صفحة الكاتب : ادريس هاني

الحداثة وعودة النزعة السحرية
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 لقد ترك إنسان الحداثة لغوايته..حتى العقل حار النّظّار في تحديد مفهومه وتاريخه..وباتت الحداثة عاجزة عن أن تحدد بدايتها..ديكارت هو لحظة سرعان ما تجاوزها التاريخ حيث ثمة من حدد الأمر في الأنوار..ربما مع غوشيه أمكن تحديدها في 1980..تاريخ عائم حسب مقتضيات واستفزازات ما بعد الحداثة نفسها..هذه الأخيرة ليست نقيضا للعقل والنظام والمعنى بل هي نقيض للأورذوكسية الحداثية التي أثخنت في الخداع..فكان الجهل رابظا في بنيتها غير المعلنة..إنسان الحداثة بنى جبروته على سلطة مفاهيم صنعت للاستعمال والاستنزاف والاستعمال..كان من المتعين رصد الأزمة في مزاج الحداثة وليس في منظومة بنيتها التّسلّطية على العقل والحياة..بل كان يفترض أن يسلك البحث باتجاه إحصاء ما حجبته الحداثة باسم العقل والنظام والمعنى..السخرية من أقانيم الحداثة هي ثورة على طغيان مفاهيمها الجبانة التي أقصت آخر العقل وآخر المعنى..الإقصاء هو عنوان الحداثة الهاربة من لعنة الضمير الذي يؤرّقها..حتى اقتصاد الحداثة هو نتيجة منظومة سياسية وعسكرية تقوم على الإخصاع والاستعمار والاستنزاف..استطاعت الحداثة إخفاء إخفاقها القيمي في مجال تصورها للإنسان ووظيفته، لأنها اعتمدت أدوات الحجاج الأيديولوجي وتقنية التزييف..حيث كل شيء حتى النذالة تقدم نفسها في الحداثة برسم الأنسنة..ودائما هناك صخب وترديد وثغاء يصدر عن قطيع الحداثة ممن هم أدواتها من حيث لا يعقلون وليسوا من منتجيها..لكن هذا الإخفاء الممنهج لإخفاق الحداثة في تصور الإنسان ووظائفه انفضح فضيحة كبرى في مجالات كثيرة تجلت فيها بربرية الغرب الحديث المصاغة بمفاهيم الحداثة:الحروب، الاستعمار، لعبة الأمم القذرة..ولكن سوف تكون الفضيحة الكبرى في مجال البيئة..لقد كانت ضريبة الحداثة الخادعة هو تخريب منهجي للبيئة..البيئة صمّاء لا تدافع عن نفسها بالأيديولوجيا، ولكنها غاضبة ولاستفزازها كلفة باهضة على النوع..لا قيمة للحجاج حول مفهوم الأنسنة الذي تميّع إلى حدوده القصوى في خطاب الحداثة التي لم تعد تفعل سوى التكرار وغسيل الدّماغ..فالغرب حينما يحشر تاريخيا ويتقلّص مجاله الحيوي بفعل المقاومة يبدأ يتراجع عن الكثير من المفاهيم بل ويفكّر في استعمال الهمجية..لقد أمّن الإقتصاد السياسي للغرب مناخا لمواصلة تزييف حقيقة الإنسان والبيئة إلى أن انكشف ما كان مستبعدا في أجندة الحداثة..ما بعد الحداثة ليست ارتكاسا كما يبدو لحراس الحداثة إلى الخلف، بل هو ثورة على الحصر المنهجي للحداثة واستبعادها لكل ما لا يخضع لمنظومتها المعرفية والقيمية التي تقوم على الخداع..سعت الحداثة إلى سلب الروح عن العالم بدعوى الاستكفاء بالفن..غير أنّ الفنّ نفسه لم يعد مساحة مستبعدة عن الهمجية والفساد..لا شيء نبيل في مؤسسات الحداثة التي بلغت الباب المسدود وهي تكرر أخطاءها..ليست ما بعد الحداثة بديلا عن الحداثة بل هي ثورة تستهدف بنيتها الكاذبة..هي مصالحة مع المستبعد والآخر..اليوم ومن منظار ما بعد الحداثة نستطيع التّأمّل في سطحيتها، حيث واحدة من ذلك استبعادها للتعقيد الذي من دونه سيهيمن الجهل بالإنسان والعالم..ذلك لأنّ الإنسان لا تكتمل صورته في اختصاصات علوم مجزءة بل هو لا يوجد إلاّ في تخومها حيث العلم يعاني التفكك وعدم الارتباط..وهذا أمر بات يشكّل قضية ذات أهمية في الرؤية الجديدة للعالم والإنسان..في عبر_مناهجية باسراب..وفي منازلات إدغار موران..ناهيك عن المابعد حداثيين الرسميين..ماذا خسرت الحداثة بإصرارها على التبسيط والتجزيئ والاختزال..لا الفن ولا التحليل النفسي حلّ الأزمة الروحية للحداثة.. بل بتنا أمام أشكال من التطبيع مع السحر الذي ناهضته الحداثة ..وربما بتبرمها منه عرّفت نفسها كما فعل ماكس ويبر..الأيديولوجيا الحديثة لعبت دورا في إحلال الرؤية السحرية الجديدة للعالم..رؤية تصنع في وسائل الإعلام التي يديرها كهنة الدجل والتبسيط..شيوع ثقافة الاستهلاك العمومي للّرمزي الفاسد من الأخبار والمعلومات والمعارف والقيم..تحشيد السلط والمال واللوبيات المرتبطة بالاقتصاد السياسي لتكريس وجهة نظر في المعرفة والاجتماع تخضع لباراديغم يعزّز سياسة منع النقد المفتوح..اليوم لا زلنا وبشكل أكبر حتى في بيئاتنا التي لم تنهض حداثيا لأنّ الحداثة كانت ولا زالت مجرد تمثّل أجوف ووسواس قهري ومزايدات فاشلة تمارسها نخب زائفة وتستنجد بقطيع استهلاكي لكل خداعاتها..كلّ هذا لا يخفي وجود أزمة روحية حقيقية في عالم كل آرائه بالإمكان أن يتوصّل إليها بالنخاع الشوكي..حيث كل اطمئنانه الخادع مبنيّ على الفعل الشرطي كما أكدته تجربة كلاب بافلوف...
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/21



كتابة تعليق لموضوع : الحداثة وعودة النزعة السحرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : رجال بني اسد ابطال وين ماكان

 
علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال .

الكتّاب :

صفحة الكاتب : حسام محمد
صفحة الكاتب :
  حسام محمد


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net