صفحة الكاتب : د . رائد جبار كاظم

الاصطفاف السياسي الطائفي يطل من جديد
د . رائد جبار كاظم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ما ان قربت الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات، حتى أطلت الى الساحة الاعلامية من جديد تلك الوجوه السياسية العتيقة والمعتقة، التي عهدناها والفناها منذ تغيير العملية السياسية في العراق، من ظهور لاحزاب وتيارات وشخصيات ووجوه تكونت في تلك الفترة الزمنية وما تلتها على مر السنين الماضية، وقد عهد الفرد والشعب العراقي تلك السيناريوهات والتحالفات والتكتلات السياسية لقادة الاحزاب وأتباعهم من المتخندقين تحت مظلة الطائفية في زمن الديمقراطية المقيت الذي أتى بهؤلاء الساسة الى الحكم والسلطة دون معرفة أدنى ثقافة أوعلم عن النظام الديمقراطي السياسي وكيفية ادارة البلاد وفقه، وقد أخذوا من الديمقراطية جانبها الشكلي فقط، والاكتفاء بالاقتراع وصناديق الانتخاب والتصويت من قبل الشعب لهم فقط، متناسين جوهر العملية الديمقراطية القائم على أساس الحرية والمساواة وحقوق الانسان وتوزيع الثروات بشكل عادل بين الشعب دون تمييز، ولكن لم يفقه الساسة وقادة الاحزاب وحكام العراق ذلك سوى في خطابهم السياسي والاعلامي، امام الناس وشاشات التلفاز والفضائيات، أما الجانب العملي والتطبيقي للديمقراطية فحبر على ورق، والواقع ليس كالتنظير ، والفعل ليس كالكلام الصادر من أفواه الساسة وحراس العملية الديمقراطية في العراق.

نرى هذه الايام بدأ عملية التسابق الانتخابي من قبل الاحزاب وقادتها الافذاذ وخطاباتهم الرنانة ذات البعد الايدلوجي والطائفي والمصلحي المتحزب، وكل حزب يسعى لتحقيق مآربه ومكتسباته دون أدنى أهمية ومراعاة لحقوق الشعب ومتطلباته، والجميع يرى ويسمع كيفية التسابق المحموم الذي تقوم به الاحزاب الكبيرة في السلطة لاعادة تحالفاتها وتكتلاتها من جديد قبل موعد الانتخابات المحدد بزمن كبير، استعداداً لذلك اليوم، وقد ظهرت الوجوه من جديد الى الساحة بعد غياب طويل عن الانظار والتواري خلف الستار، لتتهيأ للعرس الانتخابي على حساب الشعب المظلوم والمحروم وحقوقه المسلوبة وحياته المهدورة، حيث لم نر أي مسؤول أو سياسي في الدولة العراقية قد خرج الى الشعب والناس في همومهم ومأساتهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، ولم يقوموا بأي شيء يحسب لهم، بل لعل الكثير من بسطاء وعامة الناس يدعون الله الى أن يكفيهم شر الساسة والمسؤولين، لأن الخير لا يأتي منهم أبداً، ولم يروه في أي لحظة من اللحظات على أيديهم.

ويعود الخطاب السياسي الطائفي ويظهر الى الساحة الاجتماعية والحياتية اليومية في العراق مرة أخرى هذه الايام، ليكسب كل ذي حزب سياسي جماعته ويخندقهم تحت ظله، ويشحذهم طائفياً أو قومياً وحزبياً، في الداخل، ويلتمس العون من سادته في الخارج ممن يقف معه ويسانده على تحقيق أجنداته السياسية والطائفية المقيتة، التي الفناها طوال تلك السنوات المريرة والمرة، وها هي الدول الاجنبية والخارجية تفتح ذراعيها وأبوابها من جديد لعبيدهم ليمهدوا لهم الطريق لأصطفافات وسياسات وبرامج معدة ومصاغة في مطابخ عالية الجودة، وذات نكهات دموية وعنفية متميزة، تحت ذرائع وحجج تبريرية متعددة، وعناوين سياسية تسويقية جديدة مفادها ترميم البيوتات والتجمعات السياسية، ورأب الصدع وازالة التشنجات والتوترات، ولملمة المكونات، وحلحلة المشكلات، واستقرار العراق واعماره، وغيرها من العناوين السياسية الخطابية الرنانة. أين كانت تلك الدعوات والشعارات والخطابات الكبرى في الايام السابقة من عمر العملية السياسية؟، ألستم شركاء في الحكم أم أعداء بينكم؟، لماذا هذه السياسة السقيمة في التواجد والظهور والحضور، تخرجون للجماهير وقتما ترغبون أنتم لا وفق ما يريد الشعب والجماهير، تشرقون وتغربون حسبما تريدون لا حسبما نريد، وتريدون منا أن ندور في فلككم كيفما تشتهون. لسنا أدوات ولا أتباع لكم ولا آلات ودمى تحركونها بأيديكم، فالشعب قد هظم اللعبة وعرف أهدافها وفتح شفرتها ووعى الكثير من المخططات والبرامج التقليدية التي أجريتموها وجربتموها سابقاً، ولن يقع فريسة تلك السياسات والافكار الهابطة التي دفع الشعب ثمنها الباهظ.    

معروف لدى الجميع الواقع المأساوي والكارثي للعراق وشعبه طوال تلك السنين العجاف التي مضت وما تزال، وواقع الحال هو هو يزداد سوءاً وبؤساً وخراباً، لا نظام ولا قانون ولا اصلاح ولا اعمار ولا تنمية ولا صحة ولا أمن ولا خدمات ولا تربية ولا ثقافة ولا صناعة ولا أنتاج على أي جانب من جوانب الحياة في العراق، وهناك انقلاب كبير وخطير حدث على كافة المستويات والاصعدة في البلاد، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والحياتي والقيمي، ولم نشهد تحسناً يذكر وملحوظ طوال تلك السنوات، بل لمسنا ورأينا العجب العجاب والدمار والخراب وضياع القانون وكثرة الفساد والارهاب، في ظل سياسة التحزب والتخندق الطائفي والقومي والحزبي في زمن الديمقراطية الجديد، تلك الديمقراطية التي لم تهبنا من نفسها سوى جانبها الشكلي الجميل، ولكن وجهها القبيح هو ما نعيشه، وراح يرتع أتباعها في ظلها بالدمقس والحرير والنعيم، ولكن الشعب يئن تحت لظى الفساد والارهاب والتهجير وسوط الظلم والحرمان.

أيها قادة الكرام، يا ساسة البلاد والعباد، يامن وضع الشعب أصواته وثقته في أعناقكم الكبيرة، متى تلتفتون لهذا البلد وأهله، ولهذه الجماهير المليونية التي أنتخبتكم لتكونوا ثقته وحماته وخدمته، لماذا هذا الاستخفاف بالدماء الطاهرة والزكية التي دافعت عن البلاد وعنكم، دون الالتفات لعوائلهم وذويهم في الرعاية والحماية والحقوق كما أنتم وعوائلكم تعيشون، لماذا أقوالكم كبيرة كالجبال وأفعالكم صغيرة كالذباب، لماذا كل هذه العنجهية والعناد تجاه رغبة وارادة الملايين والجموع الغفيرة المحتجة والمتظاهرة على دوركم الضعيف وأدائكم المترهل في ادارة البلاد، ورفعكم لشعارات  الاصلاح والتغيير دون عمل أو تغيير يلحظ على ساحة العراق وواقعه ؟، فالبلاد سائرة بكم وفي ظل ادارتكم وتحزبكم وتخندقكم السياسي الطائفي الى نفق مظلم وأنهار من دم، وموت مجاني وسلب وسرقة للثروات والطاقات والخيرات.

الساسة الكرام، لقد أثقلتم وأدخلتم البلاد بطولها وعرضها، بحروب مدمرة، ومجاعة مرة، وأعدتم العراق الى عصور حجرية وبدائية آلاف السنين، ومزقتم لحمته التي تدعون حماتها، وسرقتم ثروته التي تدعون الحفاظ عليها، وقتلتم شبابه الذين تزجون بهم الى الموت تحت عناوين وطنية ودينية ومذهبية شتى، دون رحمة أو شفقة.  هل من نهاية لتلك المسرحية الهزلية؟ أم تدفعون بنا لمزيد من الاقتتال والاحتراب الطائفي والقومي والديني لأشباع شهواتكم التسلطية الامحدودة والزج بنا في أتون حرب وأرهاب وعنف جديد لم ينته أوله لندخل في غيره، وتصنعون لنا مزيداً من الازمات والكوارث لكي تطول مدة حكمكم وتلهون بدمائنا وتستمتعون بعذاباتنا الكبرى وتلقون بنا الى التهلكة لكي لا نستفيق من عذاب حتى تلقونا في آخر، وتكون دوامة مستمرة لن نخرج منها أبداً، هذه هي رغبتكم وتلك هي سياستكم، وقد اتضحت للجميع، ولكننا شعب مصدوم ومسحور ومخدر، لا نصحوا ابداً ولا نتقدم خطوة الى الأمام ما دامنا نصفق لكل من يأتي ونهتف له بحماس وحرارة وجنون : ( بالروح بالدم نفديك يا هو الكان).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رائد جبار كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/16



كتابة تعليق لموضوع : الاصطفاف السياسي الطائفي يطل من جديد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net