعنا من الكلام المعسول الذي رصت به الجمل الإنشائية في قانون الدولة العراقية المؤقت، فالزعماء، مهما كانوا إنسانيين، سيتنكرون للناس بمجرد أن يصلوا إلى السلطة، ولنا في تجربة ألـ (8) أشهر الماضية من تجربة مجلس الحكم الانتقالي، خير دليل وأكبر برهان.
   لكل ذلك يجب على المواطن العراقي أن يكدح لانتزاع حقوقه وكرامته، وعليه أن يحضر في ساحة العمل والنضال ليل نهار حتى لا يستغفل، فتنهب حقوقه، أو يعتدى على كرامته.
   إن على المواطن العراقي أن يراقب عمل المؤسسات الحكومية، فيصرخ بوجه الخطأ، ويسارع إلى تعبئة الشارع ضد الانحراف، وعليه أن لا يثق بكل القادة، وليكن عنده الأصل هو اتهام المسؤول بالتقصير، حتى يثبت العكس.
   ليس في العراق اليوم علي بن أبي طالب، ليخرج متنكرا في الليل باحثا عن مظلوم فينتصر له، أو جائع ليشبعه، أو عريانا ليكسوه.
   سينشغل كل الزعماء بحماية حقوق أبنائهم وعوائلهم وعشيرتهم وحزبهم، إذا ما وصلوا إلى السلطة، أما المواطن المسكين فان له رب يعيله، كما كان يقول المشركون جوابا على دعوة الرسول الكريم لهم بالإنفاق على المستضعفين والفقراء، بقولهم؛ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}.
   *أخيرا، اسمح لي أن أقدم جزيل شكري وتقديري لكم، لإتاحتكم لي هذه الفرصة الثمينة، لأطل من خلالها على القراء الكرام، على أمل اللقاء القريب في العراق الحبيب، وقد انتصر على كل أعدائه، ونجح في إعادة صياغة نفسه على أسس الحرية والكرامة والتعددية التي ستحتضنها قبة البرلمان، التي ينتجها صندوق الاقتراع على قاعدة (صوت واحد لمواطن واحد).
   *في الوقت الذي أشكر فيه الأستاذ نــــــــــزار حيدر على تفضله بالموافقة على اجراء هذه المقابلة، فانني أرحب به عضواً في عائلتنا العراقية المتميزة في موقعنا العراقي هذا.
   فمرحى له.
نــــــــــــــــزار حيدر في حوار صحفي شامل:
إرادة العراقيين اليوم على المحك
حوار: نوال اليوسف
{27 تشرين الاول 2004}
توطئة
   لا زالت الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في العراق نهاية كانون الثاني من العام الميلادي القادم، حديث الساعة، ليس بالنسبة للعراقيين فحسب، وإنما لكل العالم تقريبا، وعلى وجه الخصوص الدول الكبرى إلى جانب دول الجوار العراقي، لأهمية هذه الانتخابات من جهة، ولمدى التأثير الذي ستتركه على عموم دول المنطقة والعالم، من جهة أخرى.
   والعراقيون على نوعين، الأول يستعد لها، وكأن موعدها المقرر أمر مفروغ منه، ولذلك فهو لا ينشغل بالبحث والنقاش المتعلق بالموعد، وفيما إذا كانت ستجري في وقتها أم لا؟ إذ راح ينشغل بالتفاصيل الأخرى موظفا كل دقيقة تمر، ليستفيد منها  في إعداد القوائم الانتخابية، وترتيب التحالفات وغير ذلك.
   أما النوع الثاني، فلا زال مشغولا بالجدلية الأزلية التي تتساءل، ايهما خلق أولا، البيضة أم الدجاجة؟ هل ينبغي أن يرحل الاحتلال قبل أن تجري الانتخابات العامة؟ أم يلزم أن تجري الانتخابات ليرحل الاحتلال؟.
   هذا النوع من العراقيين يضيع على نفسه الكثير من الفرص بسبب انشغاله بالتفكير السفسطائي الذي لا يوصل صاحبه، عادة، إلى نتيجة ملموسة.
   من اجل الوقوف على تفاصيل العملية الانتخابية في العراق، وتأثير الموقف الدولي والإقليمي، وبالذات نتائج مؤتمر شرم الشيخ الأخير، أجرت الكاتبة والصحفية السعودية نوال اليوسف، مديرة موقع سعوديات نت الاليكتروني، حوارا مفصلا مع  نـــــــــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن.
   أدناه نص الحوار: 
   السؤال الأول: كيف يمكن للحكومة العراقية المؤقتة أن تلتزم بالجدول الزمني لتقدم العملية السياسية، وعلى رأسه، الالتزام بالموعد المحدد لإجراء الانتخابات العامة في الثلاثين من كانون الثاني القادم؟.
   الجواب: ليس أمام الحكومة العراقية المؤقتة، إلا أن تلتزم بالجدول الزمني المشار إليه في السؤال، لأنها تشكلت في الأساس بتوافق العراقيين على مبدأ الالتزام بالجدول الزمني لتقدم العملية السياسية، وأنها كانت قد اكتسبت تأييد المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة على هذا الأساس.
   إن أي تأجيل أو تراجع أمام التزاماتها فيما يخص الجدول الزمني لتقدم العملية السياسية برمتها، وعلى رأسه موعد إجراء الانتخابات العامة القادمة، سيضر أولا بمصداقية الحكومة الانتقالية المؤقتة، كما سيضر بمصداقية الأحزاب، التي تصف نفسها بالأساسية، والمشاركة فيها.
   كما أن أي تأجيل لموعد الانتخابات العامة، هو تأجيل للشرعية، وتأجيل لموعد رحيل الاحتلال الجاثم على صدر العراق الحبيب، على اعتبار أن هذه الأمور الثلاثة متداخلة ومترابطة، بعضها مع البعض الآخر، إذ لا يمكن أن نتصور شرعية قانونية لأي حكومة تتسلم السيادة من المحتل، قبل أن تجري الانتخابات العامة، كما لا يمكن أن نتصور أية نهاية للاحتلال قبل تثبيت شرعية النظام السياسي، والتي لا يمكن تصورها كذلك، من دون صندوق الاقتراع.
   وبصراحة أقول، فان ما يساعد الحكومة الانتقالية المؤقتة، على الالتزام بالجدول الزمني، هو، الإجماع العراقي الغالب، والذي يصر على الالتزام بموعد الانتخابات مهما كانت الظروف الأمنية أو غيرها، كما أن تثبيت الجدول الزمني في القرار الدولي رقم 1546 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، يقوي بشكل كبير موقف الحكومة العراقية المؤقتة.
   وجاءت وثيقة شرم الشيخ، الصادرة الأسبوع الماضي عن مؤتمر شرم الشيخ الذي كانت قد استضافته الشقيقة جمهورية مصر العربية، والذي أيد وتبنى الجدول الزمني لتقدم العملية السياسية في العراق الجديد، ليمنح الحكومة العراقية المؤقتة زخما إضافيا وقوة دفع جديدة للالتزام بالجدول الزمني المذكور وعلى رأسه موعد إجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد في الثلاثين من كانون الثاني من العام الميلادي القادم.
   أما حكاية العنف والإرهاب، فلقد ثبت بالقطع واليقين، انه يستهدف أمر واحد فقط لا غير، ألا وهو إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، انه يسعى لإعادة النظام الشمولي البائد إلى السلطة، يسعى لإعادة السلطة إلى سيطرة الأقلية العنصرية والطائفية والعشائرية والفرد الواحد الذي يتحكم بالعراق وشعبه والمنطقة والعالم، كيف يشاء، كما كان يفعل الطاغية الذليل صدام حسين.
   إن الإرهاب الذي يتلفع بالدين ومقدساته، ويتستر بالجهاد والمقاومة، لقتل الناس وتدمير البلد، يستهدف تقدم العملية السياسية الجديدة برمتها، وأنا اجزم، فلو أن الاميركان لوحوا لمجموعات العنف والإرهاب وفقهاءهم ومشايخهم وهيئاتهم والمغفلين الذين ينعقون مع كل ناعق، لو أنهم لوحوا لهم بالسلطة، لتحولت الولايات المتحدة الاميركية في  خطابهم الديني المزيف، إلى اكبر قوة محررة وصديقة في هذا العالم، ولسحقوا كل قيم الجهاد وشعارات المقاومة تحت أقدامهم العفنة، لان هؤلاء طلاب سلطة وليسوا رجال جهاد أو مقاومة.
   إن هؤلاء وآباءهم وأجدادهم هم الذين أقاموا دولتهم إبان تأسيس الدولة العراقية الحديثة بداية القرن الميلادي الماضي، وتحت سلطة الاحتلال البريطاني، فلماذا يرفضون عين الأمر للعراقيين اليوم؟ إلا أن لا يكون لهم نصيب كاف يقتنعون به.
   إنني احذر الحكومة العراقية الانتقالية المؤقتة، من التفكير بإعطاء هؤلاء أي امتياز سياسي تحت حد السيف، من خلال التفكير بتأجيل موعد الانتخابات العامة، الذي سيعد، وبلا أدنى شك، نصرا مؤزرا يحققه الإرهابيون على إرادة العراقيين كافة.
   لتحذر الحكومة من تقديم النصر للإرهابيين على طبق من ذهب.
   أنا لا اعتب على الإرهابيين الذين زرعوا الموت والدمار في العراق، من أقصاه إلى أقصاه، حتى المناطق السنية التي اخذ الإرهابيون أهلها رهائن ودروع بشرية، لم تسلم من أعمالهم الإجرامية التي كشف الأهالي عن جانب منها، ما يكفي لإدانتهم، ورفض منهجيتهم التي وظفت العنف والقتل والإرهاب لفرض أجنداتهم الخاصة على كل منطقة ينالون منها بشكل أو بآخر.
   إنما عتبي على سنة العراق على وجه التحديد [ علماءهم، فقهاءهم، هيئاتهم، أحزابهم، كتابهم، مثقفيهم] كيف سمحوا لأنفسهم بأن ينجروا إلى شراك الإرهابيين ويستدرجوا إلى مصائدهم، فيتورطوا بالعنف، إما بسكوتهم على جرائم الإرهابيين، أو نعتهم لهم بالمقاومة، ما يشجعهم على الاستمرار في تنفيذ أعمالهم الإجرامية، أو بتسخير الفتوى لدعم ممارساتهم الإجرامية، وهم يرون نزيف الدم الذي لم يتوقف بسببهم، وينظرون إلى العراق وهو ينزلق رويدا روايدا إلى نفق حرب أهلية أو طائفية، التي لو شهدها العراق [لا سمح الله ] فإنهم سيتحملون المسؤولية أولا وقبل أي طرف آخر، بسبب موقفهم المتردد.
   كيف يسمح سنة العراق [خاصة ضحايا النظام البائد] لحفنة من الإرهابيين والقتلة أن يصادروا رأي السنة وفقه السنة، من دون أن يتصدوا لإيضاح الموقف الشرعي الصحيح الذي طالما عرضه فقهاءهم على الناس كلما مرت بالأمة بلية أو رزية أو ابتليت بامتحان مهول كالذي ابتلي به العراق اليوم، والذي ينصب عادة في إطار قاعدة [الأهم والمهم] أو في إطار قاعدة [دفع الضرر]؟ فكيف جاز لهم أن يتذكروها مطلع القرن الماضي، عندما كان العراق يرزح تحت الاحتلال البريطاني، فأجازوا لأنفسهم أن يضعوا أيديهم بأيدي المحتل لإعادة سيادة العراق، في الوقت الذي كان فيه المحتل الكافر يذبح الشيعة ويسفر علماءهم وفقهاءهم ومراجعهم، ويشدد الحصار على عشائرهم، وكل ذلك، طبعا، كان في إطار القاعدة الفقهية [دفع الضرر] فلماذا لم يرجعوا اليوم كذلك إلى نفس القاعدة ليساهموا في إنقاذ العراق من الاحتلال والإرهاب وجماعات التكفير وفلول النظام الشمولي البائد، وهم يعرفون قبل غيرهم، بان كل هؤلاء ليس لهم إلا هدف واحد لا غير، ألا وهو إعادة العراق إلى سابق عهده، يحكمه الفكر الشمولي التدميري، أما مسميات المقاومة والجهاد وقتال المحتل، فليست سوى أسماء سموها لذر الرماد في عيون السذج والبسطاء الذين يخدعون عادة بمثل هذه السياسات التضليلية التي تحرك المشاعر الصادقة والعواطف الدينية الجياشة، بعد أن تقمع العقل أو تمنحه إجازة طويلة الأمد لتتصرف بصاحبه كيف تشاء.
   الم يعتمد فقهاء السنة على قاعدة [دفع الضرر] لإجازة تعاون ابن سعود مع بريطانيا العظمى 
[الكافرة] ليقيم في ظلها وبمساعدتها دولته الحديثة [المملكة العربية السعودية]؟ الم يعتمدونها لدعم موقف الشريفيين الذين أقاموا دولتهم الحديثة في الأردن [المملكة الأردنية الهاشمية]؟ الم يوظفوا هذه القاعدة في كل مرة سعت فيه الأسر الخليجية لإقامة دولتهم في ظل الاحتلال وبمساعدة دولة [كافرة] ما؟ الم توظف هذه القاعدة في دعم موقف الحكومة السعودية القاضي بالاستنجاد بالقوات الفرنسية عام 1400 للهجرة للقضاء على تمرد جهيمان العتيبي ورفاقه، الذين لجاوا إلى داخل الحرم المكي الشريف، ظنا منهم بأنه آمن لمن يستجير به، ما أجاز للسعوديين الطلب من الفرنسيين [الكفار] إرسال قوات مظلية خاصة نفذت اكبر عملية إنزال جوي على بيت الله الحرام؟ لا زالت آثار الرصاص [الفرنسي الكافر] بادية على عدد من أعمدة الحرم المكي الشريف؟ وهي نفسها (القاعدة الفقهية) التي استظلت بها دول الخليج لاستدعاء قوات الحلفاء [الكافرة] إلى الجزيرة العربية لتحرير الكويت من نير احتلال نظام الطاغية المقبور صدام حسين؟ وهي نفسها التي وظفها السلفيون للجلوس على مقاعد البرلمان الكويتي [مجلس الأمة] وعلى مقاعد البرلمان الأردني، وزميله المصري، وهلم جرا.
   وهي نفسها التي شرعنت لزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل لإلقاء خطابه الشهير في الكنيست الإسرائيلي، وهي التي تشرعن، ولا تزال، لكل انتخابات تجري في الأراضي الفلسطينية، في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
   دلونا على نظام عربي واحد، قام بعيدا عن ظل الاحتلال، أو من دون مساعدة الأجنبي [الكافر] لنقل بان العراق بدعا من الأنظمة العربية؟ وهو، بالتأكيد، ليس ذنب العراقيين، وإنما ذنب، بل جريمة النظام الشمولي البائد الذي سلم العراق وشعبه للأجنبي [الكافر]. 
   السؤال الثاني: برأيكم، هل ستحسم صناديق الاقتراع، احتكار السلطة والاستفراد بالقرار السياسي؟ كما كان الحال في عهد النظام الشمولي البائد؟. 
   الجواب: إنما استفردت زمر صغيرة بالسلطة في العراق، وعلى مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، لأنها في كل مرة كانت تنزو عليها بالانقلابات العسكرية [السرقات المسلحة] والتي شرعها واصلها القوميون، بدءا بزعيمهم جمال عبد الناصر وانتهاء بصدام حسين، ولو أنها كانت تصل إلى السلطة عن طريق صندوق الاقتراع، لما أمكنها أن تحتكر السلطة، وتستفرد بالقرار السياسي.
   شخصيا، لا ادعي بان الانتخابات العامة القادمة المزمع إجراؤها في العراق في الثلاثين من كانون الثاني القادم، ستحقق معجزة سياسية، أو أنها ستضع حدا لكل مشاكل العراق، أبدا، إلا أنني ازعم بأنها الخطوة الصحيحة في الاتجاه الصحيح وفي الوقت الصحيح، فهي؛
   أولا: ستؤسس لإرادة المواطن العراقي التي غيبتها السلطات السياسية التي تعاقبت على حكم العراق طوال القرن الماضي، ولغاية سقوط النظام الشمولي.
   فلأول مرة منذ زمن بعيد، سيقف المواطن العراقي بقامته الشامخة، أمام صندوق الاقتراع، ليقول لا أو نعم، في كل أمر عام يخصه، من دون أن يخشى سوط الحاكم.
   ثانيا: ستؤسس كذلك لنظام تعددي دستوري، لا تحتكر فيه السلطة شريحة معينة، كبرت أو صغرت، وهي ستضع نهاية للعبة الانقلابات العسكرية وروح التآمر.
   ثالثا: كما أنها ستؤسس لشراكة حقيقية بين كل العراقيين، باختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.
   إن العراقيين يفخرون بالتنوع القومي والديني والمذهبي الذي يتعايشون في ظلاله، فهو مصدر قوة بكل المقاييس، وعلى مختلف الأصعدة، إلا أن النظام الشمولي البائد، هو الذي حول مصدر القوة هذه، إلى بذرة للشقاق والتناحر والتمزق، من خلال اعتماده السياسات الطائفية والعنصرية الشوفينية المقيتة ضد الأغلبية العراقية، واقصد الشيعة، وضد القوميات غير العربية، وعلى رأسها الكرد بالإضافة إلى التركمان والآشوريين وغيرهم.
   أما الانتخابات، فستضع حدا لكل تلك السياسات الشوفينية الظالمة، ليكون صندوق الاقتراع هو المقياس في صحة أو خطا سياسات السلطات التي ستتعاقب على الحكم في العراق، فلا حزب واحد ولا قائد أوحد، ولا احتكار للسلطة من أي طرف كان، وبأي شكل من الأشكال.
   ومن اجل تحقيق كل ذلك، يلزم أن تكون الانتخابات العامة القادمة، حرة ونزيهة، وان تجرى بكامل الشفافية والوضوح، حتى لا يدبر أمر بليل من جديد، وكل ذلك يتطلب مراقبة صارمة من قبل أكثر من طرف محلي ودولي، كما يلزم أن يكون صندوق الاقتراع بعيدا، كل البعد، عن السلطة وأحزابها ومليشياتها وأموالها وإعلامها، حتى لا يرهب المواطن، ولا يرغب بحفنة من الدولارات، فلا يبيع صوته لأحد، كائنا من كان، ولا يشتري طرف صوته، بأي حال من الأحوال.
السؤال الثالث: أثار البيان الذي وقعته عدد من الأحزاب العراقية، وبعضها طرف أساسي في الحكومة الانتقالية المؤقتة، في العاصمة العراقية بغداد، والداعي إلى تأجيل الانتخابات العامة، مدة ستة اشهر 
أخرى، الكثير من الدهشة لدى الشارع العراقي.
   ما هو رأيكم بهذا الموقف الجديد؟ وكيف تفسرون الخطوة؟ وهل تتوقعون بان الولايات المتحدة هي من تحرض على التأجيل؟.
   الجواب: أولا، أحب أن اعبرعن أسفي الشديد لصدور مثل هذا الموقف السياسي الجديد من قبل بعض الأحزاب السياسية العراقية، خاصة الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.
   ففي الوقت الذي حققت فيه الحكومة العراقية إنجازا تاريخيا مشهودا في مؤتمر شرم الشيخ، الذي تبنى الجدول الزمني لتقدم العملية السياسية في العراق الجديد، وعلى رأسه موعد إجراء الانتخابات العامة، تطلع علينا هذه الأحزاب بدعوة غير مفهومة، وتثير الكثير من الشكوك حول دوافعها والغرض منها، والهوية الحقيقية للذي وقف وراءها وشجعها وحث الأطراف الموقعة عليها.
   كنا نتمنى أن توقع هذه الأحزاب على وثيقة تشكر مؤتمر شرم الشيخ على موقفه التاريخي، وتثمن التزامه بالجدول الزمني الذي اختاره العراقيون، لا أن يوقعوا على ما يتناقض ووثيقة شرم الشيخ، ما جعل الدول التي حضرت شرم الشيخ يسقط في يدها، وتستغرب من هذه الخطوة غير المحسوبة سياسيا بشكل دقيق، وليشعروا وكأنهم استدرجوا إلى فخ نصبه لها العراقيون، الذين ظلوا يتمنون طوال الوقت أن يتفهم العالم ما يريدونه على وجه التحديد، فلما فهم العالم وجيران العراق مطاليبهم، وقبلوا بكل ما ورد في الوثيقة، ضرب هؤلاء صفحا، وكأنهم يريدون أن يعيدوا الأمور في العراق إلى المربع الأول.
   إن تنصل أي طرف كان قد وقع على قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت عن أي بند من بنوده، سيحرض الموقعين الآخرين على التنصل من بنود أخرى، فلا استبعد مثلا أن يعلن طرف آخر، أو أطراف أخرى، عن تنصلها للبند الذي يتحدث عن الفيدرالية مثلا أو أي بند آخر رآه هذا الطرف أو ذاك انه كان مجحفا بحقه، وانه كان قد وقع عليه بالإكراه أو محاباة.
   إن أية محاولة لإعادة النظر بأي بند من بنود إدارة الدولة، يفتح الأبواب مشرعة لإعادة النظر في كل البنود الأخرى، لان كل البنود إنما تم التوصل إليها بالتوافق وليس بأية طريقة أخرى، كما صرح بذلك السيد جلال طالباني الذي قال في أكثر من مناسبة، أن العراق الجديد قائم على مبدأ التوافقات، فأين التوافق من بيان التأجيل الأخير؟ خاصة وان السيدين طالباني وبارزاني يعرفان أكثر من غيرهما، إن اغلب الذين وقعوا على البيان لم يكونوا من ضمن دائرة التوافقات الأساسية في أي يوم من الأيام؟.
   لا اعتقد أن من مصلحة العراق، التعامل مع التوافقات بهذه الطريقة المجة والمكشوفة، فسياسة تحشيد الأسماء والأرقام لصناعة أمر واقع، أو للضغط على هذا الطرف أو ذاك، لا تجدي نفعا في تحالفات قوية ومتينة، لان أي طرف آخر بامكانه، كذلك، أن يحشد الكثير من الأسماء والمسميات التي جاء اغلبها في بيان التأجيل، لا يمثل إلا نفسه أو عائلته.
   وأقول بصراحة كذلك، إذا لم يحترم الموقعون على قانون إدارة الدولة، تواقيعهم، فكيف ينتظرون من الآخرين أن يحترمونها، وهم الذين كانوا قد اتفقوا فيما بينهم، من دون تفويض أو حتى استشارة؟.
   أما بالنسبة إلى احتمالات تحريض الولايات المتحدة على التأجيل، فانا شخصيا لا اعتقد ذلك، لعدة أسباب:
فلو كانت الولايات المتحدة تحرض على التأجيل، لما استعجلت تصفية البؤر الإرهابية في أكثر المناطق العراقية المأزومة أمنيا، والتي تركت آثارا ملحوظة في استتباب الأمن في عموم مناطق العراق، ومن الواضح جدا فان من يعمل على استتباب الحالة الأمنية في العراق، إنما يسعى لتهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد وفي أجواء ايجابية وصحية.
   كذلك، فان من يمارس كل هذه الضغوط الدبلوماسية على الأطراف التي حضرت مؤتمر شرم الشيخ، لتوقع على واحدة من أفضل الوثائق السياسية التي تخدم مصالح العراق والعراقيين، يعني بكل تأكيد انه يسعى للالتزام بالجدول الزمني لتقدم العملية السياسية، وموعد إجراء الانتخابات العامة إذ أن من الواضح، كذلك، هو أن وثيقة شرم الشيخ لعبت دورا ايجابيا كبيرا وبارزا وواضحا في قصم ظهر الإرهابيين في العراق، وفي إنعاش آمال العراقيين بدعم العالم وجيران العراق للعملية السياسية الجديدة في العراق.
   وبهذه المناسبة أقول، وبصراحة، أن من يدعو إلى تأجيل الانتخابات، الآن على وجه التحديد، بعد أن كان من الداعين والمتحمسين لها طوال الوقت، احد اثنين، فإما انه يخشى تهديدات الإرهابيين فيفكر بطريقة للتخلص من شرورهم، فالتأجيل هنا يعني انه يقر بهزيمته وانتصار الإرهابيين، أو انه تيقن بان صندوق الاقتراع سيكون بالنسبة له، أداة الفضيحة التي ستكشف عن حقيقة ما يمثله ومدى تأثيره في الشارع العراقي.
   يسوق الموقعون على البيان حجة مفادها، أن ستة اشهر، مثلا، قد تساهم في إقناع الذين قاطعوا الانتخابات، للعدول عن موقفهم، وبالتالي الالتحاق بركب العملية السياسية من خلال المشاركة في الانتخابات، وأقول:
   إن الذين أعلنوا عن مقاطعة الانتخابات، واحد من ثلاثة، فإما انه يرفض أية خطوة سياسية في ظل الاحتلال، على حد تعبيره، ما يعني انه (قد) يشترك في الانتخابات إذا ما رحل الاحتلال عن العراق، أما قبل ذلك، فهو يرفض الأمر جملة وتفصيلا، فهل يتصور السادة الموقعون على البيان الأخير، أن بمقدورهم الاستجابة إلى شروط هذا النوع من المقاطعين، فيطردون الاحتلال عن العراق خلال الأشهر الستة التي طالبوا بها، ليعبدوا الطريق أمام هذا النوع، للمشاركة في الانتخابات؟.
   أو أن يكون من قاطع الانتخابات، لا يؤمن بآليات العملية الديمقراطية بالمرة، وهم فلول النظام الشمولي البائد، فهو لا يعترض على الموعد، وإنما يعترض، بل يرفض، اصل آلية الانتخابات كأداة من أدوات العملية الديمقراطية في العراق الجديد، فكيف سيقنع السادة، أمثال هؤلاء بالقبول بالآلية بعد ستة اشهر أو حتى سنة؟ بل مئة سنة؟ فهؤلاء لم يلجاوا إلى آليات الديمقراطية كل حياتهم، وهم في السلطة، فكيف يمكن إقناعهم بها اليوم وهم خارج السلطة؟.
   أو أنهم طائفيون أو عنصريون شوفينيون سوف لن يدخلوا أية انتخابات عامة ما لم يضمنوا قبل ذلك فوزهم الساحق، وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، ليحتكروا السلطة من جديد، فكيف يمكن للسادة إقناعهم بالانتخابات العامة في هذا الظرف، وهم يعلمون جيدا وعلى يقين من أنهم سوف لن يضمنوا المقاعد الكافية التي تؤهلهم للوصول إلى السلطة بشكل مريح لاحتكارها مرة أخرى، وهم يعرفون، قبل غيرهم، بأنهم أقلية الشعب العراقي بكل المقاييس؟.
   إن من لا يؤمن بمبدأ الشراكة الحقيقية في السلطة الجديدة بين كل مكونات المجتمع العراقي، سوف لن يشارك بأية انتخابات عامة، مهما طال الزمن، كما أن من لا يؤمن بمبادئ التداول السلمي للسلطة، وتقاسم السلطات أو القدرة في العراق الجديد، سوف لن يشارك كذلك في أية انتخابات عامة، فلماذا نرهن مصير العراق الجديد بمنهجية حفنة إما من الإرهابيين أو من فلول النظام البائد أو الطائفيين أو العنصريين الشوفينيين؟.
   السؤال الرابع: مؤخرا، تحدث وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، عما اسماه بسياسة تهميش سنة العراق في العملية السياسية الجديدة.
   كيف قرأتم هذه التصريحات؟ وماذا تعني بالنسبة لكم، انتم العراقيون؟.
   الجواب: لا شك، أن تصريحات الأمير سعود الفيصل، جاءت في الوقت الخطأ بكل المعايير السياسية والدبلوماسية، بالإضافة إلى كونها تعتبر تدخلا سافرا في شؤون العراق الداخلية.
   إننا ننتظر من جيران العراق، على وجه التحديد، أن يحملوا أجهزة إطفاء الحرائق، لمساعدتهم على إخماد النيران الملتهبة في أطراف العراق، لا أن يحملوا الزيت ليصبوه على النيران كلما صادفتهم فرصة لذلك.
   إن مثل هذه التصريحات تحرض على الحرب الطائفية، فألا يكفي الأمير ما صدر عن (فقهاء) بلاده من فتاوى تحرض على العنف والإرهاب وتشجع المغرر بهم من جراثيم الإرهاب والعنف للسفر إلى العراق وممارسة لعبة الموت والدمار ضد الشعب العراقي؟.
   إن ما صرح به الأمير سعود الفيصل مرفوض جملة وتفصيلا، لأنه يخالف الحقيقة والواقع، ولا أظن انه صرح بما قال، حرصا على العراق وشعبه ومستقبله، والا، لماذا لم يتحدث الأمير عن تهميش شيعة العراق طوال السبعين عاما الماضية؟ أين كان يوم كانت الأقلية الطائفية السياسية تذبح بالشيعة ليل نهار بعد أن أقصتهم عن الحكم؟.
   لماذا لم يتفوه بمثل هذا الكلام عندما همش النظام العنصري البائد، أكراد العراق وتركمانه واشورييه؟.
   ثم، هل يقبل الأمير أن يتحدث العراقيون عن الشؤون الداخلية لبلاده؟ كان يتحدثوا، مثلا، عن تهميش الشيعة في المملكة العربية السعودية؟ أو عن هذا التهميش المرعب للمراة في السعودية، وهي نصف المجتمع؟ والتي لا زالت الحكومة ترفض أن تمنحها حق التمتع بأبسط حقوقها الإنسانية كحق الترشيح والانتخاب؟.
   اعتقد أن من الحكمة أن يلتزم الأمير بنصوص وثيقة شرم الشيخ التي وقع عليها، ليساعد العراقيين في التخلص من الأزمة الخطيرة التي يمر بها العراق اليوم، فان من مصلحة بلاده، وكل دول المنطقة، أن يستقر العراق، ويعيش شعبه بأمان ورخاء ووئام، ولا أظن أن الأمير نسي تجارب الماضي القريب مع النظام الشمولي البائد، وما تسببت به سياساته الرعناء.
   السؤال الخامس: مؤخرا، أصدرت الحكومة العراقية الانتقالية المؤقتة، تعميما لكل الدوائر الحكومية، بما فيها الوزارات، شددت فيه على أهمية الالتزام بقانون اجتثاث البعث من الحياة العامة.
   ترى، لماذا تراجعت الحكومة عن قرارها السابق القاضي بتأهيل البعثيين في الحياة العامة؟.
   الجواب: إن واحدة من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحكومة العراقية الانتقالية المؤقتة، هو التساهل في تطبيق قانون اجتثاث البعث، والذي جاء (التساهل) بناء على نصيحة عدد من الأنظمة العربية التي تشبه إلى حد بعيد نظام صدام حسين البائد، بالإضافة إلى نصائح متكررة كان قد قدمها وألح عليها مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق السيد الأخضر الإبراهيمي، المعروف بحزنه العميق على النظام الشمولي البائد، كونه احد المستفيدين من عطاياه، ولأنه يحمل توجهاته (الإيديولوجية والفكرية العملاقة التي انتهت بالعرب إلى ما نراه اليوم من تخلف وجهل وتمزق وأنظمة شمولية استبدادية).
   لقد نجحت عدة أطراف عربية في إقناع الحكومة العراقية، بان إلغاء، أو على الأقل تجاهل، قانون اجتثاث البعث، سيساعد على التخفيف من حدة العنف والإرهاب، لتكتشف الحكومة، بعد اشهر معدودة، أن فلول النظام البائد تسللت إلى مفاصل الحكومة وراحت تعمل على تدميرها وإفشال جهودها الرامية إلى تهيئة الأجواء المناسبة للتقدم بالعملية السياسية إلى الأمام، ولإعادة بناء العراق، بعلمها أو من دونه، لدرجة أن احد أهم المقربين من مجلس الوزراء، وهو من فلول النظام البائد، كان يسرب تفاصيل محاضر جلسات الحكومة إلى الإرهابيين، وبشكل يومي، ولولا أن تم الكشف عنه، ربما في الوقت المناسب، لا ادري، وتقديمه إلى القضاء بتهمة الخيانة العظمى لكان قد نسف الحكومة من قواعدها.
   نحن نحمد الله تعالى على أن الحكومة وعت إلى خطئها وأحست بالذنب الذي ارتكبته بحق العراقيين عندما تجاهلت قانون اجتثاث البعث، وان كان الثمن غاليا جدا، من دماء العراقيين وأرواحهم وأمنهم.
   لقد اكتشفت الحكومة بان فلول النظام الذين استفادوا من إغفالها القانون المذكور ليتسللوا إلى أجهزة الحكومة، لعبوا دورا خطيرا في تقديم المعلومات للإرهابيين، وتمكينهم من الوصول إلى أهدافهم، وتنفيذ جرائم القتل والذبح واستهداف الشخصيات السياسية والدينية وغيرها، كما حصل ذلك في الموصل مثلا والذي أماط اللثام عنه نائب محافظ المدينة.
   إن من الخطأ الكبير جدا، التقليل من خطر فلول النظام البائد، أو التصور بان خطرهم قد زال، ولم تعد لهم القدرة على الفعل السلبي، إنهم كالسرطان، لو تركت منهم خلية نشطة، لتكاثرت وملأت، بخطرها، كل المكان، ولذلك فان الحكومة بحاجة إلى جدية اكبر في التعامل مع فلول النظام، وأنها لجريمة بحق العراق والعراقيين، الاستهانة بخطرهم، فلا يجوز تجاهلهم أو تركهم يتسللون إلى الدولة الجديدة بأسماء ومسميات جديدة، لين ملمسها، قاتل سمها.
   لا يمكن أن نتصور بأن فلول النظام سيتغيرون بهذه السرعة، وفي ليلة وضحاها، خاصة وان التجربة علمت العراقيين، كيف أن هؤلاء يمتلكون من القدرة ما تمكنهم من النهوض كلما سحقوا، ولذلك فالحذر الحذر منهم ومن أخطارهم.
   *ختاما: شكرا للأستاذة، الكاتبة والصحفية السعودية القديرة، نوال اليوسف، على تفضلها لإجراء هذا الحوار.
   شكرا جزيلا. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/20



كتابة تعليق لموضوع : حِواراتٌ وَنَدَواتٌ {الجزء الاول (2003-2009)} ( 1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net