كنت في لقاء ثقافي ضم عددا من المثقفين والمفكرين الأجانب , وأثناء التعارف بدأ الحديث معي أحد الحاضرين متسائلا عن كيف أرى السياسي العراقي؟
فاجأني سؤاله , لكنني قلت له مازحا : وهل يوجد سياسي في العراق؟!
فرأيت علامات الدهشة على وجهه , وإحتار في الجواب, لكنني أضفت : يبدو أن لديك تعريف أو وجهة نظر.
قال: لقد فنّدت ما أرى وأيقظتني ونبهتني!
قلت: كيف؟
قال: تعريفي كان على إفتراض أن هناك ساسة في العراق , ووجدت أن السياسي العراقي يمكن تعريفه بأنه مسمار في الكرسي .
قلت : نحن على إتفاق فهذا التعريف يلغي كلمة سياسي.
ثم إنتقلنا إلى موضوعات أخرى مرتبطة بذات الفكرة , فالحديث ذو شجون. عدت إلى مقعدي متأملا المسمار بالكرسي , فهذا أجنبي مثقف ومفكر ويرى أن كل (سياسي) عراقي عبارة عن مسمار في كرسي , وفي واقع الحياة السياسية المضطربة وفقا لأجندات الآخرين , لا يوجد في العراق سياسة أو ساسة , وإنما مسامير يتم دقها في الكراسي , ولكل مسمار مطرقة ذات حجم يتناسب والمطامع الخفية والمعلومة.
والمسمار يحتاج إلى يد تضعه في المكان المعلوم ويد تمسكه ومطرقة تضرب رأسه بقوة وإتجاه يحافظ على إستقامة نفاذه , وفي زمننا المعاصر هناك أجهزة أو مطارق كهربائية تدق المسامير في الخشب , دون أن تمسكها اليد وتجهد في طرقها العضلات.
ومَن يتأمل مَن يسمون أنفسهم (ساسة) يجد أنهم عبارة عن مسامير قد دقت في الكراسي , ولا حول ولا قوة لها إلا الإستقرار في مكانها , لأن المطارق مسلطة على رؤوسها , ولا تعرف خيارا إلا الإندحار في الكرسي.
وقد يسأل القارئ إلى متى يبقى المسمار في الكرسي؟
والجواب , أن المسمار يبقى في الكرسي حتى يحترق ذلك الكرسي!!
فالكراسي لها أدوار مرسومة ومرهونة ببرامج ذات أعمار معلومة , وعندما تنتفي الحاجة إليها يتم إحراقها , والتمتع بمنظر دخانها والتخلص من مساميرها , وقد رأيتم على مدى العقود الماضية , العديد من الكراسي المحروقة , والمسامير التي طمرت في التراب , ولا تختلف هذه المسامير عن المسامير التي سبقتها , ولكل مسمار عمر معلوم ومطرقة معروفة.
ووفقا لهذا فأن السياسة لا وجود لها في العراق , والسياسي غائب ومفقود, منذ تأسيس دولته وخصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين ولحد الآن.
الموجود في العراق ينطبق عليه قول
" كل مًن صخم وجهه صار حداد" , وهذا هو الواقع المؤلم!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat