صفحة الكاتب : صالح الطائي

ليس هذا رأي الإسلام بعلماء الأمة الإسلامية!
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 حينما أمر رسول الله(ص) المسلمين بوجوب طلب العلم (من المهد إلى اللحد) لم يكن يعني بذلك العلوم الشرعية وحدها، بل ربما لم يقصد هذا النوع من العلم بالذات، فالحياة لا تقوم على تعلم العلوم الشرعية وحدها، وهذه العلوم نفسها ستبدو في غاية العجز والتخلف إذا لم تجد علوما أخرى تدعمها وتناصرها وتثبت صدقها، كما أنها لن تبدو أعجز وأخور ما في الوجود؛ إلا إذا قطعت علاقتها بالعلوم الأخرى! ولهذا السبب برز بين المسلمين من اهتم بالعلوم الأخرى في الأيام الأولى من عمر الإسلام بعد أن وجد هؤلاء أن الحياة تقوم على ركائز علمية مختلفة إحداها العلوم الشرعية، بل إن بعضهم سعى بجد وجهد ليحصل على علوم الأمم الأخرى ويفيد منها في بناء مجتمع الإسلام، ولهذا السبب خرج بعض العلماء من محيطهم الضيق إلى رحب العلوم الإنسانية، وحينما استشعر تنامي الحاجة إلى المعرفة قام ببناء (بيت الحكمة) كأول جامعة في التاريخ، أخذت على عاتقها التأسيس إلى نقلة نوعية في الترجمة تمهيدا للعصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية. والظاهر أن أعداء الأمة أيقنوا هم أيضا أن استمرار هذا المنهج سوف يخرج أمتنا من طور بداوتها إلى دنيا التحضر ويحولها إلى منافس شرس، ولذا قاموا بتوظيف مجموعة من المسلمين المتشددين لتأخذ على عاتقها إيقاف هذا المد، وتكفير من يخوض في العلوم!
من رحم هذه المؤامرة ولدت الآراء الغريبة للشيخ ابن تيمية (661-728هـ / 1263-1328م)  وتلميذه الشيخ ابن قيم الجوزية (691هـ - 751 هـ / 1292م - 1349م)؛ ومن سار على نهجهم من تابعيهم وأصحابهم بعلماء وفلاسفة وأطباء الأمة الكبار؛ الذين خدموا البشرية وأسهموا في تقدم وتحضر الإنسانية، فهذا الخط من المسلمين ومن اتبعهم في منهجهم، وبحجة رفض البدعة والحفاظ على الدين دون زيادة أو نقصان، اتهموا العلماء: بالسحر والكفر والإلحاد والشيطنة، باعتبار أن ما برزوا به من علوم وآداب وفلسفة وطب؛ إنما هو على رأي الشيخ ابن تيمية، مجرد تفاهة لا تحتاج العلوم الشرعية لمثلها. 
فضلا عن ذلك كان ابن تيمية يرى"أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد"(1) وبالتالي فدراسة المنطق والفلسفة والطب والرياضيات؛ حسب زعمه؛ مجرد هراء لا نفع فيه!
ووفق هذا المنهج الغريب، نراه يقول عن الطبيب والفيلسوف الكبير (ابن سينا): "كان هو وأهل بيته وأتباعه معروفين عند المسلمين بالإلحاد".
ونجده يتهم الكيميائي الكبير جابر بن حيان التوحيدي بأنه: "كان ساحراً من كبار السحرة في هذه الملّة، اشتغل بالكيمياء والسيمياء والسحر والطلسمات، وهو أول من نقل كتب السحر والطلسمات"!!.
أما عن الخوارزمي؛ الذي يعود له فضل اختراع الحاسبات التي غيرت وجه العالم، فقال عنه ابن تيمية: "إنه وإن كان عِلمه صحيحاً، إلا أن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره"(2).
هذا بالنسبة للشيخ ابن تيمية، أما أتباعه ومنهم تلميذه الشيخ ابن القيم الجوزيه، فهو يتهم الفيلسوف العربي الكبير ابن سينا بأنه: "إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر"(3)
 
وبالتالي، تخرج من تحت أيديهما ومن مدرستهما تلاميذ نجباء لهما، أتموا المسيرة، وساروا على منهجهما، ومن هؤلاء وليس أوحدهم كان ابن الصلاح؛ الذي قال عن الفيلسوف ابن سينا: "ابن سينا كان شيطاناً من شياطين الإنس"(4)
إن مطاعن أتباع هذا التيار بالعلم والعلماء لا تحصى ولا تعد، وقد اكتفيت بهذه الملاحظات البسيطة لأبين من خلالها أن التخلف الذي يعيشه بلد تعد موارده أكبر من موارد مجموعة دول كبيرة وغنية؛ والذي خرج منه أكبر عدد من الإرهابيين، إنما سببه هذا المنهج؛ الذي اتخذوه ليتعبدوا به، والذي ينظر إلى العلماء نظرة دونية حقيرة، وللأسف، أثر منهجهم المنحرف هذا على الأمة كلها بعد أن تغلغل أتباعهم بين صفوفها، ونشروا الفكر السلفي المتطرف!
إن أمتنا سوف تبقى قابعة في قعر قائمة التمدن والتحضر، وستظل تعاني خروج الفرق المارقة مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة وبوكو حرام وشباب الصومال وغيرها ما لم ترفض رفضا قاطعا وحديا وجديا مثل تلك المناهج ضيقة الأفق والبعيدة عن الواقع، وما لم تعد لعلمائها وعظمائها الذين شيطنهم وكفرهم  هذا المنهج الاعتبار والاحترام، وتعترف بمنجزهم العلمي الكبير؛ الذي أسهم في إثراء العلوم الإنسانية وتقدم البشرية!
 
الهوامش
 (1)    ابن تيمية، الرد على المنطقيين، دار ترجمان السنة، باكستان،  1976م، ص3
(2)     ابن تيمية، المصدر نفسه، ص141 وما بعدها
(3) ابن قيم، محمد بن أبي بكر، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، تحقيق: محمد عزير شمس ومصطفى بن سعيد إيتيم، مجمع الفقه الإسلامي، جدة، دار عالم الفوائد، 1432، ج2/ص374
(4) ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن تقي الدين، فتاوى ومسائل ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه؛ ومعه أدب المفتي والمستفتي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار المعرفة،  1406هـ - 1986م، ج1/ص209
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/06



كتابة تعليق لموضوع : ليس هذا رأي الإسلام بعلماء الأمة الإسلامية!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net