صفحة الكاتب : شعيب العاملي

 هل يزداد الأئمة علماً فيعلمون اليوم ما لم يعلموه بالأمس ؟
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

دلت الأدلة المعتبرة على سعة علم الأئمة عليهم السلام، وعلى فعليته، فهم عالمون (بالفعل) بما علمهم الله إياه.
ودلت على أن كل ما عند الأنبياء والملائكة فهو عندهم عليهم السلام، وعندهم ما يزيد على ذلك.. بما فيه علم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة.
والفعلية تعني حضور علمهم، فما علموه لا يحتمل الزيادة فيما يحتاجه الناس ولا في علوم السماوات والأرض.

ونكتفي بعدة روايات صحيحة السند تدل على هذا المعنى:
1. عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع: قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ ع فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ (الكافي ج1 ص256)
2. وعن أبي عبد الله عليه السلام: إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ مَا كَانَ وَعِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ (الكافي ج1 ص240)
3. وعن أبي عبد الله عليه السلام: إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ وَأَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ وَأَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ.
قَالَ ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَقَالَ: عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ (الكافي ج1 ص261)
4. وعن أبي جعفر عليه السلام: يَقُولُ لَا وَاللَّهِ لَا يَكُونُ عَالِمٌ جَاهِلًا أَبَداً عَالِماً بِشَيْ‏ءٍ جَاهِلًا بِشَيْ‏ءٍ
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعَزُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ يَحْجُبُ عَنْهُ عِلْمَ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ
 ثُمَّ قَالَ: لَا يَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْهُ (الكافي ج1 ص262)
5. وعن الرضا عليه السلام: عِنْدَنَا عِلْمُ الْبَلَايَا وَالْمَنَايَا وَأَنْسَابُ الْعَرَبِ وَمَوْلِدُ الْإِسْلَامِ وَإِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ وَإِنَّ شِيعَتَنَا لَمَكْتُوبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِم‏(الكافي1: 223)

فدلّ الأول على علمهم بكل ما يعلمه الرسل والملائكة، ودل الثاني على أن عندهم علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، ودل الثالث أنهم يعلمون علم السماء والأرض، ودل الرابع أن العالم منهم عالم بكل شيء، ودل الخامس على علمهم بالمنايا والبلايا والمؤمنين والمنافقين.

وهكذا روايات كثيرة صحيحة السند، تدل على المدعى وهو فعلية علمهم وسعة دائرته.

وتقابل هذه الروايات جملة من الروايات التي قد يقال بدلالتها على أنهم يزدادون علماً لم يكن عندهم، منها عدة أخبار ذكرها الشيخ الكليني في الكافي ومنها:
1. عن الصادق عليه السلام: لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا
2. وعنه عليه السلام: يَا ذَرِيحُ لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا
3. وعن الباقر عليه السلام: لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا (الكافي1: 254)
وهذه الروايات بنفس اللفظ تقريباً، وهي صحيحة السند.
وتضاف إليها روايات أخرى معظمها ضعيف السند، والكلام في دلالته كالكلام في دلالة هذه الروايات.

والجواب عليها من وجهين:

الوجه الأول: أن الظاهر البدوي من الروايات وإن كان دالاً على زيادة علمهم بحدوث علمٍ لم يكن، إلا أن التمعن في الرواية ينفي هذا المعنى ويثبت خلافه.

ذلك أن الزيادة تحتمل معنيين:
أولهما: النمو أو انضمام علم جديد إلى العلم السابق.
ثانيهما: التفضل من الله تعالى بتثبيت هذا العلم وإبقائه ولو لم تحصل زيادة.

أما الأول فهو المعنى المعروف عن الزيادة، وأكثر استعمالاتها من هذا القبيل، ولكن لو أريد من هذه الأحاديث هذا المعنى فإن العبارة لا تستقيم، إذ أن النفاد يعني الفناء كما في كتب اللغة، ولا يعقل فناء علمهم عليهم السلام إن لم يحصلوا على علم جديد.
فإن العلم الحاصل يبقى ولو لم يزد عليه علم جديد.
ولا يستقيم المعنى إلا بحمل الزيادة على تفضل الله تعالى بتثبيت ما عندهم من علوم وإبقائها لا على حدوث علم جديد. وفي هذا تأكيد على حاجتهم لله تعالى وفقرهم كسائر الخلق مقابل الإله الغني القدير. فلا يستغنون عنه في حال من الأحوال، إذ لا حول ولا قوة ولا علم إلا منه تعالى.

ولا شبهة في أن أي شخص منا لو لم يتعلم علماً جديداً لا يفنى علمه ولا ينتهي، بل يبقى علمه على ما هو عليه. وهذه قرينة من داخل الرواية على هذا المعنى.

وقد أشار المجلسي لهذا الوجه بقوله: والحاصل أن ذلك مؤكد ومقرر لما علم سابقاً (مرآة العقول ج3 ص19)

على أن المعنى اللغوي للزيادة ينسجم مع هذا الوجه، إذ ورد في معجم مقاييس اللغة: زيد‌ الزاء والياء والدال أصلٌ يدلُّ على الفَضْل. (ج3 ص40)
و(الفضل) أعم من الزيادة وسائر أنواع الخير دون زيادة، فقد ذكروا: الفَضْل: الزِّيادة، والخير والإفضال: الإحسان.(المعجم ج4 ص508)

فتكون هذه الروايات موافقة للروايات الأولى الدالة على علمهم، بل مؤيدة لها فإنها تدل على عدم الزيادة بهذه القرينة.

الوجه الثاني: على فرض المنع من حمل الزيادة على معنى التثبيت، فإن الروايات أيضاً لا تدل على حدوث علم جديد، إذ يمكن الجمع بينها وبين الطائفة الاولى من الروايات بكون الزيادة عندهم عليهم السلام زيادة على ما عند الناس لا على ما كان عندهم عليهم السلام سابقاً، نظير قوله تعالى في طالوت: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة : 247]
فإن أهل اللغة فسروا ذلك بزيادته على أهل زمانه فقال الراغب: أي: أعطاه من العلم و الجسم قدرا يزيد على ما أعطى أهل زمانه (مفردات ألفاظ القرآن ص386)
وفي كتاب العين:  البسطة: الفضيلة على غيرك (ج‌7، ص: 218)

ويشعر بذلك الحديث الشريف: أَنَّهُ فَضَّلَ طَالُوتَ‏ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِاصْطِفَائِهِ إِيَّاهُ وَزِيَادَتِهِ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ (الإرشاد ج‏1 ص 263)
فتكون الروايات على هذا المعنى أيضاً مؤيدة للطائفة الاولى. وعلى هذا المعنى يحمل ما بقي من روايات..

وبناء على هذين الوجهين فلا دلالة لشيء من الروايات المذكورة على حدوث علم جديد عندهم عليهم السلام.
وهناك روايات أخرى في هذا الباب وجهات في هذه الروايات نتعرض لها في أبحاث قادمة باْذن الله.

والحمد لله رب العالمين
السادس عشر من شهر رمضان المبارك 1438 هـ


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/12



كتابة تعليق لموضوع :  هل يزداد الأئمة علماً فيعلمون اليوم ما لم يعلموه بالأمس ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net