صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 11 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هذا بخصوص موقف الفلاسفة من النبوة ، اما موقف العرفاء منها فيشرحه يحيى محمد بقوله: 
"يمكن أن نجد في الرؤية العرفانية صورتين مختلفتين بعض الشيء عن حقيقة النبوة ، احداهما مقتبسة عن الموقف الفلسفي ، حيث فيها يؤخذ بتلك القوى الثلاث التي استند اليها الفلاسفة ، واضفي عليها صبغة عرفانية. أما الاخرى فانها لا تلتزم بهذه القوى ، وانما تؤسس لنفسها مفهوماً مستقلاً عن النبوة ، وإن كانت لا تبتعد كثيراً عن الصورة الاولى. واستعراض الصورتين سيكون كالاتي:
الرؤية الاولى:
حول الصورة الاولى ذهب صدر المتألهين الى ان الانسان مكون من عوالم ثلاثة تعطي قوى معرفية ثلاث هي تلك التي تحدّث عنها الفلاسفة، اي القوة العقلية والخيالية والحسية. فالانسان يتصرف بكل من هذه القوى في عالم من العوالم الثلاثة: الدنيا والاخرة وعالم الوحدة والربوبية الذي يفوقهما. والانسان بحسب غلبة كل نشأة يدخل في عالم من هذه العوالم، فمن حيث حسّه هو من جملة الدنيا وضمن جنس الحيوانات، ومن حيث نفسه فهو من جملة الملكوت الاسفل، أما من حيث روحه فهو من جملة الملكوت الاعلى، والغالب في الناس هو النشأة الحسية الدنيوية. لكن حيث ان كل ادراك هو ضرب من الوجود، لذا فكمال كل واحد من هذه القوى يوجب التصرف في عالم من تلك العوالم بحسب المناسبة والسنخية. ويمتاز النبي بان فيه تكتمل هذه القوى وتشتد جميعاً، فبالقوة العاقلة يتصل بالقديسين ويجاور المقربين وينخرط في سلكهم، بل ويفوق عليهم عند اتصاله بالحق وفنائه عن الخلق واندكاك جبلّ إنيته، كما اخبر النبي (ص) عن نفسه في قوله: ‹‹لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل››. وبقوة التخيل المصورة فانه يشاهد الاشباح المثالية والاشخاص الغيبية، وكذا يتلقى الاخبار الجزئية منهم ويطلع على الحوادث الماضية والاتية. أما بقوة الاحساس فانه يتسلط بها على الافراد البشرية وتنفعل عنها المواد وتخضع له القوى والطبائع الجرمانية خضوع السافل للعالي، فلها قدرة تحريكية تؤثر في هيولى العالم لتزيل صورة او تلبس اخرى، فمثلاً انها تحيل الهواء الى الغيم، وتحدث الامطار، وتسبب الطوفان، وتهلك الامم وتشفي المرضى وتروي العطشى وتخضع الحيوانات. وتفسير هذه الامور هو ان الاجسام لما كانت عبارة عن ظلال وعكوس مطاعة لما فوقها من المجردات، فان النفس كلما ازدادت تجرداً وتشبهاً بتلك المبادئ القصوى فانها تزداد قوة وتأثيراً في ما دونها من الاجسام، لهذا تنصاع لها هذه الاخيرة، ومنه نفهم كيف تؤثر نفوسنا على اجسامنا الخاصة، وعند اشتداد القوة النفسية الحساسة فانه يمكنها ان تؤثر على الغير، كالذي يحدث في المعجزات والكرامات وغيرها. هكذا فان جوهر النبوة جامع للنشآت الثلاث، وان النبي يعلم بالقوة العقلية كالملائكة، ويخبر بالقوة النفسية كالافلاك، كما انه يحكم بالقوة الحسية كالملوك. وحيث ان العوالم الثلاثة المذكورة متطابقة ومتحاكية بحسب منطق السنخية، لذا فان كل ما يدركه الانسان من عالم العقل له حكاية منه في عالم الاشباح الباطنية، فالصورة المحاكية للجوهر العقلي هي نفس الملك الذي يراه النبي والولي. اما النبي بما هو نبي فانه يدرك الامر عن طريق الحكاية والصورة، واما الولي فبما هو ولي يدرك الامر عن طريق التجرد الصرف، وهو ذات التجرد العقلي، وبالتالي فان الولاية العرفانية تكون افضل اجزاء النبوة. ويظل ان مجموع هذه القوى هي من خصوصيات الانبياء، أما آحادها فهي مما يتحقق لدى غير الانبياء، فالاولى تتحقق لدى الاولياء والحكماء، وضرب من الخاصية الثانية يوجد في اهل الكهانة والرهبنة، أما الثالثة فقد تكون في الملوك ذوي الهمة وشدة البأس. وهنا نجد نفس محاكاة الفلاسفة في تصورهم لحقيقة النبوة، سوى اضفاء الصبغة العرفانية عليها بدل الصبغة الفلسفية، مع بعض التعديل كما تقتضيه الطريقة العرفانية، وبالذات فيما يتعلق بموقفها من القوة العقلية في النبوة، اذ منحتها دوراً يفوق ذلك الذي قدمه لها الفلاسفة. فقد قدر هؤلاء لهذه القوة حالة اتصال بالعقل الفعال، او حتى الاتحاد به كأقصى حد ممكن، بينما في الصورة العرفانية تجاوز الامر ذلك الحال ليصل الى حالة الاتحاد والفناء بالذات الالهية. وتظل سائر الاراء هي نفسها، بما في ذلك حالة التساوق في علاقة النبوة بكل من العرفان والفلسفة تبعاً للرؤيتين. فالنبوة تحمل في ذاتها تلك القوة القدسية العقلية، والتي هي لدى الفلاسفة عبارة عن حقيقة الفلسفة، ولدى العرفاء عبارة عن حقيقة العرفان، فيكون النبي بنظر اولئك فيلسوفاً، وبنظر هؤلاء عارفاً. كما يظل الجزء الافضل في النبي كونه فيلسوفاً هناك، وعارفاً هنا. لكن تظل هذه الرؤية لا تمثل الموقف الغالب للعرفاء من حقيقة النبوة، فهي حالة توفيقية اشراقية سعى اليها صدر المتألهين في بعض كتبه، لكنه لم يتوقف عندها كما سنرى.
الرؤية الثانية:
ان النبوة عند العرفاء، كما ينص العارف حيدر الاملي نقلاً عن الغزالي، عبارة عن ‹‹قبول النفس القدسي حقايق المعلومات والمعقولات عن الله تعالى بواسطة جوهر العقل الاول المسمى جبريل تارة وبروح القدس اخرى، والرسالة تبليغ تلك المعلومات››. وهنا نواجه ذات الاشكالية التي مرت معنا في فهم الفلاسفة للنبوة، وهي قبول النفس النبوية المعلومات من العقل الكلي المفارق، سوى ان جبريل هناك يمثل العقل الفعال الاخير ضمن سلسلة المفارقات العقلية، في حين انه هنا يمثل العقل الاول في هذه السلسلة. مع هذا فقد ذهب الاملي بعيداً دون ان يكتفي بهذا القدر، اذ صوّر فلسفة النبوة بحسب فهمين احدهما اكمل من الاخر، اطلق عليهما الطريقة والحقيقة. فالنبوة بحسب اهل الطريقة، مثلما ذهب اليه القيصري من قبل، عبارة عن مظهر عدل لحقائق الاسماء والصفات. فكما رأى - وفاقاً مع ابن عربي - ان للحق تعالى ظاهراً وباطناً، والباطن يشمل الوحدة الحقيقية التي للغيب المطلق، والكثرة العلمية حضرة الاعيان الثابتة، وان الظاهر لا يزال مكتنفاً بالكثرة دائماً، لان ظهور الاسماء والصفات من حيث خصوصيتها الموجبة لتعددها لا يمكن الا ان يكون لكل منها صورة مخصوصة، وبالتالي يلزم التكثر، وحيث ان كلاً منها يطلب ظهوره وسلطنته واحكامه، فانه يحصل النزاع والتخاصم في الاعيان الخارجية باحتجاب كل منها عن الاسم الظاهر في غيره، الامر الذي احتاج فيه الى مظهر حكم عدل ليحكم بينها ويحفظ نظام العالم في الدنيا والاخرة ويحكم بين الاسماء بالعدالة ويوصل كلاً منها الى كماله ظاهراً وباطناً، وهو ‹‹النبي الحقيقي والقطب الازلي اولاً واخراً وظاهراً وباطناً، وهو الحقيقة المحمدية (ص)››. أما الحكم بين المظاهر دون الاسماء فهو النبي الذي تحصل نبوته بعد الظهور نيابة عن النبي الحقيقي. اذن الانبياء (ع) هم مظاهر الذات الالهية من حيث ربوبيتها للمظاهر وعدالتها بينها. فالنبوة مختصة بالظاهر، ويشترك جميعهم في الدعوة والهداية والتصرف في الخلق. وواضح من هذه الطريقة ان للنبوة طابع الالوهة، حيث تمارس دوراً تكوينياً منظماً هو اعظم واعمق من الظاهر الذي تمارسه نبوة الانبياء المشخصة في الدعوة والانذار والهداية، بل ان هذه الاخيرة هي حكاية عن الاولى تبعاً لمنطق المناسبة والسنخية. وسنرى ما لهذه الفكرة من تجليات. أما النبوة عند اهل الحقيقة، وهو الفهم الاخر الاتم والاكمل، فانها عبارة عن الخلافة الالهية المطلقة، لكن مراتبها هي بحسب مراتب الشخص الذي هو مظهر تلك الخلافة. فعندهم ان النبوة هي بمعنى الإنباء، والإنباء الحقيقي الذاتي الاولي ليس الا للروح الاعظم الذي بعثه الله الى النفس الكلية اولاً ثم الى النفس الجزئية ثانياً، لينبئهم بلسانه العقلي عن الذات الاحدية والصفات الازلية والاسماء الالهية والاحكام الجليلة والمرادات الجسمية. وكل نبي من ادم (ع) الى محمد (ص) هو مظهر من مظاهر نبوة الروح الاعظم، فنبوته ذاتية دائمة غير منصرمة، فحقيقته هي حقيقة الروح الاعظم، وصورته هي صور تلك التي ظهرت فيها الحقيقة بجميع اسمائها وصفاتها، وسائر الانبياء مظاهرها ببعض الاسماء والصفات، حيث تجلت في كل مظهر بصفة من صفاتها واسم من اسمائها، الى ان تجلت في المظهر المحمدي بذاتها وجميع صفاتها وختمت به النبوة، وكان الرسول (ص) سابقاً على جميع الانبياء من حيث الحقيقة، ومتأخراً عنهم من حيث الصورة. ويمكن القول، بعبارة أخرى، إن كل ما للأنبياء والأولياء من وجود وصور؛ قائم بحسب الحقيقة المحمدية. بل إن هذه الحقيقة تتجلى بصور جميع الانبياء بما في ذلك صورة محمد وشخصه الجسماني ومن بعد ذلك صورة الائمة والاولياء، والكل انما يأخذون علمهم من تلك الحقيقة. والعرفاء يعترفون بأن علومهم ومبلغ كمالهم انما يتم من خلال هذه الروح المحمدية، فكما يصور ذلك صدر المتألهين، بأن نفوسهم تصير عقولاً بالفعل، والعقل بالفعل هو الموجود الحقيقي والحياة العقلية الاخروية، والنبي بروحه المقدس سبب لوجوداتهم الحقيقية، ومبدأ لكمالاتهم العرفانية ومنشأ لفيضان الكمالين الاولي الاقدس والثانوي المقدس، فهو الوسط بينهم وبين الحق، ومبدأ فطرتهم في سلسلة الافتقار النزولي، كما انه المرجع في كمالاتهم في سلسلة الارتقاء الصعودي. لكن الملفت للنظر ان صدر المتألهين استعان ببعض الايات ليدل بها عبر التأويل على هذا الحال من الصلة بين العرفاء والروح المحمدية، اذ جاء في قوله تعالى: {النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض} الاحزاب/6، معتبراً المراد بالمؤمنين هم العارفون انفسهم، وان النبي محمداً هو الاب الحقيقي لهم، ولذلك كانت ازواجه امهاتهم مراعاة لجانب هذه الحقيقة. والابوة هنا هي بمعنى العلية، حيث ان علة الشيء اولى بنفس ذلك الشيء من نفسه، اذ الشيء بالقياس الى علته بالوجوب حيث كان بالقياس الى نفسه بالامكان، فلو لم يكن روح النبي (ص) علة لوجوداتهم الحقيقية لم يكن اولى من انفسهم تبعاً لمنطوق الاية. رغم ان القياس الذي لجأ اليه هذا العارف في تأويل الاية غير صحيح، حيث اعتبر النبي اباً حقيقياً للمؤمنين مثلما دلل على ذلك بامومة ازواجه، وهو ما لا يتفق مع النص القرآني الذي ينفي ابوة النبي لهم، كما في قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} الاحزاب/40. واذا قيل ان الاية الاخيرة لا تتحدث عن الابوة الحقيقية، قلنا فهل كانت الاية الاولى المستدل بها تتحدث عن شيء يتعلق بتلك الابوة او الامومة الحقيقية، او الاولوية التكوينية من العلاقة السببية؟! وتكتمل الصورة في رسم معالم النبوة، فتصبح حقيقتها ليست تلك التي قيل بأنها تأخذ العلم عن العقل الأول جبريل، فهي في هذه الحالة أعظم من العقل الأول، وكما سنرى ان هذا العقل في منظور الاملي يكون وزيراً للنبوة او الروح الاعظم، لذا فالاخير هو ذلك المسمى بالصادر الاول او الوجود المنبسط الذي تتقوم به كل الخلائق والكائنات، ويكون العقل الاول على رأسها. وبالتالي يصبح للنبوة خصوصية الانبساط والخلافة المطلقة التي يتم بها بناء الاشياء وتكوينها، ومن ثم فهي نبوة تكوينية قبل ان تكون نبوة قيمية معيارية تمارس دور الهداية والانذار. ولا شك ان للنبوة في هذا المعنى مظاهر تتفاوت تكاملاً بحسب منطق السنخية، وما محمد خاتم الانبياء الا رسول جاء على سنخ نبوة محمد الاول الذي يسبق جميع الانبياء، بل والخلق اجمعين. تلك هي نبوة العقل الاول التكوينية والتي سيتم اجلاء فهمها بربطها بقضية الولاية، حيث تصبح النبوة والولاية العرفانية تعبران عن حقيقة واحدة لها وجهان ظاهر وباطن. فمن حيث الظاهر هي نبوة، أما من حيث الباطن فهي ولاية. ومثلما رأينا في علاقة الفلسفة بالنبوة بحسب الرؤية الفلسفية، حيث الفلسفة تعبر عن باطن النبوة، والنبوة عبارة عن ظاهرها، فهنا نواجه نفس السياق، فالولاية العرفانية هي باطن النبوة، والنبوة ظاهرها. ومثلما كان الفلاسفة يتقدمون على الانبياء بالفضل من حيث العلاقة بين حقيقة الفلسفة والنبوة، فنفس الحال هنا في كون العرفاء يفضلون الانبياء ايضاً من حيث حقيقة الولاية التي يحملونها مقارنة بالنبوة الظاهرة. لا شك ان العرفاء يقدرون للنبي محمد حقيقة عليا مجردة لها صفة الولاية التكوينية التي تتمثل بما يطلق عليه الانسان الكامل، وقد قال فيه بعض العرفاء انه سبب ايجاد العالم وبقائه ازلاً وابداً، دنيا واخرة. فمعنى الولاية التكوينية هي تلك السلطنة التي لها دور الخلق والتكوين للعالم بكافة شؤونه ومظاهره، فهي في فعلها تنوب عن الحق وتتوسط بينه وبين الخلق، وهي بحسب التعبير الفلسفي تمثل العقل الاول، او الصادر والمتعين الاول ، الذي هو من حيث العلم جامع لكل شيء، وانه من حيث الفعل تقوم به السماوات والارض وما بينهما، حيث يسري في كل شيء، ويمد الحياة لكل شيء، لذلك يطلق عليه (الاله الصانع) تمييزاً له عن (الاله المتعال). من هنا رأى ابن عربي ان الحقيقة المحمدية هي اول التعينات، فهي النور الذي تجلى عن الله قبل كل الاشياء، ومنه تكونت سائر الاشياء. فهي عنده صورة كاملة للانسان الكامل الجامع لجميع حقائق الوجود. وهي ‹‹الحق ذاته ظاهراً لنفسه في اول تعين من تعيناته في صورة العقل الحاوي لكل شيء. واذا كان ادم هو الانسان الظاهر المتعين بالوجود الخارجي في صور افراده، فمحمد هو الانسان الباطن المتعين في العالم المعقول››. وهو اسم الله، او اسم الله الاعظم الذي تحققت به جميع المراتب والنسب والظهورات والتعينات، او انه مسمى الله الظاهر كأول متعين من تعينات الهوية الغيبية. وهو من حيث كونه متعيناً بحقيقة الانسان الكامل فانه مستغرق جميع الذوات الموجودة والنسب العدمية المفقودة والافعال والاخلاق والنعوت والصفات المذمومة والمحمودة بحيث لا يخرج شيء اصلاً عن حيطته، لكنه غير متكثر بهذه الكثرة، حيث يتعالى عن الظهور بما يناقض الكمالات الالهية، فان الله هو ‹‹احدية جمع جميع الكمالات الاسمائية المؤثرة والحقايق الفعالة الوجوبية الوجودية لا غير... واما غير مسمى الله خاصة مما هو مجلى له او صورة فيه، فان كان مجلى له فيقع التفاضل بين مجلى ومجلى.. وان كان صورة فيه فالذي يسمى الله هو الذي لتلك الصورة.. ولا يقال هي هو ولا هي غيره››. وحقيقة الانسان لدى العرفاء هو انها مظهر لجميع الاسماء الالهية، فكل مخلوق وموجود سوى الانسان له حظ من بعض اسمائه دون الكل، أما الانسان فله كل الاسماء، وهو سبب تعلم الانسان الاسماء الحسنى كلها دون الملائكة كما في الاية، لان حقيقة الانسان مظهر جامع لمظاهر كل الاسماء، خلافاً لغيره من الموجودات، اذ كل واحد منها يعد مظهراً لبعض الاسماء، فالملائكة مظهر لاسماء السبوح والقدوس والسلام ونحوها، والشياطين مظاهر للمضل والمتكبر والعزيز والجبار وغيرها، والحيوانات مظاهر لاسماء السميع والبصير والحي والقدير وما اليها، وكذا ان النار مظهر للقهار، والهواء مظهر للطيف، والماء مظهر للنافع، والارض للصبور، والادوية السمية للضار، والدنيا مظهر للاول، والاخرة للاخر، وهكذا .. وبذلك فان للانسان حظاً في ان يكون مظهراً لجميع الاسماء الجمالية والجلالية. او هو ‹‹مظهر جميع الاسماء والصفات ومجمع كل الحقائق والايات، فهو الكتاب الجامع››. وهو المعبر عنه باسم الله الاعظم الذي يجمع هذه الاسماء على النحو الاجمالي، فهذا الاسم عبارة عن صورة الانسان الكامل او مظهره، وهو نفس حقيقة النبي الاكرم، فالله هو اسم للذات الالهية باعتبار جامعيته لجميع النعوت الكمالية، وصورته الانسان الكامل، واشير اليه بقول النبي: ‹‹اوتيت جوامع الكلم››، فهو روح العالم وخليفة الرحمن. والانسان الكامل حيث انه جامع لجميع الاسماء فهو من هذه الناحية يجمع بين الحقيقتين الالهية والعالم. فقد اعتبر العرفاء ان الانسان ناشئ على صورة الرحمن تبعاً للحديث النبوي ‹‹خلق الله ادم على صورته، او على صورة الرحمن››. وهو الحديث الذي اثبتت الدراسات الحديثة ان له اثراً يهودياً في سفر التكوين. وقد تعمد العرفاء توظيفه في نظريتهم الخاصة بالانسان الكامل. فالانسان نسخة مختصرة من الحضرة الالهية، ولذلك خصه الله بصورته كما في الحديث السابق. فهو صورة الحق تعالى وظهوره وتجليه، في حين يعبّر الانسان الكبير المتمثل بالعالم عن الصورة الظاهرة لهذا الانسان، او انه مظهر هذا الانسان، وبالتالي يمكن القول ان العالم هو صورة الحق، اي ان له مناسبة ومشابهة من هذه الناحية مع الحق تعالى. فالانسان نسخة من الصورتين الحق والعالم، اذ نشأت صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره، ونشأت صورته الباطنة على صورة الحق تعالى. وان صورته الظاهرة لا تقتصر على الجسمية فحسب، بل تشمل جميع الخلقة من الجسم والروح والقوى والعقل والمعاني والصفات، وكل ما يصح اطلاق الخليفة الكامل عليه مما هو سوى الله، أما الصورة الباطنة فهي على صورة الحق، حيث ان الانسان الكامل يحوي جميع الاسماء الالهية الفعلية الوجوبية وجميع نسب الربوبية. فهو: حق واجب الوجود وحي وعالم وقدير ومتكلم وسميع وبصير، وهكذا جميع الاسماء، ولكن بالله على الوجه الاكمل. فباطن الانسان على صورة الله وظاهره على صورة العالم وحقايقه. فليس في الكائنات من هو اعظم جمع للوجودات غيره ‹‹فهو مجلّى الحق، والحق مجلّى حقائق العالم بروحه الذي هو الانسان، واعطى المؤخر لانه اخر نوع ظهر، فأوليته حق واخريته خلق، فهو الاول من حيث الصورة الالهية، والاخر من حيث الصورة الكونية، والظاهر بالصورتين، والباطن عن الصورة الكونية بما عنده من الصورة الالهية››. وكما يذكر ابن عربي ان الرقائق المجتمعة في الانسان هي كل من العالم والحق، فادم من العالم ومن الحق بمنزلة بنيه منه، اذ كانت فيه رقيقة من كل صورة في العالم تمتد اليه لتحفظ عليه صورته، ورقيقة كذلك من كل اسم الهي تمتد اليه لتحفظ عليه مرتبته وخلافته، فهو يتنوع في حالاته تنوع الاسماء الالهية، ويتقلب في اكوانه تقلب العالم كله، وهو صغير الحجم لطيف الجرم سريع الحركة، فاذا تحرك حرّك جميع العالم، واستدعى بتلك الحركة توجه الاسماء الالهية عليه. هكذا تكون نسخة الانسان الظاهرة مضاهية للعالم باسره، أما نسخته الباطنة فتضاهي الحضرة الالهية، فهو الكلي على الاطلاق والحقيقة، وهو الحد الفاصل بين الله والعالم باعتباره يمثل صورة الله، والعالم بمثابة المرآة التي تعكس تلك الصورة، وذلك لِما اودعه الحق جميع الاسماء وجعله روحاً للعالم، ولهذا فهو يتصف بانه قابل لجميع الوجودات قديمها وحديثها ، وهويته معدة من كل شيء، لكونه اول الاسباب الفاعلية الكونية نزولاً، وانه يكمل ذاته من كل شيء لكونه اخر الاسباب الغائية الكمالية صعوداً. فالانسان الكامل هو نسخة مختصرة جامعة لجميع العوالم الكونية والعقلية وما بينهما، من عرفها فقد عرف الكل، ومن جهلها فقد جهل الكل. لذلك كان الانسان اكمل الموجودات، فكل ما سواه يعد خلقاً الا هو فانه خلق وحق. فادم او الانسان هو الحق باعتبار ربوبيته للعالم واتصافه بالصفات الالهية، وهو الخلق باعتبار عبوديته ومربوبيته. ورغم ان الله قد اضله واخرجه من الجنة الروحانية كما تشير الى ذلك بعض الايات، الا ان هذا لا يقدح في خلافته وربوبيته. فلكل انسان نصيب من الربوبية، وأما الربوبية التامة فهي للانسان الكامل باعتباره الخليفة وصاحب الولاية التامة، وكذلك فان له العبودية التامة. فالخلافة لدى العرفاء لا تصح الا للانسان الكامل. فكما ذكر الجندي من ان الله قد خلق ادم على صورة الرحمن، فالعلاقة بينهما علاقة خلافة، حيث لا بد ان يكون الخليفة على صورة مستخلفه والا فهو ليس بخليفة، وبعدها اوجد الله العالم على صورة ادم، باعتبار ان العالم صورة تفصيل النشأة الانسانية، وان الانسان هو صورة جمعها الاحدية، فالانسان هو غيب العالم، والعالم شهادته وظاهره، لكون الكثرة والتفرقة هي حجاب ظاهر، وان الجمعية الاحدية هي غيب باطن، وبالتالي فالانسان هو روح العالم وقلبه ولبه وسره الباطن. وهو من حيث كونه خليفة الله فانه يكون عبد الله ورب العالم، اذ لم يؤد احد من العالم الربوبية غيره، وما أحكمَ احد غيره مقام العبودية، فعبد الحجارة والجمادات، لكونه نسخة جامعة بين الحق والخلق. هذه هي المشابهة بين ذات الحق والانسان، وبين هذا الاخير والعالم. حتى ان البعض صرح بكون ذات الحق عبارة عن انسان الهي تقليداً لما جاء به افلوطين. كما انها ذاتها تستبطن فكرة الخلافة والولاية. وبالتالي فليس هناك من يمثل هذه الكمالات من المضاهات والشمول وصفات العلم والخلافة والقدرة على الايجاد والخلق والتكوين غير صاحب الكمالات الانسانية والوجودية المعبر عنه بالحقيقة المحمدية. اذن ان فكرة الحقيقة المحمدية نابعة من فكرة الانسان الكامل الجامع للكل. كذلك فان فكرة الولاية هي ايضاً تنبع من هذه الفكرة عبر ما استخلفه الحق ليكون خليفة له في التكوين والايجاد. فمشروعية الولاية تستمد من الخلافة كما يصورها العارف الاملي، وان الخلافة هي تلك النيابة عن الله في التكوين والايجاد، وبالتالي فان للولاية تكويناً هي تلك المسماة بالولاية التكوينية. فالاملي ينقل عن الصوفية رأيهم بان الولاية والسلطنة لا تجوز مباشرة من الذات القديمة من دون واسطة، استناداً الى بعد المناسبة بين عزة القدم وذلة الحدث، لذا لا بد من ان يولي القديم ما ينوب عنه في التصرف والولاية والحفظ والرعاية، وصفة هذا النائب هي ان له وجهاً في القدم يستمد به من الحق تعالى، ووجهاً في الحدث يمد به الخلق، ومن ثم فقد جعل الله على صورته خليفة يخلف عنه في التصرف، وخلع عليه جميع اسمائه، وسماه انساناً لامكان وقوع الانس بينه وبين الخلق برابطة الجنسية والانسية، كما جعل له بحكم اسميه الظاهر والباطن حقيقة باطنة وصورة ظاهرة ليتمكن بهما من التصرف في الملك والملكوت. وحقيقته الباطنة هي الروح الاعظم، وهو الامر الذي يستحق به الانسان الخلافة، والعقل الاول وزيره وترجمانه، والنفس الكلية خازنه وقهرمانه، والطبيعة الكلية عامله. وأما صورته الظاهرة فهي صورة العالم من العرش الى الفرش وما بينهما من البسائط والمركبات، وهذا هو الانسان الكبير. مع انه قد يقال ان اعتبار العقل الاول وزير الروح الاعظم والذي هو روح النبوة او حقيقة النبي محمد، ينافي ما قد سبق ان صرح به الاملي من ان النبوة هي قبول النفس القدسي حقايق المعلومات عن الله تعالى بواسطة العقل الاول. الا ان يجاب بان الروح الاعظم او روح النبوة هي غير ما ذكر من النبوة، فالاولى لها دلالة الولاية والخلافة بخلاف الثانية، اي تصبح للنبوة حالتان، احداهما ظاهرة تنفعل عن العقل الاول، اما الاخرى فهي باطنة يطلق عليها الولاية. كذلك فقد صرح الاملي في محل اخر بان العقل الاول هو ذاته الروح الاعظم وليس وزيره، وهو المعبر عنه بالخليفة الاعظم والقلم الاعلى والانسان الكبير وقطب الاقطاب وادم الحقيقي وما الى ذلك. كما نجد ان صدر المتألهين قد عدّ الحقيقة المحمدية هي ذات العقل الاول. فعنده ان محمداً هو اول واخر سلسلة الوجودات الممكنة، او انه يمثل بداية السلسلة ونهايتها. فعند الاقبال والبداية هو عقل اول، فهو اول الجواهر والعقول، وقائد سلسلة العلل والمعلولات، وفاتح باب الرحمة والجود، وواسطة فيض الحق في الوجود. وهو عند الادبار والنهاية عقل اخر هو زبدة العناصر والاصول وخاتم كل نبي ورسول، وثمرة شجرة عالم الاضداد وسائق العباد الى منزل الرشاد ودرجة السداد وهادي الخلق الى رضوان الله الملك الحق والمعبود المطلق. فهو بالتالي اشرف من كل الممكنات والمخلوقات بما في ذلك الملائكة المقربين. والفارق بين الآملي وصدر المتألهين، هو ان الاول عدّ العقل الاول عبارة عن جبريل، وان ما هو اعلى منه رتبة ودرجة هو محمد الذي اليه يستند في وزارته، رغم انه عد النبوة متأثرة بهذا العقل او جبريل. في حين ان محمداً لدى صدر المتألهين عبارة عن نفس العقل الاول، وليس هناك ما يفوق هذا العقل سوى الحق تعالى. لكن لو اعتبرنا ان الصادر الاول هو الوجود المنبسط الذي يكون العقل الاول اعلى مراتبه، وانه عبارة عن نفس هذا العقل، فيكون له اعتباران، احدهما يعبر عن تلك الذات المتقدمة التي ينطوي فيها العالم على نحو الاجمال، والاخر يعبر عن ذلك الوجود المنبسط الذي يظهر به جميع ما في العالم على نحو التفصيل.. فلو اعتبرنا العقل الاول بهذه الصورة التوجيهية التي قربها صدر المتألهين للتوفيق بين المشربين الفلسفي والصوفي ، لكان ما يريده هذا الفيلسوف لا يختلف عما يريده الاملي من النبوة والحقيقة المحمدية والانسان الكامل. وبحسب سلسلة التنزل لدى صدر المتألهين، يبدأ الامر من الحقيقة المحمدية التي تمثل العقل الاول، ثم بعدها الحقيقة العلوية المسماة في البداية بـ ‹‹النفس الكلية الاولية واللوح المحفوظ، وهو العقل الفرقاني، وذلك عند وجودها التجددي››. وان هذه الحقيقة تسمى بالنهاية بعيسى بن مريم عند وجودها البشري الجسماني. ثم بعد ذلك تستمر السلسلة بالاقرب فالاقرب من العقول والنفوس الكلية بعد العقل الاول والنفس الاولى، الظاهرة في صور الانبياء والمرسلين سابقاً، وصور الاولياء والائمة المعصومين لاحقاً، ثم بعد ذلك الحكماء والعلماء. ويفهم مما سبق ان هناك ثلاثة اركان تستمد رؤاها من البعد الفلسفي، وتمثل العلاقة بين كل من المبدأ الحق والعقل الاول والعالم، اذ يتخذ العقل الاول دور الوسيط في الربط بين المبدأ الحق والعالم، او هو فعل المبدأ الحق في العالم، ولهذا تمّ اعتباره يمثل الانسان الكامل، او الحقيقة المحمدية، وانه يحمل صورة المبدأ، وان العالم يحمل صورته ومظهره، انطلاقاً من منطق السنخية. وكما صرح ابن عربي بأن الخلائق مرائي للحق تعالى، وان اكمل المرائي واعدلها واقومها هي مرآة محمد، حيث ان تجلي الحق فيها اكمل من كل تجل. فليس في الموجودات من وسع الحق سوى الانسان الكامل او محمد (ص)، وما وسعه الا بقبول الصورة. لذا فهو يوصي القارئ ويقول: ‹‹اجهد ان تنظر الى الحق المتجلي في مرآة محمد (ص) لينطبع في مرآتك فترى الحق في صورة محمدية برؤية محمدية، ولا تراه في صورتك››. بذلك تصبح النبوة المحمدية غير متميزة عن الالوهة. فنحن هنا امام عين واحدة هي الالوهة والنبوة. بل اذا كان العرفاء السنة يكتفون بمحمد كإله صانع وخالق لكل ما هو موجود، فان العرفاء الشيعة اضافوا الى ذلك الائمة من اهل البيت، وبعضهم – مثل السيد الخميني - يستشهد بحديث منسوب الى احد الائمة يقول فيه: لنا مع الله حالات، هو هو ونحن نحن، وهو نحن ونحن هو. وبالتالي فانه سواء لدى العرفاء السنة او الشيعة؛ يكون محمد هو ذلك الاله الذي تتوقف عليه جميع التنزلات الوجودية والخلقية. الامر الذي يجعل التوحيد والنبوة والولاية او الامامة؛ كلها تندمج في وحدة واحدة هي الله في بعض تنزلاته ومراتبه. ويمكن القول ان هذه الرؤية تتوافق مع الاعتبارات الفلسفية، فالنبي او الولي يعد بحسب هذه الاعتبارات هو ذلك الذي تنزّل تبعاً لقاعدة الصدور (الواحد لا يصدر عنه الا واحد)، وان الواحد الصادر ليس منفصلاً عن الحقيقة الالهية، فليس هو من العالم ولا من الموجودات المجعولة او القابلة للجعل والتأثير، بل شأنه شأن الاله في الخلق والتكوين. هكذا لا تقتصر الوساطة المحمدية، وكذا وساطة الائمة من اهل البيت، على المجال الديني من التبليغ والهداية، بل انها تسبق ذلك لدى الوساطة التكوينية التي يتقوم بها الخلق كله، فلولاهم لاستحال ان يُخلق شيء او يظهر موجود قط. وبنظر البعض ان فيهم تتجسد العلل الارسطية الاربع. فعلى رأي الشيخ احمد الاحسائي انهم علة فاعلية لكونهم نفس المشيئة الالهية التي تمّ بها خلق العالم وتكوينه، فهم الخالقون الرازقون المميتون ، وان علة الايجاد هذه هي المحبة ذاتها، فكل موجود انما هو موجود بحبهم، ومن لم يحبهم فلا يوجد قط. وهم ايضاً علة مادية، حيث ان جميع الخلق خلقوا من مادة الشعاع القائم بانوارهم. كذلك فهم علة صورية، اذ كل فرد من الخلائق إن كان طيباً فصورته من انوار هياكلهم او من انوار هياكل هياكلهم وهكذا، وإن كان خبيثاً فصورته من عكس انوار هياكلهم، وبالتالي فان تجلياتهم تكون في جميع الاشياء، وان الحديث النبوي القائل (من عرف نفسه فقد عرف ربه) يصدق عليهم، حيث ان من عرف نفسه فقد عرفهم، ومعنى ان الله يرينا اياهم في انفسنا هو انه يرينا ان انفسنا هي ذات شعاعهم وظهورهم لنا بنا، فيُعرفون كما يُعرف الشخص بظهور شبحه في المرآة، أما المبدأ الحق في ذاته فلا يمكن ان يعرف، بل يعرف بمعرفتهم، وكما يقول تعالى: {وله المثل الاعلى في السماوات والارض} الروم/27، ويقول الامام علي: ‹‹نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا››. واخيراً فهم علة غائية، حيث خُلق الخلق لاجلهم وان اياب الناس اليهم وحسابهم عليهم. فهم اول السلسلة النزولية واخرها غاية، كما ان السلسلة عبارة عن تجلياتهم. وعليه ‹‹فكل الخلق منهم وكل الخلق بهم وكل الخلق لهم وكل الخلق اليهم، بل الخلق هم››. وعليه فالائمة عبارة عن ذلك الاله الصانع الذي تحدثت عنه الهرمسية، او هم عبارة عن ذلك الاله الابن الذي تحدثت عنه النصارى في تثليثها للامر الواحد. ومن حيث المنظور الفلسفي فكلها تعني العقل الاول او الصادر المنبسط العام، فما هي الا تطبيقات الاعتبارات الفلسفية على العينة الدينية. والعرفان في تطبيقاته مدين في ذلك الى تلك الوجهة من النظر. فعندهم ان اول موجود اوجده الله هو العقل، وهو ذاته عبارة عن الحقيقة المحمدية وكذا العلوية. ويوظف العرفاء في هذا الصدد عدداً من النصوص الدالة عليه تصريحاً وتلويحاً كأول صادر صدر عن المبدأ الحق. ومن هذه النصوص الاقوال المروية عن النبي: اول ما خلق الله نوري - او روحي .. كنت نبياً وادم بين الماء والطين.. ومثله قول علي: ‹‹كنت ولياً وادم بين الماء والطين .. خُلقت انا وعلي من نور واحد قبل ان يخلق الله ادم باربعة عشر الف عاماً.. خلق الله روحي وروح علي بن ابي طالب قبل ان يخلق الخلق بألفي عام.. بُعث علي مع كل نبي سراً، ومعي جهراً... الخ. وعلى هذه الشاكلة هناك بعض النصوص التي يوظفها العرفاء الشيعة لما يقولونه حول قدم ولاية الائمة وباطنيتها وان بها يقوم كل شيء. ومن ذلك ما ينقله العرفاء من رواية عن الامام الصادق - كما في كتاب الاختصاص للمفيد - انه قال لتلميذه المفضل بن عمر: ان الله تبارك وتعالى توحد بملكه فعرّف عباده نفسه ثم فوّض اليهم امره واباح لهم جنته، فمن اراد الله ان يطهّر قلبه من الجن والانس عرّفه ولايتنا، ومن اراد ان يطمس على قلبه امسك عنه معرفتنا.. يا مفضل والله ما استوجب ادم ان يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه الا بولاية علي، وما كلّم الله موسى تكليماً الا بولاية علي، ولا اقام الله عيسى بن مريم اية الا بالخضوع لعلي. وكذا ما ينقلونه من رواية عن الامام علي انه قال: ‹‹أنا وجه الله، أنا جنب الله، أنا يد الله، أنا القلم الاعلى، أنا اللوح المحفوظ، أنا الكتاب المبين، أنا القرآن الناطق، أنا كهيعص، أنا ألم ذلك الكتاب، أنا طاء الطواسين، أنا حاء الحواميم، أنا الملقب بياسين، أنا صاد الصافات، أنا سين المسبحات، أنا النون والقلم، أنا مايدة الكرم، أنا خليل جبريل، أنا صفوة ميكائيل، أنا الموصوف بـ (لا فتى)، أنا الممدوح في (هل أتى) ، أنا النبأ العظيم، أنا الصراط المستقيم، أنا الاول، أنا الاخر، أنا الظاهر، أنا الباطن››"[1]. 
 
 
 
________________________________________
الهوامش:
[1] الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية / يحيى محمد – ص(198-212).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/06



كتابة تعليق لموضوع : من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 11 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net