"إستراتيجيا ح (10): الانتقال الديمقراطي والتحدي التواصلي
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إنّ التعثر الذي تشهده الساعة السياسية منذ الإعلان عن انتخابات 24 جويلية ثم التراجع وتأخيرها إلى موعد 23 أكتوبر، وما تخلل ذلك من صراعات وتردد وضبابية في المواقف، مؤشر على تعثر الإنسان التونسي المسلم في طريق بلا علامات. وهو مؤشر على سقوطه ثم قيامه. وهو مؤشر على قيامة وهمية يتلذذ بها في انتظار الأفضل. وهو دليل على افتقار النخب و العقل المجتمعي لبيداغوجيا الثورة ولبيداغوجيا الإصلاح.
فلنشبّه الإنسان التونسي بالعدّاء. وهو عدّاء تارة ساقط وطورا قائم (في سباقه من أجل نيل الحداثة وفي ضوء تسابقه بغير تجديد ديني، أي بغير إحماء وتدريب). ثم لنتصوّره من منظور ديمقراطي، بالإضافة إلى تصورنا له من منظورٍ وجودي عام، في وضع العدّاء المشارك في سباق التناوب. إذ الديمقراطية بالأساس تناوب على السلطة وتداول على الحكم. وسنلاحظ أنّ ما يزيد الطينة بلة ويزيد العدّاءَ مسؤولية على مسؤولية أنه من هنا فصاعدا سيكون مُطالبا لا فقط بتعديل وضع جسمه لتجنب السقوط ثم القيام وإنما أيضا بتسليم "العصا" (عصا التناوب) إلى المتباري الآخر، ثم السماح لهذا الأخير بتمرير العصا إلى مُتبارِ آخر، وهكذا دواليك. من ثَمّ تالله ليسقطنّ ثم ليقومنّ، وفي الأثناء تالله ليفقدنّ كل رغبة في تملك مهارة التسليم والتمرير والتداول. هكذا فالانتقال الديمقراطي يمرّ حتما بإصلاح الوجود لدى الشعب الراغب في الانتقال.
إنّ ما تشهده الساحة السياسية في تونس من تضخم حزبي ومن فوضى إيديولوجية وبيداغوجية يُفسر أحيانا بافتقار الأحزاب لبرامج إلى حدّ أنّ ذلك يوَلد الانطباع أنّ الأحزاب هي التي ستنتخب الشعب (وهذا أيضا ناتج عن انقلاب التصور للدين؛ الانقلاب العقدي). وهذا دليل كافٍ على ضرورة الإصلاح الفوري للوجود.
لكن لننظر إلى ما تفعله النخب في الأثناء، بحُكم غياب الوعي بالضرورة الملحّة للإصلاح. إما إنها تهرب إلى الأمام أم إنها تتقوقع وتنكمش، مثلما تتقوقع وتنكمش الذات المسلمة. إنها تختبئ في ركن من أركان البيت. إنها تكتفي باختزال العمل الفكري في الجانب الانتخابي وما يتصل به من عمل قانوني وتشريعي بينما الشعب بحاجة إلى تنوير. والتنوير ينبغي أن يطال كل جوانب الوجود لدى الشعب، فردا ومجتمعا. والتنوير إصلاح. ويتطلب الشروع الفوري في إنجازه مهما كانت النتائج التي ستسفر عنها انتخابات 23 أكتوبر؛ في أسوأ الحالات عن طريق الجهاز الإعلامي.
ولقائل أن يقول إنّه لا مجال للإصلاح قبل خوض الانتخابات. كلا، هذا موقف جدّ متخلف لأنه خاطئ. وخطأه يتمثل في أنّ أصحابه يُدرجون الاستحقاق الانتخابي كغاية في حد ذاته، والحال أن الانتخابات وسيلة أداتية، والحال أنها إجراء لا بدّ أن يكون مُدرجا ضمن استراتيجيا عامة للنهوض. فالموقف الأصح، إذن، أنّ فكرة الإصلاح بحد ذاتها دافعٌ أساس مرغوب فيه لغاية غرس إيمان جديد تتطلبه المرحلة. هكذا، فضلا عن الإيمان بمبادئ الديمقراطية كمبدأ الانتخاب ومبدأ التداول على السلطة ومبدأ قبول الاختلاف واحترام الرأي الآخر، يصبح المواطن مؤمنا بالإصلاح، بل ومستبطنا لتصورات إصلاحية. فالإصلاح عقيدة مفصلية في مشروع النهوض لا بدّ من إيلائها المكانة التي تليق بها من الآن.
محمد الحمّار
كانت هذه الحلقة (10) من كتاب بصدد الإنجاز: "إستراتيجيا النهوض بعد الثورة".
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat