صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

ضائقة غزة الاقتصادية وصفة حربٍ أم نخوة غوثٍ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قادة وضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يتوقفون عن التهديد بشن حربٍ مدويةٍ على قطاع غزة، يصفونها بالأخيرة والحاسمة، فيها يصفون الحسابات ويعيدون رسم الواقع الذي يريدون، والتي لن تكون بزعمهم شبيهةً بالحروب السابقة التي خاضها جيشهم وفشل في تحقيق أهدافه منها، أو التبس عليه النصر فيها وشابه ما يشبه الهزيمة والفشل، إذ ألحقت بهم خسائر مادية ومعنوية وتسببت لهم في حرجٍ محليٍ ودوليٍ، لذا أعلن وزير حربهم أفيغودور ليبرمان أن جيشه لن يبقيَ في حربه القادمة على قطاع غزة حجراً على حجرٍ، وسيدمر ما تحت الأرض وما فوقها، وسيستهدف كل مقار المقاومة وقادتها وأي مكانٍ يلجأون إليه، ولن ينجُ من عملياتهم مسؤولون سياسيون وآخرون عسكريون، بل سيكون الجميع مستهدف وتحت مرمى النيران القاتلة.
 
تأتي هذه التهديدات العدوانية وتتكرر كل يومٍ على لسان أكثر من مسؤولٍ وضابطٍ، رغم أنهم يعترفون أن فصائل المقاومة الفلسطينية ومعها كتائب الشهيد عز الدين القسام "منضبطة"، وهي تحت السيطرة المسؤولة، وتحاول ألا تجر المنطقة إلى حربٍ أو مواجهةٍ جديدةٍ، وتحسب خطواتها بدقةٍ، وتدرس ردودها بعنايةٍ، وتعرف ما ينبغي عليها فعله جيداً، في الوقت الذي تقوم فيه السلطة الأمنية في قطاع غزة بمحاسبة ومعاقبة الذين يخرجون عن الإجماع والتنسيق الفلسطيني العام، حيث أن بعض الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة لا تعبر عن إرادة غالبية الفصائل الفلسطينية، ولا تترجم توجهاتها السياسية، بل تبادر جماعاتٌ إسلاميةٌ متشددةٌ، ترتبط بشكلٍ أو بآخر بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، إلى إعلان مسؤوليتها عنها.
 
إلا أن جيش العدو يرد على كل صاروخٍ يسقط على بلداته أو بالقرب منها، بقصف أهدافٍ للمقاومة في قطاع غزة، حيث يقصف غالباً مواقع ومعسكرات تدريب تعود لكتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، رغم أنه يعلم أن الصواريخ التي سقطت عليه لم تنطلق من أرض القطاع أحياناً، ولم تأخذ المجموعات التي نفذت القصف أوامرها من قيادة الفصائل في غزة، وقد تكون معارضةً لها وغير متفقة معها، إلا أنه يتعمد قصف المقاومة وإلحاق الضرر بها، وكأنه يريد أن يفرض معادلةً جديدةً مفادها أن غزة مسؤولة عن كل ما يسقط على الجانب الإسرائيلي من قذائف صاروخية، ولو أطلقت من سيناء ومن داخل الأراضي المصرية، فإن المقاومة في غزة مسؤولة عن ضبطها ومنع وقوعها.
 
يبدو أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي مصرةٌ على شن حربٍ وفتح معركةٍ جديدةٍ، رغم أنها تؤكد أن عوامل اندلاع حربٍ على قطاع غزة ليست أمنية، أو خروقات عسكرية، أو استفزازات متعمدة، أو فوضى غير منظمةٍ، فحالة الضبط وصمام الأمان على جانبي الحدود يوحي بالرضا، ولا يدعو إلى القلق.
 
إنما تعود احتمالات اشتعال الحرب في رأي بعضهم إلى الضائقة الاقتصادية الكبيرة التي يعيشها سكان قطاع غزة، وإلى الظروف الصعبة التي يشكو منها السكان، والتي قد تقود إلى انفجارٍ غير محسوبٍ، أو محاولة لإشعال فتيل حربٍ بقصد تنفيس حالة الاحتقان القائمة، وإسقاط جدران العزل العالية، وإنهاء حالة الحصار المستعصية، ويستشهد بعض المراقبين بحالة الفوضى التي سادت الحدود المصرية مع قطاع غزة إبان عهد الرئيس المصري حسني مبارك، حيث اجتاح الفلسطينيون الغاضبون الحدود، وسادت حالة من الفوضى العامة، التي استغرقت بعض الوقت والحكمة لضبطها وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
 
وهذه الضائقة الخانقة التي يعانى منها أهل غزة آخذةٌ في الازدياد والتفاقم، ولا تحمل الأيام القادمة أي مبشراتٍ بانفراج الأزمات العديدة التي يعاني منها المواطنون، حيث أن الحصار مشددٌ ومطبقٌ من الجانبين الإسرائيلي والمصري، وكما أن معبر رفح يغلق لأشهرٍ طويلة، ويفتح في مواعيد غير محددةٍ ولأيامٍ معدودة، فإن المعابر الإسرائيلية تستغل في الضغط على المواطنين الفلسطينيين وابتزازهم، وقد توقع بعضهم في فخاخ العمالة كما تعتقل آخرين مطلوبين لها أو متهمين عندها، وتمنع سلطات الاحتلال الصيادين من تجاوز الثلاثة أميال البحرية، وفي حال تجاوزهم لها فإنها تطلق النار عليهم، وتغرق مراكبهم الصغيرة، وقد تقتل بعضهم أو تعتقلهم وتقتادهم إلى مراكز التحقيق والاعتقال، وقد يقدمون إلى المحاكمة بتهمة تجاوز التعليمات الأمنية.
 
كما يعاني القطاع من أزمة الكهرباء التي لا تنتهي، والتي تنعكس على مختلف جوانب الحياة فيه، في الوقت الذي تراجع فيه الدعم الدولي والإقليمي للحكومة التي كانت تدير أوضاع قطاع غزة، فارتفعت نسبة البطالة، وتفشت مظاهر اجتماعية ومسلكية سيئة، وأخيراً قامت الحكومة الفلسطينية في رام الله بحسم نسبة 30% من رواتب العاملين على ملاكها، وباشرت في تنفيذ قرارها الإداري في نفس الشهر الذي اعتمدت فيه القرار، دون مقدماتٍ أو تحذيراتٍ مسبقةٍ، كما تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومن وقتٍ لآخر بتجميد مستحقات السلطة الفلسطينية من عوائد الضرائب، وتهدد باقتطاع المبالغ التي تحولها السلطة إلى عوائل الشهداء وأسر الأسرى والمعتقلين، وهذا من شأنه أن يعمق الأزمة ويضاعف من حدتها.
 
تدرك سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذه الحقيقة وتعرف تفاصيلها وأبعادها ونتائجها الخطيرة، ويؤكدها الجنرال درور شالوم رئيس لواء الأبحاث في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الذي يقول "إن إمكانية التصعيد العسكري في غزة تزداد يوماً بعد يومٍ بالتزامن مع ما يعانيه القطاع من ضائقةٍ اقتصاديةٍ"، وهو وغيره كثير ينصحون حكومتهم بضرورة التخفيف عن سكان قطاع غزة، للحيلولة دون نشوبٍ حربٍ قد يكون فيها الفلسطيني يائسٌ، فيضطر إلى خوض معركةٍ يستميت فيها ويستبسل، حيث يسعى من خلالها لاستلاب الحياة من بين أنياب الاحتلال، ولهذا فإن بعض التسهيلات التي تقدمها الحكومة والجيش من شأنها التقليل من احتمالات نشوء حربٍ على هذه القاعدة، ووفق هذه الاحتمالات.
 
غريبٌ ما تطرحه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من الأسباب الموجبة للحرب أو المسببة لها، فهي تعلم أن هذه الأوضاع المزرية والبئيسة هي التي ستقود إلى حربٍ جديدةٍ، وهي التي تدفع الفلسطينيين للبحث عن سبل كسر الحصار والانفتاح على العالم، ومع ذلك فهي تمعن في ضبط الحصار، وتبالغ في تنفيذه، وتبتدع قوانين جديدة من شأنها إحكام الخناق وتشديد الحصار على المواطنين، والامتناع عن تقديم أي تسهيلاتٍ من الممكن أن تنفس من حالة الاحتقان العامة، أو أن تخلق أجواءً إيجابية تشغل المواطنين في أعمالهم ووظائفهم، بل تتعمد خنقهم لينفجروا، وتبالغ في الضغط عليهم ليثوروا، وتستفزهم ليردوا، وتنتهك حقوقهم لتستجر ردة فعلهم، فهل يحزنها حالنا وتبكيها أوضاعنا، أم أنها فقط تبرر حربها علينا وتشرح أسبابها وتبين دوافعها.
 
بيروت في 12/4/2017
 
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
 
moustafa.leddawi@gmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/04/12



كتابة تعليق لموضوع : ضائقة غزة الاقتصادية وصفة حربٍ أم نخوة غوثٍ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net