صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

نشوء التاريخ وحقيقة الخلق وأوهام الملحدين – ( 3 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 جـ - ازلية الكون ونظرية الحالة الثابتة:
كان القول بأزلية الكون هو السائد بين الفلاسفة اليونانيين قديماً. يقول هوكينغ:
"إنَّ ارسطو ومعظم الفلاسفة الإغريق كانوا لا يحبون فكرة الخلق لأنها توحي بتدخل ربّاني أكثر مما ينبغي. وبالتالي فقد اعتقدوا أن الجنس البشري والعالم من حوله قد وُجدا وسوف يبقيان في الوجود دائماً"[1].
وهناك من الملحدين من يحاول ان يتجاوز نظرية الانفجار العظيم ويوجد نظريات اخرى تفسر الكون بما يتلائم مع عقيدتهم الإلحادية ! فيعمدون لإيجاد نظريات تتحدث عن ازلية المادة ، او ازلية الزمان او المكان ! وإذا كان منطقهم وبحثهم العلمي وعقلهم يتقبل وجود مادة ازلية - على فرض تقبل المنطق والبحث العلمي لذلك ، وفرض المحال ليس بمحال – ولا يسألون انفسهم كيف تحولت المادة الى ازلية وكيف ظهرت ! فلماذا لا يتقبلون حقيقة وجود إله ازلي ، ويحاولون التشويش الساذج على وجوده العظيم.
ومن بين اولئك الذين يذهبون الى أزلية المادة ، هناك عالمان فيزياويان ذكروا نظريتين، وهما:  فريد هايل وستيفن هوكينغ. فأما النظرية الاولى فهي التي ذكرها (فريد هويل) وتسمى نظرية الحالة المستقرة، وملخصها كما هو مذكور في موسوعة الويكيبيديا:
"نظرية الحالة المستقرة Steady State theory (تعرف أيضا بنظرية الكون اللامتناهي أو الخلق المستمر) هي عبارة عن نموذج تم تطويره في عام 1949 من قبل فريد هويل، توماس غولد، هيرمانبوندي وآخرون كبديل عن نظرية الانفجار العظيم (التي تعرف بالنموذج الكوني القياسي). من وجهة نظر الحالة الثابتة، هناك مادة جديدة تتشكل وتخلق باستمرار مع توسع وتمدد الكون.، بحيث يؤمن الحفاظ على المبدأ الكوني المثالي perfect cosmological principle. مع أن هذا النموذج لديه عدد كبير من الداعمين ضمن علماء الكون خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فإن عدد داعمي هذه النظرية نقص بشكل ملحوظ في أواخر الستينات مع اكتشاف إشعاع الخلفية المكروية الكونية cosmic microwave background radiation. في الوقت الراهن لم يبق من مؤيدي هذه النظرية إلا أعداد ضئيلة. أهمية هذه النظرية أنها حفزت تصميم عدة تجارب لاختبار فرضياتها لكن جميع هذه التجارب انتهت بدعم نظرية الانفجار العظيم"[2].
واما النظرية الثانية المتعلقة بمزاعم أزلية الكون فيتحدث ستيفن هوكينغ عنها في كتابه (تاريخ موجز للزمان) والذي انهى تأليفه سنة 1988 – وهي تعتمد فكرة تناهي الزمان ولكن بلا حد ! أي إنها وجه آخر من اوجه ازلية المادة ! وهو يشرحها بقوله: 
"ثمة أناس كثيرون لا يحبّذون فكرة ان الزمان له بداية ، وربما كان ذلك لأن فيها مجالاً لتدخل إلهي ... وهكذا كان هناك عدد من المحاولات لتجنُّب استنتاج أنه كان ثمة انفجار كبير"[3] ! 
ثم يقول انه في سنة 1981 ألقى محاضرة تتحدث عن إمكان تناهي (المكان- الزمان) ولكن بلا حد، فيقول:
 "امكان ان يكون (المكان- الزمان) متناهياً ولكنه بلا حد ، وهذا يعني انه ليست له بداية وليس له لحظة خلق"[4]. ويضيف: "في النظرية الكلاسيكية للجاذبية ، التي تتأسس على المكان- الزمان الحقيقي ، ليس هناك غير طريقتين محتملتين يمكن ان يسلك بهما الكون: اما أنه قد وُجد لزمن لا متناه ، او انه له بداية عند متفرّدة في وقت ما متناه في الماضي. ومن الناحية الاخرى فإنه في نظرية الكم للجاذبية ، ينشأ احتمال ثالث. فحيث ان المرء يستخدم امكنية – ازمنة إقليدية ، حيث اتجاه الزمان وهو على نفس الاساس مثل الاتجاهات في المكان ، فإن من الممكن للمكان – الزمان ان يكون متناهيا في مداه ، ومع ذلك ليس له متفرّدة تشكل حداً أي حرفاً. سيكون المكان – الزمان مثل سطح الارض ، الا أن له بعدين آخرين. سطح الارض متناه في مداه ولكنه ليس له حد ولا حرف: ولو انطلقت مبحراً في الغروب ، فإنك لن تقع من على الحرف او تصطدم بمتفرّدة. (انا اعرف ذلك لأني دُرت حول الارض!). وإذا كان المكان- الزمان الاقليدي يمتد الى الوراء حتى زمان تخيلي لا متناه ، او انه بدلاً من ذلك قد بدأ عند متفردة في الزمان التخيلي ، فستكون لدينا المشكلة نفسها كما في النظرية الكلاسيكية بشأن تعيين الحالة الابتدائية للكون: الرب قد يعرف كيف بدأ الكون ، ولكننا لا نستطيع اعطاء اي سبب بعينه لتصور انه قد بدأ بهذه الطريقة بدلاً من الأخرى. ومن الناحية الاخرى فإن نظرية الكم للجاذبية قد فتحت الطريق لأحتمال جديد ، حيث لا يكون للمكان – الزمان حد وهكذا لا تكون ثمَّة حاجة لتعيين السلوك عند هذا الحد. لن تكون ثمَّة متفردة تنهار عندها القوانين العلمية ولن يكون ثمة حرف للمكان- الزمان ، حيث يضطر المرء لتقديم التماس لرب او لكتابة قانون ما جديد لوضع الشروط الحدية للمكان – الزمان. ويمكن للمرء ان يقول إن (الشرط الحدي للكون انه ليس له حد). ويكون الكون مكتملاً في حد ذاته ولا يتأثر بأي شيء خارج ذاته. هو موجود لا غير"... " واود ان اؤكد ان هذه الفكرة عن ان الزمان والمكان ينبغي ان يكونا متناهيين وبلا حد هي مجرد (افتراض): فهي فكرة لا يمكن استنباطها من مبدأ آخر. ومثل اي نظرية علمية اخرى فإنها يمكن طرحها ، في البداية ، لأسباب جمالية او ميتافيزيقية ، ولكن الاختبار الحقيقي لها هو ما اذا كانت تؤدي الى تنبؤات تتفق مع المشاهدة. على ان هذا مما يصعب تقريره في حالة الكم الجاذبية ، وذلك لسببين: الاول ، ... ، اننا لسنا حتى الان متأكدين بالضبط بشأن اي النظريات العلمية هي التي سوف تجمع بنجاح النسبية العامة وميكانيكية الكم ، وإن كنَّا نعرف الشيء الكثير ، الى حد ما ، عن الشكل الذي يجب ان تكون عليه نظرية كهذه. والثاني ، ان اي نموذج يصف الكون بأسره بالتفصيل سيكون رياضياً معقداً لنا للغاية بحيث لا نستطيع حساب تنبؤات مضبوطة. وعلى المرء إذن ان يصنع افتراضات وتقريبات مبسَّطة – وحتى بعد ذلك ، فإن مشكلة استخلاص التنبؤات تظل مشكلة قوية"[5]. 
إذن فكرة (تناهي الزمان والمكان بلا حد) هي مجرّد افتراض يصعب تقريره في حالة الكم الجاذبية ! وهو مجرد افتراض لا يمكن اثباته علمياً ، هذا هو مختصر كلامه ! هذا نموذج للعالِمْ الذي يجعل الالحاد قائداً للعلم بدلاً من ان يجعل العلم قائداً للأفكار والبحث والنتائج ! فيبحث عن فرضيات يعترف هو نفسه بانها يصعب اثبات صحتها وإنما يذكرها لأسباب "جمالية أوميتافيزيقية" على حد تعبيره !!
إن ازلية الكون لا يمكن للعقل الانساني المستند للفطرة والقواعد العقلية المعتبرة ومنهج البحث العلمي والبحث الكلامي ان يتقبله. وان مجرد تأليف قصص ونظريات بدون ادلة لا يعني أن لتلك القصص والنظريات مقبولية في عالم العلم. وإن وجود علماء فيزياء كبار ومشهود لهم بالكفاءة العلمية في واجهة التأليف لحكايات ازلية المادة لا يجعل من تلك الحكايات والنظريات التخمينية حقائق علمية ! وصدق من قال: "(لا يُعرف الحق بالرجال ، اعرف الحق تعرف اهله)[6]. فالحق يجب ان يبنى على ادلة معتبرة ، لا ان تتخفى حكايات الأزلية خلف عباءة علماء فيزيائيين كِبار.
وربما يعترض علينا البعض ويعكس النقاش فيقول: لماذا تقبلون بوجود إله أزلي وترفضون وجود مادة ازلية ؟ فجوابنا هو أن وجود إله ازلي هو واقع توصلنا إليه بفطرتنا وقَبِلَهُ عقلُنا ورأينا آياته يومياً بأم أعيننا في انفسنا وفي الطبيعة وفي سائر الكون، واثبت علماء الفيزياء وجوده ولعل احد ادلتهم على وجوده هو نظريتهم في الثوابت الكونية التي تكشف عن إستحالة وجود الكون والحياة لولا تصميمها من قبل قوة عاقلة وذكية بل وأكثر من عبقرية (المؤمنون يصفونه بأنه عليم وحكيم). فوجود الإله الأزلي انتج الكون وانتجنا، وليس امام الانسان سوى ان يتقبل الواقع. وفي المقابل إذا افترضنا وجود مادة ازلية، فهل يعقل ان تكون مادة ازلية ومركبة من اجزاء، بروتونات ونيوترونات والكترونات وكواركات وطاقة، إذن هذه المواد جميعها أزلية[7] ! إذن هم في حقيقتهم لا يقولون بأزلية مادة واحدة بل بأزلية مجموعة مكوناتها أيضاً !! فهل يعقل ان تكون هناك مادة أزلية غير عاقلة مركبة بذكاء، مادة جامدة ولكن أزلية ومركبة بذكاء !! هل يقبل أصغر عالم يحترم نفسه بهذه الفرضية ؟! وإذا أفترضنا ان المادة الأزلية المفترضة هي مادة بسيطة وغير مركبة ، فكيف إذن تطورت وكيف إنفجرت (في الانفجار العظيم أو كيف انبثقت في الانبثاق العظيم)، ولا يوجد في الكون سواها ؟! فهل تفجّر المادة نفسها أو تَبثُق المادة البسيطة نفسها؟؟ أم كيف تطورت هذه المادة تلقائياً لتكون كوننا والاكوان المتعددة الاخرى التي يزعمونا ان عددها بملايين ملايين الاكوان بحسب نظرية الاكوان المتعددة المتوازية !! لا يمكن لعاقل أن يقبل بذلك.
إذن ليس أمامنا سوى القبول بل والإذعان لوجود إله ازلي، لقوة الأدلة على وجوده وكثرتها. ورفض الهذيان القائل بأزلية المادة... فنحن نحترم عقولنا.
تقول لسلي ويكمان:
"ويقول عالم الفلك الملحد السابق الذي تحول إلى "لاأدري" فريد هويل، وهو الذي يقف وراء إطلاق كلمة "بيغ بانغ" في إحدى عباراته الشهيرة  "إنّ تأويلا مستندا إلى الفطرة السليمة إزاء الأحداث يقودنا إلى أن مفكرا خارقا تلاعب بـ (قوانين) الفيزياء"[8]. 
وهو بذلك ينفي إمكانية أن ينشأ الكون تلقائياً بدون وجود وتدخل الخالق (جلَّ جلاله).
 
الجاذبية مظهر لعظمة الخالق:
تعالوا نقرأ النص التالي الذي يكشف عن عظمة وفائقية خلق الجاذبية وتصميمها الفريد البديع، فسبحان الذي خلق.
يقول ستيفن هوكينغ: 
"النظريات الموحَّدة العظمى لا تشمل قوة الجاذبية، وهذا لا يهم كثيراً جداً، لأن الجاذبية قوة من الضعف بحيث إن تأثيراتها يمكن عادة إهمالها عندما نتعامل مع جسيمات أولية أو ذرات. على ان حقيقة أنها تتصف معاً بالمدى الطويل وبانها دائماً تجذب، تعني أن تأثيراتها كلها تضاف الى بعضها بعضاً. وهكذا فبالنسبة لجسيمات المادة الي يكون عددها كبيراً بما يكفي، فإن قوى الجاذبية قد تتغلب على كل القوى الاخرى. وهذا هو السبب في أن الجاذبية هي التي تحدد تطوّر الكون. وحتى بالنسبة للأشياء من حجم النجوم، فإنَّ القوى الجاذبة للجاذبية تستطيع الفوز على كل القوى الأخرى وتسبب تقلُّص النجم"[9].
رغم ان هذا الكلام يصدر عن احد اكبر علماء الفيزياء المعاصرين وهو ايضا من المنظرين للإلحاد، فإن هذا الاعتراف بوجود قوة في غاية الضعف في جانب وفي غاية الاهمية والقوة في جانب آخر يدفع للتساؤل بشدّة عن كيفية ظهور هذه القوّة بهذه الكيفية الفريدة، وهل يمكن ان تظهر تلقائياً دون ان يكون هناك خالق عليم وحكيم وقدير قد خلقها !
 
 
الارض مركز الكون:
يقول هوكينغ: 
"اننا عندما نلاحظ أن كل المجرات الأخرى تتحرّك بعيداً عنّا، فإننا إذن ولا بد في مركز الكون"[10]. 
وكون الارض في نركز الكون وانها الوحيدة التي نشأت فيها الحياة وأصبحت مملكة للإنسان هو ما يقوي جهة الايمان ووجود الخالق، حيث لا يمكن ان يكون كل ذلك بمحض الصدفة او نتيجة قوانين عمياء لا يُعرَف من قننها ! ولذلك يستدرك هوكينغ الملحد بقوله: "على أن هناك تفسيراً بديلاً: فقد يبدو الكون متماثلاً في كل اتجاه إذا نظرنا إليه أيضاً من أي مجرّة أخرى. وهذا، كما قد رأينا، هو افتراض فريدمان الثاني. ليس لدينا دليل علمي يؤكِّد هذا الافتراض أو ينفيه"[11]. نعم ليس لديه دليل يثبت هذه الفرضية ولكن العجيب ان يقول هوكينغ انه لا يستطيع ان ينفيه ! وكلامه هذا يذكرنا بقصة الابريق الطائر التي ذكرها برتراند راسل وملخصها ان الانسان يمكنه ان يفترض اي فرضية عجيبة ولا نتمكن من ان ننفيها كمن يفترض وجود ابريق طائر حول احد الكواكب ولا نتمكن ان ننفي ذلك بصورة علمية!! والصحيح هو ماروي عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله): (البينة على من ادعى) الحديث[12]. فصاحب فرضية "الكون المتماثل" عليه ان يبرهن على صحة فرضيته بالدليل والحجة الصحيحة، وإلا لو فتحنا الباب لكل من هب ودب ان يأتينا بفرضيات ليس عليها برهان او دليل او حتى قرينة علمية فسوف تعم الفوضى الفكرية نواحي الحياة ! وهيهات ان يتمكن فريدمان صاحب فرضية "الكون المتماثل" من اثبات فرضيته فهو يزعم انه يجب ان يُنظر الى الكون من خارج مجرتنا ! وأنّى للإنسان ان يتمكن من ان يصل خارج مجرتنا وهو لم يستطع لحد الآن ان يخرج من المجموعة الشمسية الخاصة بنا !!
إذن فإن حقيقة كون الارض هي مركز الكون لا يمكن دحضها بالفرضيات الظنية، ((وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا))[13]، وإن الانفجار العظيم أدى لأن تحتل الكرة الارضية مركز الكون رغم دورانها حول الشمس، فسبحان خالق كل شيء.
 
السؤال الخطأ:
بعد أن تثبت للملحد أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، يعمدون الى سؤال بائس ن سؤال خطأ يتصورون ان بإمكانهم من خلاله هدم التوحيد وهدم حقيقة وجود الخالق ! وهو سؤال الملحدين: "مَنْ خلق الله" ! ريتشارد دوكنز يذكر ان هناك اسألة خطأ وإنْ كانت سليمة من حيث الصياغة اللغوية ! ويبدو ان هذا السؤال من هذا القبيل !!
يقول الملحد دوكنز: 
"بعض الاسئلة ببساطة لا تستحق اجوبة. ما هو لون التجريدية؟ ما هي رائحة الامل ؟ أن تكون الجملة صحيحة اعرابياً لا يجعلها ذات معنى، او انه يجب أخذها بجديّة. ولا يعني ذلك أبداً"[14]. 
ونضيف له السؤال: من خلق الله !!
ويضيف دوكنز: 
"وحتى في حالة السؤال الصحيح، الذي لا يستطيع العِلمْ الاجابة عليه، أن الدين سيكون قادراً على ذلك"[15]. 
وايضاً نضيف: وحتى في حالة السؤال الصحيح الذي لا يستطيع الدين الاجابة عليه، ان العلم سيكون قادراً على ذلك ! فأما الاسئلة التي لا يستطيع الدين الاجابة عنها فهي الاسئلة التي تقع خارج إطار الهداية. أي خارج الإطار الذي اُنزِلَ الدين من اجله. فالدين لا يجبن عن المعادلات الرياضية ولا قوانين الفيزياء ولا التفاعلات الكيمياوية إلخ. بل الدين يجيب عن كل ما له علاقة بالهداية. 
وفي الحقيقة فإن الدين قد اجاب عن السؤال الخطأ الذي اشرنا إليه (من خلق الله) بأن بيّن طبيعة خطئهِ، حيث ان العقل البشري مخلوق لتعقل الممكنات أي المخلوقات وغير قادر على تعقل الذات الإلهية المقدسة. ويمكن أن نقرّب الصورة بأنه هل يتوقع الملحد ان عقل الدجاجة يمكنه ان يدرس الفيزياء النظرية ؟! او الطب ؟ أو الباراسايكولوجي؟ هذا هو السبب، أي إنَّ عقل الإنسان غير مهيّأ لأستيعاب كنه الذات الإلهية المقدسة او الإجابة عن هذا السؤال. فهذا هو عين المستحيل.
بالمناسبة، فإنَّ هوكينغ أيضاً يعترف بوجود أسئلة (لا يمكننا أن نأمل في فهمها)[16]!
 
العلم يعترف بدقة النظام الكوني:
عندما نتحدث عن الكون فإننا نتحدث عن (100) الف مليون مجرة مما يمكن رؤيته باستخدام التليسكوبات الحديثة[17]. هذا العدد الهائل من المجرات كلها خاضعة لقوانين دقيقة.
لقد "حقق الفيزيائيون النظريون على مدار نصف قرن سلسلة من الاكتشافات، التي تنص على امتلاك ثوابت محددة في الفيزياء الأساسية لقيم مُولفة بشكلٍ استثنائي لتسمح بنشوء كون مناسب للحياة ... كان براندون كارتر (Brandon Carter) أوَّل من اقترح النظرية، التي تنص على أنَّ المبدأ الإنساني (Anthropic Principle) يُوجه فيزياء وتطور الكون" ... "يشرح مايزنر: (يُمكن القيام بذلك باستخدام مساعدة الحواسيب عالية الأداء، التي تسمح لنا بمحاكاة عوالم، تأخذ فيها البارامترات الأساسية للفيزياء النووية، قيم مختلفة عن تلك الموجودة في الطبيعة)'' ... "في البداية، وضع براندون كارتر النظرية: (يجب أن يكون الكون (وبالتالي البارامترات الأساسية التي يعتمد عليها) في مرحلة مما سمح بنشوء الراصدين داخله)" ... "يُوسع ستيفن هوكينغ (Stephen Hawking)، الخبير في الانفجار العظيم والتضخم الكوني، الحوار في مجال المبدأ الإنساني عبر سلسلة من الأوراق والكتب. في كتابه (تاريخ موجز للزمن)، تطرق إلى سلسلة من ظواهر الفيزياء الفلكية، والثوابت التي تبدو وكأنها تدعم نظرية AP، ومن ثمَّ يسأل: (لماذا نشأ الكون في حالة قريبة جداً من المعدل الحرج للتوسع، الذي يفصل بين نماذج مختلفة: إذ يقول قسم منها بعودة الكون للانهيار ونماذج أخرى تقول بالتوسع الأبدي؛ وهو ما يحصل الآن وسيستمر بالحصول على امتداد عشرة آلاف مليون عام قادم؛ إذ يستمر الكون بالتوسع بقيمة قريبة من المعدل الحرج؟).
يشرح هوكينغ: (لو كان معدل التوسع، الذي حصل بعد ثانية من الانفجار العظيم، أصغر بنسبة جزء من مائة ألف مليون مليون، لكان الكون قد انهار من جديد قبل أن يصل إلى حجمه الحالي).
يقول مايزنر شارحاً دراسته الجديدة الرائدة: (يُوصف الكون، الذي نعيش فيه، ببارامترات محددة وتأخذ قيم مولفة بشكلٍ دقيق من أجل جعل نشوء الحياة –بما فيها على الأرض –أمراً ممكناً. على سبيل المثال، يجب أن يكون عمر الكون كبيراً بشكلٍ كافٍ من أجل السماح بتشكل المجرات، والنجوم، والكواكب، وتشكل الجيل الثاني والثالث من النجوم، التي احتوت الكربون والأكسجين، اللذان انتشرا جراء الانفجارات المبكرة للنجوم).
ويُضيف: (عند الأحجام المجهرية، يجب أن تأخذ بارامترات أساسية ومحددة في النموذج القياسي –مثل كتل الكوارك الخفيف وثابت البنية الدقيقة الكهرومغناطيسي –قيماً تسمح بتشكل النيوترونات، والبروتونات، والنوى الذرية).
وفي الوقت الذي أدت فيه الصناعة النووية للانفجار العظيم إلى نشوء نوى الهيدروجين وجسيمات ألفا (نواة الهليوم-4)، وُلدت العناصر، التي يُنظر إليها على أنها أساسية للحياة بما في ذلك الكربون والأكسجين، في وقتٍ لاحق داخل النجوم فائقة الكتلة، التي ماتت بسرعة –بعضها عبر انفجار سوبرنوفا نشر هذه العناصر لتُشكل الأجيال اللاحقة من الأنظمة النجمية.
في سلسلة من التجارب، التي تضمنت عمليات محاكاة حاسوبية معقدة باستخدام (JUQUUEN) الموجود في مركز يوليش للأبحاث (Forschungszentrum Jülich)، قام البروفسور مايزنر وزملاؤه بتغيير قيم كتل الكوارك الخفيف من أجل تحديد مدى قوة التغيير على منع تشكل الأكسجين والكربون داخل النجوم فائقة الكتلة؛ ليستنتج: "من غير المرجح أن تكون التغييرات، التي تصل إلى 2-3%، كارثية بالنسبة لعملية تشكل كل من الأكسجين والكربون الأساسيان للحياة''.
في وقتٍ أبكر وخلال ولادة النُوى وتشكُّل أخف عنصرين في الجدول الدوري أثناء الانفجار العظيم، يُلاحظ مايزنر: (بالاعتماد على وفرة العناصر المرصودة، وحقيقة أن التفكك الحر للنيوترونات يحصل خلال 882 ثانية تقريباً، وأن النيوترونات الناجية سيتم أسرها في الغالب من قبل الهليوم-4، يُمكن للشخص أن يجد صلة قوية بتغيرات كتلة الكوارك الخفيف... وذلك في ظل افتراضات منطقية تقول بأن كتل كل الكواركات، واللبتونات تظهر عند مستوى التفكك بيتا للنيوترونات – عدا القيم الاستثنائية لفراغ هيغز).
ويضيف: (بالتالي، قامت الصناعة النووية للانفجار العظيم بوضع حدود مقيدة جداً على التغيرات الحاصلة في كتلة الكوارك الخفيف؛ ويدعم مثل هذا التوليف الدقيق جداً النظرة الإنسانية لكوننا. وبوضوح، يُمكن لأي شخص أن يفكر بالأكوان المتعددة، والعوالم العديدة حيث تأخذ البارامترات الأساسية فيها قيماً مختلفة، وتقود إلى بيئات مختلفة كثيراً عن بيئاتنا).
يقول البروفسور ستيفن هوكينغ أنه بوجود تغيرات صغيرة جداً في الثوابت المؤيدة للحياة في الفيزياء الأساسية للأكوان المتعددة الافتراضية، سيؤدي ذلك إلى (ظهور أكوان لن تحتوي، على الرغم من جمالها الشديد، كائناً يتساءل عن هذا الجمال). يوافق البروفسور مايزنر على ذلك قائلاً: (وفقاً لهذا الوعي، يمتلك كوننا حالة مفضلة، وهذا هو أساس ما يُعرف بالمبدأ الإنساني)[18].
 
وفي اتجاه آخر ، يقول ستيفن هوكينغ: 
"لماذا ينبغي أن تكون هناك كواركات أكثر بكثير من مضادات الكواركات ؟ لماذا لا يوجد عدد متساوٍ من كلتيهما ؟ من المؤكد انه من حسن حظنا أن الاعداد ليست متساوية ن لأنها لو كانت متماثلة ، فإن ما يقرب من كل الكواركات ومضاداتها كانت سيُفني أحدهما الاخر في الكون المبكر لتترك كوناً مليئاً بالاشعاع ولا يكاد يحوي اي مادة ، ووقتها لن تكون ثمة مجرات أو نجوم أو كواكب يمكن ان تنشأ عليها حياة بشرية"[19].
ويقول أيضاً: 
"لو كان معدل التمدد بعد ثانية واحدة من الانفجار الكبير أصغر حتى بجزء واحد من مائة ألف مليون مليون لكان الكون قد تقلَّص ثانية قبل أن يصل الى حجمه الحالي"[20].
 
الثقلين العظيمين وأسرار الكون والحياة:
العلم يتسلق نحو الثقلين العظيمين.
ورد في بعض آيات القرآن الكريم وبعض الروايات الشريفة عن آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم) أسرار عظيمة وعجيبة، يمكن ان نفهم من خلال مقاربتها الفكرية بعض الاسرار ولو على نحو سطحي يتوافق مع مستوى تفكيرنا. وربما بتقدم العلوم تتكشف المزيد من الاسرار فيها.
سر ( 1 ): قال تعالى في سورة فصّلت: ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ)).
سر ( 2 ): قال تعالى في سورة الاسراء: ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) )).
قال تعالى في سورة المؤمنون: ((قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ (86) )).
سر ( 3 ): قال تعالى في سورة الرعد: ((اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) )).
سر ( 4 ): قال تعالى في سورة المُلك: ((الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) )).
سر ( 5 ): قال تعالى في سورة الذاريات: ((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ (8) )).
سر ( 6 ): قال تعالى في سورة الطلاق: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) )).
سر ( 7 ): قال تعالى في سورة الاعراف: ((إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ (54) )).
سر ( 8 ): قال تعالى في سورة يونس (عليه السلام): ((إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقاًّ إِنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) )).
سر ( 9 ): وقال تعالى في سورة هود (عليه السلام): ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ المَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) )).
وقال تعالى في سورة الفرقان: ((الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) )).
وقال تعالى في سورة ق: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) )).
وقال تعالى في سورة الحديد: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) )).
وقال تعالى في سورة السجدة: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (9) سر ( 10 ): قال تعالى في سورة الفرقان: ((تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً (61) )).
سر ( 10 ): قال تعالى في سورة الزمر: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) )).
وقال تعالى في سورة الأنبياء (عليهم السلام): ((يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) )).
سر ( 11 ): 
1.     في كتاب الخصال للشيخ الصدوق (رض) ، باب (خلق الله عزّوجلّ ألف ألف عالم وألف ألف آدم) ، قال: (حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا محمد ابن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّوجلّ: { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } فقال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عزّوجلّ إذا أفنى هذا الخلق و هذا العالم وأسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جدد الله[21] عزّوجلّ عالما غير هذا العالم وجدد عالما من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه، وخلق لهم أرضا غير هذه الارض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم، لعلك ترى أن الله عز وجل إنما خلق هذا العالم الواحد، وترى أن الله عزّوجلّ لم يخلق بشرا غيركم، بل والله لقد خلق الله تبارك وتعالى ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين).
 
2.     في كتاب الخصال للشيخ الصدوق (رض) ، باب (خلق الله عزّوجلّ في الارض منذ خلقها سبعة عالمين) ، قال: (حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن عبدالله بن هلال عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لقد خلق الله عزّوجلّ في الارض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الارض فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله عزّوجلّ آدم أبا هذا البشر وخلق ذريته منه، ولا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها، و لا خلت النار من أرواح الكفار والعصاة منذ خلقها عزّوجلّ، لعلكم ترون أنه كان يوم القيامة وصير الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة، وصير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار أن الله عزّوجلّ لا يعبد في بلاده ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه؟ بلى والله ليخلقن الله خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه ويخلق لهم أرضا تحملهم وسماء تظلهم، أليس الله عزّوجلّ: يقول { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } وقال الله عزّوجلّ: { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ).
 
3.     في كتاب الخصال للشيخ الصدوق (رض) ، في باب (من روى أن لله عزّوجلّ اثنى عشر ألف عالم) ، قال: (حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثني الحسين بن عبد الصمد، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان قال: حدثنا العباد بن - عبد الخالق، عمن حدثه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن لله عزّوجلّ اثني عشر ألف عالم كل عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين، ما ترى عالم منهم أن لله عزّوجلّ عالما غيرهم. وأنا الحجة عليهم).
سر ( 12 ): ورد في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق عن أبي جعفر أنه سأل عن قوله عز وجل: ((أَفَعَيِينَا بِالخَلقِ الأَوَّلِ بَل هُم فِي لَبسٍ مِّن خَلقٍ جَدِيدٍ)) (ق:15). قال: "يا جابر تأويل ذلك أن الله عز وجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه, وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم, وسماء غير هذه السماء تظلهم, لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد, وترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم, بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم, وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين".
سر ( 13 ): وأما النسناس فهم قوم كانوا يستوطنون الارض قبل خلق أدم عليه السلام فأهلكهم الله، فعن أمير المؤمنين في حديث طويل: ((إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقا بيده، وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة - وساق الحديث إلى أن قال تعالى :  إني أريد أن أخلق خلقا بيدي وأجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين وأئمة مهتدين، وأجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي، وأبيد النسناس من أرضي وأطهرها منهم، وأنقل مردة الجن العصاة من بريتي وخلقي وخيرتي، واسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي، وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم...)) الحديث.
ويشير الى أن الأئمة عليهم السلام هم الحجج على جميع العوالم ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((إن لله عز وجل اثني عشر ألف عالم كل عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين، ما ترى عالم منهم أن لله عز وجل عالما غيرهم . وأنا الحجة عليهم)).
سر ( 14 ): روى الحاكم في المستدرك: "أخبرنا احمد بن يعقوب الثقفي ثنا عبيد بن غنام النخعي أنبأ علي بن حكيم ثنا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن))، قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى * هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه"[22]، أي لم يخرجه البخاري ولا مسلم ! وقال الحاكم أيضاً: "حدثنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي اياس ثنا شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي الضُحى عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزَّ وجلَّ: ((سبع سماوات ومن الارض مثلهن))، قال: في كل أرض نحو إبراهيم* خذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"[23].
وروى البيهقي قال: أخبرنا ابو عبد الله الحافظ، أنا أحمد بن يعقوب الثقفي، ثنا عبيد بن غنّام النخعي، أنا علي بن حَكيم، ثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن ابي الضحى، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) انه قال: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)) قال سبع ارضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى. 
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي الضحى، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله عزَّ وجلَّ: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ))، قال: في كل أرض نحو إبراهيم عليه السلام. إسناد هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما صحيح، وهو شاذ بمُرَّة، لا أعلم لأبي الضُحى عليه متابعاً والله أعلم"[24].
وقال الذهبي في "كتاب العلو" (ص75) ما ملخصه : "رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي الصِّفَاتِ ، ورُوَاته ثِقَات"[25]. 
"وروى ابن ابي حاتم من طريق محمد عن مجاهد عن ابن عباس قال: "لو حدثتكم بتفسير هذه الآية لكفرتم، وكفركم تكذيبكم بها"[26].
ومن المؤسف ان بعض علماء اهل السنة المعاصرين من اتباع المنهج السلفي رفضوا هذا الحديث لضيق أُفقهم ! فمنهم: الموقع الالكتروني مركز الفتوى التابع لشبكة اسلام ويب التابعة لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر ، حيث قال عنه: "فهذا أثر منكر" ! 
ومنهم: الموقع الالكتروني (الاسلام سؤال وجواب) حيث جاء فيه: "فهذا الأثر لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعلى تقدير صحته : يكون مما أخذه ابن عباس عن أهل الكتاب، ولا حجة في هذا. فلا يصح أن يقال بمقتضى هذا الأثر ، وهو قول مستنكر لا دليل عليه"[27]. أنظر كيف يتهم الصحابي الجليل أبن عباس (رضي الله عنهما) بأنه يأخذ العلم من اهل الكتاب رغم ان كلامه هذا غير موجود عند اليهود ولا عند النصارى، فقط ليرضي منهجه السلفي! هذا عبد الله بن عباس (رضوان الله عنهما) الذي روي عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) انه دعا له ، كما في صحيح البخاري، بقوله: (اللهم فقه في الدين)، وفي رواية أخرى: (اللهم علمه الحكمة). "وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في بيت ميمونة فوضعت له وضوءاً فقالت له ميمونة: وضع لك عبد الله بن العباس وضوءاً فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي والعراقي والبوصيري والألباني"[28].
 
هذه الآيات والروايات الشريفة تحوي أسراراً عديدة، ونحن لا نريد توجيهها او تفسيرها بالرأي، ولكن نفكر بها كمقاربات تناسب علومنا وفكرنا، وربما في المستقبل يتطور العلم ليكشف عن مقاربات أخرى، إلى ان يظهر الامام المهدي (عجَّل الله فرجه الشرف) وحينئذٍ يمكن أن تعرف الإنسانية الاسرار الخفية فيها... ولكن الملفت للنظر أنه كلما تطور العلم كلما اقترب من القرآن الكريم وروايات آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم). وكما قال د. خالد العبيدي: العلم يتسلق نحو القرآن.
 
العلم والسلوك الانساني:
هناك بعض العلماء يؤمنون بـ "الحتمية العلمية" ! يقول ستيفن هوكينغ: 
"كان من نجاح النظريات العلمية وخاصة نظرية نيوتن عن الجاذبية ان ادى ذلك بالعالم الفرنسي الماركيز دي لابلاس الى أن يحاجج في بداية القرن التاسع عشر بأن الكون محتّم بالكامل واقترح لابلاس انه ينبغي أن يكون ثمّة مجموعة من القوانين التي تسمح لنا بالتنبؤ بأي شيء سيحدث في الكون ، لو اننا فقط عرفنا الحالة الكاملة للكون عند وقت معين. وكمثال ، فلو عرفنا مواضع وسرعات الشمس والكواكب عند وقت معين ، فسنتمكن إذن من استخدام قوانين نيوتن لحساب حالة النظام الشمسي في أي وقت آخرز وتبدو الحتمية في هذه الحالة واضحة نوعاً ، ولكن لابلاس يمضي لأبعد مفترضاً أن ثمة قوانين مشابهة تحكم كل شيء آخر بما فيه سلوك الانسان. مذهب الحتمية العلمية قاومه الكثيرون بشدة لأنهم احسوا أنه يتعدّى على الحرية الإلهية في التدخل في العالم ، على ان المذهب ظل هو الفرض القياسي حتى السنوات الاولى من القرن العشرين ، اتى احد المؤشرات على وجوب التخلي عن هذه العقيدة"[29]. 
حيث ظهرت نظرية الكم التي اقترحها العالم الالماني ماكس بلانك ، والتي استبدلت مبدا الحتمية بمبدأ الريبة. ومع ذلك استمر عدد كبير من علماء الفيزياء يؤمنون بمبدأ الحتمية ، ويرون انه حتى افعال الانسان خاضعة للحتمية ! بل ان هوكينغ نفسه كان يؤمن بالحتمية في الكون والطبيعة وافعال الانسان، فيقول: 
"لو ان هناك نظرية كاملة موحَّدة فإنها ، في ما يُفترض أيضاً ، سوف تحتّم افعالنا. وهكذا فإن النظرية نفسها ستحتم حصيلة بحثنا عنها"[30] ! 
ولكنه يرى ان آمال لابلاس بالحتمية اصبحت معدومة بسبب نظرية الكم فيقول: 
"ان آمال لابلاس في الحتمية لا يمكن تحقيقها على الاقل بالشروط التي كانت في ذهنه ، فمبدأ الريبة لميكانيكا الكم يدل على ثنائيات معيّنة من الكميات ، مثل موضع وسرعة الجسم ، لا يمكن التنبؤ بها معاً بدقة كاملة"[31]. وهذا لا يعني انه اصبح لا يؤمن بالحتمية بل انه اصبح يبحث عنها بين طيات نظرية الكم ، فيقول: "والواقع أننا قد أعدنا تحديد مهمة العلم لتصبح اكتشاف القوانين التي تمكننا من التنبؤ بالأحداث في الحدود التي يفرضها مبدأ الريبة"[32]. 
بل ان هوكينغ يرى انه حتى الخالق (تعالى عمّا يصفون) ليس له حرية في اختيار ظروف نشوء الكون ! يقول"سأل أينشتاين ذات مرّة سؤالاً: ما مدى ما عند الخالق من خيار في بناء الكون؟) ، إذا كان افتراض اللاحدّية صحيحاً ، لن يكون للخالق أي حرّية مطلقاً في اختيار الظروف الابتدائية. سيظل لديه بالطبع حرية اختيار القوانين التي يخضع لها الكون. على ان هذا قد لا يكون فيه في الحقيقة الكثير من الاختيار ، قد تكون هناك فقط نظرية موحّدة واحدة ، او عدد قليل من النظريات الموحّدة الكاملة ، مثل نظرية الوتر المتنامي ، وتكون هذه النظريات متماسكة بذاتها وتسمح بوجود بنيانات معقّدة مثل البشر الذين يستطيعون بحث أمر قوانين الكون والتساؤل عن طبيعة الخالق"[33]. ومن الجدير بالذكر ان هوكينغ اعلن إلحاده في سنة 2010 أو قبلها بقليل ، في كتابه التصميم العظيم The Grand Design الذي صدر في السنة المذكورة.
وأيضاً نجد أنَّ أينشتاين (الذي كان يؤمن بوحدة الوجود تبعاً لأسبينوزا) يقول: 
"انا مؤمن بالقضاء والقدر ، ولا أؤمن بالارادة الحرّة في حين يؤمن بها اليهود مثلما يؤمنون بأن الانسان يشكل حياته ، وانا ارفض هذه العقيدة. وانا لست يهودياً فيما يتعلق بهذا الامر" ... "انا مفتون بمذهب وحدة الوجود الذي قال به اسبينوزا. على انني معجب بدرجة أكبر بإسهامه في الفكر الحديث ، فهو اول فيلسوف يتعامل مع الروح والجسد بإعتبارهما كياناً واحداً وليسا شيئين منفصلين"[34].
ويقول: 
"المصدر الرئيسي للصراعات الدائرة اليوم بين الدين والعلم يكمن في مفهوم الاله الشخصي ، فالعلماء يهدفون الى كشف القوانين الثابتة التي تحكم الواقع ويتعين عليهم ان يرفضوا – وهم في سعيهم هذا – فكرة ان الارادة الالهية أو الارادة البشرية تستطيع أن تمارس دوراً يمكن ان يفسد هذه السببية الكونية"[35]. يقول ايزاكسون عن أينشتاين: "لم يتعارض هذا الايمان بالحتمية السببية – التي كانت متأصلة في وجهة نظر أينشتاين العلمية – مع مفهوم الاله الشخصي فحسب بل تعارض أيضاً – على الاقل في فكر اينشتاين – مع الارادة الحرة الانسانية. وعلى الرغم من أنه كان رجلاً يتمسك الى حد بعيد بالمعايير الاخلاقية الحميدة فإن ايمانه بوجود حتمية صارمة جعلت من الصعب عليه قبول فكرة الخيار الاخلاقي والمسؤولية الفردية التي تتمحور حولها معظم النظم الاخلاقية"[36]. 
وقال اينشتاين في تصريح لجمعية اسبينوزا سنة 1932: 
"(البشر ليسوا أحراراً في تفكيرهم وشعورهم وتصرفاتهم بل هم محكومون بعلة سببية مثل النجوم في حركاتها). اعتقد أينشتاين ان افعال البشر – على نحو يخرج عن سيطرتها – تحددها قوانين مادية ونفسية. وقد استمد هذا المفهوم من قراءته لكتابات شوبنهاور ، وقد استشهد بإحدى مقولاته في السطور الاتية المأخوذة من شهادته التي حملت اسم (ما اؤمن به) ونشرت عام 1930: (إنني لا أؤمن على الاطلاق بالارادة الحرة بمعناها الفلسفي فكل غنسان لا يتصرف وفقاً الى قوة خارجية فحسب بل وفقاً لضرورة داخلية أيضاً. كانت مقولة شوبنهاور {بمقدور الانسان أن يفعل ما يريد لكنه لا يستطيع أن يريد ما يريد} ، بمنزلة الالهام الحقيقي لي منذ فترة شبابي إذ كانت لي السلوى دائماً في مواجهة مصاعب الحياة – سواء مصاعب حياتي او حياة الاخرين – وينبوع التسامح الذي لا ينضب). سُئِلَ أينشتاين ذات مرّة إن كان يؤمن بأن للبشر قوة حرة فأجاب: (لا ، انا اؤمن بالحتمية ، فكل شيء – من البداية حتى النهاية – تحدده قوى ليست لنا سيطرة عليها ، وهو محدد للحشرة كما هو للنجم او البشر او الخضروات او الغبار الكوني ، فجميعنا نرقص على أنغام لحن غامض يعزفه من بعيد عازف لا نراه)"[37]. 
وقال أينشتاين: 
"أعرف أن القاتل من الناحية النفسية ليس مسؤولاً عن جريمته ، لكنني أفضل ألا أتناول معه الشاي"[38].
ويتحدث برايان غرين عن الحتمية التي يؤمن بها أينشتاين فيقول: 
"فكر أينشتاين اثناء بحثه الطويل عن النظرية الموحَّدة في (ما إذا كان امكن الاله أن يخلق الكون بطريقة مختلفة ، أي ما إذا كانت ضرورة البساطة المنطقية تركت له أي حريّة)"[39].
والى عصرنا الحاضر هناك من الملحدين من يؤمنون بالحتمية ، وابرزهم ريتشارد دوكنز الذي يقول: 
" اعتقد ان حرية الارادة هو وهم مقنّع فنحن نتصرف كأنه لدينا حرية إرادة"[40].
إذن هناك من العلماء ، ملحدون واصحاب وحدة الوجود ، يؤمنون ان كل ما جرى في التاريخ من احداث منذ اول لحظة والى الان هو امر محتوم لا مفر منه ، لا يستطيع الانسان تغييره ، سواء كان حوادث فلكية او طبيعية ، او حوادث بشرية تشمل كل افعال الانسان ، حتى القتل والاغتصاب وجرائم الابادة الجماعية إلخ كلها لا دخل لمقترفها بها ، بل هي امور محتومة !!
هذا هو حال العلم عندما لا يكون منضبطاً بالدين ، يصنع مجتمعات خالية من القيم الاخلاقية !!
 
ونختم مقالنا هذا كما بدئناه بمقولة أخرى للسلي ويكمان حيث كتبت تقول: 
"إنها قوانين فيزيائية أنشأها الإله لتحكم التفاعلات بين الأمر والطاقة، ونتج عنها كون منظم بصفة دقيقة جدا توفر الشروط المثلى للحياة على كوكبنا. وعندما نلاحظ تعقيدات الكون، من الجزيئات الذرية إلى المادة السوداء والطاقة السوداء، نستخلص بسرعة أنه لا بدّ أن هناك شرحاً يرضي أكثر من محض الصدفة. وإذا تم استخدامه بكيفية جيدة، فإنّه يمكن للعلم أن يكون عبادة عبر النظر في كيفية كشف الخالق عن نفسه في الطبيعة. وإذا كان الرب هو الخالق، فإنه سيكشف عن نفسه من خلال ما خلقه والعلم هو وسيلة يمكن استخدامها لاكتشاف هذه العجائب"[41].
 
 
________________________________________
[1] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص31.
[2] الموقع الالكتروني: ويكيبيديا ، الموسوعة الحرّة، تحت عنوان (نظرية الحالة الثابتة).
[3] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص92.
[4] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص196.
[5] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص(227-229).
[6] هذه المقولة مروية عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام). انظر: بحار الانوار / العلامة المجلسي / مؤسسة الوفاء في بيروت / الطبعة الثانية المصححة ، 1983 – ج40 ص126.
[7] رغم ان هذا الفرض هو خلاف القواعد العقلية التي تقول بأن كل مركب لا يمكن أن يكون أزلياً.
[8] مقال بعنوان (كيف يثبت صدى الانفجار العظيم وجود الخالق؟) ، بقلم: لسلي ويكمان وهي مديرة مركز أبحاث العلوم في جامعة أزوسا. كما عملت مهندسة في شركة "لوكهيد مارتن للصوارخ والفضاء" حيث شاركت في مشروع المسبار "هابل" التابع لوكالة أبحاث الفضاء الأمريكية. ، منشور في موقع CNNarabic في 23 كانون الاول/ ديسمبر 2014.
[9] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينغ – ص141.
[10] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص84.
[11] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص84.
[12] الكافي / الشيخ محمد بن يعقوب الكليني / تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري / دار الكتب الاسلامية في طهران – ج7 ص415. كتاب القضاء والاحكام، باب (من ادعى على ميت).
[13] القرآن الكريم، سورة يونس (عليه السلام)، الآية (36).
[14] وهم الإله / ريتشارد دوكنز – ص59.
[15] وهم الإله / ريتشارد دوكنز – ص59.
[16] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص206.
[17] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص75.
[18] مقال بعنوان رئيسي (ثوابت الفيزياء جوهر لكون داعم لوجود الحياة) ، وعنوان ثانوي (أدلة جديدة على النظرية الإنسانية التي تقول بأن الثوابت الأساسية في الفيزياء هي السر الكامن وراء الكون الداعم للحياة) ، منشور في الموقع الالكتروني ناسا بالعربي.
[19] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص137.
[20] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص205.
[21]  في بعض نسخ الكتاب (اوجد الله) بدلا من (جدد الله).
[22] المستدرك / الحاكم النيسابوري توفي 405هـ / إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي - ج2 ص493.
[23] المستدرك / الحاكم النيسابوري توفي 405هـ / إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي - ج2 ص493.
[24] الاسماء والصفات / ابو بكر البيهقي ت458هـ / تحقيق عبد الله بن محمد الحاشدي / مكتبة السوادي في جدّة / الطبعة الاولى 1993 – ج2 ص267 و268.
[25] الموقع الالكتروني (الاسلام سؤال وجواب) المشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد / تحت عنوان (القرآن وعلومه » تفسير القرآن)، رقم الحديث 229594.
[26] عمدة القاريء / العيني / دار إحياء التراث العربي في بيروت – ج15 ص111.
[27] الموقع الالكتروني (الاسلام سؤال وجواب) المشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد / تحت عنوان (القرآن وعلومه » تفسير القرآن)، رقم الحديث 229594.
[28] الموقع الالكتروني مركز الفتوى التابع لشبكة اسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر ، رقم الفتوى: (147257).
[29] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص101.
[30] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص39.
[31] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص295.
[32] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص296.
[33] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص297.
[34] اينشتاين / والتر ايزاكسون / ترجمة هاشم احمد / كلمة ، وكلمات عربية / الطبعة الاولى ، 2010– ص396.
[35] اينشتاين / والتر ايزاكسون – ص400.
[36] اينشتاين / والتر ايزاكسون – ص400.
[37] اينشتاين / والتر ايزاكسون – ص400 و401.
[38] اينشتاين / والتر ايزاكسون – ص402.
[39] الكون الانيق / برايان غرين / ترجمة د. فتح الله الشيخ / المنظمة العربية للترجمة / الطبعة الاولى ، 2005 – ص311.
[40] مناظرة بين ريتشارد دوكنز وديباك شوبرا / منشورة في موقع اليوتيوب.
[41] مقال بعنوان (كيف يثبت صدى الانفجار العظيم وجود الخالق؟) ، بقلم: لسلي ويكمان وهي مديرة مركز أبحاث العلوم في جامعة أزوسا. كما عملت مهندسة في شركة "لوكهيد مارتن للصوارخ والفضاء" حيث شاركت في مشروع المسبار "هابل" التابع لوكالة أبحاث الفضاء الأمريكية. ، منشور في موقع CNNarabic في 23 كانون الاول/ ديسمبر 2014.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/12/30



كتابة تعليق لموضوع : نشوء التاريخ وحقيقة الخلق وأوهام الملحدين – ( 3 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net