صفحة الكاتب : علاء كرم الله

بين مقابر العالم ومقابرنا
علاء كرم الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تحظى المقابر في غالبية دول العالم برعاية خاصة من الدولة من حيث حسن التنظيم والأهتمام  بمداخلها وأنارتها  وتبليط شوارعها الداخلية وزراعة مساحات واسعة منها بالثيل والزهور والورود مع تهيئة أماكن خدمية داخل المقبرة لتلبية متطلبات وأحتياجات الزوار.

 وغالبية دول الجوار العراقي تهتم بالمقابر بشكل يجعل منها وكأنها مكان للتنزه وليس مقابر!، فكثيرا ما نقلت لنا الفضائيات مشاهدات عن  تلك المقابر في سوريا على سبيل المثال قبل الحرب الأهلية  التي تعيشها سوريا الان وخاصة (مقبرة الغرباء) التي تضم جثامين الكثير من الشخصيات والرموز العراقية التي كان لها صدى كبير ومؤثر في حياة العراقيين

 ومنهم المرحوم شاعر العرب الأكبر (الجواهري) وغيره من الشخصيات والرموز العراقية ونفس الشيء تجده وبشكل أكثر جمالية وتنظيما في المقابر بدول الخليج العربي.

 أما في أيران فقد حدثني أحد الأصدقاء ممن زاروا أيران بأن المقابر هناك آية من آيات الجمال والروعة والتنظيم والنظافة المميزة التي تلفت الأنتباه والقبور هناك وعلى حد وصفه مبنية (كصة واحدة) وبنسق واحد! والذهاب لىتلك المقابر أشبه بالذهاب الى متنزه كبير وجميل مثل الزوراء!.

 أما في أوربا المعروفة بأهتمامها بالأنسان في حياته وبعد مماته فكثير ما شاهدنا تلك المقابر في الأفلام والمسلسلات حيث جمال المكان وروعته وهدوئه وكأنه منتجع سياحي وليس مقبرة!.

 ومرة قرأت موضوعا مترجما عن المقابر في ألمانيا بعنوان(المقابر في ألمانيا عبق تاريخي وفن معماري) نشرته أحدى الصحف يتحدث عن المقابر في ألمانيا، ويكفي من العنوان معرفة مدى جمالية تلك المقابر، والموضوع يتحدث وبأختصار: عن وجود (260) مقبرة في العاصمة برلين وحدها مختلفة في الحجم والشكل وتمتد على مساحة (1200) هكتار. وهناك مقابر مخصصة لليهود وللمسلمين وكذلك مقبرة (الكومنولث) البريطانية الخاصة بضحايا الحربين الاولى والثانية.

 كما وأن المدافن في برلين تمثل نقطة جذب واهتمام للسائحين! حيث يقوم مرشد سياحي بمصاحبة الزائرين في جولة داخل المقبرة لمشاهدة  قبور المتوفين من عظماء الأئمة الألمانية من أمثال أبي المسرح الألماني (بريخت) وكذلك الممثلة الأسطورة نجمة هوليوود (مارلين ديتريش) وكذلك قبر الفيلسوف الألماني (هيجل) وغيرهم الكثير من الفنانين والأدباء والعلماء وأصحاب الشان الذين لعبوا دورا هاما في حياة الألمان.

 وتقوم شبكة من المتطوعين بالعناية بتلك المقابر بشكل عام والتاريخية منها على وجه الخصوص حيث تعمل على أقتفاء أثار المقابر المحلية وتاريخ حياة الأشخاص المتوفين فيها لكون هذه المقابر وحسب رأيهم تعد جزءا من تاريخ ألمانيا. وتعتمد هذه الشبكة على المساعدات والتبرعات التي تقدم لها من الأهالي وبعض المؤوسسات الخيرية.

 واسئل هنا: لماذا مقابرنا مهملة وتكرب النفس وتغيب عنها أبسط ملامح  التنظيم والترتيب وتفتقر الى النظافة بشكل كبير وطالما أشعرتنا مقابرنا بصورتها المقرفة هذه بالخوف والرعب عند الدخول أليها؟ ولهذا كثير ما نسمع العراقيين  يرددون ( الله ليراوي أحد ذيج المقابر وذاك الدرب)! بسبب الحالة المزرية  لمقابرنا!.

 فمثلا لدينا مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف وهي تعد أكبر مقبرة في العالم! حيث يعود تاريخها الى اكثر من 1400 عام، وبقدر تاريخها الأثاري المهم هذا وبكونها أكبر مقبرة في العالم، ألا انها بنفس الوقت تعد من اكثر المقابر في العالم بؤسا واهمالا!

 أقول: آلا يمكن أن تكون هذه المقبرة تحفة تاريخية وأثارية ومعمارية؟! فلدينا كل الأمكانيات المادية والهندسية والعقول الجبارة التي يمكنها أن تجعلها كذلك! ألا تستحق هذه المقبرة التي أرتبط أسمها وتاريخها ومكانها مع الأمام (علي) عليه السلام شيئا من الأهتمام من قبل الحكومة المحلية في النجف؟ وما رأي المرجعية الرشيدة بذلك؟.

 وقد حدثتني زميلة لي في العمل كانت في زيارة لقبر والدها في النجف قبل أسبوع وقد جاءت للدوام وهي مريضة من شدة التعب ليس من الطريق من بغداد الى النجف فحسب،ولكن ما لا قته من عناء للوصول الى قبر والدها داخل المقبرة ومن الفوضى وكثرة الزائرين ،حيث يتم نقل الزائرين الى داخل المقبرة (بالستوتة) أو بعربة يجرها حمار صغير!

 والطرق بين القبور ضيقة وغير مبلطة ويعلوا التراب وجوه الزوار من كثرة (الستوتات) والعربات التي تسير مخلفة ورائها الكثير من التراب مع غياب واضح لشيء أسمه النظافة! وفي الشتاء ومع اول زخة مطر تتحول المقبرة الى واحة من الأوحال والطين! وفوق كل ذلك كثرة الشحاذين الذين يقفون على رأس الزائر ولا ينفكون منه الا بعد دفع الأكرامية والصدقة لهم (وبالعركة) في آحايين كثيرة!.

 ويحتاج الزائر في كل مرة الى اكثر من دليل ليصل الى القبر الذي يريد زيارته وذلك لأزدياد القبور الجديدة حيث لازال  حصاد الموت بالعراقيين وفيرا! بسبب من يستشهدون في جبهة داعش المرعبة أو من يسقطون بسبب تفجير هنا وعبوة هناك.

أما باقي المقابر فهي ليست بأحسن حال من مقبرة وادي السلام من ناحية الأهمال وعدم التنظيم والفوضى كما في مقبرة  (الكرخ  ومحمد سكران  والشيخ عمر  والأعظمية التي تقع بين بيوت الأهالي!).

 ونقول:هل من الصعوبة تبليط مداخل المقابر وزراعتها وأنارتها والأهتمام بالنظافة؟ . وهنا لا بد من الأشارة الى مشهد مقبرة الشيخ عمرالمتروكة والواقعة على الطريق السريع (لمحمد القاسم) والمتداخلة مع الأثر التاريخي للباب الوسطاني وهو الأثر التاريخي الوحيد الباقي من أبواب بغداد التاريخية!،

 حيث صور المقابر المهدومة والمتروكة التي تثير الكثير من الألم والكآبة في النفوس،ولا أدري لماذا لا يصار الى أزالة هذه المقبرة تماما والتخلص من مشهدها اللاانساني! بعد ان مضى اكثر من (40) عام على وفاة اصحابها ولم يعد يزورها احد! لا سيما وأنه قد تم منع الدفن في هذه المقبرة منذ عام 1982 أبان فترة النظام السابق، حيث تم منح ذوي المتوفين مبلغ (50) دينار حينها لنقل رفات موتاهم ودفناها في مقابر أخرى!.

 وبعد كل ما تقدم نترك للوقفين السني والشيعي ولأمانة بغداد وللحكومات المحلية في بغداد وباقي المحافظات وخاصة محافظة النجف لمحاولة أعادة النظر بالمقابر العراقية من ناحية تنظيمها وأنارتها وتبليط مداخلها وزراعتها ومنحها لمسة من النظافة والجمال أكراما للمتوفين!.

 يظهر مما تقدم ان غالبية العراقيين يعيشون حياتهم في هذا الوطن بلا ادنى درجة من الأنسانية والأهتمام والرحمة، فهم يعيشون بؤوساء ويموتون وهم في قبورهم بؤوساء، ويبدو أن ما بأيدينا أي شيء فقد خلقنا تعساء.! 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء كرم الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/29



كتابة تعليق لموضوع : بين مقابر العالم ومقابرنا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net