صفحة الكاتب : الشيخ جميل مانع البزوني

العمل السياسي في منظور المرجعية الدينية
الشيخ جميل مانع البزوني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

محاور البحث:

 

المقدمة

المبحث الاول :مفهوم السياسة

المبحث الثاني: اشكالات تدخل المرجعية في العمل السياسي

المبحث الثالث: موقف المرجعية من الاحداث السياسية

 

خلاصة البحث :

 

 

 

المقدمة

تعد المرجعية الدينية عند الشيعة في زمن غيبة الامام المعصوم اهم معقل من معاقل تحصين الامة ؛ لان الشيعة في الوقت الذي يرجعون اليها في معرفة الوظيفة الشرعية في القضايا الفرعية ,نجد ان الامة عند مواجهة التحديات تفعل الشيء نفسه .

     وفي الوقت الذي كان فيه بعض الناس يساوم الاخرين عندما يوضع في موضع الضغط والتهديد , راينا كيف ان المرجع الشيعي كان يكتب اروع الصور المشرفة في مثل هذه المواقف, ؛ ولعل هذا هو السبب وراء تسابق ابناء الامة الى المرجعية عند تقلب الاحوال ...

      وكان الهم الذي يشغل السلطة السياسية في مختلف العصور هو كيفية توظيف موقف المرجع في خدمة المصالح التي تعمل من اجلها, وكانت الاساليب المستخدمة في ذلك تدور بين اساليب الترغيب تارة والترهيب تارة اخرى, ولم يكنموقف المرجعية المبدئي من هذه الاساليب يختلف من زمن لآخر, بالرغم من انه احيانا قد يصل الى التصفية الجسدية او التضييق والاعتقال على اقل تقدير.

ان خطورة المهمة التي تكفلت بها المرجعية كانت تستوجب موقفا مضحيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ؛وذلك بسبب الارتباط الواضح بين الحفاظ على مصير التشيع وبين موقف المرجعية الثابت في مثل تلك الظروف الحرجة, واختارت المرجعية اساليب متعددة لإبقاء دورها المصيري مؤثرا حتى في احلك الاوقات واصعبها .

    وفي هذا البحث بدأ الحديث حول المقصود من السياسة كمفهوم,وما وقع في بيانها من كلام بين مختلف الاقلام والتوجهات, وما هو المنظور الاسلامي في هذه القضية , وهذا ما تكفل به المبحث الاول .

    واما المبحث الثاني فقد تعرضنا فيه الى ما ذكره بعضهم من اشكالات ضد التدخل المرجعي في السياسة , سواء كانت تلك الاعتراضات التي رسمت خطوطها بعض الاحزاب اليسارية , ومن منطلق فكري مخاصم , انتهاء بسوء استخدام المفاهيم , ومحاولة تفسير المواقف بطريقة غير واقعية حتى من قبل بعض المحسوبين على الخط والمذهب ...

   واما المبحث الثالث فقد تعرضنا فيه لموقف المرجعية من الحدث السياسي, وما تتخذه من موقف في حالة التطورات السياسية المفاجئة وغيرها, وما هي الالية التي تستند اليها المرجعية في التصدي ...  

وفي الختام سنقف على النتائج التي توصل لها البحث, وهي بطبيعة الحال تمثل قراءة متأنية في الاحداث التي وقعت, ونظرة فاحصة من قبل كاتبها لمختلف الاوضاع والمواقف ,وليس بالضرورة تكون ممثلا للموقف العام للمرجعية الدينية.

المبحث الاول : مفهوم السياسة :

اصبحت كلمة السياسة في الوقت الراهن من اكثر الكلمات ضياعا بين التوجهات والتفسيرات المختلفة, ومثل هذا الامر يبدو طبيعيا بسبب اختلاف الاسس الفكرية التي تعتمد عليها المدارس الفكرية , كما انه قد يحصل احيانا ان يبدو الفهم الذي يحمله البعض حاكما على المعنى الدقيق للكلمة, كما يحصل كثيرا عند الاشخاص الذي يعتمدون في الفهم على السماع من الافهام العامة, وهي عادة متأثرةبالأوضاع السائدة فتفسر بسببها الكلمات تفسيرا لا يمت الى الحقيقة بصلة ...

     ومثل هذا الامر مع الاسف الشديد يبدو واضحا في كلام بعض المتطفلين على الحديث السياسي وتحديد المفاهيم ؛ فتراه محسوبا على مدرسة فكرية وعندما يتحدث تراه يغرد بعيدا عن مدرسته الاصلية ويتحدث باسم مدرسة اخرى[1].

ومن الواضح جدا وقوع حالة الاختلاف في المعنى التي تدل عليه الكلمة وان كانت تمثل عنصرا مشتركا بين المدارس المختلفةخاصة تلك المدارس التي تحمل ارثا تاريخيا في العداء على مستوى السلطة ؛ فان العداء على ذلك المستوى يكشف عن عمق الخلاف الواقع في المفاهيم من الناحية العملية , ويكون طريقا لكشف المستور من الاهداف ؛ فقد اثبتت الوقائع والتجارب السياسية ان الحديث عن السلطة من خارج السلطة يعني شيئا عند المتحدثين في الشأن السياسي , وهو نفسه يعني شيئا آخر عند الحديث من داخل اسوار السلطة والحكم ...

    وعند الرجوع الى الاصل اللغوي[2] قد يكون الامر سهلا كما يقال, الا ان اسباب الاختلاف تبدو واضحة في مرحلة تحديد معنى الكلمة في المدارس المختلفة في الجانب العملي .

  وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ان السياسة في الاصل اللغوي[3] لا تخرج عن المعنى الذي اشرت اليه, ولكنها في المعنى الاصلاحي لها اكثر من معنى :

منها: ما قاله صاحب الكليات وغيره من ان السياسة : (هِيَ اسْتِصْلاَحُ الْخَلْقِ بِإِرْشَادِهِمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُنَجِّي فِي الْعَاجِل والآجل وتدبير أُمُورِهِمْ)[4].

وَقَالالْبُجَيْرِمِيُّ : (السِّيَاسَةُ : إِصْلاَحُ أمور الرعية،وَتَدْبِيرُ أُمُورِهِمْ)[5]وَقَدْأَطْلَقَ الْعُلَمَاءُعَلَى السِّيَاسَةِاسْمَ : " الأْحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ "[6]أَوِ " السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ "[7]،أَوِ " السِّيَاسَةُ الْمَدَنِيَّةُ "[8] .

وورد في الموسوعة ايضا (وَلَمَّا كَانَتِ السِّيَاسَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَسَاسَ الْحُكْمِ، لِذَلِكَ سُمِّيَتْ أَفْعَال رُؤَسَاء الدُّوَل، وما يتصل بِالسُّلْطَةِ " سِيَاسَةٌ " وَقِيل بِأَنَّ الإْمَامَةَ الْكُبْرَى - رئاسة الدولة - " مَوْضُوعَةٌ لخِلاَفَةِ النُّبُوَّة ِفِي حِرَاسَةِالدِّينِ وَسِيَاسَةِالدُّنْيَا)[9].

وقد تطلق السياسة بالمعنى الذي ( يَتَّصِل بِالْعُقُوبَةِ، وَهُوَأَنَّ السِّيَاسَةَ : (فعل شيءمِنَ الْحَاكِم لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا،وَإِنْ لَم يَرِدْ بِذَلِكَ الْفِعْل دَلِيلٌ جُزْئِيٌّ)[10] , وهذا المعنى الاخير هو الراي الذي يأخذ به الجمهور ويسمحون للحاكم بتجاوز الحدود بحجة المصلحة , مع ان الامر قد يتعلق احيانا بالدماء والاعراض.

ومن هنا فالكلمة في الوقت الذي تبدو غريبة في بعض الاحيان عن الفكر الاسلامي وتوجهاته في اقامة العدل؛ الا ان هناك جانبا مشتركا متعلقا بالجذر اللغوي للكلمة وهو المعنى الاصلي للكلمة, ألا وهو قيادة الامة من دون الدخول في آلية تلك القيادة, ولا في سبيل الوصول الى تلك الغاية .

فقد وردت هذه الكلمة في كلمات الفلاسفة,كما وردت في كلمات منظري السياسة في المنظور الوضعي والديني .

        منها ما ذكره الاستاذ الدكتور بدوي ثروت من ان الفيلسوف اليوناني سقراط يعرف السياسة بانها (فن الحكم , والسياسي هو الذي يعرف فن الحكم)[11].

       وعرفها افلاطون بانها (فن تربية الفرد في حياة جماعية مشتركة , وهي عناية بشؤون الجماعة , او فن حكم الافراد برضاهم , والسياسي هو الذي يعرف هذا الفن)[12] .

      ويعرفها الدكتور حسن صعب بان السياسة : (فن المساومة والتسوية ولا تعرف حضارة نشأت وازدهرت الا في ظل الحكمة السياسية )[13] .

       كما عرفها منظر السياسة الايطالي نيقولاميكيا فيلي بانها (فن الابقاء على السلطة وتوحيدها في قبضة الحكام بصرف النظر عن الوسيلة التي تحقق بها)[14] .

        ويبدو من كلام ميكيافيللي ان هذا الرجل كان حريصا على ابداء النصيحة للحكام للحفاظ على سلطتهم على الرعية بدون النظر الى الجوانب الانسانية التي تحكم العلاقات الاجتماعية , ومنها الحكم باعتباره عقدا اجتماعيا بين الحاكم والمحكوم ؛ولذلك كان مبدأ الغاية تبرر الوسيلة من اهم مبادئ الفكر السياسي عند هذا المنظر, وقد حظي كتابه (الامير) بعناية كبيرة من قبل الحكام الظلمة ؛ لأنه يؤسس لكيفية القضاء على الخصوم وبشتى الطرق الممكنة من غير ملاحظة اي جانب انساني .

        ولا شك في وجود فوارق واضحة في هذه التعاريف المذكور كنتيجة طبيعية للاختلاف في الرؤى الفكرية والفلسفة التي ينطلق منها المفكر والمنظر السياسي, وقد يكون الفهم العام للحياة , او التاريخ , او المنظومة الخلقية , والتجارب المتنوعة في الحياة قد دفعت البعض الى تحديد السياسة بالطريقة التي تتلاءم مع توجهه وفهمه للحياة ...

      وهذا النحو من الطرح في مقام بيان السياسة كمصطلح, اشار اليه المفكرون من ذوي التوجهات المختلفة يختلف عن الطرح السابق , والذي اشارت الى بعض جوانبه الموسوعة الفقهية.

فالسياسة في التصور والمنظور الاسلامي لها عناية خاصة بجوانب غير موجودة في التعاريف التي اشرنا اليها ؛ لان السياسة الاسلامية مرتبطة ارتباطا واضحا بمنظومة الاسلام الخلقية , والتي تقوم على اساس تربية الفرد والمجتمع , وذلك انطلاقا من كون السياسة عبارة عن الاحكام الاسلامية , وهي عبارة عن الاوامر والنواهي الالهية , وهي صيغ خطابية بين الله وعباده , تشير بوضوح الى كون الانسان المخاطب مسؤولا امام السماء عن امتثال هذه القضايا , على مستوى الانقياد في جانب الفعل , او الترك , والذي سيؤدي في نهاية الامر , الى ان تسود العدالة الاجتماعية بين افراد المجتمع , وهذا امر تطمح له الانسانية قبل ان يطمح اليه الانسان المكلف المخاطب بالأوامر والنواهي.

ومن خلال النظر في جملة من التعابير الواردة في بيان المقصود من السياسة , وما تضمنته النصوص الشرعية من بيان عمل الحاكم وتنظيم علاقته بالرعية والاهتمام بالمصالح العامة , يبدو واضحا لنا مقدار الارتباط بين معنى السياسة وبين الاصل اللغوي لها .

ويمكن القول ان هذه الكلمة اصبحت تعني بوضوح كل عمل يمكن ان يتعلق بتدبير شؤون الناس على مستوى الاقتصاد , او التعليم , او الاجتماع وغيرها من الجوانب المرتبطة برعاية مصالح الامة .

      وبناء على ما اشار اليه السيد الخوئي (قد) بقوله (ان القران باستخدامه الاسلوب المعتدل وامره بالعدالة والاستقامة, جمع بين نظام الدنيا والأخرة,وقد تضمن ما هو صالح للدنيا ,وما به السعادة للآخرة)وقال ايضا (لقد تناول القران مسائل متنوعة , وقام بتبيينها على نمط يتناسب مع كل مورد من المعرفة...ففيه بحث حول معرفة الله والانبياء , وقواعد الاحكام والسياسة المدنية ونظام المجتمع والاخلاق)[15], يبدو واضحا من حديثه المتقدم ان العلاقة بين الدين والسياسة ذات استمراريةوغير قابلة للانقطاع . 

ومن خلال التأمل فيما افاده غالبية العلماء من المسلمين سيتبين لنا ان الفصل بين مفهوم الاسلام كدين , وبين مفهوم السياسة امر لا سبيل اليه ؛ والسبب ان الهدف النهائي من العمل في الحقل السياسي هو عبادة الله , وتحقيق العدل بين عباده في كافة الشؤون .

 

المبحث الثاني : اشكالات تدخل المرجعية في العمل السياسي:

توجد على مستوى المطالبة بالتدخل في الشأن السياسي مفارقة واضحة, ففي الوقت الذي يعد البعض عدم التدخل خللا في تعاطي المرجعية, يقول اخرون بان التدخل في نفسه ليس مقبولا من قبل المرجعية .

       وقصة هذه المعضلة ليست جديدة , فقد كانت لها جذور في تاريخ العراق الحديث منذ اوائل تشكيل الحكومة , وكان يقود هذا التوجه المعادي للتدخل بعض اصحاب التوجهات الليبرالية والاحزاب القومية والعلمانية .

      ومن اجل الوصول الى هذه الغاية كان المجال مفتوحا امامهم للتضييق على التحرك المرجعي الممنوع بحسب رايهم , وقد تمثلت تلك الموانع المصطنعة في عدة امور :

منها: ان المرجعية جهة لها جنبة روحية مقدسة, والتدخل في الشأن السياسي امر يدنس هذه القداسة , ومن اجل الابقاء على تلك الصفة يجب ان تنأى المرجعية بنفسها عن السياسة , والعمل السياسي بكل تفاصيله حتى على مستوى الاستشارة والنصح الابويين .

ومنها : ان القيادة السياسية تحتاج الى توفر مواصفات خاصة , ومن الواضح ان المرجعية لا تحمل الصفات المذكورة التي تؤهلها للقيام بذلك  الدور , وان من مهام قيادة المجتمع في الجانب السياسي الريادة على الجانب العلمي , والمواكبة لمقتضيات العصر , وصفات المرجعية اقرب الى الامية والجهل منها الى العصرنة والتقدم .

   وبقي الدعاة لمثل هذه الافكار وغيرهايمارسون النيل من مقام المرجعية لمدة قرن من الزمان بمثل هذه الترهات الواهية ...وخلال هذه المدة الطويلة لم يقوموا بتقديم دليل واحد على ذلك سوى هذه الامور التيتشبه السم المخلوط بالعسل  .

   وكان من المناسب ان يعتبر هؤلاء تدخل المرجعية فعلا من الافعال المحكومة بقانون الحق الانساني الذي لا يميز بين تدخل المرجع في العمل السياسي وبين تدخل أي حزب من تلك الاحزاب , ولكنهم لم يلتزموا حتى بهذا المقدار من التحرك المكفول بموجب القانون الدولي .

      ومن الواضح ان تاريخ المرجعية مع هذه الاحزاب وغيرها ليس شيئا جديدا , كما انه ليس جديدا على المؤمنين التعرض لمثل هذه التهم والافتراءات, فان التاريخ كان ولا يزال زاخرا بمثل هذه الاوضاع التي ما انفك المؤمنون يعانون منها .

    وقد اشار بعض الكتاب[16] الى وجود مثل هذه التجاوزات على علماء الدين في التاريخ الحديث للدولة العراقية ؛ لان العلاقة التي كانت تربط المثقفين وعلماء الدين في احسن حالاتها ؛ بسبب التأثير الكبير لعلماء الدين على الساحة الاجتماعية, وهذا الرضوخ والتقارب من قبل المثقفين ليس الهدف منه اعطاء العلماء حقهم بل الهدف الوصول الى قلوب الجماهير والعلماء هم اقرب من يؤثر على تلك القلوب ...

        ويعزى السبب في ظهور الخلاف بينهما الى الاختلاف حول جدوى الصراع مع الحكم القائم, ففي الوقت الذي كان المثقفون يرون ان المسالة قد انتهت بقيام الدولة الحديثة , أصر العلماء على الابقاء على عنصر الصراع مع السلطة الى امد آخر .

      وقد شكل مطالبتهم للعلماء بالكف عن الصراع مع السلطة او الاعتراض على الاليات سببا مانعا من استمرار الود بين المثقفين الراغبين في العمل السياسي , وبين العلماء المهتمين بإيصال الامة الى ما فيه مصلحتها ...

      وقد حاول[17] بعض الدارسين للظاهرة ان يؤكدوا على الفرق الكبير بين المتصارعين, من خلال عملية  اظهار العلماء دائما بشكل التابع المطلق للغير , سواء كان ذلك صراحة , او من خلال الاشارة والرمز , كما ان التعبيرات التي استخدمت في التعبير عن العلماء كشفت عن عمق الايغال في التقليل من قيمتهم, وكان اظهارهم على انهم يعتمدون في معرفة الاخبار على الطرف الثاني, من خلال اطلاعه المباشر على الصحف يكشف عن تلك التهمة التي الصقها البعض بالمرجعية الدينية , من ناحية وصفها بعدم التأهل للقيام بالتدخل في عمل يحتاج الى مؤهلات لا تتوفر عليها المرجعية الدينية.

كما ان النتيجة التي افرزتها قضية الاختلاف في ترك التصدي للصراع مع السلطة بين الطرفين هي الحادثة الشهيرة في تسفير عدد من العلماء الكبار الى خارج البلاد بحجج مختلفة , وقد ساهم طول الفترة التي قضاها اولئك العلماء في الخارج في ايجاد نظرة خاطئة, مفادها ان الابتعاد عن العمل السياسي من قبل العلماء هو امر طبيعي جدا بل هو المناسب لمكانة العالم في المجتمع .

   ولعل التخطيط لم يكن غائبا عن ذهن السلطة الحاكمة فقد كان ثمن الرجوع الى العراق هو التعهد بعدم التدخل في العمل السياسي بالنسبة للعلماء الذين عادوا من الخارج ..

    وكان طول الفترة التي قضاها العلماء بعيدا عن العمل السياسي قد ساهم بصورة واضحة في ايجاد تصور خاطئ عن ان العالم الديني ليس له شان بالعمل السياسي, خصوصا مع ملاحظة ان التصرف الذي يصدر من العلماء الكبار يشكل عنصرا عمليا في تعريف المكلف بالوظيفة الشرعية , وبيان راي الاسلام في هذه القضية ؛ فاذا ابتعد عن العمل كشف ذلك عن الوظيفة بصورة عملية.

       وكان دور العلماء الذين يأتون بالدرجة الثانية ممن لم يترك التصدي السياسي مهما جدا في المعارضة العملية لتلك النظرة السلبية لدور علماء الدين في قضية الاهتمام بالشأن العام للامة .

  ولعل تلك الجوانب التي اعتمد عليها المعارضون لتدخل المرجعية في الشأن السياسي اصبحت قليلة التأثير خاصة بعد تشكيل دولة اسلامية على يد ثلة من العلماء العاملين , ومن الواضح ان التطبيق العملي للأفكار يجعل الانسان يقطع شوطا كبيرا في طريق القناعة بالمشروع القائم .

      وكانت الفترة التي اعقبت سقوط نظام البعث في سنة 2003م جعلت الامة المظلومة تواجه خطرا حقيقيا في تحديد وظيفتها الشرعية في مثل هذا الظرف الراهن , وقد تصدت المرجعية لبيان تلك الوظائف من خلال تعدد مستوى الانفتاح على القضايا المصيرية , والانفراج في الجانب الامني بالنسبة لعلماء الدين ...

    وبالرغم من وجود ما يعتبر امرا ايجابيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى , وهو الانفراج في جانب التحرك التبليغي والدعوي بالنسبة الى مؤسسات الحوزة  , الا ان ذلك لم يكن خاليا من وجود معترضين على التوجهات التي اختطتها المرجعية ازاء مختلف القضايا المطروحة في الساحة على مستوى الشأن العام في ادارة الدولة , او على مستوى تنظيم الجاب الحقوقي .

     وربما تعد مسالة رفض المرجعية لمبدا التعيين من قبل القائمين على الشأن السياسي في كل المحافل , والمطالبة بالانتخابات من اهم عناصر التدخل المرجعي في العمل السياسي في تلك الفترة , وقد جر هذا الموقف البعض الى التشكيك في مشروعية مثل هذه التوجهات بسبب ما حظي به من تأييد من اهم معاقل القرار السياسي في العالم وهو الامم المتحدة .

    وكان المعارض للتدخل المذكور لا يخلو من ان يكون احد شخصين , الاول الجاهل بوظيفة المرجعية في مثل هذه الظروف لتقصيره في معرفة تفاصيل هذه المسالة الفقهية , والثاني من استاء من المرجعية بسبب اخذها لزمام المبادرة في القرارات المصيرية من يد الحاكم الفعلي , بالرغم من عدم وجود تصدي بالمعنى السياسي الصريح في الساحة .

      واراد البعض ان لا يقف عند حدود المعترض الجاهل , بل انساق وراء التوهمات واخذ يكيل الاتهامات للمرجعية الدينية ؛ نتيجة لموقف المرجعية الحازم في القضايا العامة , وما تبعه من رد الفعل والقبول من المنظمة الدولية لتلك المطالبات والتي الزمتهم بالقبول والانصياع ؛ مخافة التهديد بسحب بساط المبادرة من يد القائمين وارجاعها الى صاحب الحق الشرعي في ذلك وهي الامة.

   وكانت التهمة التفصيلية قائمة على اساس ان المطالب بالسعي نحو اقامة نظام انتخابي واجراء الانتخابات في البلد هي منظمة تابعة للدولة المحتلة , وبالتالي لا يمكن ان تكون هذه المطالبة في مصلحة الشعب العراق ؛ لان مصلحة امريكا مقدمة على مصلحة الشعب العراقي في نظر هذه المنظمة .

يضاف الى ذلك التهمة الاخرى التي تتضمن ايضا اتهام المرجعية بعدم الالتزام بالشرع الاسلامي في قضية الانتخابات وعدم التدخل في تحديد الية ونظام الحكم ؛ اعتمادا على الفوران الشعبي في الساحة بعد سقوط النظام ...

مع ان الفهم الصحيح لموقف المرجعية من العملية الانتخابية لم يستند الى امر مخالف للشرع كما يروج له البعض , وحاولوا ان يجدوا لهم موضع قدم للنيل من المرجعية الدينية بعد النجاح المتواصل للمرجعية في الحفاظ على ثوابت المطالبة الشعبية بحقوق  الشعب العراقي.

     وكان طلب السيد السيستاني مثلا من الامم المتحدة للوقوف الى جنب الشعب العراقي في محنته الحالية في قضية اجراء الانتخابات , يهدف الى الوقوف في وجه مخططات الرغبة في تعيين بعد الاشخاص والجهات من اجل تمرير الوضع القانوني للاحتلال وتثبيته مستقبلا عن طريق اختيار ممثلين عن الشعب العراقي ؛ لإقرار تلك الاهداف الاستعمارية , ولم يكن الهدف من ذلك اقرار القوانين التي تستند اليها تلك المنظمات الدولية في ظلم الشعوب او المطالبة بتطبيقها في العراق بلا مراعاة لوضعه الخاص , وهذا الامر تبين لاحقا من خلال تغير الوضع السياسي ؛ بسبب اجراء الانتخابات وارتفاع سقف المطالبة الشعبية من خلال ضمان حقوق الشعب العراقي في الدستور الذي كان يخطط لكتابته بأيد امريكية , او متعاونة مع الامريكان ...

       وكان الاستقرار السياسي احد الاهداف القريبة التي عملت المرجعية من اجل التوصل اليها في المطالبات المختلفة لها مع الامم المتحدة , كما ان نتيجة التغيير والفسحة التي حصلت لهذا الشعب كادت ان تذهب ادراج الرياح لو لم يستقر الوضع السياسي في تلك الفترة الحرجة في تاريخ العراق الحديث.

      يضاف الى ان الوضع الذي خرج به الشعب العراقي من تلك الحقبة الظالمة لم يكن ليؤهله للقيام بعمل مقاوم على مستوى واسع  ,كما ان الاحزاب التي ارتفعت اصواتها في الساحة العراقية لم تكن موحدةبالصورة التي تجعل الجميع يوافق على اطروحة واحدة .

        ومن المهم القول على ان الاحتلال لم يكن يفكر في الخروج من العراق ما دام يجد ان الوضع القانوني للمؤسسات الحكومية ليس صحيحا , وكانت الانتخابات التي طالبت المرجعية بها قد عجلت بخروج الحاكم الامريكي ؛ لأنه كان يستند الى عدم مشروعية المؤسسات الحكومية التنفيذية والتشريعية , وبعد الانتخابات لم يبق لهذا العذر اثر ولا عين , فغادر وهو يتحسر من تدخل المرجعية في بعض المفاصل التي كان يؤمل ان تبقى تابعة لهم الى امد غير قريب...

    وكانت الانتخابات حجر الاساس في بناء الدولة والمؤسسات الحكومية وهكذا كان بالفعل ؛ فان العراق بالرغم من كل ما يعانيه من مأساة على مستوى الجانب الاجتماعي , الا انه يعد الان في مقدمة الدول التي تحظى بقدر كبير من الممارسة الديمقراطية , بل ان الامر احيانا يصل الى حد الفوضى في المطالبة بالحقوق المشروعة وغير المشروعة .

     ومن الجدير بالذكر اننا نتعجب من الذين وقفوا يوما ضد التدخل في الشأن السياسي من قبل المرجعية الدينية خصوصا المرتبطين بالسلطة ؛ لأننا نجد كثيرا ما يتدخل هؤلاء الاشخاص انفسهم في الشأن الديني ؛ بالرغم من انهم مصنفون على الفكر العلماني او الليبرالي وربما بطريقة غير مسبوقة اطلاقا , فان بعض العلمانيين اقترحوا ان تضاف مادة الى الدستور تمنع من تدخل الدين في السياسة مع انهم من المفروض ان يطالبوا بسن مادة قانونية تمنع من تدخل الحكومة في شؤون الدين , وقد يكون الخوف من التدخل الحكومي هو السبب الموجب لسن مثل هذا القانون المانع , وتاريخ المرجعية حافل بدعاوى السلام والوئام وغير خاف على احد ان المطالبين بسد الباب امام تدخل المرجعية في الشأن السياسي في هذه الايام انما هم اتباع الفكر اليساري المهزوم , او الفكر القومي الفاشل , او من المتأثرينبأفكار الفكر التكفيري والسبب واضح لان اكثر هذه التوجهات لها من يرعاها في الدول القريبة ولذلك فهي خائفة من مستقبل العراق الذي سيشرق بنوره على الدول المجاورة , وبوادر هذا الامر نبتت في نفس الدول العاملة ضد العراق , بل اينعت في بعض المواطن , ولا زالت في المواطن الاخرى تحت الرماد.

       وقد اشار احد الكتاب العراقيين الى هذه المسالة بالذات فقال (تقول القاعدة العامة بان الساحة لا يمكن ان تعيش فراغا قياديا , او ارشاديا , فاذا لم يتدخل العاقل ليصلح الامور , ويأخذبأيدي الناس الى ما فيه صلاحهم وخير البلاد , فسيبادر الاحمق لملء الفراغ , فإيهما اكثر منفعة للعراق والعراقيين يا ترى؟)

        واضاف ايضا : ( وان دور السيستاني الايجابي والنزيه نابع من انه ليس له مصلحة مباشرة , لا في نتائج الانتخابات , ولا في تشكيل اية حكومة ؛ ولذلك نراه قال اكثر من مرة : بانه ليس المهم عنده من يكون الرئيس , او الزعيم ؛ انما المهم عنده ان يأتي عن طريق صندوق الاقتراع ينتخبه الناس ؛ لأنه يعبر عن ارادتهم بشكل حقيقي وواقعي وليس بطريقة مزيفة كما يفعل الطغاة...

اليس من مصلحة العراق والعراقيين ان يتدخل رجل كالسيستاني العاقل والحكيم , وذو النظرة الاستراتيجية البعيدة في الشأن السياسي العام على ان يتدخل غيره من الحمقى ,والمستعجلين والساذجين والمغفلين ممن يشكلون بتدخلهم خطرا كبيرا على البلاد؟)[18]

 

 

 

 

المبحث الثالث: موقف المرجعية من الاحداث السياسية:

           ان الدور الذي قامت به المرجعية في تاريخ البلدان الاسلامية كان حافلا دوما بمظاهر الوئام والتوحد من اجل المصلحة العامة , وكانت دوما المدافع الاول عن مبادئ الاخلاق والعدالة في المجتمع الاسلامي , بالرغم من وجود الاختلافات الكبيرة في كثير من مفاصل الفكر الذي يحمله هذا المرجع او ذاك .

       ومن اهم القضايا المصيرية في حياة الانسان عندما يكون في كنف دولة ان يضمن الحقوق الدستورية له ولأبنائه من بعده, كما ينبغي ضمان تطبيقها في الواقع , ولما كانت المرجعية الدينية هي ملجا الامة للدفاع عن الحقوق في وقت المحن والازمات , حاولت دائما ان تكون القوانين المكتوبة مراعية للوضع العام في البلد وبمكوناته المختلفة .

        ولم تكن الحكومات القائمة في البلد تراعي تلك المكونات وما تستحقه من تمثيل , بل كانت تعمد الى سياسة تسليط الاقلية على الاكثرية , من اجل ضمان عدم انفراط التحالف القائم بين الطرفين (السلطة والاقلية ) بسبب التخويف الدائم من الاكثرية المضطهدة .

      وكانت الاكثرية الشيعية في العهدين الملكي والجمهوري محرومة وبصورة متعمدة من الوصول الى مناصب مهمة في قيادة البلد , والمرجعية لم تتوقف يوما عن المطالبة بالمساواة في معاملة المواطنين , وكان الثمن الذي دفعته المرجعية مقابل هذه المطالبات باهضا جدا , فمن النفي الى التهجير ومن القتل الى التضييق , وكان السيد الحكيم والسيد الخوئي من اكثر المراجع تعرضا للمضايقة ؛ بحكم طول فترة المرجعية من جهة , وتغير الاوضاع السياسية في زمانهما من جهة اخرى .

      ففي الوقت الذي وجهت فيه الكتب الى القائمين على السلطة من اجل تصحيح المسار السياسي في التمثيل العادل ومراعاة حقوق الاقليات والمكونات المختلفة كانت تمر المرجعية بين فترة واخرى بسكوت؛ سببه الهجمة الشرسة عليها من قبل الحكام الظلمة ...

      وقد حاولت الحكومة تجاوز الحد الى درجة افقاد الحوزة العلمية من بعض الموارد المالية ؛ من قبيل ريع الاوقاف[19] التي يعود مصرف الانفاق فيها على المدارس الدينية , وقد كان ربط الاوقاف الشيعية بدوائر الدولة التي تعمل من اجل ترسيخ الحكم بشتى الوسائل من اكثر مظاهر الاجحاف بحق الاكثرية الشيعية في العراق , ولم تجد المطالبات العقلانية بجعل الجميع في حالة مساواة امام القانون .

        ولا زالت اثار هذه القوانين سنة سيئة متبعة الى يومنا هذا على مستوى ارجاع مسؤولية بعض الاوقاف الشيعية الى غير الشيعة , مع ان الامر لا يجري مع الاخرين , ولا ندري كما يحتاج العراق من زمن حتى يصبح اقامة العدل في مثل هذه القضية الواضحة مقبولا من قبل القائمين على الشأن الديني عند غير الشيعة ؟؟؟؟.

        ولم يكن العهد العثماني بعيدا عن مثل هذه القوانين الظالمة , بل ان بعض المظالم بدأت من قبلهم واستمرت بعدهم بالرغم من مطالبة المظلومين بتصحيح تلك الاوضاع , وكان الثمن المدفوع من اجل تلبية هذه المطالب كبيرا وكانت طريقة تصفية الرموز الدينية هي المتبعة من قبل الحكومة , خصوصا عندما تشعر بان السكوت عنهم سيؤدي الى زلزلة الارض تحت اقدامهم , وهذا ما حصل بالفعل فلم تستطع الحكومة السكوت على اعتراض العلماء على اوضاع البلد واسلوب الترهيب هي اللغة الوحيدة التي تفهمها هذه الحكومة بالرغم من ان تلك المطالبات كانت سلمية. 

       فقد كانت مطالبات العلماء في تلك الفترة ليست امورا تعجيزية ولكن الحكومة تعلم ان الاستجابة لها بمثابة دق مسمار السقوط في نعشها المتهالك .

       والغريب ان بعض تلك المطالب هي امور عادية في بلدان مثل بريطانيا ومع ذلك لم تستجب الحكومة البريطانية لأمور تعد عندهم طبيعية جدا ؛ والسبب واضح للعيان من حيث ان القوم كانوا يخططون لإرساء حكومة تابعة لهم , ولن يتم هذا الا من خلال تغييب جميع المعارضين عن الساحة , واول المعارضين كان المراجع الذين افتوا بتحريم المشاركة بالانتخابات وبالتالي تم التعامل معهم بما يوقف تأثيرهم من خلال التهجير والنفي الى خارج العراق بحجج واهية , منها عدم كونهم من مواطني هذا البلد , وهي نفس الحجة التي استند اليها نظام البعث للخلاص من بعض الضغوط في فترة السبعينات والثمانيات...

     وما اشبه اليوم بالبارحة , فقد حاول البعض ان يعود الى نفس التهمة السابقة عندما حاول ان يشكك في امكانية التدخل المرجعي في الشأن السياسي بنفس الحجة السابقة!!!؛, ولكن الله تعالى من على هذا الشعب بحلول لم تكن تدور في اذهان الغافلين من خلال حصول البعض من المراجع على الجنسية العراقية واصبحت هذه الحجة الواهية معها اثرا بعد عين ...

 

 

خلاصة البحث :

ان السياسة كمفهوم اصبح من اكثر المفاهيم التصاقا بأذهان الشعب العربي المسلم وهي نتيجة طبيعية للوضع المتأزم الذي تعيشه الشعوب .

     ومع ان التعاريف التي طرحت للسياسة قد اثرت فيها التوجهات المختلفة للمفكرين من المدارس المتنوعة الا ان المعنى الذي تختاره المدرسة الاسلامية قريب جدا من المعنى اللغوي الذي اشرنا الى بعض نصوصه .

    وخلصنا الى ان البعض من المنظرين كانت اهدافهم من طرح مفهوم السياسة غير مشروعة ؛ باعتبار ان السياسة في الاسلام تحمل جانبا روحيا يهدف الى تربية الانسان وفق المراد الالهي , والسبب كما اشرت في البحث لان السياسة عندنا تمثل الاوامر والنواهي الالهية , وهي بالتالي تمثل الطاعة لله واقامة العدل بين الناس .

    وانتهينا الى ان الهدف النبيل من المفهوم الاسلامي للسياسة يكمن في الرغبة في اقامة العدل بين الناس ؛ لأنها تمثل الطريق الى ذلك على خلاف ما يراه البعض من المنظرين من قبيل ميكيافيللي والذي يرى ان مهمته تنحصر في كيفية الحفاظ على السلطة في يد الحاكم , وان كان ظالما وبشتى الطرق المتاحة , وقد مثل كتابه الامير نموذجا صارخا لهذا التوجه .

هذا ماتم ذكره في المبحث الاول واشرنا في المبحث الثاني الى الاشكالات التي وضعت في طريق المرجعية الدينية للحيلولة دون تدخلها في الشأن السياسي , وكانت تلك الوسائل منها ما هو قديم , وينحصر في تشويه السمعة او تزوير الهدف من الوجود , من قبيل ادعاء المحافظة على سمعتها من الدنس او عدم كونها مؤهلة للقيادة .

     واشرنا ايضا ان هؤلاء قد كانوا ولا زالوا يعيدون هذه الكلمات الواهية دون ان يكلفوا نفسهم اقامة الدليل على تلك التخرصات الواهية .

     وهم ايضا لم يحترموا المواثيق الدولية التي تسمح للمرجع وغيره في التدخل في الشؤون العامة للامة .

      كما  ان البعض من المخالفين لخط المرجعية قد حاولوا المنع بطريقة اخرى , وهي طريقة الاتهام المباشر لها بالخروج عن الخط الاسلامي من خلال اتهامها بالاستعانة بالقوانين المخالفة للدين والمطالبة بالأفعال التي تقرها بعض المنظمات الدولية , غفلة منهم عن الهدف من كل هذا وعن المستند الشرعي في المطالبة .

     يضاف الى ذلك عدم نسيان ما حظيت به المرجعية بعد التغيير من مكانة عالمية استحقت ان تكون الملجأ الاول والاخير للامة عندما تحصل الازمات والمحن .

   وفي المبحث الثالث تعرضنا الى ان المرجعية لم تكون يوما الا مدافعة عن حقوق الامة وقد قدمت في سبيل ذلك التضحيات الجسيمة , ففي الوقت الذي كانت فيه تطالب بالحقوق المشروعة للامة على مستوى القانون والدستور فان الحكومات المتعاقبة كانت تواجه هذا الامر بطريقة همجية وارهابية .

    واصبحت الامة على دراية بعد مرور عقد من الزمان ان المرجعية الدينية لن تقصر يوما في الدفاع عن الحقوق , كما انها لم تنظر يوما الى النتائج المترتبة على تلك المطالبات ؛ لأنها ليست طرفا في المعادلة الموجودة ولا مرتبطة بتلك الاطراف ولذلك تعددت المناشدات من الداخل والخارج من اجل تدخلها في الشأن السياسي وهذا ما حصل ويحصل بالفعل .

     واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مصادر البحث حسب الورود:

[1]- الموسوعة الفقهية الكويتية – وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية–الكويت عدد الأجزاء : 45 جزءا الطبعة : ( من 1404 - 1427 هـ)

2-الكليات - أبو البقاء تحقيق عدنان درويش، ومحمد المصري ط - وزارة الثقافة - دمشق 1974م،

3- وجامع الرموز شرح مختصر الوقاية،القهستاني ط محرم البوسنوي 1300 هـ،

4-حاشية ابن عابدين ط2 الحلبي - 1386 هـ - 1966م،

5- كشاف اصطلاحات الفنون - التهانوي. كلكته 1862م

6- البحر الرائق شرح كنز الدقائق – ابن نجيمط . العلمية - القاهرة 1311 هـ

7- طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهيةط . المثنى - بغداد 1113 هـ

8- التجريد لنفع العبيد حاشية البجيرمي ط . المكتبة الإسلامية - ديار بكر - تركيا.

9-دستور العلماء للقاضي عبد النبي بن عبد الرسول الاحمد نكري ط2 الاعلمي 1975.

10- اصول الفكر السياسي والنظريات والمذاهب السياسية الكبرى الدكتور بدوي ثروت ط1 مطبعة جامعة القاهرة 1976م.

11-قضايا علم السياسة – الدكتور محمد فايز عبدو سعيد مطبعة بيروت 1983م .

12- الامام الخوئي المرجع الشيعي الاكبر- مجلة الموسم الفصلية عدد خاص .

13-  لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث - الدكتور علي الوردي انتشارات مطبعة الحيدرية قم ايران 1999م.

14-  (هل يحق للسيستاني ان يتدخل في السياسة) الاستاذ نزار حيدر بحث منشور ضمن كتاب (الامام السيستاني امة في رجل) ط1 اعداد حسين الفاضلي منشورات مؤسسة البلاغ 2008م

15-عبد الكريم الازري – مشكلة الحكم في العراق لندن سنة 1991م .

 

 



[1]- نجد ذلك واضحا عند المحسوبين على مدرسة الامام علي والذي تمثل عنده السياسة معنى متناسبا مع الشرع الاسلامي ومع ذلك يتحدثون بمنهجية مخالفيه والذي تمثل عندهم السياسة الوصول الى السلطة وباي الوسائل وعلى طريقة المبدأ سيء الصيت الغاية تبرر الوسيلة.

[2]- اما المعجم الوسيط ص462 فقد جاء فيه (( ساس ) ... الناس سياسة تولى رياستهم و قيادتهم و الدواب راضها و أدبها و الأمور دبرها و قام بإصلاحها فهو سائس ) وفي لسان العرب للعلامة ابن منظور في مادة سوس جاء قوله (... ساسَ وسِيسَ عليه أَي أَمَرَ وأُمِرَ عليه وفي الحديث كان بنو إِسرائيل يَسُوسُهم أَنبياهم أَي تتولى أُمورَهم كما يفعل الأُمَراء والوُلاة بالرَّعِيَّة والسِّياسةُ القيامُ على الشيء بما يُصْلِحه والسياسةُ فعل السائس),وفي المصباح المنير للفيومي ص 295جاء قوله (و ( ساس ) زيد الأمر ( يسوسه ) ( سياسة ) دبره وقام بأمره) وورد قريبا من هذا المعنى او مطابقا له في الصحاح للجوهري ج3 ص938 , وفي معجم مقاييس اللغة ج3 ص119, وفي النهاية في غريب الحديث لابن الاثير ج2 ص412, وفي القاموس المحيط للفيروز ابادي ج2 ص233 وغيرها من مصادر اللغة .

[3]- الموسوعة الفقهية الكويتية ج25 ص294 .

[4]-الكليات - أبو البقاء 3 / 31 –تحقيق عدنان درويش ومحمدالمصري ط–وزارةالثقافة - دمشق 1974م،وجامع الرموزشرح مختصرالوقاية،القهستاني 2 / 290 ط محرم البوسنوي 1300 وحاشيةابن عابدين 4 / 15 ط2 الحلبي - 1386 هـ - 1966م،وكشاف اصطلاحات الفنون - التهانوي 1 / 644 - 665ط . كلكته 1862م

[5]-البحر الرائقشرحكنزالدقائق - ابننجيم 5 / 76 ط . العلمية - القاهرة 1311 هو طلبة الطلبة فيالاصطلاحاتالفقهية167ط.المثنى - بغداد 1113 هو التجريد لنفع العبيد حاشيةالبجيرمي 2 / 178 ط . المكتبة الإسلامية - ديار بكر - تركيا.والسياسة الشرعية–أو نظام الدولة الإسلامية14ط.السلفية - القاهرة 1350 والكليات 3 / 31،ودستورالعلماء 2 / 194 .

[6]- كما فعل ذلك الماوردي وابو يعلى كتابيهما الحاملين لنفس الاسم (الاحكام السلطانية).

[7]-كما فعل ذلك ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية في احكام الراعي والرعية .

[8]- كما ورد ذلك في تعريف صاحب الكليات ابي البقاء الكفوي  وصاحب جامع العلوم في اصطلاحات الفنون القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الاحمدنكَري ج3 ص194 حيث قال هناك في تعريف السياسة ويسمى السياسة المدنية ثم بين ان السبب ان هو حصول الامور المنسوبة الى البلدة بسبب السياسة.

[9]-الموسوعة الفقهية ج25 ص 294 نقلا عن كتاب نصيحةالملوك–الماوردي ص 51 –تحقيق خضرمحمدخضر ط– مكتبةالفلاح وكتاب دستور العلماءج2ص194.

[10]-البحرالرائق لابن نجيم ج5 ص11،وحاشيةابنعابدين ج4 ص15 , ومن المناسب الاطلاع على ما ذكرته الموسوعة من اراء حول صلاحيات الحاكم في سياسة الرعية وكيف ان الحاكم عند البعض منهم قد يتجاوز الحد الشرعي في الحكم بحجة ان المصلحة تساعد على ذلك وهو احق من يحدد ذلك من خلال الفعل الخارجي والحقيقة ان القوم حاروا كيف يفسرون تلك التصرفات فصنعوا لها قالبا شرعيا من اجل التبرير بل البعض منهم حذر من الالتزام بالشرع ومنع الحاكم من استخدام السلطة بحجة ان الشرع لا يسمح بذلك نعم توقف الشافعية في السماح بالسياسة عند حدود الشرع على خلاف راي الجمهور .

[11]- كما جاء ذلك في كتابه : اصول الفكر السياسي والنظريات والمذاهب السياسية الكبرى ص54 .

[12]- كتاب الدكتور بدوي الوارد في المصدر السابق  ص68 .

[13]- كما اشار الى هذا الدكتور محمد فايز عبدو سعيد في كتابه قضايا علم السياسة ص11 .

[14]- اصول الفكر السياسي والنظريات والمذاهب السياسية الكبرى ص12 .

[15]-الامام الخوئي المرجع الشيعي الاكبر- مجلة الموسم الفصلية عدد خاص ص196-197 .

[16]- كما اشار الى ذلك الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج6 ص315 .

[17]- الدكتور الوردي في كتابه السابق ص315 .

[18]- جاء ذلك على لسان  الاستاذ نزار حيدر في بحث تحت عنوان (هل يحق للسيستاني ان يتدخل في السياسة) والمنشور ضمن كتاب (الامام السيستاني امة في رجل) ص252 .

 

[19]- عبد الكريم الازري – مشكلة الحكم في العراق ص 33-34


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ جميل مانع البزوني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/05/10



كتابة تعليق لموضوع : العمل السياسي في منظور المرجعية الدينية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net