صفحة الكاتب : ادريس هاني

معيار العلم وتحدي الحقيقة
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المنطق منطقان: منطق انتظم في رسوم اليونان ومشى فوق رؤوس الفلاسفة كأنّه ديّانة جديدة للمعرفة ، ومنطق هو في نفس الأمر قواعد العقل الكامل التي هي آمال وانتظارات الفكر البشري. وهل يا ترى أمكن البشرية أن تقبض على كمال العقل ومنطقه؟ لقد كافح الفلاسفة وناضلوا من إجل استقراء ما أمكن من أصول التفكير الصحيح ومعياره الذي سمي منطقا، لكن البشرية عاشت دائما تحت سطوة مناطق كثيرة وليس منطقا واحدا، وهذا يؤكّد على أنّ المنطق هنا هو بعدد الأهواء والمصالح، وأنّ ثمة معايير شتّى للحقيقة.
ومهما حاول بعض المناطقة أن يدعوا بأنّ ما بين أيديهم هو بالفعل معيار العلم، فإنّ ذلك مبالغة يفضحها تمرّد العقل الذي يجد فسحته التعبيرية في جنون اللغة أو ما بدا هامشا للعقل. لقد اكتسبت بعض أشكال الأهواء سلطة منطقية وانتظمت في المنطق وباتت ناظمة للمعرفة وتحولت إلى قواعد تساس بها الحقيقة ويقوّم بها الصواب، في عملية اختراق تاريخية للمنطق من قبل أهواء متحايلة، بينما في غير المنطق تتمرد الأهواء والغرائز وتعبر عن نفسها بصراحة ولا تحتاج إلى مخاتلات أهواء المنطق ونقائضه. فالصراع في جانب منه يقوم بين أهواء اكتسبت صفة المنطق وأخرى ظلت من دون قناع على توحشها القديم، وتلك هي مأساة العقل البشري.
ولا يصار هنا إلى القول باستحالة القبض على معيار العلم الذي لا زال يعاني من الاختراق، فالأهواء تنتشر في أجواء الحقيقة التي تقدم نفسها اليوم بنقاء أقلّ، بينما اتسع الهامش لينقض في حركة تمرد عالمية على تمركز معيار اقتحمه الزيف فعاد معايير تقدحها المصلحة. وهذا يحدث في الدين والدنيا معا. فاليوم تبدوا المقاصد التي هي معيار التشريع ومنطقه إلى أهواء تتسابق على منح المصالح صفة الشرع. فالكذب على التاريخ وعلى الحقيقة هو أولا وقبل كل شيء كذب على العقل. لقد أضاعت البشرية أو على الأقل تناست معيارها القديم والنابض بالتمرد على الحصر المعرفي وزيفه، أعني المعنى الأبعد للقلب الذي عجزت كل منظومات الزيف أن تحتويه في أنظومة واحدة أو بلوغ حقيقته. فالقلب هو الذي حرس المعنى والحقيقة وقاوم الزيف المتمظهر في معايير مختلفة..القلب أكبر من العقل: هذا الأخير هو نوبة من نوبات القلب. ونقصد بالعقل هنا العقل المنظوم الذي عاد لينظم العالم وفق نظامه المخترق..عقل أداتي يزداد يوما بعد يوم عقما ولا يحسن إلا الاعتراف بهزائمه..إنّ معيار العلم لا زال في طفولته وغبائه..وهو في الحقيقة خدعة تاريخية كبرى..وهكذا لا زلت أمنح الفلسفة والشعر الكثير من الأهمية على المنطق لأنهما ميدان لميلاد الأفكار والمفاهيم الجديدة التي تربك نظام المنطق ومعاييره بل تفرض عليه الاعتراف بمفارقاته اللاّنهائية..ليست الأفكار هي سبب الحيرة بقدر ما هي تلك الأهواء التي اكتسبت صفة أصول المنطق. إنها أراجيز السّلطة المعرفية التي تسند كل أنواع التسلط التي يرهبه التدفّق الحيوي لمعرفة يصنعها تفاعل القلب مع الحياة ومع الواقع ويقيدها العقل لأسباب تتعلق بالمصلحة لا بالعلم. من لا يدرك هذه النكتة سيذهله ما يجد من مفارقات العصر الذي هو مجال لتمركز الحقيقة إلى جانب هامش زاده التهميش تراكما وتضخّما حتى بات يصنع بدائله خارج سلطة المركز..إنّ القلب الذي رمى به المركز إلى الهامش يستعيد إمكانياته للإطاحة بمركز بات يعاني من خواء المعنى..من مزبلة الهامش يستعيد القلب جرأة الانبعاث من جديد لتنظيف معبد الحقيقة والعقل في بعده المنسي أو المهرّب في مفاهيم الفلاسفة وقصائد الشعر، حيث المعايير عميقة والحقيقة تحضر من دون اكتساب..إنّ طغيان الكسبي على الحضوري تعدّى حدوده، وبات من الضروري أن نعترف بأنّ المنطق يشوّش على الشهود، والكسبي يشوش على الحضوري..هي لحظة انشطار قصوى بين العقل والقلب سببت حالة فصام نكد في حياة البشر..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/07



كتابة تعليق لموضوع : معيار العلم وتحدي الحقيقة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net