صفحة الكاتب : علي بدوان

تفجيرات أوسلو.. أوروبا وتنامي اليمين المتطرف
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 - نزعات اليمين المسيحي المتطرف
- اللوبي الصهيوني والدور الخفي
- العنصرية المتنامية في أوروبا
شكّل الاعتداءان الداميان اللذان أوقعا أكثر من 90 قتيلاً وأصابا نحو 90 آخرين في العاصمة النرويجية أوسلو (في حي الوزارات) حيث يوجد رئيس الوزراء ينس شتولتنبرغ، وفي جزيرة أوتويا القريبة منها حيث يوجد شبان مشاركون في المخيم الصيفي لشبيبة الحزب العمالي الحاكم، صاعقة كبيرة على رأس القادة في دول الاتحاد الأوروبي.
وقد هال القادة عمق الضربة الإجرامية التي أصابت النرويج، البلد المعروف باستتباب الأمن فيه وغياب أعمال التطرف داخله، حيث لم تقع حوادث دموية منذ الحرب العالمية الثانية بهذا الحجم، على الرغم من وجود جاليات كثيرة، متعددة المنابت والإثنيات والقوميات من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسطها إلى بلدان آسيا.
فهذه هي المرة الأولى التي يصيب فيها اعتداء إرهابي بهذا الحجم مملكة النرويج، العضو في الحلف الأطلسي والمشاركة بقوات عسكرية في أفغانستان قوامها 500 فرد بين جندي وضابط صف وضابط.
فما الذي عدا عما بدا، وهل هناك من مقدمات دفعت باتجاه ولادة هذا الشكّل المروع من أعمال التطرف والقتل والإبادة في النرويج وعاصمتها أوسلو التي شهدت توقيع اتفاق التسوية المرحلي الأول بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمعروف باتفاق أوسلو الأول في الربع الأخير من العام 1991؟
"
الترجيحات والمؤشرات المتوفرة تشي بتورط جهة سياسية يمينية متشددة ومحسوبة على تيارات اليمين المسيحي المتطرف التي بدأت تغزو أوروبا بشكل كبير خلال العقدين الماضيين
"
نزعات اليمين المسيحي المتطرف
في البداية، تشير كل المعطيات المتوفرة حتى الآن، وهي معلومات رسمية نرويجية إلى أن المشتبه فيه شاب "نرويجي المنبت والأصول تماما" في الثانية والثلاثين من عمره، اسمه أندرس برينج بريفيك وينتمي إلى جماعات مسيحية متطرفة، وهو يحمل آراء معادية للإسلام، وقد وصفته الشرطة النرويجية بـ"الأصولي المسيحي"، وقالت إنه يقف وراء العمل الإرهابي الذي روع النرويج بأسرها.
وفي قراءة المعطيات الأولية التي توفرت بشأن المدرسة السياسية والفكرية التي ينتمي إليها هذا الشاب النرويجي، فإن المعلومات القاطعة تؤكد أن استهداف مقر حكومي ومعسكر صيفي لشبيبة حزب العمال الحاكم يدل على أن وراء الهجومين بصمات سياسية واضحة، في رسالة إلى حزب العمال الحاكم بسبب جملة من المواقف التي اتخذها هذا الحزب الذي بدت صفوفه تتسع يوميا أمام المتجنسين الجدد القادمين من بلدان الجنوب، وبالتالي في سياساته من مسألة الأجانب وسياسات الهجرة.
وعليه، فالترجيحات والمؤشرات المتوفرة تشي بتورط جهة سياسية يمينية متشددة ومحسوبة على تيارات اليمين المسيحي المتطرف التي بدأت تغزو أوروبا بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وقد وجدت لها متسعاً وفضاء وتربة خصبة فوق الأرض النرويجية التي تصلها من حين لآخر موجات من طالبي اللجوء من دول الجنوب ومنها بعض بلداننا العربية.
وفي حقيقة الأمر، وعند القيام بعملية بحث موضوعية، وبتجرد كبير، نجد أن هناك طفرة ملحوظة في انتشار المنظمات المسيحية المتطرفة في العالم وخصوصاً في القارة الأوروبية والولايات المتحدة، حيث باتت أكثر عدداً وحضوراً وفاعلية وتأثيراً من التنظيمات الإسلامية المتطرفة الموجودة في أماكن مختلفة من العالم.
وقد "أقامت كل من الولايات المتحدة وأوروبا الدنيا ولم تقعدها" صراخا من بعبع تلك المنظمات والتجمعات الإسلامية المتطرفة دون أن تنبس ببنت شفة بشأن وجود تيارات ومجموعات من الاتجاهات اليمينية المسيحية الاستئصالية المتطرفة ومجاهرتها بمعاداة المسلمين و"حرق" القرآن الكريم كما دعا القس المتطرف جونز قبل فترة قصيرة في الولايات المتحدة.
ففي الولايات المتحدة نجد أن تأثيرات تلك المجموعات بادية على قرارات "المحافظين الجدد" حتى بان للبعض بأن تلك المجموعات جزء من مطبخ القرار السياسي الإستراتيجي للولايات المتحدة.
أما في القارة الأوروبية، وتحديدا في الغرب منها، فهنالك العشرات من تلك المنظمات والتجمعات اليمينية المسيحية الموغلة في تزمتها ودعواتها لاستئصال الآخر، وفي معاداة المهاجرين انطلاقاً من مما نسميه اصطلاحاً "لوثات أيديولوجية" مبنية على "خلطة من الأفكار المغلقة والمغرقة في روايات وخرافات الميثولوجيا" المأخوذة بشكل انتقائي وانفرادي من بعض "الكتب" التي يطلق عليها هؤلاء المتطرفين صفة "الكتب المقدسة".
يضاف إلى تلك الخلطة وجود نزعات عنصرية تقوم على نظريات ميتة طواها العلم والزمن، وعنوانها "النقاء الجيني البيولوجي" و"التفوق العنصري"، إلى جانب اعتبار أن الأجانب القادمين من دول الجنوب وشرق آسيا من أسباب تفاقم أزمات المجتمعات الأوروبية كالبطالة وتدني مستويات الرخاء عن سنوات سبقتها.
وهذا ما التقطته أحزاب اليمين المتطرف والمتشددة الأوروبية في برامجها الانتخابية وفي الشعارات التي رفعتها تلك الأحزاب لكسب أصوات الناخبين لصالحها، ودغدغة شعور الناس بخطاب شعبوي، لكنه في جوهره تحريضي وعنصري يزرع بذور التطرف داخل قطاعات الشباب على وجه الخصوص.
فكم من حادث مماثل وقع في الولايات المتحدة وبعض دول غرب أوروبا وكان أبطاله شبانا متطرفين استخدموا السلاح الناري في قتل الآخرين نتيجة تلك الأفكار واللوثات المتطرفة.
"
مظاهرات عدة شهدتها ألمانيا على سبيل المثال، التحم فيها اليهود الصهاينة بمجموعات اليمين المسيحي المتطرف الاستئصالية, واختلطت فيها أعلام تلك المجموعات مع أعلام الدولة العبرية الصهيونية
"
اللوبي الصهيوني والدور الخفي
وفي هذا السياق، ومن دون كيل الاتهامات كما قد يعتقد بعض المتسرعين، فإن اللوبي اليهودي الصهيوني لعب ويلعب في هذا المضمار دوراً كبيراً في التحريض على المسلمين من جهة، وفي الدفع باتجاه تنامي حضور مجموعات اليمين المسيحي المتطرفة، ومجموعات العنصرية الجديدة التي بدأت منذ سنوات تغزو أوروبا وخصوصاً منها بعض البلدان كألمانيا والدانمارك وبلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا وهولندا وغيرها من بلدان أوروبا الغربية.
فالدفع والتشجيع الصهيوني لنمو وحضور تلك المجموعات ينطلق من إيقاظ النعرات العنصرية عند الشباب الأوروبي، ومن استحضار عامل التخويف من "بعبع" تنامي الحضور الإسلامي والعربي داخل المجتمعات الأوروبية، في استغلال واضح لسلوك تنظيم القاعدة، واعتباره معبراً عن قيم وتوجهات المجتمعات الإسلامية وثقافتها باعتبارها "ثقافة عنف" وثقافة "رغبة في السيطرة على الآخرين".
وفي حقيقة ومكنون الأمر، فإن اليهود الصهاينة في أوروبا يشعرون في السنوات الأخيرة بشيء من القلق إزاء تنامي عدد المسلمين في القارة الأوروبية، وزيادة نفوذهم وتأثيرهم في الحياة العامة من جهة، وصعود مواقفهم السياسية ضد الكيان الصهيوني واليهود من جهة ثانية, مما جعل اليهود الصهاينة يشنون حملات مغرضة للتخويف من الإسلام في العالم وإثارة فزاعة "الإسلاموفوبيا", التي هي في جوهرها وحيثياتها (بروبغندا) وصناعة صهيونية محضة مائة بالمائة تواءمت وتوافقت مع شعارات مجموعات اليمين المسيحي المتطرف.
وحتى نسوق الدليل على ذلك، نقول إن مظاهرات عدة شهدتها ألمانيا على سبيل المثال، التحم فيها اليهود الصهاينة بمجموعات اليمين المسيحي المتطرف الاستئصالية, واختلطت فيها أعلام تلك المجموعات مع أعلام الدولة العبرية الصهيونية, ورفعت فيها لافتات تحرض على المسلمين وعلى بناء المساجد وعلى بناء المراكز الإسلامية وغيرها.
بل وذهب بعض رموز تلك التيارات اليمينية المتطرفة والمعروفة بمعاداتها للإسلام والمسلمين، كالنائب الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز، للقول إن "ثقافتنا تقوم على المسيحية واليهودية والإنسانية، والإسرائيليون يحاربون في معركتنا" وإذا "سقطت القدس فستليها أمستردام ونيويورك".
ولا ننسى في هذا المقام القس الأميركي جونز الذي دعا ضمن تنسيق بين المنظمات المسيحية المتطرفة التابعة للمحافظين الجدد، والتي تبلورت بفكرة شيطانية، تمثلت بالدعوة إلى يوم عالمي "لحرق" القرآن العظيم، واختاروا له يوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
"
ما حدث في النرويج من تفجير ومن عملية قتل للشبيبة في جزيرة أوتويا يؤشر بالدليل القاطع على نمو واستشراء تيارات ومجموعات اليمين المسيحية المتطرفة والاستئصالية، وعلى صعود موجات جديدة من تلك التيارات في عموم القارة الأوروبية
"
العنصرية المتنامية في أوروبا
بناءً على الوارد أعلاه، علينا أن نقر بأن موجات صعود المجموعات اليمينية المتطرفة يجتاح أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
ففي جنوب وشمال القارة الأوروبية ووسطها تكتسح الأحزاب اليمينية الانتخابات وتفوز بتشكيل الحكومات بشكل مؤثر وحدها، أو بالتحالف مع أحزاب ثانية، حيث تتلاقى تلك الأحزاب اليمينية على مساحات تقاطع، عنوانها أمران: أولاً توجيه سهام الاتهام للمهاجرين من دول الجنوب وشرق آسيا والبلدان العربية وتركيا باعتبارهم عبئاً اقتصادياً وعبئاً ديمغرافياً وعامل إخلال على المدى الطويل، وثانياً اتخاذ موقع عدائي وبشكل مسبق من الإسلام والمسلمين مدعية أنهم لا يستطيعون الاندماج في النموذج الثقافي الأوروبي.
وعليه، كان فوز الجبهة الوطنية العنصرية في فرنسا برئاسة اليميني المتطرف جان ماري لوبان في بعض المدن في الانتخابات البلدية وحصوله على 17% من أصوات الناخبين، عاملاً دافقا ساعد على تأجيج العنصرية وروح الكراهية داخل فرنسا على سبيل المثال، وانتقالاً إلى المجتمعات الأوروبية التي تعج بوجود منظمات يمينية مسيحية متطرفة تحت الأرض حتى لو كان وجودها بحدود معينة.
فقد باتت تلك المجموعات "نبتة عنصرية" تسمم مناخ الحياة الفرنسية، خصوصاً بعد أن عقدت المنظمة المتطرفة المعروفة باسم "الإخاء المسيحي" ومنظمة "إخاء القديس بطرس" حلفًا سياسيًا مع حزب الجبهة الوطنية العنصرية، وأطلقوا على هذا الحلف المضاد للمهاجرين اسم "الوطنيين الكاثوليك".
من هنا، حقق العديد من أحزاب ومجموعات اليمين الأوروبية المتطرفة والمعادية للمهاجرين نجاحات انتخابية ملموسة، في عدد من دول أوروبا الغربية مثل السويد (حزب ديمقراطيي السويد)، وفي إيطاليا (حزب رابطة الشمال) كذلك في الدانمارك والنمسا وسلوفاكيا ولاتفيا وبلغاريا.. مما أثار تساؤلات حول مدى قوة اليمين المتطرف وتأثيره المتوقع على الساحة الأوروبية، وتأثيره على قطاعات الشباب ونمو حالات التطرف التي كان منها هذا الشاب النرويجي الذي أقدم على فعلته.
أخيراً، إن ما حدث في النرويج من تفجير مروع في قلب العاصمة أوسلو، ومن عملية قتل للشبيبة في جزيرة أوتويا، يؤشر بالدليل القاطع على نمو واستشراء تيارات ومجموعات اليمين المسيحية المتطرفة والاستئصالية، وعلى صعود موجات جديدة من تلك التيارات في عموم القارة الأوروبية وفي بعض البلدان منها على وجه التحديد.
ومع ذلك، وعلى الأرجح أن ما وقع ستكون له تأثيرات بعيدة الأمد على النرويج، ولكن لن ينجم عنه أي تغيير محوري في سياستها أو مواقفها.
فالنرويج من البلدان التي خرجت مبكرة من الحرب الكونية الثانية، وقد زجت داخل معمعان تلك الحرب بسبب موقعها الجغرافي بالدرجة الأولى، وكانت أسرع الدول الأوروبية تخلصاً من كوابيس تلك الحرب الفظيعة.
وقد شقت لنفسها طريق الحياد الإيجابي بشكل عام، وطريق الشفافية في السياسات الخارجية على المستوى الأوروبي والدولي بشكل عام.
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/25



كتابة تعليق لموضوع : تفجيرات أوسلو.. أوروبا وتنامي اليمين المتطرف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net