صفحة الكاتب : ازهر السهر

"الظاهرة" الكوفية ليست عراقية للشهيد عزالدين سليم مرةً أخرى
ازهر السهر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كثر الكلام حول مسلسل الحسن والحسين في الأوساط الدينية والثقافية وهو خارج موضوعنا الآن، ما يهمنا من المسلسل ويخص حديثنا هو تركيز كاتبه من بداية المسلسل وحتى نهايته على مسألة غدر أهل الكوفة لآل البيت (عليهم السلام) وتفشي مرض ازدواجية الشخصية فيهم، ولم يكن قصد المؤلف من أهل الكوفة أهل تلك المدينة تحديداً بل المقصود منهم أهل العراق ككل، مع إننا لمن نسمع مثل هذا الاتهام على أهل الشام الذين يصفهم معاوية بن أبي سفيان بأنهم لا يُفرقون بين الناقة والجمل، مع أن الثابت تاريخياً بأن أهل الشام كانوا السبب الرئيس في نشوب الحروب بين المسلمين، كما بسببهم وعلى أيديهم قتل خيرة  صحابة رسول الله (ص) مع هذا فإننا نجد "الظاهرة" الكوفية تجدد كل يوم، ونرى سكوتاً وتعتيماً على الظاهرة الشامية.
واستغربت قبل أيام وأنا أشاهد برنامج "حقائق التاريخ" من على قناة الكوثر الفضائية عندما سأل مقدم البرنامج الباحث والمؤرخ المعروف "سهيل زكار" عن أهل الشام ودورهم المخزي في التاريخ وثقافتهم الإسلامية المتدنية، فرد عليه الدكتور زكار بالقول: ((إننا لا يمكن أن نعمم هذا الأمر على جميع أهل الشام بل علينا أن لا نسميهم أهل الشام بل "جند الشام" لأنهم جزء من أهل الشام وليس جميعهم!!)) ولا اعرف هل تحيز الدكتور زكار لأبناء بلده أم انه حلل الظاهرة تحليلاً علمياً محايداً؟!!!
   لقد شاعت مسألة "الظاهرة" الكوفية واخذ البعض يرددها حتى أصبحت ثقافة وشعار يرفع في بعض البلدان الإسلامية كما في جمهورية إيران الإسلامية، إذ تحولت هذه الشبهة إلى حقيقة من الحقائق التاريخية والاجتماعية التي لا تقبل الشك عند الشعب الإيراني وهو أن العراقيين اليوم هم أحفاد هؤلاء الخونة الذي كتبوا للإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): ((أن أقدم على جندٍ لك مجنده)) ثم انقلبوا عليه وغدروا به وقتلوه هو أهل بيته وأصحابه وسبوا عياله.
 وقد كان العراقيين المهاجرين والمهجرين إلى الجمهورية الإسلامية في إيران من بطش النظام الصدامي يسمعون تلك الشعارات التي كان ينادي بها الجمهور الإيراني أثناء صلوات الجمعة وغيرها والتي ضاق بها العراقيون ضرعاً مما أضطر بعض قادة المعارضة العراقية الشرفاء المخلصين وبعض المثقفين بالرد على هذه الشبهة اللعينة من خلال كتابة كتب ومقالات في الصحف الصادرة في إيران يومذاك، وكان على رأس هؤلاء الشهيد عزالدين سليم (رحمه الله تعالى) إذ كتب مقالاً مشهوراً بعنوان ("الظاهرة" الكوفية ليست عراقية)) ونشره في إحدى الصحف الصادرة يومذاك في إيران.
واليوم يحاول البعض لأغراض معروفة ومشخصه أن يروج لهذه الشبهة اللعينة الخبيثة من خلال المسلسلات الإسلامية وغيرها، لهذا ارتأينا أن ننبه الشعوب العربية والإسلامية من هذا الترويج المغرض ونرد عليه بالمقال الذي كتبه الشهيد عزالدين سليم (رحمه الله تعالى) يومذاك.
"الظاهرة" الكوفية ليست عراقية(1)
في المجرى العام لتاريخ الأمم والشعوب، تبرز ظاهرتان اثنتان:
أولاهما: ظاهرة الصعود والنهضة وما يتعلق بها عادة من حالات النصر ونمو الطاقات، وخصوبة العطاء والاستبسال في مواجهة الخصوم وانتزاع الحقوق وما إليها.
وثانيهما: ظاهرة التراجع والانحطاط، وما يصاحبها عادةً من حالات الإخفاق وانكسار المعنويات وإفرازات التردي، وجدب العطاء والانكفاء عند مواجهة الشدائد وسواها.
ولأن هاتين الظاهرتين تمثلان قانوناً طبيعياً في حياة البشر، تتعاقبان في مسيرة كل أمة وشعب، فقد عبر القرآن الكريم عنها بحالة التداول في دنيا الناس، حيث يتداول البشر ـ في المفهوم القرآني ـ هذه الظواهر والحالات، تبعاً لشروط وعوامل ومؤهلات تتوافر لدى الأمم والشعوب، فتنتج هذه الظواهر وتلك الحالات، قال تعالى:(( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ))[آل عمران: 140].
وبناء على ذلك فإنه ما من أمة أو شعب في التاريخ البشري، إلاّ ويتحرك في ظلال قانون التداول هذا، الأمر الذي يدركه فلاسفة التاريخ المهتمين بتدوينه ودراسته جيداً، حتى أن توينبي المؤرخ الإنكليزي المعاصر، قد افترض أن قضية التداول الحضاري تجري في إطار ثلاثين أمة في هذا الكوكب، وان كنت أشك في صحة ما ادعاه بالنسبة للشعوب السوداء التي يفترض توينبي أنها لم تشارك عبر التاريخ في صنع حضارة إنسانية بالمرة، إذ ربما تكونت لديه هذه القناعة تجاه الشعوب الملونة تحت ظروف التمييز العنصري، التي تتغلغل في أذهان مختلف طبقات الأوربيين، أو انه لم تتوفر لديه معلومات تاريخية تساعده في تشخيص دور القارة السوداء وشعوبها من الناحية الايجابية.
وتجري الأعمال التاريخية الإيجابية في دنيا الناس، إذا توفرت عواملها المناسبة لإنتاج مثل هذه الأعمال ـ كما ألمحنا ـ كما تنتج العوامل السلبية والنقائض، نتائج سلبية تختلف آثارها الضارة في التاريخ مساحة وبعداً.
وأسوةً بكافة أمم الأرض عبر التاريخ، ارتكبت في تاريخ المسلمين أخطاء متفاوتة في حجمها وأبعادها ومضارها، بعضها صدر من أفراد، وبعضها من مجموعات، وأخرى صدرت من عموم الأمة في حالة من حالات الضعف البشري.
إن ما نعتبره خطأً أو نسميه صواباً من المواقف والأعمال التاريخية، مهما كان مصدرها في تاريخ المسلمين، إنما نقيمه على ضوء ما قدم للإسلام كرسالة، وللمسلمين كافة، وللقيادة الشرعية الحاملة للإسلام ولهمِّ الإسلام عبر التاريخ.
وإذا عدنا إلى المصاديق، فإن أكبر خطأ تاريخي اقترفته الكوفة بداية تاريخها، كان خذلان إمام الحق الحسين بن علي u سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إعلان بيعته ومكاتبته، وبدرجة ما كان خذلان زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) الخارج على السلطان من أجل الإسلام وقيمه ومستقبله.
ومع إدانتنا لموقف ذلك الجيل الكوفي المنحرف فإنه كانت هناك عدة عوامل، ساهمت في بلورة ذلك الموقف المخزي وأمثاله من سلبيات، لعل في مقدمتها: حالة النفاق الاجتماعي التي أفرزتها سياسة الحكام الظالمين والبلبلة الفكرية التي عصفت بالكوفة، وأسلوب القهر الذي سلكته السلطات الحاكمة تجاه المعارضين، إضافة إلى بذل الأموال لشراء الذمم وشيوع الأراجيف واعتقال الكثيرين من المخلصين، إضافة إلى أن أهل الكوفة لم تكن غالبيتهم شيعة لعليّ u كما نفهم الآن من مفهوم التشيع من الناحية الفكرية والعملية.
بَيدَ أن هذه الكوفة التي خذلت الحق في مقطع ما من التاريخ، عادت ونصرت الحق وممثليه فكانت حركة التوابين الكوفية في الاتجاه الصحيح، وكانت انتفاضة المختار الثقفي تعبيراً حياً عن الأخذ بالثأر لصالح الدم الطاهر المارق في الطفوف، ثم إن هذه الكوفة نفسها هي التي أنجبت كثيراً من أنصار أبي عبد الله الحسين u الذين استشهدوا معه في كربلاء نفسها التي أنجبت آلاف الرواة والعلماء والمفسرين من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) عبر التاريخ.
هكذا الكوفة في مسيرتها التاريخية، يحدد خطواتها قانون التداول في دنيا الناس وفق شروطه وضوابطه، ولولا ارتباط ما ارتكبته الكوفة بمأساة آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحليلة المعروفة لصارت أخطاء الكوفة كأخطاء غيرها من البلاد والأمم، وإلا فإن الباحث في تاريخ المسلمين، بمقدوره أن يسجل عشرات من المواقف العامة السلبية ذات الأثر الحضاري الخطير على الإسلام والمسلمين، اتخذته أجيال من المسلمين في بلاد كثيرة فهذه مصر لم تنصر علي بن أبن طالب عليه السلام بشكل مناسب في غفلة من التاريخ، فأسلمت واليه محمد بن أبي بكر (رض) طعمه لغزو أموي نجم عنه قتل ذلك العبد الصالح.
واليمن لم توفق للدفاع عن واليين من ولاة علي u في وجه بسر بن ارطأة المبعوث بجيش من الشام.
والصحابة أخطؤوا في معركة أحد وتركوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جريحاً في المعترك ولم يبق معه غير ثلة من المخلصين.
والمدينة المنورة سلمت محمد النفس الزكية للمنصور الدوانيقي.
والطالقان ارتكبت خطأً جسيماً حين أسلمت الزعيم العلوي محمد بن القاسم المعروف بصاحب الطالقان، وهو من أحفاد علي u من الحسين u رغم ضخامة من بايعه من الناس، إذ تفرق الأربعون ألفاً من حوله، فاستتر في (نسا) من قرى خراسان، فوشى به رجل إلى السلطة المحلية، وأرسل إلى المعتصم العباسي حاسراً رغم جلالة قدره، فنفذ الحاكم فيه حكمه الجائر!
ورغم ما اقترفت هذه البلدان وتلك الأجيال من مفارقات، فإنها قد سجلت مآثر كثيرة في مناسبات وظروف أخرى، وربما حقق بعض تلك المآثر، نفس الجيل الذي ارتكب شططا في بعض المواقف التاريخية.
وإذا كانت حالات الغفلة والنكوص قد تكررت وتكرر لدى أمة أو إقليم، فإن حالات العطاء متكررة هي الأخرى في نفس تلك الأمة وذلك الإقليم، طبقاً لقانون الدورة التاريخية قانون التداول الحضاري المعروف.
بَيدَ أن من الضروري أن نشير إلى أنه بمقدور السابقين في الوعي وحمل المسؤولية، أن يمدوا يد العون لمن لم يلحق لكي تتوفر النقلة الحضارية تحت شروطها المطلوبة ((وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ))[يوسف: 21].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) عزالدين سليم، الظاهرة الكوفية ليست عراقية، صحيفة الشهادة، الثلاثاء، 17 ربيع الأول 1405هـ ـ 11 كانون الأول 1984م، السنة الثانية، العدد (88)، الصفحة الأخيرة. وينظر، المفكر الإسلامي الشهيد عبد الزهراء عثمان "عزالدين سليم"، من حصاد التجربة، المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية، العراق ـ البصرة، 1431هـ ـ 2010م، العارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، ص46.
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ازهر السهر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/29



كتابة تعليق لموضوع : "الظاهرة" الكوفية ليست عراقية للشهيد عزالدين سليم مرةً أخرى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net