صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

فتوى الدفاع المقدسة والصمت الناطق
علي حسين الخباز

 

يمكننا أن نقول وبجرأة: إن المرجعية الدينية المباركة استطاعت ومن خلال فتوى الدفاع المقدسة أن تترجم للعالم معنى الصمت الناطق، فهذه الوثبة التي اطلقها السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) في فتوى دعا فيها العراقيين الى مواجهة الخطر الذي داهم الوطن اثر الإنهيار السريع للجيش امام ضراوة العصابات الخاطفة التي شنها الدواعش ليولد من هذه الصرخة العراقية الحشد الشعبي الذي خاض ويخوض اشرس المعارك، وكان للاستجابة الجماهيرية مؤازرة حقيقية للارتقاء بالهمة التي منحت الفصائل المقاومة قدرات ابداعية عبرت عن انتمائها الحقيقي، وعن ولائها للمرجعية الدينية المباركة التي قال صمتها الحكيم ابلغ مقاومة صنعت الحدث الاعظم عالميا في مواجهة الصراع مع الارهاب.
 وشهد الكثير من النقاد ان منطق الفتوى فيه تقدم على المألوف من الفتاوى تاريخيا، فهي لم توجه الخطاب الى مذهب معين او دين مخصوص بل وجهت الى جميع الهويات وجميع الانتماءات الوطنية، هذه هي سمة الوعي وفق معطيات الواقع، فالصمت الذي اعابوه كان في جل مواقفه صرخة، فكانت الفتوى ابنة الموقف العراقي ولولاها لكان العراق خرابا فهي ابنة الواقع وابنة الهوية والانتماء الوطني تجاوزت كل هواجس البعض المريضة التي كانت اعترضت على الفتوى بحجة التخوف من الطائفية.
 شعارات اتهمت الصمت الحكيم بالخنوع، واليوم تتهم الحمم الناطقة بتهويمات طائشة مثلما كان من الممكن النظر الى عاشوراء بأنه صرخة قوضت اركان الظلم والجور وامتلكت نهضة الحسين (عليه السلام) سمات قادرة على توحيد الامة، لكنهم جعلوا منها حرائق فتنة بحجج متنوعة وكأنهم اعتبروا الباطل جزءا من تاريخهم الذي يوقرونه، فكان من الممكن ايضا النظر الى هذه الفتوى التي ارادت تحرير العراق من كيد التدخلات الاجنبية مهما كانت هويتها ومن أي جهة كانت؛ لأن هذه الفتوى هي غضبة عراقية مؤمنة عززت الوحدة الوطنية والقواعد الشعبية المقاومة من داخل المناطق المحتلة، فهناك تلاحم رائع بين قوات الحشد الشعبي وفصائل مقاومة من أهالي المناطق المحتلة. والمهم ان هذا التلاحم اثبت بأن الدواعش ليسوا من مكونات الشعب العراقي ولا يمثلون ابناء العامة برأي، وانما هم ثقل سياسي عسكري للعديد من الانظمة والدول.
 ولو سعينا الى رصد الهويات المكونة لداعش لوجدنا ان هناك اختلافا في القيم الانسانية واختلاف الوعي والسلوك واختلاف الخطاب عما كان يُعلن، وهذا يعني لنا ان الفتوى اعلنت جهادها متجاوزة البؤر الاعلامية القذرة والتي اعتمدت على تسويق اعلامي ممصلح يريد القضاء على العراق كبلد له حضارة وله امة رفعت لواء الاسلام وساهمت في تكوين الحضارة الانسانية.
وهذه الفتوى فعلا كانت الغضبة الصارخة الانموذجية من دلالات القيادة الفذة؛ لكونها نداء عراقيا ليس من اجل طائفة ولا استثنى طائفة.. وفي محاولة اخرى للولوج الى عالم التضادات بين (الصمت – الصرخة) لكل مفردة امتداداتها وايحاءاتها سنجد انها تتماثل مع مؤهلات الموائمة لظروف كل واقع، واقع الصمت وواقع الصرخة.
 ولقد اشاد الخبراء والمحللون ان صمت المرجعية كان صمام امان للعراقيين في كثير من المواقف التي لولا حكمة المرجعية لكن فوران الدم عراقيا.. الفتوى توافقت مع الظرف العسير الذي يعيشه العراق، وهذا يدل على وعي معرفي يتحمل نتائج هذه القضية التي كانت لله تعالى في سبيل الامة، ولا احد سوى الفتوى كان يقدر ان يوقف ذلك الخذلان الوطني لحظتها.
 الجيش مهزوز والحكومة عاجزة عن فعل أي شيء، بل هناك مَنْ مالَ مع الدواعش حرصا على غنيمته، وقصور اعلامي ضعف الانتماء في وضع المقاتل، لذلك كان موقف الفتوى موقفا شجاعا، ومن شموخ هذا الصمت الوقور ولد الغضب العراقي بمنطق الفتوى، وهبّ الشعب العراقي لمؤازرة شجاعة سجلها التأريخ موقفا انسانيا لا يمكن ان يُنسى.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/14



كتابة تعليق لموضوع : فتوى الدفاع المقدسة والصمت الناطق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net