صفحة الكاتب : الشيخ مازن المطوري

مفاهيم هجينة
الشيخ مازن المطوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 هناك نمط من الكتابات تحاول اجراء مطابقة بين المفاهيم الدينية التي تنتمي إلى دائرة وفضاء خاص، وبين المفاهيم الحياتية الحديثة التي تنتمي بطبيعتها لفضاء آخر مختلف، وتكون نتيجة تلك المطابقة أن نحصل على مفهوم هجين لا ينتمي لكلا الفضائين، وحتى نخرج عن دائرة المفهوم لدائرة المصداق، أذكر مثالاً على ذلك:

حاولت بعض الكتابات مطابقة مفهوم الوضوء بمفهوم الوقاية الصحية الذي هو مفهوم حديث، الوضوء الذي هو حركة وعمل رمزي ينتمي لسياق خاص وهو الصلاة التي هي عبادة من العبادات، وهذا المفهوم لا يفهم إلا ضمن سياقه، أي إن هذه العملية جاءت في سياق يكون من شأنه أن يدخلنا في العملية العبادية. فالوضوء الذي هو غسلتان ومسحتان؛ غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، ليس مطلوباً بنفسه وإنما الهدف منه والغاية أن يهيئنا للصلاة، ولذا نجد أن الإسلام قد جعل له بديلاً، فإذا ما فقدنا الماء انتقلنا لعملية اُخرى وحركات اُخرى مختلفة هي (التيمم)، وهي حركات تختلف عن الوضوء في كيفيتها وشكلها ومادتها، ولكنها تشترك معها في النتيجة والغاية.
وهذا يعني بالمحصّلة أن التطهّر الذي هو حالة معنوية يحققها الوضوء أو التيمم، هو المطلوب للدخول في أجواء العبادة، فالمطلوب هو الطهارة المقارنة للعبادة والتي تحصل إما بالوضوء أو بالتيمم. فإذا ما أجرينا مطابقة بين الوضوء وبين الوقاية الصحية، فسوف تكون نتيجة ذلك أن نجرّد الوضوء من مخزونه الروحي والرمزي والمعنوي، ونجعله في مصافّ التطهّر والنظافة الجسمية والتي هي مفهوم آخر مختلف عن الطهارة المعنوية التي يريدها الوضوء أو التيمم، إذ أن الإنسان مهما كان نظيفاً من الناحية الجسمية ومعقّماً بكل أنواع مواد التعقيم والنظافة، فإن ذلك لا يبيح له الدخول في العبادة ما لم يقم بمقدمتها المعنوية والشرعية وهي الحركات المخصوصة المسمّاة بالضوء أو التيمم أو الغسل الشرعي.
إن من شأن تلك المطابقة أن يولد من رحمها مفهوم هجين لا ينتمي لا إلى الفضاء المعنوي في الطهارة والعبادة ولا إلى الفضاء الحديث للوقاية الصحية، وهذا المولود الهجين هو: الوضوء الصحي! إذ لا يوجد شئ في منظومة الإسلام يسمى بالوضوء الصحي، كما ولا يوجد شئ في منظومة الحياة المعاصرة يسمى بالوقاية الوضوئية الصحية! بل يبقى مفهوماً معلّقاً غريباً عن كلا الفضائين. إذ الوضوء في الإسلام ليس حركة نظافة جسمية حتى نعمد إلى مطابقته مع مفهوم الوقاية الصحية، بل هو حركة عبادية رمزية.
إن قيمة الوقاية الصحية لا تتوقف على عملية مطابقتها مع الحركات الرمزية المعنوية، فالنظافة طبيعة إنسانية، والإنسان يعمد إلى أبعاد الأشياء التي يستقذرها عن بدنه ولباسه، والإسلام نفسه أكّد على أن النظافة من الإسلام، و"ثيابك فطهّر"، كما أن رمزية تلك المفاهيم ومطلوبيتها لا تحتاج لعملية مطابقة مع المفاهيم الحديثة للصحة والنظافة والوقاية، إذ لكل منهما سياقه الخاص ودلالته الخاصة، والقيام بعملية مطابقة بينهما يهدر قيمة كل منهما، وينتج لنا (مفاهيم هجينة).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ مازن المطوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/26



كتابة تعليق لموضوع : مفاهيم هجينة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net