صفحة الكاتب : هشام حيدر

الوزير المنتفكي...والنظام الطائفي العلماني
هشام حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قامت الدولة العراقية منذ تاسيسهافي 1921على بعض الاسس والمرتكزات السقيمة بفعل السياسة البريطانية الاستعمارية (فرق تسد)،والتي تستند الى ضرب المكونات ببعضها والاعتماد على بعض الاقليات بهدف الهيمنة وقمع المكونات الاخرى وان شكلت الاغلبية الساحقة.وفي هذا السياق ،فضلا عن رغبة بريطانيا بمعاقبة البيئة الحاضنة لثورة العشرين ومقاومي الغزاة،قررت أن يُحكم العراق من قبل \"حكومة عربية سنية\"كما وصفها اول ملك مستورد للعراق،ووجدت في مفتي بغداد الطائفي -الذي سبق ان راسلهم سرا- خير امين على تنفيذ تلك السياسة.تقول المس بيل يجب ان نعهد اليهم بذلك فيقوموا به افضل مما سنقوم به نحن،وفعلا فقد تطرف الرجل وقبل وزراء كرد ومسيح ويهود ورفض قبول وزير شيعي لولا انه امتثل لامر المندوب السامي بقبول وزير شيعي اسند اليه وزارة المعارف برغم جنسيته الايرانية حينها،الا ان ماميزه لتولي المنصب مخالفته لرغبة وموقف المرجعية. ومع ذلك فقد كانت المس بيل تنقل بسرور تظلم الشيعة من تهميشهم على يد هذا وامثاله وتبرر ذلك بانهم (ايرانيون)،في واحدة من اهم الاسس البريطانية الاخرى القائمة حتى اليوم، بعد ان قررت بريطانيا تصنيف العراقي من التبعية العثمانية عراقيا بالولادة اما المنتسبين للتبعية الايرانية فهم اجانب لم يتمكنوا من الحصول على الجنسية العراقية الا بعد صدور قانون الجنسية الاول ليصبحوا بذلك عراقيين بالتجنس.

 

وخشية هيمنة الشيعة على قطاع المعارف فقد كان المنصب يزاح عنهم بين الفينة والاخرى،والا فليس للقوم رغبة في المعارف حينها،وبذا اسندت وزارة المعارف-وحتى رئاسة الوزراء-لاخرين،لايجيدون القراءة والكتابة بالعربية.وكما تم استيراد ملك للعراق،تم استيراد وصي على المعارف لايجيد العربية بقدر مايجيد التركية والفرنسية،وتكريما له حمل كتاب القراءة للغة العربية اسم ابنه فكانت(القراءة الخلدونية)رمزا بغيضا لتلك الحقبة رافق الدولة بكل مراحلها،فقد كان ساطع الحصري صاحب الدور الاكبر،في تحجيم التعليم عند الشيعة،نجح في الغاء دار المعلمين ومديرية المعارف في الحلة والمدرسة الثانوية في النجف،وفي ان يكون عدد المبتعثين الشيعة اقل من نظرائهم اليهود.فوصل التفاوت لان تكون نسبة التعليم في الموصل بحدود 31 طالب لكل الف من السكان،فيما كانت في الناصرية مقتصرة على ستة طلاب لكل الف،ولما قررت وزارة المعارف رفع نسبة الشيعة المبتعثين،وجعل نسبة 31لكل الف هدفا يشمل كل المحافظات،دق ناقوس خطر السلطة الطائفية التي اطلقت على هذا التوجه مصطلح\"مرض المعارف\"،الامر الذي حدا بها لتشكيل (لجنة وصاية) على الوزير بامر من رئيس الوزراء الشركسي ياسين الهاشمي،الحق بها –لخطورة الموقف- شقيقه طه الهاشمي رئيس اركان الجيش اضافة لمنصبه فتم تعيينه مديرا للمعارف واصدر قرارا بالغاء مديريات المعارف المستحدثة.ولاعجب فقد كان هؤلاء ينكرون الخطر الصهيوني على فلسطين بدعوى ان اليهود اقلية بين عرب فلسطين وعرب الدول المحيطة ويرون ان(الخطر يكمن في وزير المعارف الشيعي الذي اخذ يستخدم طريقة خطيرة في تكثير المدارس حسب نسبة السكان وارسال ابناء الشيعة الى البعثات وهؤلاء سيعودون قريبا وستكون امامنا مشكلة في الجهاز الحكومي..).

 

وكان للحصري الدور الابرز في تطبيق تلك السياسة،فنراه يقول انه(كان في العراق زمرة من الناس لاتفرق بين الجعفري العراقي والجعفري الايراني ومعظم وزراء المعارف كانوا من هذه الزمرة)،فلاغرابة بعد ذلك حين نجده يصف وزراء المعارف الشيعة بالجهل بعد ان اصبح وصف الطائفة باكملها بذلك الوصف واحدا من المرتكزات الجديدة،فالواجب هنا ان تغض الطرف عن جهل الوزير الاخر بالحرف العربي،وعن ان وزراء المعارف الشيعة هم من الافذاذ كالشبيبي والجمالي والسيد عبد المهدي.ولاغرابة ان يتجاهل الحصري وغيره خريجي المدارس الجعفرية في بغداد والنجف،وهي مدارس انشأت بدعم المرجعيات الدينية وتبرعات التجار الشيعة،وكانت منذ العام 1909 تدرس الانجليزية والفرنسية والرياضيات،يوم كانت النجف تستقبل اسبوعيا مائة مجلة من خارج العراق.ثم لاغرابة ان يؤلف الشيخ كاشف الغطاء كتابا عن دور الاسلام في حفظ اللغة العربية فيمنع الكتاب،وفي ان يفخر شاعر شيعي بعروبته ووطنه فيقول 

وماتبريز للفصحاء ماوى – واين الترك من عرب العراق

ثم يتهم ممن لايجيد العربية بعروبته،من قبل امثال شاعر الترك الزهاوي الذي وقف يمدح شاه ايران في زيارته لبغداد فيقول بالفارسية:

هزاران شكركز فضل وعطاياي ايزد منان شد از تشريف شه بغداد رشك جملة بلدان

ومعناه الاف الشكر لله المنان حيث صارت بغداد بتشريف الشاه لها محسودة من جميع البلدان

ثم يصبح الزهاوي(شاعرنا)على حد وصف المس بيل فيقف مستقبلا برسي كوكس العائد للعراق بعد ثورة العشرين فيقول:

 

عد للعراق واصلح منه مافسدا – وابثث به العدل وامنح اهله الرغدا

إن العراق لمسعود برؤيته - أبا له من بلاد العدل قد وردا

ارأف بشعب بغاة الشرقدقصدوا – اثارة الشر فيه ، وهو ما قصدا

 

 

وكما تناوب اول الامر بعض الافذاذ من رجال الشيعة على سدة المعارف،فقد تلقفها الشراكسة من ال الهاشمي امثال ياسين وطه بمعاونة الحصري الذي استخدم التعليم وسيلة سياسية في العراق تضمنت جلد الطلبة وافساد المناهج الدراسية بكم كبير من المواد تحولت معه الدراسة والامتحان الى معركة وعداء اسهم في بغض الطالب العراقي للمدرسة،وانتج معدلات عالية للرسوب في المدارس العراقية بخلاف مثيلاتها العربية،لترسيخ فكرة ان(العراقي لايصلح لعمل شيء).كما سعى هؤلاء لاقصاء الدين عن المناهج الدراسية وفرض العلمنة على الجيل الجديد، ينقل الوردي فيقول: (تقول المس بيل\"إن رجال الدين كانوا من اكبر دعاة الثورة في العراق خلال الحرب العالمية الاولى وبعدها،وهذا ما دعا رجال الحكم في العراق الى انشاء المدارس الحديثة لكي يضعفوا بها الدين في نفوس الجيل الجديد،ويقتعلوا بذلك جذور الثورة من اساسها\"...فالمحتلون رؤا فقهاء الشيعة لايفتأون يحرضون العامة ضد الحكم القائم،لايهدأون في ذلك ولايفترون. ولعل المحتلين ارادوا ان يبثوا في عقول الطلاب النزعة العلمانية لكي يكافحوا بها نفوذ اولئك الفقهاء). وكان هذا هو دور الحصري وغيره من القادة الذين صنعهتم سلطة الاحتلال الجديدة،الذين نجحوا في المزاوجة بين علمنة المناهج وتطعيهما بالطائفية ،لذا فقد عمد المدير المستورد لاستيراد المعلمين من مصر والشام،واستخدمهم لخلق الفتن الطائفية لاشغال الراي العام عند الضرورة،كما حصل مع كل من الجصان وانيس النصولي اللذان وضعا مؤلفات اراد الحصري فرضها كمناهج دراسية مع انها تتحدث عن ان(إن الشيعة شعوبيون بالاجماع،فرس بالاجماع،وهم من بقايا الساسانيين في العراق،ولاحق لهم في السلطة،أو في تمثيل في السلطة)،وانه(كان زعماء ال البيت ضعافا فظلوا تحت تاثير المورفين الفارسي والافكار الفارسية)و( ان هذا الضعف في زعماء ال البيت كان من اكبر المصائب على الاسلام)وان الدولة كانت قد قضت(على حركة التوابين في عين الوردة ولكنها لم تقض على الاحقاد المتاصلة في نفوس الشيعة)،وان بني امية هم خلفاء الرسول ص وان الذين يسعون في الخلاف عليهم هم الكفرة الفجرة وان قتالهم واجب...الخ.وبرغم الاثر الكبير المترتب على مثل هذا الشحن الطائفي فان الحصري وغيره من رجال الدولة العراقية الطائفية لم يجدوا في كل ذلك (مايمس عواطف طائفة)،وان المشكلة تكمن في اهداء الكتاب فقط.وحين حاول فيصل تخفيف التوتر والتساهل قليلا في قبول الشيعة،قرر هؤلاء تسهيل وزيادة اعداد المقبولين من اليهود والارمن.ولطالما طالب وزراء المعارف الشيعة بلا مركزية التعليم ،وكانت تلك المطالب تقابل بالرفض والمركزية والغاء مديريات معارف المحافظات لتلحق محافظات الوسط ببغداد والجنوب بالبصرة في ظل صعوبة وسائل النقل انذاك.وكما زادت المظالم زادت المطالب،فطالبت الاغلبية الشيعية بان يعاملوا على الاقل اسوة بالاقليات،كاليهود والمسيح فيكون لهم قاض شيعي في محكمة التمييز،وان يدرس الفقه الجعفري في كلية القانون،وبلا جدوى.

 

ماتقدم وغيره من مظالم جمة ،دفعت بالشيعة للتظلم حينا،والانتفاض حينا اخر كما حصل مثلا في انتفاضة عشائر المنتفك ،الامر الذي دفع بالانكليز لقصف تلك العشائر بالطائرات،ليكون الوزير المنتفكي السيد عبد المهدي هدفا للاحتلال من جديد فيتم القاء القبض عليه وعلى الشيخ الشبيبي بتهمة تدبير المظاهرات ضد بريطانيا.ويستهدف الثوار من جديد وتتفتق اذهان سلطة الاحتلال واذنابها عن قانون للتجنيد الالزامي فيقف السيد عبد المهدي بوقف تشريع القانون الجديد،ويتطور الامر ليقدم استقالته من الوزارة احتجاجا على تشريعه.وكان له ولنظرائه من وزراء المعارف الشيعة الدور المشهود في ارغام النظام الطائفي على ابعاد رموز التهميش والطائفية في مجال التعليم كالنصولي والجصان والحصري، وفي رفع المستوى التعليمي في المناطق الشيعية من خلال زيادة المدراس فيها ورفع نسبة تمثيلهم في البعثات الدراسية. وينقل المرحوم الجواهري في مذكراته جانبا من تلك الحقبة التي وصلت فيها اخبار الطائفية الى عصبة الامم من خلال تقرير المندوب البريطاني السنوي الذي يقول فيه -مع ايضاحات للجواهري- :(وفي هذه السنة كان الخلاف بين الوزير الشيعي ، يقصد به عبد المهدي المنتفكي ، وبين المدير السني ، يقصد به ساطع الحصري ،بسبب تعيين شاب عراقي -يقصدني به -معلما في مدارس العراق ) وتضمن التقرير إشارة صريحة إلى الفتنة ، أسبابها ، مقدماتها ، وخلفياتها) . ويذكر الجواهري أن الوزير المنتفكي كانت له وقفة مشهودة مع ( أنيس النصولي ) وهو مدرس مُنتدب من لبنان وأصدر كتابا انتقص به من منزلة سيد الشهداء الإمام الحسين ( ع ) . ويبدو أن ( ذنب ) الجواهري الأساسي هو أنه حيّا الوزير بقصيدة مطلعها :

حيّ الوزير وحيّ العلم والأدبا - وحيّ من أنصف التاريخ والكتبا

 

ويعلق الجواهري على ذلك بالقول :( وقد نشرتها بعض صحف بغداد . ولم يخطر ببالي ، قط ، أنها ستكون الوثيقة الأولى بيد(ساطع )ومدخلا قويا لمعركة جديدة ينتصر بها،وأن أكون،أنا بالذات،في هذه المعركة المفتعلة،كبش الفداء،من هذه الضحايا الباردة للأكثرية المسحوقة).وقد حاول الحصري تقديم عذر اقبح من ذنبه لتبرير موقفه،فادعى انه قام بفصل الجواهري لانه نظم قصيدة في وصف مصيف ايراني،فكان هذا دليلا ومطعنا في (وطنية الجواهري وعروبته)،فهو لم يتسابق مع الرصافي والزهاوي في مدح الترك والانكليز ليحظى بمنزلة(شاعرنا)،سواء للانكليز،أو للدولة التي نجحوا في تأسيسها ،وخططوا لعزل قادتها من رجال دين أو وطنيين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هشام حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/05



كتابة تعليق لموضوع : الوزير المنتفكي...والنظام الطائفي العلماني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net