صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

مدرسة عاشوراء[4] تاريخية ثورة الإمام الحسين (ع)
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كلمة ألقيت اليوم ٥/١٠/٢٠١٦ جبل عامل /بلدة قلاوي.

إن تاريخية عاشوراء الإِمام الحُسَين (ع) لا تعني ارتباطها بالماضي حصراً، وإن كانت قد حدثت فيه فعلاً ضمن مفهومنا المعاصر، بل إن تاريخيتها تعني أزلية استمرارها. كما هي أزلية وجود الظلم والفساد، وأزلية تحقيق الإصلاح. مثلما أن ثوريتها تعني ضرورة وحتمية السعي نحو الإصلاح حتى وإن بلغت التضحيات ذروتها.

وكذا ارتباطها بالمكان، فمع أن كربَلاء مهدها، ومركز انبثاقها، إلا أن مداها يعبر حدود الطف إلى سائر أرجاء المعمورة، وأينما يوجد من يعتز بإنسانيته ويشعر بها، ويريد أن يكون سيداً صالحاً لا عبداً لفاسد.

وهكذا انبثقت تلك الثورة حاملة معها مضامين الإصلاح وآلياته، ومشخصة الفساد ومكامنه.
ومن ثم، لا يمكن اختزال ثورة الإِمام الحُسَين (ع) الإصلاحية بلحاظها الماضوية. مثلما لا يمكن اختزال أعداءه بأولئك الأشخاص الذين وردت سيرهم في كتب التاريخ. ذلك أن أعداؤه وأنصاره موجودون في كل عصر ومصر. وهم باختصار: الفاسدون والمصلحون، ولا مكان لثالث بينهما، (مَن سَمعَ واعِيَتَنا أَهلَ البَيتِ وَلَم يَنصُرنا، أَكَبَّهُ اللهُ في النارِ عَلى وَجهِهِ يَومَ القِيامَة).

فعاشوراء الإِمام الحُسَين (ع) لم تنتهِ عصر العاشر من محرمٍ الحرام سنة 61 للهجرة، بل من هناك ابتدأت وانطلقت. فـمبادئه (ع) لم تقتل لحظة استشهاده، مثلما أن أعداؤه لم ينتصروا حين قطعوا رأسه الشريف. وأن نداؤه (ع): (هل مِن ناصِرٍ يَنصُرُنا؟) ما يزال موجهاً لجميع أبناء الإنسانية الذين يستشعرون العزة، وهي من خصال المؤمنين: (وَلله العِزَّةُ ولِرَسولِهِ وَلِلمؤمِنين)، ويهتفون: (هَيهات مِنّا الذِّلة)، كما هتف بها الإِمام الحُسَين (ع) وطبق مصداقها.

إن مسير الحسين(ع) إلى كربلاء المقدسة وإستشهاده فيها لم يكن حدثاً عابراً وإنما هو أمر مدروس ومخطط له من قبل الباري عز وجل ويدخل ضمن التخطيط الإلهي، الذي أراد الله بها هز مشاعر المسلمين والعالم أجمع وإيقاظهم من السبات والغفوة التي ركنوا إليها (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (هود:113)، ومن المعروف أن الحسين عليه السلام عندما خرج على الحاكم الفاسد في ذلك الزمان وهو يزيد، لم يكن طالباً للحكم والسلطة لكي يتنعم بها هو وأصحابه، وإنما كان يعلم بمصيره المحتوم ألا وهو القتل ونيل الشهادة على يد أتباع يزيد إذ قال الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه إلى العراق (خير لي مصرع أنا لاقيه، كأن بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، يملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباء لا محيص عن يومٍ خط بالقلم)، لذا فمن هنا نعلم أن الإمام الحسين عليه السلام كان موقناً بالموت ونيل الشهادة، ولكن ما هي الغاية التي من أجلها خرج الإمام الحسين هو ومن معه من أهله ونسائه وأصحابه؟ وقد أخبر الإمام من معه بالمصير الذي سيحيق به، وترك لهم الباب مفتوحاً للهرب والنجاة من الموت المحتم إذ قال (ع) :(ألا وأني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإني قد أذنت لكم فإنطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل غشيكم فإتخذوه جملاً)، إذا كان للإمام الحسين غاية كبرى وهدف عظيم، لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل إلا من كان قلبه مطمئناً بالإيمان لذا ترك من كان يطلب الحياة والمال والجاه ليذهبوا عنه، وأبقى على القلة القليلة المخلصة من أتباعه وأهل بيته ليقوموا بهذا المشروع الرسالي، الذين قاتلوا وهم موقنون بحتمية الموت، إلا أن الغاية والهدف السامي الذي حملوه في صدروهم كان يستأهل تلك التضحيات من أجل إحياء الإسلام والقيم الإسلامية ومحاربة الفساد والظلم في الأرض(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتضر وما بدلوا تبديلا) (الأحزاب:23)، إذ قال الإمام الحسين قولته المشهورة: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) وذلك بعد أن رأى أن الظلم والفساد الذي إستشرى في عهد الطاغية يزيد لا يمكن السكوت عليه، ولا بد للقيام بوجه الفاسدين الذين يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، وعاثوا في الأرض فساداً ونهبوا أموال المسلمين وصرفوها على المفاسد والملذات الشخصية، ومن المناسب هنا أن نذكر ما كتبه الحسين عليه السلام إلى أشراف الكوفة: (أما بعد، فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال في حياته: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغير بقول ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله)، أي أن يحشره الله يوم القيامة معه في النار (وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا في الأرض الفساد، وعطلوا الحدود والأحكام، وإستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله) ومن هنا نرى أن الإمام الحسين كان هدفه محاربة الفساد بكل أشكاله الذي إنتشر بفعل القيادة الظالمة والإدارة المنحرفة التي كانت في عهد يزيد، ومع العلم أن ثورة الحسين (ع) لم تنجح من الناحية العسكرية، إلا أنها نجحت أيما نجاح في ترسيخ المبادئ الحسينية في أذهان الناس وإشعال شعلة محاربة الفساد والمفسدين في مختلف العصور والأزمان، فلا تزال الثورات الفكرية والحربية ضد الظلم والفساد تستضيء بشعاع الثورة الحسينية، وتجردت الأقلام لإستلهام المبادئ والأسس الأخلاقية التي أسس لها الإمام الحسين في يوم عاشوراء، فيوم عاشوراء هو درس لنا جميعاً ومعين لا ينضب من العطاء نقتبس منه الدروس والعبر التي لا بد أن نتخذها مبدأً لنا في الحياة لا سيما ونحن نعمل في مجال محاربة الفساد فإن ثورة الحسين عليه السلام تحثنا على المواصلة والجهد الدؤوب في هذا المجال والتضحية بالغالي والنفيس من أجل تحقيق تلك الأهداف السامية، وأن المبدئية في العمل والإيمان بضرورة محاربة الفساد لهو ركن ركين في نجاح عمل كل مؤسسة تعمل في مجال محاربة الفساد، والقضاء على الظلم وإحقاق الحق. فإن جدلية الصراع بين الحسين ويزيد لم يكن صراعاً شخصياً، وإنما كان صراعاً مبدئياً .. الصراع بين الحق والباطل .. الصراع بين النزاهة والفساد .. الصراع بين الإصلاح والظلم، الموجود في كل زمان ومكان.
        *والحمد لله رب العالمين*
مركز أهل البيت للبحوث والدراسات


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/07



كتابة تعليق لموضوع : مدرسة عاشوراء[4] تاريخية ثورة الإمام الحسين (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net