صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

محاضرات رمضانية (8) قيم إجتماعية وتربوية في شهر رمضان [صلة الرحم]
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
     بسم الله الرحمن الرحيم 
ها هي أيام هذه الشهر المبارك تمضي بنا سريعاً ، ونسائم الرحمة والمغفرة والبركة متواصلة في أيامه ولياليه، وأبواب الخير فيه مُشرعة، وهي كثيرة ومتنوعة ، ومن أعظمها مكانة ، وأجلها قدراً، صلة الرحم .وصلة الرحم خلق إسلامي رفيع، دعا إليه الإسلام وحض عليه، فهو يربي المسلم على الإحسان إلى الأقارب وصلتهم، وإيصال الخير إليهم ، ودفع الشر عنهم، يقول الله تعالى في ذلك: (( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى )) .
ولصلة الرحم صور متعددة ، منها : زيارة الأرحام وتفقّد أحوالهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وصلة القاطع منهم ، والتصدق على فقيرهم.
وقد أعد الله تعالى الأجر الكبير والثواب الجزيل لمن يصل رحمه ، فإن من أعظم ما يجازي به الله تعالى واصل الرحم في الدنيا أن يوسع له في الرزق ويبارك له في العمر، قال النبي صلى الله عليه وآله: (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )). أما قطيعة الرحم فهي كبيرة من كبائر الذنوب، وقد رتب الله العقوبة والطرد من رحمته لمن قطع رحمه، قال الله تعالى : (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )) ، وقد قال اﻹمام علي بن الحسين لولده: يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواطن.وليس أعظم من أن قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا، أما في الآخرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ )).وقد يتعذر البعض بأنه يصل رحمه وقرابته ولا يجد منهم مثيل صلة، بل يجد من الجفوة والصدود ما يصرفه عن صلتهم، فيقطع الصلة برحمه، ولا أفضل من شهر الرحمة من أن يتقرب المسلم فيه لربه بصلة رحمه، ابتغاء لمرضاته وعظيم ثوابه ، وإزالة لما قد يقع في النفوس من شحناء ، فالمبادرة بالزيارة والصلة وإن كانت شاقة على النفس ولكنها عظيمة القدر عند الله.فحري بنا أن نتفقد أرحامنا في هذا الشهر المبارك بالزيارة والصلة والسؤال والصدقة وإصلاح ذات البين، ولا يتعذر أحد بانشغاله، فلا أقل من أن يصل أحدنا رحمه بمكالمة تزيل ما علق في النفس، وتدحر الشيطان، وتفتح أبواب الخير، فرمضان فرصة عظيمة لفتح صفحة جديدة مع أرحامنا.
فصلة الرحم من القيم الدينية والإنسانية التي يجب الحفاظ عليها، فقد حَثَّ الدين على ضرورة صلة الأرحام، قال تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } ويقول تعالى: { اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } وقد أوضح الإمام الصادق (عليه السلام) معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } من ذلك صلة الرحم وقال الإمام الباقر ( عليه السلام): ( صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسئ في الأجل)  وقال الإمام الصادق ( عليه السلام):( صلة الأرحام تحسن الخلق، وتسمح الكفّ، وتطيب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسئ في الأجل )  .فصلة الأرحام -بالإضافة إلى استجابه- له فوائد عديدة، ومن أبرزها: التلاحم الأسري والعائلي، والشعور بالراحة النفسية، وإطالة العمر، وهو ما ينعكس إيجاباً في صناعة أجواء اجتماعية متماسكة.ومن جهة أخرى تحذر التعاليم الدينية من قطيعة الأرحام، يقول تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: ( ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم )  ويعتبر الإمام علي ( عليه السلام) أن قطيعة الرحم من أقبح المعاصي، إذ يقول:( أقبح المعاصي قطيعة الرحم والعقوق )  والإمام الصادق ( عليه السلام) يحذر من الحالقة، إذ يقول ( عليه السلام): (اتقوا الحالقة، فإنها تميت الرجال. قلت: وما الحالقة؟ قال: قطيعة الرحم ) .
لذلك يجب على المؤمنين الالتفات إلى صلة أرحامهم، وتجاوز ما قد يحدث أحياناً من سوء فهم يؤدي إلى القطيعة والتدابر، فشهر رمضان المبارك فرصة رائعة لصلة الأرحام، وتقوية الأواصر العائلية، وحل الخلافات بالتواصل والتزاور والانفتاح، والمبادرات الأسرية والعائلية مطلوبة خصوصاً في شهر الله، ولو بأقل ما يمكن، فدعوة على إفطار أو سحور ستزيل الكثير من أجواء الشحناء والبغضاء في حال وجود خلافات عائلية، وستقوي اللحمة العائلية في حال عدم وجود خلافات داخلية.والمطلوب هو إحداث تغيير حقيقي في التواصل العائلي في هذا الشهر المبارك، بالمزيد من التواصل، والتزاور، والتحابب. ويجب أن لا تشغلنا همومنا وأعمالنا اليومية عن صلة أرحامنا، والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يرشدنا إلى أقل ما يوصل به الرحم وهو السلام، إذ ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: ( صلوا أرحامكم ولو بالسلام )  والإمام الصادق (عليه السلام) يقول: ( صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها )  .فليكن شهر رمضان الكريم شهر تقوية العلاقات الداخلية بين الأسر والعوائل؛ بما يُسهم في تنمية التواصل الأسري والعائلي، وهو تغيير مطلوب في ظل الابتعاد والتقاطع الذي بات يعاني منه المجتمع.
ولكي تتضح لنا اهمية صلة الرحم بين الاقارب أكثر سنلقي نظرة على ما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام من أحاديث في فضل هذا العمل العظيم :1. سرعة وصول الثواب :يقول الرسول الأكرم (ص واله) : " أعجل الخير ثواباً صلة الرحم " .2. تهوين سكرات الموت :روي عن الإمام الهادي (ع) : " فيما كلم الله تعالى موسى (ع) قال موسى : فماجزاء من وصل رحمه ؟ قال : يــا موسى ... أنسئ له أجله و أهون عليه سكرات الموت" .3. تهوين الحساب و الوقاية من ميتة السوء : عن الرسول الأعظم (ص واله) قال: " صلة الرحم تهون الحساب و تقي ميتةالسـوء " .4. تعمير الديار : عنه (ص واله) قال : " صلة الرحم تعمرالديار و تزيد في الأعمار وإن كان اهلها غير أخيــار " .5. إطالة العـمر : و روي عنه (ص واله) أنه قال : " ان الرجل ليصل رحمه وقد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله عز وجل ثلاثين سنة ، ويقطعها و قد بقى من عمره ثلاثين سنة فيصيرها الله ثلاث سنين ثم تلا {يمحو الله ما يشاء و يثبت وعنده أم الكتاب}.معـوقـات صـلة الرحـم :اما من يقطعوا رحمهم فهم غالباً بسبب هذه العوامل :1. الجهل بالثواب في الدنيا والآخرة : فعدم المعرفة بما في صلة الرحم من أجر عظيم يناله الواصل في الدنيا والآخرة يدفعه الى عدم المبالاة في زيارة اقاربه والتواصل معهم و معرفة أخبارهم مهما قربت صلتهم به ، و هذا من اكبر الاخطاء التي يقع فيها الكثير من الناس ، و ماالاحاديث الانفة الذكر إلا شريحة بسيطة عما في هذا العمل من فضل و أجر عند الله .2. الجهل بالعقاب في الدنيا والآخرة : بقدر ما في صلة الرحم من فضل يقابلها في قطع الرحم آثار من أبرزها تقصيرالعمر ففي الحديث : " ان الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم " وغيرها من الآثار التي لا ندركها تترتب على مثل هذا العمل .3. الخلاف بين الأقارب :من الامور العويصة جداً هو ضبط العلاقة بين الأقارب و حفظها من الخلل والفرقة ، مع ما في هذه الحياة من مشاكل و مثيرات للخلاف و التي من أجلاها وضوحاً الطلاق بين الأقارب و مشاكل الإرث فيكون من أبرز مظاهرها هو قطع الرحم وانعدام التزاور ونشوب التشاحن والبغضاء إلا ان الشرع لا يرى في ذلك عذراً كي يقطع المرء رحمه ." روي انه جاء رجل الى رسول الله (ص واله) فقال : يا رسول الله ان لي أهلاً قد كنت أصلهم وهو يؤذونني وقد أردت رفضهم ، فقال له رسول الله (ص واله) : إذن يرفضكم الله جميعاً ، فقال : و كيف أصنع؟ قال (ص واله) : تعطي من حرمك ، و تصل من قطعك ، و تعفو عمن ظلمك ، فإذا فعلت ذلك كان الله عز وجل لك عليهم ظهيراً " .4. التكبر: من النعم التي هي نفس الوقت ابتلاء هي نعمة الغنى فكثير ممن رزقهم الله من فضله يدخل في قلوبهم الكبر والاستعلاء على منهم دونهم في المستوى المادي ، وكأن مقياس التفاضل بين البشر بما يملكونه من مال أوان تواصلهم مع الفقراء ينقص من مالهم شيئاً ، أو يؤثر على مكانتهم الاجتماعية والمالية .و ما هذه إلا أمور يخدع بها الإنسان نفسه و يجعلها ذريعة لقطع رحمه .5. بعد المسافة: من الامور التي يبرر بها البعض قطعه لزيارة رحمه واقاربه هي مسألة بعد المسافة و عدم مقدرته على الذهاب لزيارتهم لمافي السفر من مشقّة و كلفة عليه لذا يعتقد انه غير مكلف بهم و هذا من المفاهيم الخاطئة ففي الحديث عن رسول الله (ص واله) يقول : " سِر سنة صل رحمك " .و من الحديث يتجلى ما لصلة الرحم من اهمية مما يجعلها تستحق مسيرة سنة لا لشيء إلالصلة الرحم .6. الجهل بطرق صلة الرحم : هناك طرق و وسائل جعلها الإسلام تعلمنا كيفية صلة الرحم والبر لمن يمتّون لنا بصلة القرابة ، وجهل الكثير من الناس بها كان من أهم اسباب قطعهم لرحمهم ، إذالمفهوم السائد أن صلة الرحم لا تتم إلا بالزيارة و هذا من المفاهيم الخاطئة للمعنى المراد في روايات اهل البيت عليهم السلام .فعن رسول الله (ص واله) : " صلوا ارحامكم في الدنيا ولو بسلام "وعن الامام الصادق (ع) : " برّوا بإخوانكم ولو بحسن السلام و ردالجواب " .فالسلام إذن وسيلة من وسائل صلة الرحم و في عصرنا الحاضر يعد الهاتف احدوسائل إبلاغ السلام و صلة الرحم .ومن طرق صلة الرحم ما ورد عن الرسول الأعظم (ص واله) : " صل رحمك ولو بشربةمن ماء وأفضل ما يوصل به الرحم كف الأذى عنها "
           والحمد لله رب العالمين

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/18



كتابة تعليق لموضوع : محاضرات رمضانية (8) قيم إجتماعية وتربوية في شهر رمضان [صلة الرحم]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net