صفحة الكاتب : علي بدوان

التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة : ملاحظات سريعة
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مما لاشك فيه أن الاعترافات المتلاحقة بدولة فلسطين التي وقعت مؤخراً من قبل بعض دول العالم، خصوصاً في من قبل دول القارة الأمريكية الوسطى والجنوبية، يحمل معاني هامة تؤكد تزايد الدعم والتأييد الدولي لحق الشعب الفلسطيني  بتقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. كما تؤكد بأن للفلسطينيين قوساً واسعاً من الأصدقاء والأنصار على امتداد المعمورة مهما اختلت المعادلات والتوازنات الإقليمية والدولية بهذا الاتجاه أو ذاك. 
ومع ذلك، إن من الضروري عدم المبالغة في تلك الاعترافات وماستعطيه للقضية الفلسطينية على أهميتها، فالاعتراف بالدولة الفلسطينية أمراً إيجابياً غير أنه يفترض العمل الفلسطيني وفق إستراتيجية شاملة تشمل تعزيز الصمود والمقاومة وإنهاء الانقسام  الفلسطيني  وإعادة اللحمة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية، وألا تكون تلك الاعترافات بديلاً عن باقي الوسائل الكفاحية المفترضة.
فالذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العام للأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية أمراً حسناً، لكنه كان من الأفضل أن يتم في ظل توافق وطني فلسطيني شامل بين الجميع خصوصاً بين حركتي فتح وحماس اللتين تسيران باتجاه ترجمة اتفاق المصالحة بوتيرة بطيئة جداً باتت مثار نقد في الشارع الفلسطيني. 
 وقد يكون الذهاب إلى الأمم المتحدة مراهنة غير مضمونة النتائج  في جانب أخر منه، حيث الفيتو الأمريكي بانتظار الطلب الفلسطيني، وفي وقت مازال فيه الموقف الأوربي الغربي رجراجاً ويتأثر كل يوم بتحولات الموقف الأمريكي.
 إن الاعترافات المتزايدة بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة، يجب أن لا يوقعنا بوهم مريح بان الدولة الفلسطينية باتت على الأبواب فالسياسة الأمريكية، فمواقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقاربت خلال الفترات الأخيرة بشكل كبير مع الموقف الإسرائيلي، وتماهت مع الرؤية التي أعلنها نتنياهو في خطابه الأخير في نيويورك أمام مؤتمرالايباك قبل ثلاثة أشهر. 
ومع ذلك، إن هذا الحراك والتفاؤل باعتراف الأمم المتحدة وقبول فلسطين لعضويتها الكاملة هام وايجابي، بل ويجب استثمار ما أُنجِز دوليا من اعترافات كان من بينها اعترافات دول القارة الأمريكية الجنوبية ودول أمريكا اللاتينية، وهو أمر يقتضي تمتين الجبهة الداخلية واستكمال عملية المصالحة وإعادة بناء البرنامج التوافقي الوطني الفلسطيني بين الجميع ليصبح الخطاب الفلسطيني موحداً أمام العالم وأمام الجمعية العامة.
وفي هذا المقام، إن الدعم والإسناد العربي يفترض به أن يشكل العنصر الأبرز في إنجاح الخيارات والبدائل  الوطنية الفلسطينية المطلوبة، في سياق السعي الوطني الفلسطيني لترجمة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية إلى حقيقة راسخة على الأرض بقيام الدولة الفلسطينية قولاً وعملاً، وفي التوجه لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر القادم.
إن ظروف استحضار الدور العربي المطلوب مازالت صعبة وغير مهيأة لعدة أسباب في وقت واحد، يقف على رأسها الوضع العام السائد في الحالة العربية من حيث التفكك وغياب الموقف العربي الموحد الذي يفترض به أن يستند لرؤية وإستراتيجية عربية موحدة بشأن العملية السياسية في المنطقة. 
فالموقف العربي الموحد بقي ومازال ضعيفاً، راوح ويراوح عند حدود ضيقة وضعيفة عنوانها مبادرة السلام العربية التي أطلقت من قمة بيروت العربية قبل ثماني سنوات. ومع هذا فان تلك الرؤية العربية المتواضعة أجهضت في مهدها من قبل الاحتلال الذي رفضها على الفور، فيما عملت الإدارة الأمريكية على تمييعها. وللأسف فان الحالة العربية لم تقدم البدائل للمبادرة (اليتيمة) التي مازالت تشكل العنوان السياسي العربي للمجتمع الدولي بشأن العملية السياسية في المنطقة، بالرغم من إعلان (تجميدها) من قبل لجنة المتابعة العربية، دون تقديم بدائل مقنعة أو حتى الإعلان عن خطوات معينة في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتلحف بالغطاء الأمريكي.
إن سلوك الاتجاه نحو الأمم المتحدة من قبل الطرف الرسمي الفلسطيني، يجب أن لايلغي أو لايقفز عن ضرورة التوصل إلى توافقات وطنية فلسطينية، تضع البدائل السياسية والعملية في ظل انهيار عملية التسوية ووصولها إلى النفق المسدود.
فالبدائل الوطنية القائمة على أساس التوافق الوطني، تشكّل ضرورة كبرى في إطار العمل المطلوب من أجل تحشيد أوراق القوة الفلسطينية، ووقف عملية بعثرتها، وبالتالي في السير باتجاه انجاز كامل ملفات اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وحل الاستعصاءات التي مازالت تعترض طريق تنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها، ومنها مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية تعيد توحيد المؤسسات الفلسطينية بين القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
كما وضرورة السير باتجاه انجاز الملف الأساسي المتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ورد الاعتبار إليها والى دورها التاريخي باعتبارها تمثل الإطار الكياني الموحد لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات في المرحلة التاريخية الحالية من كفاحه الوطني.  
وخلاصة القول، إن التوجه إلى الأمم المتحدة، يبقى أمراً مستحسناً، لكنه كان أفعل وأجدى فيما تم إحلال التوافق الوطني بين الجميع بشأنه. كما يجب به أن لايثير الأوهام والمراهنات التي من شأنها تخدير الشارع والناس.
إن التوجه إياه، يجب أن لايلغي ولو لحظة واحدة أهمية السير باتجاه انجاز واستكمال الوحدة الوطنية التي تبقى الضمانة الأساسية لمستقبل الشعب الفلسطيني. فلا مستقبل للشعب الفلسطيني في ظل حالة التفكك والانقسام التي تسود البيت الفلسطيني.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/18



كتابة تعليق لموضوع : التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة : ملاحظات سريعة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net