صفحة الكاتب : د . حكيم سلمان السلطاني

خلافة .. على منهاج النبوة (التكفير)
د . حكيم سلمان السلطاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 بعدما سرق أبو مصعب الزرقاوي الأضواء من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بفصله العراق عن مركز القيادة في أفغانستان، وبات هو القائد الفعلي للتنظيم، وأقام امبراطورية خاصة به تحت اسم (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) بعد أن كان تنظيمه يعرف بـ(جماعة التوحيد والجهاد).
فإنّ أبا بكر البغدادي باعلانه (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في نيسان 2013 قد قطع صلته بالقاعدة وزعيمها أيمن الظواهري، ومد نشاط تنظيمه إلى الشام وإعلانه ضم جهة النصرة، وهو الأمر الذي رفضه زعيمها أبو محمد الجولاني وأعلن تبعيته المباشرة لتنظيم القاعدة الرئيسي بقيادة أيمن الظواهري. وقد طالب أيمن الظواهري البغدادي بحل تنظيم الدولة الإسلامية في الشام واعتماد الفصل النطاقي؛ بحيث يقتصر عمل تنظيم الدولة الإسلامية على العراق بزعامة البغدادي، بينما يعتمد نشاط جبهة النصرة في سوريا بقيادة الجولاني، ولكن البغدادي رفض القرار واتهم الظواهري بارتكاب مخالفات شرعية ومنهجية، وقال (الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف). ومن ثم أعلن البغدادي الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) في حزيران 2014.
تعود جذور تشكيل الدولة الإسلامية (داعش) إلى رفض قادة (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) الإبقاء على أبي أيوب المصري أو ما يعرف بـ(أبو حمزة المهاجر) خليفة لزعيم التنظيم أبو مصعب الزرقاوي الذي قُتل في نيسان 2006، وتم اختيار حامد الزاوي المعروف بـ(أبو عمر البغدادي) أميرا لتنظيم الدولة في تشرين الأول 2006 الذي غير اسم التنظيم إلى الدولة الإسلامية في العراق.
تقوم الدولة الإسلامية المزعومة على ثلاثة أسس، هي : (التكفير) من أجل خلق نموذج متميز لهم مختلف عن الآخر، فبالتكفير يتحدد الولاء والانتماء. و(الهجرة) فلا يكفي التمييز بالتضامن والتعاطف يل يجب الهجرة إلى بلاد الإسلام. ومن ثم (الجهاد) من أجل توسيع نفوذ الدولة وبسط شرع الله على الخلق.  
وقبل الحديث عن أحد أسسهم (التكفير)، أود الإشارة إلى أنّ هذه الأسس تتماثل مع أصول الوهابية التي صاغها محمد بن عبد الوهاب حين تحالف مع الأمير محمد بن سعود في 1744م على إقامة إمارة دينية تقوم على: التوحيد، والولاء والبراءة، والهجرة والجهاد، والطائفة المنصورة. ولكن لم يقدر لهذا المشروع النجاح بعد أن انحرفت الدولة السعودية الأولى عن تعاليم الشيخ في آخر أيامها، وتحولت إلى ملك سياسي من دون صبغة دينية. ومن نافلة القول إنّ مؤلفات محمد بن عبد الوهاب مثل كتاب التوحيد، وكشف الشبهات، ونواقض الاسلام وغيرها يجري توزيعها في المناطق الخاضعة تحت سيطرة داعش ويعلوها ختم الدولة الاسلامية. وحتى أن شعار دولة داعش (خلافة على منهاج النبوة) هو نفسه الشعار الذي نادى به محمد بن عبد الوهاب.
- التكفير: وهو أساس عقدي يبرز في تنامي النزعة الغيريرة في الجماعة المنتمية لهذا الكيان، من خلال نبذ الآخر المرتد فكريا تمهيدا لمجاهدته بالسلاح. وقد كان هذا الأساس بحسب عالم الاجتماع علي الوردي عاملا مهما في نجاح حركة محمد بن عبد الوهاب "فهو قد أعطى لأتباعه حجة لغزو المخالفين لهم باعتبارهم مشركين تحل دماؤهم وأموالهم ونساؤهم ".
في الحديث عن (التكفير) سأكتفي بالتوصيف على مستوى الغلو الذي وصل إليه التنظيم على لسان الأمير الشرعي لجيش المجاهدين أبو عبد الله المنصور وأستاذ أبي بكر البغدادي الذي أصدر كتابا بعنوان (الدولة الاسلامية بين الحقيقة والوهم) بعدما أقدمت داعش على تخوين وتكفير وقتل مجموعة من قادة النصرة. 
يرى المنصور عقديا لم يختلف جيش المجاهدين مع داعش ولا القاعدة من ناحية الانتماء السلفي الوهابي، لا سيما في التأكيد على وجوب تحكيم شرع الله، بل الخلاف مع داعش يتركز في أصول خمسة؛ منها التكفير بغير حق. ص3 يقول المنصور "وينبغي أن يعلم أن من ينتسب إلى هذا التنظيم ليسوا على درجة واحدة في الغلو، فكثير من قيادة (جماعة التوحيد والجهاد) التي كان يتزعمها أبو مصعب الزرقاوي (رحمه الله) أقل غلوا بكثير جدا ممن أثر بعده، وغالب خلافاتنا معهم آنذاك في السياسة الشرعية " ص6 وليتخيل المرء كيف يكون الغلو في التكفير بعد الزرقاوي الذي يترحم عليه المنصور، مع أن الزرقاوي هو من استباح قتل المدنيين بحجة التترس بالعدو، وأسقط كل المحرمات والموانع بين المقاتل والمدني. وهو من حاول اشعال الحرب الطائفية في العراق، فقد كشف عن عمليات تنظيمه، واعترف بما قام به في المناطق الشيعية والشخصيات الدينية والسياسية، ووصف عمليات القتل ضد الشيعة أنها "مفتاح التغيير". فقد كان مخططه قائم على استدراج الشيعة إلى معركة طائفية مع السنة، وذلك كي يجدوا ملاذا لهم عند أهل السنة بوصفهم المدافعين عنهم. فؤاد إبراهيم، داعش من النجدي إلى البغدادي ص187.
والمنصور لا يخفي عقيدته في التكفير، بل ينكر الغلو فيها، وما كتابه هذا إلا مناصحة للتنظيم وللمغرر بهم لعزل قادة التنظيم ممن يجهلون شرع الله ويفتون بغير علم، فقد جاء كتابه ردا على كتاب (الأنام في تشكيل دولة الاسلام) وكتاب (مد الأيادي إلى بيعة البغدادي) وكأنه فضح للممارسات الخاطئة والمغلوطة من هذه الدولة التي أعلنت عن نفسها مبكرا، ولزعيمها أبي بكر البغدادي الذي قال فيه "أما أنا فأني أشهد الله الذي لا إله إلا هو ما أعرف عن قربٍ هذا الدعي الذي سمى نفسه أبا بكر البغدادي، وقد درس عندي مع مجموعة من الفضلاء شيئا قليلا من كتاب زاد المستنقع في سنة 2005م، ثم انقطع الدرس بسبب اعتقالي، وقد عرفته معرفة دقيقة، وقد كان محدود الذكاء، بطيء الاستيعاب، باهت البديهة، فليس هو من طلبة العلم المتوسطين، ودراسته دراسة أكاديمية في الجامعات الحكومية ومستواها هزيل جدا والتي لا علاقة لها بتكوين طالب علم فضلا عن عالم. ثم إنه كان إلى نهاية 2005 معنا من ضمن جنود جيشنا، ولم يكن من المبرزين في الميدان بل ولا من أهل الصولة والجولة، ولا المهمات الكبار" ص132.
وأخذ المنصور يوجه خطابه إلى أتباع وأشياع وقادة هذا التنظيم بـ"أن ينظر كل واحد منهم إلى نفسه، مقارنا بين معتقده في المسلمين قبل أن ينتظم مع هذه الجماعة، ومعتقده في المسلمين بعدما انتظم معهم، سيرى أن كثيرا ممن كان يعتقد إسلامهم أصبحوا في عينه كفارا" ص78.
ومن صور التكفير عند داعش بحسب المنصور:
1- مجرد الجلوس مع الأمريكيين في العراق للهدنة:
يقول المنصور "المتابع للجهاد في العراق يعرف أننا كتبنا كتاب (الجواب الكافي لمن نوى الهدنة مع العدو ظاهرا أو خافي) وبينا فيه بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم حرمة الهدنة مع الصليبيين في العراق، وأن قتالهم فرض عين حتى يخرجوا من هذا البلد المسلم. ومع قولنا بأن الهدنة من كبائر المحرمات لكنها لا تصل إلى حد الردة" ص98. ثم أنه يطعن في صدقهم ويصفهم أنهم كاذبون "فقد رأينا في سجون الصليبيين أنهم لا يكفرون أصحابهم إذا جلسوا مع الأمريكان ويكفرون غيرهم من الجماعات الجهادية إذا فعلوا نفس الفعل!" ص90. فلم تثر ثائرة المنصور إلا بعد أن طالته يد السوء من قبل داعش، فقد تناسى عن منهجه في التكفير وكأن تكفير الجماعات الأخرى مجمع عليه، وكأنه ليس محض اجتهاد خاطىء.  
2- خروج القيادي من سجون الصليبيين يعد ردة، ذلك أن الصليبيين لا يخرجوه إلا إذا باع دينه:
يتعجب المنصور من هذا الغلو في المعتقد، ويرى أنهم أيضا غير صادقين في ذلك "فقد كان عندهم أسرى عند الصلييين وأطلق سراحهم، إذن فلم لم يكفروهم لما عادوا إلى مواقعهم الأولى، بل أرفع مما كانوا؟!" ص 91. ثم يقول "ألا يعرف هؤلاء أن في المجاهدين الأسارى من خرج بمبالغ دفعت لمسؤولين على تنفيذ الأحكام، ومسؤولين على السجون، ولقضاة، ومسؤولين في أحزاب رافضية ألا يعرفون أن أناسا تغيرت أحكامهم من الإعدام إلى البراءة بدفع مبلغ مالي؟!" ص91. ما يهمني أكثر هو هذا التصريح الفاضح لمسؤولين في أحزاب شيعية تستهين بالدم العراقي.
3- يحكمون بكفر من قال بقتل القتلة منهم:
يقول المنصور "كم من مرة نفذ رجال منهم الغدر بمجاهدين وقتلوهم غيلة، وثبت ذلك القتل عليهم ... ومع هذا لم يسلموا القتلة للحكم الشرعي، بل كفروا من طالب بالحد الشرعي فيهم" ص93.
4- تكفير جميع من ينتسب لبعض الأجهزة الحكومية:
يتحدث المنصور عن حوار دار بينه وبين الزرقاوي، يقول "قال لي الزرقاوي عليه رحمة الله وهو أخفهم غلوا وأحسنهم حالا، ولا توجد بينه وبين أمير الزور البغدادي مقارنة من كل النواحي –إن مناط تكفير الشرطي هو الثوب الأزرق- هكذا قال بالحرف-، فقلت له: لنفرض جدلا- وفي الفقه يجوز افتراض مسائل وإن لم تقع – أن هناك شرطيا يحرس مدرسة للبنات في منطقة سنية لكثرة الخطف في ذلك الوقت، وليس له عمل إلا هذا، وقد اتخذ هذا العامي فتوى ممن يشاع عند العوام أنه أهل للفتوى، فما تقول في هذا؟ فقال لي رحمه الله: هو مرتد؛ لأن مناط التكفير الثوب الأزرق" ص96. من خلال هذا النص يتضح أن المنصور لم يكن يدين هذا الغلو في التكفير عندما كان يتبناه الزرقاوي أمير التنظيم، وإنما صار مستهجنا بسبب أّنّ البغدادي قال به، مما يعني أنه اختلاف مصالح.
وفي آخر كتابه يذكر نصيحة وإشفاقا على مصير الأمة في العراق.
وفي الحقيقة ليست هي من أجل مصير الأمة في العراق، بل على ما آل إليه مصيرهم من التشتت والتخاصم وقتل أحدهم الآخر، يقول "وجميع المجاهدين من الفصائل الأخرى يشهد أنكم ولغتم في دماء المسلمين، بل قتلتم كثيرا من المجاهدين. هذا هو واقعكم في بلاد الرافدين. ومن ذا من أهل العراق يشهد على أنكم أهل وفاق أو أهل رحمة بالناس؟! ومن ذا عمل ردة الفعل السيئة على المجاهدين أجمعين سواكم؟! ومن ذا جعل كثيرا من الشعب العراقي الذي فطر على الغيرة والنصرة ينبذ أبناءه المجاهدين ويمنعهم من دخول بيوتاتهم إذا عملوا عملية جهادية سواكم؟! أكان الشعب العراقي هو السبب؟ لا والله، ولو كان هو السبب لفعلها منذ أول مرة. لقد بئتم بإثم تمكين الصليبيين في أرض العراق، وإلقائه في أحضان المجوس بعدما كان يتأرجح حتى أصبح وجوده على شفا جرف هار، أليس من الحكمة في الازمات عدم فتح جبهات جديدة بل عمل تصالحات، وتفويت الفرص على العدو؟!" ص142. هذا هو منطقهم البائس بعدما رأوا فشلهم الذريع في العراق وأفلسوا نهائيا في إيجاد مناخ ملائم لهم في العراق من خلال تأجيج الطائفية التي كانوا يراهنون عليها ومن ثم تصدير دولتهم المزعومة. ولكنهم سيعاودون في بلدان أخرى ويبحثون لهم عن خواصر رخوة، فهم يتصيدون الأزمات التي تقع بها البلدان كي يؤسسوا لدولتهم ومن ثم الإعلان عنها، فبعد احتلال العراق لعبوا على وتر الطائفية التي هم أججوها باعترافاتهم بحجة حماية السنة في العراق، وبعد الربيع العربي وإرادة الشعب السوري بالتغيير ظهروا على أنهم مناصرون للثورة حتى أنهم ظهروا بعد عام من الثورة، وفي حقيقة الأمر هم نبتت غريبة عن المجتمع السوري وثقافته، ولا ينتمون إلى أي من التيارات الاسلامية السورية، وما صعودهم على حساب تشكيلات الجيش الحر إنما جاء بدعم مالي وعسكري وفني من دول مجاورة. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حكيم سلمان السلطاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/17



كتابة تعليق لموضوع : خلافة .. على منهاج النبوة (التكفير)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net