النظام العالمي ومشكلة الإرهاب
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حينما نتحدث عن مشكلة الإرهاب علينا أن نضع في الحسبان أنّ الخطاب المناهض للإرهاب لا يكفي في غياب برنامج حقيقي لمكافحة الإرهاب..هذا البرنامج لم يتحقق ولن يتحقق داخل معادلة الصراع التي تستند إلى قواعد اللّعب السياسي الدّولي الذي استعاض منذ الحرب العالمية الثانية بالإرهاب عن الحرب.. بات الإرهاب موضوعا دوليا وليس موضوعا للجماعات العابرة إلا من حيث هي جماعات وظيفية..ليس للشعوب أن يدركوا ما الذي يجري لأنّ الشعوب هي نفسها موضوع لصناعة الرأي العام والإعلام الموجه..الإرهاب بات إحدى أدوات الدّول كبديل عن التّدخّل المباشر..للإفلات من تبعات سياسة التدخّل ابتكرت القوى العظمى شكلا من التنظيمات ذات القدرة الفائقة.. كيفية صناعة هذه الجماعات لها أكثر من طريقة عبر التحكم في الذهنيات وهو جزء من مهام الاستخبارات الدولية..إبطال البعد الوظيفي للإرهاب يجعله يضمحلّ ويفتقد عنصر البقاء..هذا يعني أنّ القضاء على الإرهاب هو رهين بانقلاب في النظام العالمي..نظام عالمي جديد على أسس أخرى يوضع فيها حدّ للتدخّل القائم على المصالح القومية أو الفئوية للدول العظمى..النظام العالمي القديم هو نظام يحتوي على كل تناقضات الحرب العالمية الثانية حيث تمّ تأجيلها إلى أجل غير مسمّى..هو بالأحرى نظام جاء ليحل جزء من مشكلة الدّول المتفوقة في الحرب على حساب دول العالم..وبالتّالي لم تنحلّ مشكلة التدخل إلاّ في بنود قانونية ملتبسة سرعان ما انتهكها الواقع الجديد الذي ستخلقه استحقاقت أخرى تتعلّق بإنتاج الثروة وتوزيعها..اتسعت سياسة التدخل منذ إنشاء نظام بروتن وودز حين أصبح صندوق النقد الدولي يتحكم في مصائر الاقتصادات العالمية شمالا وجنوبا..وأكثر أشكال التدخل كانت لأسباب تتعلق بالثروة..وأكثر التحالفات السياسية مرتهنة لمصير التوزيع الجغرافي للثروة..بات مصير العالم مرتهنا لاستحقاقا جيوسياسية.. ذلك لأنّ الشعوب لا سيما شعوب الهامش ستصبح ضحية هذا النّظام الذي فرض عليها شكلا من النشاط بوتيرة الاقتصاد الرأسمالي العالمي لكنه حرمها من تحقيق فكرة دولة الرفاه..والبديل كان هو سياسة التقشف التي استمرت حتى اليوم بعناوين مختلفة كانت سببا في تكريس الهشاشة البنيوية..باتت المجتمعات الثالثية الخاضعة لسياسات التقشف والتفقير التي يشرف عليهما البنك الدولي وبرنامج إعادة الهيكلة بيئة حاضنة للإرهاب الذي يعاد تنظيمه وفق قواعد اللعبة الأممية ليعود إلى البيئات نفسها ويكرس فيها دورة الخراب والهشاشة..ساهم النظام العالمي بوجهيه السياسي المكرس للميز واللاعدالة وبوجهه الاقتصادي القائم على الاستغلال والتهميش في تكريس الهشاشة واسترهاب الإنسان المحلّي، أي منحه من خلال الإرهاب الدّولي الذي تتحكم فيه تلك الدول نفسها فرصة لتحسين أوضاعه والخروج من حالة التهميش..فخلف كلّ إرهابي تكمن رواية سوسيو ـ نفسية..بل إنّه من المستحيلات القضاء على الإرهاب مع وجود نظام أممي غير عادل ومع وجود سياسة إعادة الهيكلة ووجود مؤسسة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي تعملان وفق منظور مرتهن للحرب العالمية الثانية..
الشعوب ليس أمامها سوى أن تدفع ثمن التدخل أو بديله: الإرهاب..لكنها لن تفهم اللعبة حتى تبلى وتصبح وثائق مكشوف عنها في يوم ما و في عام ما للتسلية وكسر الروتين والإلهاء بتاريخ تقادم فيه جرم غير قابل للتقادم..
الإرهاب إذن هو شأن بنيوي في النظام الدّولي..هو الممارسة الأكثر شيوعا في السوق السوداء لصرف العملة السياسية للدّول..وبه ترسي هذه الأخيرة أنماطا من العلاقات غير المتكافئة بين الدّول العظمى وريثة انتصار الحرب العالمية الثانية وبين سائر الأمم سواء المهزومة أو تحديدا التي نشأت أو أعيد نشأتها في شروط كولونيالية قاهرة..الإستعمار حاجة بنيوية للنظام العالمي القائم..لا يمكن أن تنشط مؤسساته من دون أن تكرس سياسات الاستعمار الجديد..ويصبح التلويح بالتدخل أو الاستعمار الكلاسيكي متى ما أصبحت الدّول مارقة..ويعني مارقة أنّ تناور حدّ التّحدّي ضدّ سياسات الاستعمار الجديد..تتجلّى مظاهر هذه السياسة في تعليق مصير السيادة على استحقاقات جيوسياسية واقتصادية بحيث في صلب النظام الدولي توجد آليات لتحويل القانون الدولي إلى جزء من قواعد اللعب الأممي..السياسة الاقتصادية والدّولية العالمية تكرس نظام الاستغلال للإنسان والموارد الطبيعية للمجال الثالثي..الإمبريالية هي جوهر النظام العالمي القائم..وحينما بدأ العالم الثالث يشهد احتجاجات تاريخية وأصبح هناك قدر من التوازن في القوى ازداد منسوب التدخل..وحينما بات التدخل مكلفا ارتفعت نسبة الإرهاب..
ليس أمام القوى العظمى سوى الإبقاء على وظيفة الإرهاب ولكن العمل على حكامته من خلال تقليص تفوقه لكي لا يصبح حقيقة تتجاوز وظيفتها المقررة.. وبما أنه لا بديل عن الإرهاب في أفق استمرار النظام العالمي بأنماط تحكمه السياسي والاقتصادي والعسكري، فإنّ الإرهاب سيتطوّر أكثر وسيتجاوز الحدود كلّها ليصبح تهديدا لتلك الدّول نفسها..وهذا ما يعني تدشين عصر الفوضى..إنّ عصر الفوضى ليس معناه ما يحيل هنا إلى مفهوم الفوضى الخلاّقة، بل هي الفوضى التي تشمل الجميع ولا توجد قوة تستطيع التحكم في مبتدئها وخبرها..الفوضى الشاملة هي وحدها اللخظة التاريخية التي يعاد فيها ترتيب الأوراق وتقويم النظام العالمي نفسه بنفسه على أسس أخرى..إن النظام العالمي الذي تشكّل عقب الحربين العالميتين وتكرس إبان الحرب الباردة ليس نظاما عادلا بقدر ما هو نظام للتحكم والتمييز والتهميش والعدوان..وحينما يصبح مطلب تغيير النظام الدّولي فحتما سيصبح للقانون الدولي معنى أكثر عمقا وجدّية مما يجري اليوم، حيث القانون الدّولي تتحكم فيه السياسات..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat