صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح321 سورة فاطر الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ{36} 
تنعطف الآية الكريمة لتنتقل الى الكفة المقابلة للمؤمنين في دار الاقامة (  وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) , كفة الكفار الذين كذبوا وكفروا برسالات الانبياء , (  لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ) , جزاءهم النار , (  لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ) , لا يقضى عليهم بالموت مرة اخرى فيستريحوا من عذابها , (  وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ) , ولا يخفف عليهم العذاب لأي سبب كان , (  كَذَلِكَ ) , كما جازيناهم , (  نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) , نجازي كل كافر .   
 
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ{37}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ) , بيانا لشدة العويل والصراخ في طلب الاغاثة منها , (  رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً ) , اخرجنا من النار لنعمل عملا صالحا نافعا , (  غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) , من كفر ومعاصي , (  أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم ) , يأتيهم الجواب على لسان ملائكة العذاب أولم تعمروا في الدنيا حتى بلغتم آجالكم ؟ , (  مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ) ,  كان لديكم الوقت الكافي للتذكرة والاتعاظ , (  وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ) , الرسول , (  فَذُوقُوا ) , عذابها , (  فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) , ليس لكم هنا من ناصر او مدافع يدفع عنكم العذاب او يخففه عنكم او ينصركم دونه .    
 
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{38} 
تضيف الآية الكريمة مؤكدة (  إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , كل ما غاب فيهما ولم تدركه الحواس , (  إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) , وهو جل وعلا عليم مطلع حتى على خطرات وخلجات القلوب . 
 
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً{39} 
تستمر الآية الكريمة (  هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ) , خلائف جمع خليفة , يخلف بعضكم بعضا , او في ايديكم مقاليد التصرف في المخلوقات وتسخيرها لمنافعكم , (  فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ) , فمن كفر منكم , فأن وبال كفره يعود عليه , (  وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً ) , لا ينال الكافرين عند الله تعالى الا مزيدا من الغضب , (  وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً ) , ولا تزيدهم كثرة الكفر الا خسارة , يخسرون ثواب الدنيا وثواب الاخرة , وهذه اكبر غايات الخسارة "ان يخسر كلا الدارين " .    
 
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً{40} 
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ ) , لهم يا محمد , (  أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) , هلا رأيتم من زعمتم انهم شركاء لله تعالى في خلقه وتدبيره , فعبدتموهم , (  أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ) , اروني خلقهم , (  أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ) , أم لهم شراكة في خلق السماوات , (  أَمْ آتَيْنَاهُمْ ) , الشركاء او المشركين , (  كِتَاباً ) , ينطق على انه تعالى اتخذ شركاء له في خلقه وملكه وتدبيره , (  فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ ) , فهم على حجة من أمرهم , بأن لهم شراكة فعلية او جعلية , (  بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً ) , بل ان يعد بعضهم بعضا بشفاعة الاصنام لهم عند الله تعالى الا باطلا .   
 
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً{41} 
تقرر الآية الكريمة (  إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ) , يمنعهما من الزوال , او ان يفقدا توازنهما , (  وَلَئِن زَالَتَا ) , زالت السموات والارض عن مكانيهما , او فقدا توازنهما , (  إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ) , لا يمكن لاحد ان يعيدهما او يعيد توازنهما , (  إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً ) , في تعجيل العقوبة للكفار , " حيث امسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا كما قال عز وجل تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض" – تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - , (  غَفُوراً ) , كثير المغفرة لمن تاب .  
 
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً{42} 
تضيف الآية الكريمة (  وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ ) , أي كفار مكة , (  جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ) , غاية اجتهادهم بالقسم , (  لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ ) , رسول , (  لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ) , اليهود او النصارى , " وذلك ان قريشا لما بلغهم ان أهل الكتاب كذبوا رسولهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى لو اتانا رسول لنكونن أهدى من احدى الامم "  – تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - , (  فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ ) , محمد "ص واله" , (  مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً ) , ما زادهم مجيء النذير الا بعدا عن الهدى .
 
اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً{43}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ ) , عن الايمان , (  وَمَكْرَ السَّيِّئِ ) , في الشرك والخداع , والمخاتلة والمواربة , (  وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) ,  لا يحيط المكر السيء الا بأهله , (  فَهَلْ يَنظُرُونَ ) , ينتظرون , (  إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ) , في تعذيب واهلاك المكذبين , (  فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) , لا مبدل لسنته جل وعلا , فيبدل بالعذاب غيره , (  وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ) , ولا تحول الى غيرهم .   
 
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً{44} 
تستمر الآية الكريمة (  أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ) , في رحلاتهم التجارية واسفارهم في البلاد , (  فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , فشاهدوا اطلال ما تبقى من الامم الباقية , وهو استشهاد عليهم , (  وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) , كانت تلك الاقوام السابقة اقوى منهم , مع ذلك اهلكهم الله تعالى واخذهم بذنوبهم , (  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) , لا شيء في السموات والارض صغر او كبر يمكن ان يفوته عز وجل , (  إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً ) , بكل الاشياء , (  قَدِيراً ) , عليها .  
 
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً{45}
تنعطف الآية الكريمة لتضيف مبينة (  وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ) , من المعاصي والذنوب , (  مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ) , ما بقت دابة تدب على وجه الارض بشؤم المعصية , (  وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) , الموت او يوم القيامة , (  فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ) , حان حينهم , آن اوانهم , (  فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ) , فأنه جل وعلا مطلع عليهم , فيجازي كلا حسب عمله .   
 
 
 
حيدر الحدراوي
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/28



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح321 سورة فاطر الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net