صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الهمجية والمدنية!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 قطعت البشرية مرحلة طويلة وقاسية في مسيرتها ما بين الهمجية والمدنية , وربما قد تكررت هذه المراحل في العصور الخوالي , إذ يبدو أن البشرية تحاول مغادرة همجيتها لكنها تصل إلى حالة من السأم الشديد من مدنيتها , فتطلق العنان لهمجيتها لكي تتسيد وتدمر مدنيتها لتعيد الكرة من جديد.

وما نعيشه في هذا القرن كأنه تعبيرات شرسة عن السأم من المدنية , ذلك أن التطورات التقنية والتكنولوجية إنطلقت بسرعة فائقة خصوصا في العقود القليلة الماضية , مما تسبب في صراعات نفسية سلوكية فكرية معتقدية ما بين البشر بذاته وموضوعه , وما توصل إليه وصار عليه من تفاعلات وتطورات , ربما لا تستوعبها النسبة العظمى من أذهان البشرية.
أي أن البشرية تطلق العنان لهمجيتها , لكي تتخلص من مدنيتها التي توصلت إليها , أو ألقت نفسها في لججها!!
فالمدنية أصبحت عبئا وعبثا لما تحمله من مخاطر ووسائل مباغتة ومدمرة , وقدرات إمحاقية وتفاعلات عدوانية ذات تأثيرات عظيمة , فالمدنية منحت العدوانية الوسائل والقدرات الكفيلة بتجسيدها إلى أقصى ما يمكن التجسيد , وهذا الحال أترع الأعماق بالخوف والقلق والتوجس الشديد الذي سيدفع بالبشر للقيام بما لا يخطر على بال من السلوكيات العدوانية.
فالسأم من المدنية من أخطر ما تواجهه البشرية في هذا القرن , ويبدو أنه سلوك يتنامى ويسعى لإطلاق عنان الهمجية وتسيّدها ونجاحها في محق ما أنجزته الأجيال من الإبتكارات والإختراعات , وهو سلوك يدفع بالحياة إلى مبتدءاتها التي تعود إليها بين حين وحين , فالأرض الدوّارة تفرض قوانينها على أحيائها ولا يمكن لأي نوع منها أن يفلت من قبضتها , وهذا يعني أن إرادة الأرض تساهم في تعزيز الهمجية للإطاحة بالمدنية وأخذ البشرية إلى حيث إعادة تصنيع الوجود.
فالأرض موجود كوني حي لا يقبل ولا يسمح لمخلوقاته بالخروج عن قبضة قوانينه , وإن عجزت الهمجية من تحقيق رغبات الأرض البقائية , فأنها ستعلن الإضراب عن الدوران لوقت ما حتى تتجلد وتقضي على موجوداتها ,  إلا في بقاع قليلة جدا تبقى فيها بعض الأحياء التي ستتواصل بعد أن تستعيد الأرض دورانها , وهذا الإحتمال ليس خياليا , فالتأريخ يشير إلى العصور الجليدية التي مرت بها الأرض , والتي تعني أنها توقفت عن الدوران أو تباطأت جدا بدورانها , فالدوران لا بد له أن يمر بمراحل تغيير التعجيل , فأما أن يتباطأ أو يتسارع , وفي الحالتين ستتحقق تغيرات جيولوجية وجغرافية لا تسمح لحياةٍ كالتي نتنعم بها في عصرنا وما مضى من العصور التي تمكنا من وعيها.
فلا يمكن تفسير التنامي الهمجي في الأرض إلا وفقا لذلك , وأي تفسير آخر يبدو مقنعا بعض الشيئ لكنه ليس صائبا , فيمكننا أن نرى ونحلل ونفسر , لكن الأحوال وما تؤول إليه لا يمكن تقديرها بصوابية مقبولة بمعزل عن مسيرتها السابقة , وما تحقق في ماضيها , وهذا ينطبق على جميع المستويات السلوكية لكافة المخلوقات الأرضية والكونية.
وهكذا فأن المخلوقات الأرضية أخذت تنحدر إلى وديان الهمجية , وربما لا يمكنها أن تحافظ على بقائها على قمة الإقتدار الحضاري والمعرفي , فقانون الصعود والهبوط ينطبق عليها بقوة وحتمية حاسمة!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/20



كتابة تعليق لموضوع : الهمجية والمدنية!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net