صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

أيهود باراك غائبٌ يتهيأ للعودة
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عاد اسم أيهود بارك رئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم حزب العمل الأسبق إلى الواجهة من جديد، وهو الذي أعلن انسحابه من الحياة السياسية إثر التراجع الحاد في تمثيل حزبه في الكنيست الإسرائيلي، حيث وصل عدد أعضائه في ظل رئاسته للحزب إلى ثلاثة عشر نائباً، وهي أقل نسبة تمثيل للحزب منذ إعلان تأسيس الكيان الصهيوني في العام 1948، فيما اعتبرت هذه النتيجة من أشد النكسات التي تعرض لها الحزب، وعزا المراقبون ومؤيدو الحزب هذا التراجع الكبير في الشعبية إلى سوء إدارة رئيسه أيهود باراك، حيث جاء تحالفه مع نتنياهو على حساب مصلحة الحزب ووحدته، وكان حرصه على تولي وزارة الدفاع على حساب مبادئ الحزب وسياساته، إذ كان منصبه لحساباتٍ شخصية ومنافع فرديةٍ، وهو ما انعكس سلباً عليه وعلى حزبه.
ظهر باراك فجأةً بعد طول غيابٍ في مؤتمر هرتسليا الأخير، وهو المؤتمر الإسرائيلي الأشهر الذي يناقش الاستراتيجيات والسياسات المستقبلية للكيان الصهيوني، ويعرض للتحديات والصعاب التي تواجهه، ويضع الأفكار والمقترحات للخروج من المآزق وتجاوز الصعاب، حيث يشارك في هذا المؤتمر كوكبة كبيرة من الباحثين والمفكرين وعدد من كبار الكتاب والإعلاميين الإسرائيليين، فضلاً عن مسؤولين حاليين ومتقاعدين، ومنهم ضباطٌ كبار في المؤسستين العسكرية والأمنية الإسرائيلية، إلى جانب عددٍ من المهتمين والباحثين من المؤيدين للمشروع الصهيوني والحريصين عليه، وممن يسعون لتخليصه من مشاكله، وتمكينه في كيانه، وتحصينه أمام التحديات والمواجهات التي تعترضه، ومما يؤسف له مشاركة بعض العرب والفلسطينيين في دورات هذا المؤتمر التي بلغت منذ العم 2000 وحتى اليوم ستة عشر مؤتمراً.
سلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية المحلية والدولية أضواءها على أيهود باراك أكثر من غيره، رغم أنها ليست المرة الأولى التي يشارك فيها في مؤتمر هرتسليا، إذ سبقت له المشاركة والمحاضرة فيه، وكانت له أوراق ومشاريع عمل تمت دراستها ومناقشتها، كما أنه لم يكن الوحيد من بين جنرالات العدو المشاركين في المؤتمر، فقد شارك إلى جانبه عددٌ آخر من العسكريين الإسرائيليين الكبار، ممن ما زالوا في الخدمة، وغيرهم ممن تقاعدوا وتركوا مناصبهم وانشغلوا بالسياسية أو بالدراسة والأبحاث، لكن الاهتمام الأكبر كان منصباً على أيهود باراك، وكأن حضوره يحمل رسالة ويكشف عن مخططٍ جديد، رغم أنه أعلن أنه لن يعود الآن إلى العمل السياسي من جديد، وأن الوقت ما زال مبكراً لعودته، ولكن تصريحاته لم تقنع المراقبين، ولم تسكت أفواه المتقولين، حيث بدأ الكتاب والمحللون يتحدثون عن قرب عودة الغائب أيهود باراك إلى الحلبة السياسية.
مما لا شك فيه أن حكومة نتنياهو الحالية بعد استقالة وزير دفاعه السابق الجنرال موشيه يعالون قد خلت من العسكريين، وبات وزير حربه مدنياً دون خبرةٍ عسكرية أو تجربة في الميدان عملية، وهو أمرٌ يضعف حكومة نتنياهو وإن حاولت التحصن بالتطرف، والاستقواء بالتشدد، والاستقرار بدعم الاستيطان وتوسيعه، والحفاظ على الموروثات اليهودية بتسهيل اقتحام المسجد الأقصى والصلاة فيه، ومنع الفلسطينيين من الدخول إليه للصلاة، إلا أنها تبقى حكومة ضعيفة لأنها خالية من العسكرين، وهو التقليد الذي اعتادت عليه كل الحكومات الإسرائيلية السابقة والتزمت به. 
ترى هل أدرك أيهود باراك أن حليفه القديم نتنياهو الذي ألحقه بتحالفه أكثر من مرةٍ، وعينه وزيراً للحرب رغم تدني أسهمه وتراجع حظوظه، وأعاده إلى الحياة السياسية بعد أن كانت ستطويه نتائجها وستهمشه أرقامها، أنه يعيش مأزقاً حقيقياً، وأنه يواجه تحدياتٍ فرضتها عليه استقالة يعالون ورفض قيادة الأركان وكبار ضباط الجيش التعامل مع وزيرٍ مدني ضحل الثقافة وعديم الخبرة، وغير ذي صلةٍ بالأمن والعسكر، وأنه في حاجةٍ إليه ولهذا جاء على عجلٍ يركض، ماداً يد العون والمساعدة إلى حليفه القديم، ليرد له معروفه، ويكافئه على قديم صنيعه، ويحاول أن يعوضه النقص الذي يشكو منه، وأن يفيض بخبرته على الوزير الضحل المعرفة والكفاءة، وكأن بخطابه من على منصة المؤتمر كان يحاول زيادة رصيده، ورفع أسهمه، وتحديد موقفه.
أم أنه كان على العكس من ذلك، إذ وجد الفرصة مواتية للانقضاض على نتنياهو الذي استل منه رئاسة الحكومة، وحرمه من مستقبلٍ سياسي كان يمني نفسه به، فرأى أن الطريق أمامه معبدة لتوجيه ضربةٍ إليه قد تسقطه أرضاً أو تحمله على الاستقالة والدعوة إلى انتخاباتٍ مبكرةٍ، ولهذا قرأ المراقبون خطابه بأنه كان جاداً في دعوته إلى إسقاط حكومة نتنياهو، وإنهاء سياسته، وأنه يعلم أن نتنياهو بات يدرك أن أيامه في رئاسة الحكومة باتت معدودة، وأن العد العكسي لبقائه في منصبه قد بدأ، وأن هالة التطرف لا تحميه، وإطار التشدد لن يبقيه في السلطة، بعد مسلسل الفشل الاستراتيجي في مكانة إسرائيل وعلاقاتها الدولية، إذ وصف حال كيانه بأنه يقوده رئيس حكومة وحكومة ضعيفة وصاخبة، وأنها فشلت في ضمان الأمن، وهدمت نسيج الديمقراطية في إسرائيل، وفشلت في إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة وتثبيت مكانة إسرائيل في العالم.
يرى البعض أن هذا الخطاب المزدوج هو رسالةٌ من باراك المتعدد الفشل إلى تكتل الجنرالات المتقاعدين، والضباط الغاضبين الناقمين، الذين يتربصون بنتنياهو ويتمنون سقوطه، ويشعرون بغيظٍ شديدٍ من طول مدته، وسوء إدارته، وعدمية سياسته، واستغنائه عنهم بالأحزاب الدينية واليمينية المتشددة، يبدي لهم فيها استعداده للتحالف معهم ومع رفاقه في السلك العسكري، لإسقاط نتنياهو وحكومته، معتقداً أنه يستطيع من خلالهم تحقيق ما عجز عن تحقيقه في حزبه الذي فقده وحل مكانه غيره، وأنه سيجد بين يعلون وموفاز وغانتس وغيرهم فرصةً ليعود من خلالهم رئيساً للحكومة، فهل يحقق باراك مبتغاه، ويعود إلينا ليكرر فينا جرائمه وإرهابه الذي لم ينقطع منذ العام 1973.
بيروت في 20/6/2016
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
tabaria.gaza@gmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/20



كتابة تعليق لموضوع : أيهود باراك غائبٌ يتهيأ للعودة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net