عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (١٨)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
انَّ حرص الامام أَميرُ المؤمنين (ع) على توعية الامّة بالحقوق والواجبات، ينبع من كون المشروع الاصلاحي الحقيقي لا يمكن ان يتحقّق بلا وعي الأُمّة، فاذا كان المجتمع جاهلاً بحقوقهِ وواجباتهِ لن يتبنّى الاصلاح والحرب على الفساد بشكلٍ صحيح، واذا لم يتبنّ المجتمع مثل هذا المشروع فانّ من الصّعب وقد يكون من المستحيل ان يُكتبَ له النجاح، واذا نجح، الاستمرارية.
بالوعي يحمي الامام (ع) المجتمع من الغفلة فلا يكونَ حطبُ نارِ الفسادِ والفشلِ، ولا يكونَ الظهر الذي يركبهُ الفاسدون والضّرع الذي يحلبونهُ لتحقيقِ مآربهم الدّنيئة من السّلطةِ!.
ولذلك وردَ عن الامامِ جعفر بن محمّد الصّادق (ع) قولهُ {العارِفُ بِزمانِهِ لا تَهْجُمُ عَلَيْهِ اللَّوَابِسُ}.
لقد بذَلَ الامامُ (ع) كلّ ما بوسعهِ لتوعيةِ المجتمعِ بما يدورُ حولهُ، وليكونَ لكلِّ واحدٍ منهم رأيٌ وموقفٌ، فلا يتهرّب أَحدٌ من المسؤوليّة بحجَجٍ وأعذارٍ واهيةٍ، حتى قال الطّليقُ ابْنُ الطّليقِ ابْنُ آكلةِ الاكبادِ مُعاوية بن أَبي سفيان مُخاطباً سودَة بنت عِمارة التي واجهتهُ متحدّيةً بكلِّ شجاعةٍ وثقةٍ وإِيمانٍ [والله لقد لمَّضكُم عليٌّ الجرأَةَ على الحكّام وقليلاً ما تُفطَمون].
انَّ الاصلاحَ يعتمدُ بالدرجة الاولى على الوعي، وعي الأُمّة، وإِدراكها وإِنتباها، لماذا؟!.
لانّ الفاسدَ يُراهن على غفلةِ المجتمع او استغفالهِ، ولذلك فهو يتحيّن الفُرَص لتحقيق ذلك إِمّا بإشغالِ الأُمّة بامورٍ ومواضيعَ بعيدةٍ عن إِهتماماتهِ الحقيقيّةِ مثلاً، او استغلال انشغالهِ بقضايا مصيريّة ليمارس فسادهُ ولصوصيتهُ! وأحيانا بالتّستّر خلف شعاراتٍ مقدَّسةٍ او عناوين برّاقةٍ لاستغفالِ المجتمع، وهي السّياسة الأمويّة التي انتهجها الأمويّون منذ عهد الخليفة الثّالث الذي بسط يدهُم ليعيثوا فساداً في بيتِ المالِ ونفوذ السّلطة، فكانوا كلّما أَرادوا إِنجاز أَمرٍ ما يُخالف الشّريعة أَو الصّالح العام، وخافوا من معارضةِ المجتمع او إِنتفاضتهُ وثورتهُ عليهم، أَشغلوهم بحركاتٍ بهلوانيّةٍ إِستعراضيَّةٍ ظاهرُها مُقدّس وباطنُها الفساد والباطل.
يَقُولُ الطَّبري في (تاريخ الأُمم والملوك ج 2/ص 643-645) وإِبنُ الأَثير في (الكامل في التّاريخ ج 3/ص 39- 42) ما يلي؛
أرسل عُثمان إلى مُعاوية بن أَبي سُفيان، وإلى عبد اللَّه بن سعد بن أبي سُرح، وإلى سعيد بن العاص، وإلى عمرو بن العاص، وإلى عبد اللَّه بن عامر فجمعهُم ليشاورهُم في أَمرهِ وما طُلب إليهِ وما بلغهُ عنهُم، فلمّا اجتمعوا عندهُ قال لهم؛ إِنّ لكلِّ آمرئٍ وزراءَ ونُصَحاءَ، وإنَّكم وزرائي ونُصحائي، وأهلُ ثقتي، ولقد صنعَ النَّاسُ ما قد رأَيتُم وطلبوا إليَّ أن أَعزل عُمّالي وأن أرجِع عن جميعِ ما يكرهونَ إلى ما يُحبّون فاجتهدوا رأيكُم وأشيروا عليَّ.
فقال لهُ عبد اللَّه بن عامر: "رأيي لك يا أميرَ المؤمنين أن تأمرهُم بجهادٍ يُشغلهُم عنك وأن تجمِّهرهُم في المغازي حتّى يذلّوا لَكَ فلا يَكُونُ همَّةَ أَحدهِم إلّا نفسهُ، وما هو فِيهِ من دَبَرةَ دابَّتهِ وقمْل فروِهِ.
ثم أقبلَ عُثمان على مُعاوية فقال؛ ما رأيُك؟ قال؛ أرى لك يا أميرَ المؤمنين أن تردَّ عُمالِك على الكفايةِ لما قِبَلهُم وأنا ضامنٌ لك قِبَلي.
ثم أقبلَ على عبد الله بن سعد فقال؛ ما رأيك؟ قال؛ أَرى يا أميرَ المؤمنين أنَّ النَّاسَ أهلُ طمعٍ، فأعطهِم من هذا المالِ تعطَف عليهم قلوبهُم.
ثم أقبل على عمرو بن العاص فقال له؛ ما رأيك؟ قال؛ أرى أنَّك قد ركِبت النّاس بما يكرهون فاعتزم أن تعدِل، فإن أَبيتَ فاعتزم أن تعتزِل، فإن أَبيتَ فاعتزم عزماً وآمضِ قُدماً.
فقال عُثمان؛ ما لك قِملَ فروِكَ! أهذا الجدُّ منكَ؟!.
فسكتَ عمرو حتّى إذا تفرَّقوا قال؛ لا واللَّه يا أميرَ المؤمنين لأَنت أعزُّ عليَّ من ذلك، ولكنّي قد علمتُ أَنْ سيبلغَ النّاس قولَّ كلَّ رجلٍ منّا، فأردتُ أن يبلغهُم قولي فيثقوا بي، فأقودُ إِليكَ خيراً أو أَدفعَ عنك شرّاً.
ردَّ عُثمان بعد ذلك عمّالهُ على أَعمالهم وأَمرهم بالتّضييقِ على مَن قِبلِهم وأَمرهم بتجميرِ النّاسِ في البعوثِ، وعزمَ على تحريمِ أَعطياتهِم ليطيعوهُ ويحتاجوا إليهِ.
نَفْسُ السّياسةِ تنتهجها اليوم [العصابةُ الحاكمةِ] و [المُصلحون] المزيَّفون تحت قُبَّة البرلمان والمتحلِّقون حولَ الدّائرة المُستديرة، فبينما ينشغل الرّأي العام في العراق بالحربِ على الارْهابِ، اذا بالعصابةِ الحاكمةِ تتآمر مرَّةً أُخرى لتعيد مراحل الحرب على الفساد الى المُربَّع الأَوّل من خلالِ إِعادة الفاسدين، وفيهم [عِجْلٌ سمينٌ] واحِدٌ على الأقلّ، الى مناصبهم السّابقة بدلاً من أن يقفَ خلفَ القُضبان ليواجه القضاء! وكأَنَّ شيئاً لكم يكُن، في خطوةٍ اعتبرها العراقيّون تحدِّياً صارخاً لإرادتهِم ولإرادةِ المرجعيّة الدّينيّة وتحديداً لارادةِ المرجع الأَعلى الذي دعا وقتها الى الضّربِ بيَدٍ من حديدٍ على رؤوس الفاسدين!.
لقد علَّمتنا التّجارب أَنّك اذا رأيتَ الفاسدين والفاشلين يُقدِّمون مشاهدَ إِستعراضيّةٍ جديدةٍ، ويحرصونَ فجأةً على الظُّهورِ على المسرحِ السّياسي كقُرودِ السِّيرك يقودَهم بهلوان، وكأَنَّ صحوةُ ضميرٍ إنتابتهُم! فتأَكَّد بأَنّهم يدبِّرونَ أمراً بليلٍ، وأَنّهم يطبخونَ شيئاً جديداً لا يَصُبُّ الّا في مصلحتهم الخاصّة، مُستفيدين من غفلةِ النّاس او إِنشغالهم! فالتَّوقيتُ في هذه الحالةِ ليسَ اعتباطاً أَو صدفةً أَبداً!.
وهذا ما يحصل الآن في العراق، فكلّ الاستعراضات المزيّفة التي قدَّمها [المُصلحون] المزيَّفون، ومنهم التّحالف الوطني، تبيّن أَنّها مُقدِّمات وإِستعدادات الغرض منها تحدّي الارادةِ الشّعبيَّة باعادةِ [عجلٍ سمينٍ] واحدٍ على الأقلّ الى منصبهِ السّابق! مستفيدينَ من إِنشغال الرّأي العام بمعركةِ المَوصل!.
لقد اثبتوا بهذه الخطوة أَنّهم تجّار دم!.
ثمَّ يريدونَنا أَن نُصدِّق أَنّهم أَصحابُ مشروعٍ إِصلاحيٍّ وأنَّهم يقودون حرباً على الفسادِ والفشلِ بمقاساتِ الشّارع والخطاب المرجعي!.
فهل سيُمرِّرونَ مؤامرتهم هذه المرّة؟! لا أظنُّ ذلك، فسيدفعونَ الثّمن عاجلاً ام آجلاً، فتغافل الرّأي العام عن مؤامراتهم الدنيئة الجديدة لا يعني جهلهُ أَو عدم إِنتباههِ، أَبداً، إِنّما يعني تأجيل المعركة الى حين تحقيق الانتصار النّهائي على الارهابيّين وتحرير آخر شبرٍ من أَرضِ الْعِراقِ الطّاهرة مر دنسهِم ونجاستهِم، وبعدها سيأتي الطّوفان على لسانِ الخِطابِ المرجعي أَوَّلاً وفي الشّارع الذي يستشيط غضباً ضدّ الفاسدين والفاشلين الذين خانوهُ بهذهِ الخُطوة الفاسدة بكلِّ المقاييس!.
أَمّا من ارتضى لنفسهِ أَن يكونَ حصان طروادة لعودةِ الفاسد الى منصبهِ، مستغلّاً فِيهِ تهالكهُ على القيادة ولو بثمنٍ تافهٍ يتناقض ويتعارض مع إِرادة الشّارع والخطاب المرجعي! فللأَخيرَينِ معهُ لغةٌ أُخرى!.
أَلم أَقل لكُم أَحبّتي أَنَّ شعارهُم علويٌّ وفعلهُم أمويُّ؟!.
إحذروهُم إِذن وافضحوهُم! فما رأيهُم إلّا فَنَد وأَيّامهُم إلّا عدَد وجمعهُم إلّا بدَد!.
٣٠ تشرين الاول ٢٠١٦
لِلتّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat