صفحة الكاتب : نجاح بيعي

مَقَرُ عَملِيات الفلوُجة كعْبة ُ مَنْ لا قِبلةَ لَه !؟.
نجاح بيعي

 مقر عمليات تحرير الفلوجة , غرفة أصبحت كـعـبـة تَأمّها زعامات القوى السياسية الورقيّة العراقية , فيقصدون حجّها في موسم التحرير , حيث دفعهم إيمانهم الوطني المستعار , لاقتناص فرصة حجّ ِ صرورة لهم لا تعوّض ولا تتكرر إلا ّ مرة واحدة ربما لكل دورة حياة كاملة . فخلع هذا جبّته , وذاك خلع ربطة عنقه , ولا يخلعون بذلك إلا ّ بقايا نزوة وطنيّة , أو فتات دِينٍ , أو فَضْلة خُلُق , وتهيأ الجميع للبس الإحرام ( الخاكي ) المرقّط المستلب , بعد أكسير غسلٍ مخادع مستحب , يدفعون به عَطنَ ليلٍ طويل قَضوه , لا يعلم خفايا صنفه إلا ّ الله تعالى , فتجمّلوا بالكذب , ومرّوا بمشط الخديعة على لحىً خادعة ظنّا ً منهم إصابة للسُنّة . ونثروا على أجسامهم من عطر النفاق الجالبُ للحظّ , منتشين لهالة المكر المصطنعة . ولقلقوا بألسنتهم آياتٍ وأدعيّة واحراز , ليمسكوا بمظهر البطولة الوهمية الفضفاضة , التي ما عادت تنطلي على أحد . وانطلقوا صوب كعبة المجد الغائب , نحو مقر عمليات الفلوجة , المدينة المستباحة من قبل الرفاق , من شذّاذ الآفاق من سقط المتاع , بمواكب كمواكب كسرى وهارون وصدّام . ليؤدّون نُسك الطواف حول بوابتها المحروسة , بالمصفحات المظللة , ويدخلون بالعجلة ذاتها , ويلجون الى داخل حرمها المحميّ المبرد , فيجلسون متباهين وهو يلتقطون الانفاس إثر جهدِ عناءٍ زائف , ويطلقون ابتسامات الحياء الماكر للجميع , يحاكون بها نعومة حياء فتاة ليلة دخلتها , ليأخذوا قسطا ً من الراحة الملكية ذاتها التي ينعمون بها , بعدها تبركوا راكعين وهم يطالعون بعيون وجلة ونظرات شاردة , الى أرض الفلوجة المحترقة وقد فُرشت على مائدة التشهير القسري , والمطبوعة على ورق الخرائط النايلون الملون , ويرفعون رؤوسهم كل مرة كالبله , نحو وجوه العسكر حيارى , وهم يسمعون لشرح الخطط بلا فائدة مرتجاة , ويطلبون بأنفة قصورهم وتقصيرهم شرحا ً عسكريا ً وافيا ً بطريقة لا تخدش جُبنهم الغريزي , وببطولة مُشتراة وشجاعة مدفوعة ثمنها مسبقا ً محفوفة بدعوات الذكر الواجب ( علي وياك علي ) من حناجر الإمّعات المرافقين لهم على الدوام , من اللذين لا تراهم إلا ّ في كل عورة وفي كل ورزيّة , ويخرجون للسعيّ عند حافات الجحيم الملتهب في الميدان المستعر , مطأطئين رؤوسهم خوفا ً من عدو وهمي , كأن على رؤوسهم الطير , فينطلقون من نقطة الرصد رقم ( 1 ) الى نقطة الرصد رقم ( 2 ) جيئة وذهابا عند الساتر الترابي المؤمن , ليقفوا بعدها ويستجمعوا ما بقي لديهم من همّة وشجاعة ليرمون الجمرات بعدّة عيارات نارية عاليا ً ومن بنادق مؤمنة على الشيطان الخانس , خلف جدر بيوت الفتنة والموت البعيدة , سرّا ً عن عيون الكاميرات والمتطفلين والمتصيدين , فتنطلق الأعيرة النارية ً لتغيب في السماء الملبدة بالبارود والدخان والغبار من غير أن يحرز أحد من أنها أصابت هدفا ً معينا ً لأنها اتجهت الى غير وجهتها . واستكمالا ً للمناسك أفاضوا من حيث افاضت الجبابرة , و أقفلوا راجعين للحرم العسكري لينحروا الخرفان والشياه , وتسيل دماؤها على الأرض الشاهدة عليها بأنها ذبحت لغير وجه الله , وتباشرها إيادي آثمة نهشا ً وتقطيعا ً لتأكل منها لحما ً مقدّدا ً سائغا ً بلا رأفة , مع تبادل عبارات الإمتنان المرّة , والتهاني المستهجنة , ويخرجوا بعدها معزّزين مكرّمين وهم وممّن صنع النّصر ضد داعش سواء . لا , لا وألف لا , فهم ممّن صنعوا النصر ضد داعش , ولن يسمحوا لأمثالي من أن يصطادوا بالماء العكر , وأن يتلاعبوا بالألفاظ ليشوّشوا على حجّهم المبارك وانتصارهم الميمون .

ولكنهم لم يَدركوا أبدا ً , أو يَعوا من أن هناك خلف سواتر الموت , فتى بطلا ً يقف شامخا ًعند الجانب الآخر المحترق من هذا العالم , كان قد لبّى نداء السماء والتحق من فوره, أتى ضامرا ً من فجّ ٍ عميق تاركا ً المال والبنون , وأمّ ساحة المعركة المقدسة حاجا ً , وقد أعياه نزف الإصابة المميت , تمالك نفسه مستجمعا ً قواه , وقف كالملاك مجذوبا , وسط الجحيم المستعر , توضأ بهدوء مؤمن , من دم جرح صدره النازف . تمتم ( بسم بالله وبالله وعلى ملّة رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله .. ) , أدار سمّته نحو النجف , وأمّها بنظراته الولهى العاشقة , فمن بين الأفق المحترق انبثقت له ولاحت القبة الذهبية , بمنائرها الباسقة التي بدت له كيدين كريمتين , تبسّم وسعى نحوهما , وقبل أن يسلّم وتتلاقاه الكفّين ليرقد عليهما رقدته الأبدية ويلتحق بهما بريقا ً مشعشعا ً , كان قد لبّى بأعلى صوته ( يـا عـلـيّ هـل وفـيـت ) . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/27



كتابة تعليق لموضوع : مَقَرُ عَملِيات الفلوُجة كعْبة ُ مَنْ لا قِبلةَ لَه !؟.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net