صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

تعساء حتى في أوطاننا
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أتعس ما نمر به اليوم هو هذا الشعور بالغربة ونحن في بيوتنا وأوطاننا, وهذا الشعور بالخذلان بين أهلنا وذوينا, أما كيف تكون الغربة في الوطن ؟, وكيف يعيش الإنسان غريبا في بلده ؟, فتلك مسألة لا يفهمها, ولا يحس بها إلا الذين يعيشون في البلدان التي اهتزت فيها معايير المبادئ والقيم الوطنية, وانقلبت فيها معاني الإيثار والإخلاص رأسا على عقب.
في العراق نعيش تعساء في نومنا, تعساء في يقظتنا, وكأننا خلقنا تعساء, وكتب علينا أن نعيش غرباء, ونموت غرباء. رافقتنا التعاسة والغربة منذ زمن بعيد, والتصقت بنا حتى صارت اكبر كوابيسنا الثقيلة المزعجة.
تتقاذفنا اليوم تقلبات السنوات الخداعات, التي يؤتمن فيها الخائن, ويخوّن فيها الأمين, ويُصدّق فيها الكاذب, ويُكذّب فيها الصادق, وظهرت علينا تماسيح بشرية خبيثة من ذوات الوجوه الزئبقية, طعنوا العراق في ظهره, وباعوا تربته بثمن بخس في أسواق النذالة السياسية, وانحرفوا عن المسارات الوطنية الثابتة, فكانوا أول من وقف مع الكويت في زحفها الحدودي التوسعي, وأول من تطوع للدفاع عن مشاريعها المينائية الاستفزازية في جزيرة (بوبيان), ومشاريعها النووية المستقبلية في جزيرة (وربة), فالتحقوا بصفوف الذين سبقوهم في تقديم فروض الخنوع والخضوع والتواطؤ, وسبقوهم في السقوط في بورصة الولاءات الرخيصة المعلنة لصالح أعداء العراق والطامعين بثرواته, وظهر علينا في الوقت نفسه طابور آخر من المتخاذلين الذين فقدوا مروءتهم, وفضلوا الصمت والسكوت, واختاروا الهروب من المواجهات والتحديات الخطيرة المحيطة بالعراق, ولم يكترثوا بتجاوزات دول الجوار على مسطحاتنا المائية وممراتنا الملاحية, ولم يقفوا معنا في المطالبة باسترداد حقوقنا السيادية الضائعة في شط العرب وخور عبد الله, أحياناً نرى بعض الأكاديميين وهم يتحدثون بحزن في الفضائيات, ويذرفون الدموع على الدمار, الذي خلفته موجات المد البحري التي اجتاحت اليابان, وضربت جنوب شرقي آسيا, وكانت بعض المراكز العلمية العراقية تتابع بشغف تغيرات قيعان البحار المصاحبة لزحزحة القارات, وتسجل تصدعات الصفيح القاري في المحيطين الهادي والهندي, لكن العاملين فيها لم يعيروا اهتماماً لزحزحة الحدود البحرية الزاحفة نحو سواحلنا في الفاو, ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الدفاع عن قنواتنا البحرية, وبحرنا الإقليمي المنكمش تحت ضغط الانتهاكات الحدودية المتكررة.
 
 يتحذلق بعضهم كثيراً في دراساته المعمقة عن جغرافية جبال الأنديز, وتضاريس البحيرات المرة في كندا, وهجرات السلالات البشرية من هضبة التبت, وارتفاع مستويات الرطوبة النسبية في غابات الأمازون, لكنهم يبخلون علينا بكتابة بضعة أسطر عن جغرافية شط العرب, ولا يتطرقون لظاهرة الاختزال الساحلي عند مقتربات رأس البيشة, ويتجاهلون المواضيع المرتبطة بمياهنا الدولية المتقلصة, وممراتنا الملاحية المنكمشة, والأغرب من ذلك كله أنهم يعرفون أدق تفاصيل البحار والمحيطات والمضايق والممرات الملاحية الدولية, لكنهم لا يعلمون أين تقع قناة (الروكا), ولا يعرفون أسماء الجزر العراقية الكثيرة المتناثرة عند منعطفات شط العرب, ولا شأن لهم بما آلت إليه ظروف المسالك الملاحية الضيقة المؤدية إلى موانئنا النفطية في عرض البحر, ولا يريدون التحدث عن أزمات العراق الحدودية والبحرية والسياسية مع الكويت, حتى لا تغضب عليهم وتحرمهم من تأشيرة التسكع في أسواقها, وتحرمهم من تأشيرة السفر لدول مجلس التعاون كلها.
اما نحن الفقراء الذين نذرنا أعمارنا لخدمة قضايانا الوطنية العادلة, فكانت حصتنا التهميش والتسطيح والتسفيه والتكميم والتعتيم والتخويف والترويع بالأدوات التي يمتلكها أصحاب الوجوه الزئبقية في هذا السيرك التنكري الكبير, الذي فقدت فيه القيم, وضاعت فيه المبادئ, وانتهكت فيه القواعد, فلم نعد نشعر إلا بالغربة في وطن تكاثرت في جسده الخلايا السرطانية الخبيثة, وشوهت صورته بؤر الفساد , فتعمق شعورنا بالغربة, حتى صارت غربتنا حقيقية, وتعددت مواقف الخذلان لتعتري أنماطا جديدة من حياتنا اليومية البائسة, لكننا وعلى الرغم من ضعفنا لن نخذل العراق أبدا, وسيبقى العراق أقوم البلدان قبلة, وأطهرها دجلة, وأقدمها تفصيلا وجملة. . 
 
أما والذي أعطاك أسمى هِباتِهِ
وأرسى علَيكَ الفُلْكَ والماءُ يَزخَرُ
لو الأرضُ كلُّ الأرضِ شاهَتْ وجوهُها
فبالماءِ في نهرَيْكَ يَوماً تُطهَّرُ

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/12



كتابة تعليق لموضوع : تعساء حتى في أوطاننا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ابن العراق من : العراق ، بعنوان : مواطنون بلا وطن في 2011/07/12 .

والله يا اخ كاظم كلامك صحيح ويطيح عالعلة نحن مواطنون بلا وطن ليس هناك من بلد يقبلنا كما يقول نزار قباني , خويه الكانو بالخارج يتنعمون ويلعبون بيهه اجو صارو اسياد البلد واحنه البقينه بالعراق وتحملنا السجون والعذاب صرنه غربه وهم مايستحون عبالك هم اصحاب الفضل خويه جزاك الله خير اكتب وبعد اكتب ترى عراقيو الداخل مهظومين من هذول الاجو واخذوا منهم كلشي عسى تصير كتلة نيابيه من العراقيين الماكانو بره وحتى الحكومه هم يشكلوهه لان مادام المهجريم ما ادري شيسمونهم هم اللازمين الحكم صد بس جيب وحمل الجماعتهم






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net