من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 13 )
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الهيـولـى:
في البداية ننقل بعض النصوص لغرض شرح هذا المفهوم الفلسفي المهم (الهيولى) ويكتب احياناً (الهيولا).
في المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية في مصر: (هيولى ، الكلمة يونانية الاصل ، ويراد بها المادة الاولى ، وهو كل ما يقبل الصورة ، وترجع الى ارسطو ، ثم اخذ بها المدرسيون من بعده)[1].
وقال الدكتور جميل صليبا في المعجم الفلسفي: (الهيولى في الانكليزية Hyle, prime matter
أ- الهيولى لفظ يوناني بمعنى الاصل والمادة ، وفي الاصطلاح هي جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال ، محل للصورتين الجسمية والنوعية (تعريفات الجرجاني).
ب- قال ابن سينا: "الهيولى المطلقة ، فهي جوهر ، ووجوده بالفعل انما يحصل لقبول الصورة الجسمية لقوة فيه قابلة للصور ، وليس له في ذاته صورة تخصه الا معنى القوة. ومعنى قولي لها هي جوهر هو ان وجودها حاصل لها بالفعل لذاتها. ويقال هيولى لكل شيء من شأنه ان يقبل كمالاً ما ، وأمراً ليس فيه ، فيكون بالقياس الى ما ليس فيه هيولى وبالقياس الى ما فيه موضوع" (رسالة الحدود).
ج – والهيولى عند القدماء على اربعة اقسام ، وهي:
1- الهيولى الاولى ، وهي جوهر غير جسم ، قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال ، محل للصورة الجسمية.
2- الهيولى الثانية وهي جسم قام به صورة كالاجسام بالنسبة الى صورها النوعية.
3- الهيولى الثالثة وهي الاجسام مع الصورة النوعية التي صارت محلاً لصور اخرى ، كالخشب لصورة السرير.
4- الهيولى الرابعة ، وهي ان يكون الجسم ، مع الصورتين ، محلاً للصورة ، كالاعضاء لصورة البدن.
وجملة القول ان الهيولى الاولى جزء الجسم ، والثانية نفس الجسم ، اما الثالثة والرابعة فالجسم جزء لهما.
د – والهيولى مرادفة للمادة ، والفرق بينهما ان المادة تقال لكل موضوع يقبل الكمال ، باجتماعه الى غيره ، ووروده يسيراً يسيراً ، على حين ان الهيولى على الاطلاق هي المادة الاولى ، واطلاقها على باقي الاقسام انما يكون بالتقييد ، فيقال ثانية وثالثة ورابعة.
هـ - وللهيولى اسماء باعتبارات مختلفة.
(1) فهي قابل من جهة استعدادها للصور.
(2) وهي مادة وطينة من جهة توارد الصور المختلفة عليها.
(3) وهي عنصر من جهة ابتداء التراكيب فيها.
(4) وهي اسطقس[2] من حيث ان التحليل ينتهي اليها (كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي).
و- والهيولاني هو المنسوب الى الهيولى ، تقول: العقل الهيولانى ، وهو قوة للنفس مستمدة لقبول ماهيات الاشياء مجردة عن المادة (ابن سينا ، رسالة الحدود) او استعداد محض لادراك المعقولات. وهو مقابل للصوري ، مثال ذلك قول ابن سينا: "لا يقتصر في التحديد على الفصل الصوري دون الهيولاني ، ولا الهيولاني دون الصوري")[3].
للاطلاع على الهيولى من وجهة نظر صوفية نقرأ قول الشيخ عبد الرزاق الكاشاني: (الهباء: هو المادة التي فتح الله فيها صور العالم ، وهو العنقاء المسماة الهيولى)[4].
وقال سيد حيدر الآملي: ("في انّ الهباء أوّل موجود في العالم": وأمّا الفتوحات فقد ذكرفي الباب السادس في معرفة بدء الخلق الروحاني وهو أوّل موجود فيه وهو قوله في فصل منه: كان الله ولم يكن معه شيء ، ثم أدرج فيه وهو الآن على ما كان لم يرجع إليه في إيجاد العالم صفه لم يكن عليها بل كان موصوفاً لنفسه ومسمّى قبل خلقه بالاسماء التي يدعونه بها خلقه فلمّا أراد وجود العالم وبدأه على حدّ ما علمه بعلمه بنفسه انفعل عن تلك الارادة المقدسة بضرب تجلّي من تجليات التنزيه الى الحقيقة الكلّية ، انفعل عنها حقيقة تسمّى الهباء بمنزلة طرح لبنّاء الجصّ ليفتح فيها ما شاء من الاشكال والصور وهذا هو اوّل موجود في العالم وقد ذكر علي بن ابي طالب عليه السلام[5] وسهل بن عبد الله رحمه الله وغيرهما من أهل التحقيق ، أهل الكشف والوجود ، ثم أنّه سبحانه تجلّى بنوره الى ذلك الهباء ويسمّونه اهل الافكار الهيولى الكلّي ، والعالم كلّه فيه بالقوّة والصلاحيّة ، فقبل منه كل شيء من ذلك الهباء على حسب قوّته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتدّ ضوئه وقبوله ، قال تعالى: ((مثل نوره كمشكاة فيها مصباح)) [سورة النور: 35]. فشبّه نوره بالمصباح فلم يكن أقرب إليه تعالى قبولا في ذلك الهباء إلّا حقيقة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم لا المسماة بالعقل الاول فكان سيّد العالم بأسره واوّل ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الالهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلّية وفي الهباء وجد عينه وعين العالم تجلّيه وأقرب الناس إليه علي بن ابي طالب وأسرار الانبياء اجمعين)[6].
وقال السيد محمد حسين الطباطبائي في بداية الحكمة: (فهذه هي المادة الشائعة في الموجودات الجسمانية جميعاً ، وتسمى: "المادة الاولى" و"الهيولي")[7].
وقال في نهاية الحكمة: (في اقسام الجوهر الاولية: قالوا إن الجوهر إما أن يكون في محل ، او لا يكون فيه ، والكائن في المحل هو (الصورة المادية) ، وغير الكائن فيه إما أن يكون محلاً لشيء يقوم به أو لا يكون ، والاول هو (الهيولى) والثاني لا يخلو إما أن يكون مركباً من الهيولى والصورة أو لا يكون ، والاول هو (الجسم) ، والثاني إما أن يكون ذا علاقة انفعالية بالجسم بوجه او لا يكون ، والاول هو (النفس) والثاني هو (العقل). فأقسام الجوهر الاولية خمسة ، هي : الصورة المادية والهيولى والجسم والنفس والعقل)[8].
قال الشيخ ماجد الكاظمي: (واما فكرة الهيولي أو المادة الاولى فالقول بها يستلزم تعدد القدماء وهو خلاف التوحيد الالهي)[9]، اي الهيولي تعني الشرك بالله تعالى.
وقد ورد في الكلام المروي عن امير المؤمنين (عليه السلام) بيانه في رفض (الاصول الازلية) وهي اشارة الى الهيولي الذي تبناه الفلاسفة ومن بعدهم العرفاء بأسم "الهباء".
وفي نهج البلاغة روي عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) انه قال: (لم يخلق الاشياء من أصول أزلية ولا أوائل أبدية ، بل خلق ما خلق فأقام حدّه ، وصوّر ما صوّر فأحسن صورته ، ليس لشيء منه امتناع ، ولا له بطاعة شيء انتفاع)[10]. والحديث رواه الشيخ الصدوق (رض) في التوحيد مسنداً ولفظه: (لم يخلق الاشياء من أصول ازلية ، ولا من أوائل كانت قبله بدية)[11].
وقال ابن ابي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: (والرد في هذا على أصحاب الهيولي والطينة التي يزعمون قدمها. ويدخل تحته قوله: "ليس لشيء امتناع" لأنه متى أراد إيجاد شيء أوجده ، ويدخل تحته قوله: "خرت له نحباه" أي سجدت. و"وحدته الشفاه يعني الافواه ، فعبر بالجزء عن الكل مجازاً ، وذلك لأن القادر لذاته هو المستحق للعبادة لخلقه أصول النعم ، كالحياة والقدرة والشهوة)[12].
وقال ابن ميثم البحراني شارحاً كلام امير المؤمنين عليه السلام: (أي اولية سابقة ومعنى هذا الكلام أنه لم يخلق ما خلق على مثال سبق يكون اصلا لا اول له حذا حذوه ، وقيل: معناه انه ليس لما خلق أصل أزليّ أبديّ خلق منه من مادة وصورة كما زعمت الفلاسفة. وروي: ولا من أوائل أبديّة)[13].
وقال العلامة المجلسي (طاب ثراه) : (قوله عليه السلام: من أصول ازلية رد على الفلاسفة القائلين بالعقول والهيولي القديمة)[14]. وقال في موضع آخر: (رداً على ما زعمته الحكماء من الهيولي القديمة ونحو ذلك)[15].
وقد اورد السيد محمد حسين الطباطبائي هذا الحديث في تفسيره الميزان[16] بدون تعليق عليه !
وعمد الشيخ علي بن زيد البيهقي الشهير بابن فندق (493-565)هـ الى نقض قضية الاصول الازلية ، فقال: (قوله: لم يخلق الاشياء من اصول ازلية ولا من اوايل ابدية في العدم ، إذ بعض الشيء لا يخالف بعضه في صفة ذاته ، وان كانت الفروع محدثة ، فلا بد من محدث لها. فإن كان محدثها هو الله تعالى فإضافتها الى الله تعالى اولى من اضافتها الى الاصول ، لأن تعلّق الفعل بالفاعل احقّ من تعلقه بغيره. وإن كان محدثها هي الاصول ، فإن كانت مختارة فهي الفاعل ، وإن كانت موجبة فالفروع مع الاصول قديمة ، لأن الموجب لا ينفك عن الموجب)[17].
قول السيد رضي الدين بن طاووس ( رحمه الله ) ( المتوفى 664 ) قال : إن الفلاسفة قالت : إن الهيولى قديمة ، وانها أصل العالم ، وإن الله ليس له في وجود الهيولى قدرة ولا أثر ، لأنهم ذكروا أنها لا أول لوجودها ، وهي عندهم مشاركة لله في القدم ، وقالوا : إن الله يصور منها الصور ، فليس له إلا التصوير فحسب ، وقد بطل قولهم بما ثبت من حدوث العالم وحدوث كل ما سوى الله تعالى[18].
وبالرغم من النص الصريح المروي عن امير المؤمنين (عليه السلام) الذي نفى فيه الخلق من اصول ازلية ، يصرّ الشيخ حسن حسن زاده آملي وهو من اعلام مدرسة الحكمة المتعالية على أنَّ الخلق مستمد منها ، فيقول: "والفاعل الموجب هو المبدأ الطبيعي أعني الاصول الازلية المادية التي هي أجزاء لا تتجزأ وجواهر فردة على ما ذهب اليه القائلون بها في تكوّن صورة العالم"[19] !!!
________________________________________
الهوامش:
[1] المعجم الفلسفي / مجمع اللغة العربية في جمهورية مصر العربية ، تصدير الدكتور ابراهيم مدكور - ص208.
[2] اسطقس: "في اقرب الموارد: الاسطقس بفتح الالف وسكون السين وفتح الطاء وكسر القاف: اعجمية معناها الاصل وتسمّى العناصر الإسطقسات (بكسر الالف) وهي الماء والارض والهواء والنار. وفي المنجد: بفتح الالف وكسرها ، وفي غياث اللغات: بضم الاول والثالث والرابع وسكون الثاني ، لفظ يوناني بمعنى العنصر". أنظر: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحلّي (رض) / تعليق الشيخ حسن حسن زاده آملي – هامش التعليقات ص199.
[3] المعجم الفلسفي / الدكتور جميل صليبا - ج2 ص536.
[4] اصطلاحات الصوفية ، القسم الاول والثاني / عبد الرزاق الكاشاني ت 730هـ تقريباً - باب الهاء ، ص71.
[5] قوله (عليه السلام) هو من كلام سيد حيدر الاملي لا من كلام ابن عربي بدليل ان الاملي نقل نفس النص في كتابه (جامع الاسرار ومنبع الانوار) وبدلا عن هذه العبارة ذكر (رضي الله عنه). انظر: جامع الاسرار ومنبع الانوار / سيد حيدر الآملي – ص409 و410.
[6] تفسير المحيط الاعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم / السيد حيدر الآملي - ج2 ص412.
[7] بداية الحكمة / السيد محمد حسين الطباطبائي – ص95.
[8] المصدر السابق – ص117.
[9] الرؤية الفلسفية / الشيخ ماجد الكاظمي - ص90.
[10] نهج البلاغة / كلام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) / جمعه الشريف الرضي - ج2 ص66.
[11] التوحيد / الشيخ الصدوق (رض) ت381هـ – ص79.
[12] شرح نهج البلاغة / ابن ابي الحديد المعتزلي ت 656هـ - ج9 ص256.
[13] شرح نهج البلاغة / كمال الدين ابن ميثم البحراني - ج3 ص300.
[14] بحار الانوار / العلامة المجلسي (رض) / تحقيق يحيى العابدي / مؤسسة الوفاء في بيروت / الطبعة الثانية المصححة ، 1983م - ج4 ص296.
[15] بحار الانوار / العلامة المجلسي (رض) / تحقيق محمد تقي اليزدي ومحمد الباقر البهبودي / دار احياء التراث العربي في بيروت / الطبعة الثالثة ، 1983م – ج54 ص28.
[16] الميزان في تفسير القرآن / السيد محمد حسين الطباطبائي – ج6 ص97.
[17] معارج نهج البلاغة / الشيخ علي بن زيد البيهقي - ص274.
[18] وجود العالم بعد العدم عند الإمامية / السيد قاسم علي الأحمدي – ص25.
[19] كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحلّي (رض) / تعليق الشيخ حسن حسن زاده آملي – هامش التعليقات ص172.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat