• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تجربتي مع الجيش الوهابي ج (2) .
                          • الكاتب : عباس العزاوي .

تجربتي مع الجيش الوهابي ج (2)

في الجزء الاول تحدثنا عن طريقة تعامل الجيش الوهابي الهمجي مع الاجئيين العراقيين في صحراء السعودية واشرنا الى بعض المشاكل التي حدثت في معسكري الارطاوية ورفحاء , بشكل عام  بين عناصر الحرس السعودي والعراقيين وسنكمل في هذا الجزء الجرائم التي ارتكبت ضد الاجئيين العزل بعد الاحداث التي اطلق عليها " احداث الاغاثة " وسقوط الكثير من الضحايا على يد الجنود الوهابيين.
فما ان استقر بنا الحال وبدأنا نتكيف من جديد مع رمال من نوع آخر وجمهورية رملية اكثر اتساعاً ووجدنا مكتبة الاغاثة الاسلامية العامرة بالمراجع التاريخية المهمة ومدارس لجميع المراحل الدراسية واسواق كبيرة ممتدة على طول المعسكر انشاءها العراقيون بانفسهم , حتى بدات رحلة عذاب ومشاكل كثيرة مع الحرس الوهابي المتخلف وعقليته المتصلبة حتى يبدو لك انك تتحدث مع حجر أصم لايفقه لغة البشر.
الكثير من المشاكل نشبت بين الطرفين العراقي ــ السعودي لاسباب اغلبها عوامل نفسية ناتجة عن ضيق المكان وازمات انقطاع المياه احيانا وطول فترة مكوثنا في الصحراء واجوائها المتقلبة وعواصفها الرملية  الصفراء منها والسوداء والتي لم نر مثلها من قبل , الا في المسلسل الكارتوني " السندباد " حتى ان واحدة منها اقتلعت الكثير من سقوف الصفيح لبيوت العوائل وخيام العزاب والقت بها بعيداً واتذكر ايضا اقتلاعها لخزان المياه رغم كبر حجمه وثقله ورفعته عبر حاجز يبلغ ارتفاعه  ثلاثة امتار ليسقط على احد البيوت مما تسبب بسقوط بعض الجرحى من سكنتها , واسباب اخرى للمشاكل كأحتياج الاجئيين في احيان كثيرة مراجعة المركز الصحي المقام قرب المعسكر... مما يدفعهم للاحتكاك بعناصر الحرس وبالرغم من تفاهة بعض المشاكل لكنها تتعقد وتأخذ حيز كبيرلاتستحقه بسبب مستوى الوعي المتدني بل المنعدم  تماما عند افراد الجيش السعودي وبعض العراقيين.
ولكن يضاف الى هذه المأساة هناك من الطرائف المضحكة التي حدثت هناك حول مستوى الادراك والتعليم بين افراد الجيش الوهابي, ان احد العراقيين تحدث عن فلسطين والاحتلال الصهيوني امام احد الجنود السعوديين فما كان من الجندي السعودي الا سأل محدثه باستغراب واضح .. والملك يدري؟ بمعنى هل ملك السعودية يعلم بان فلسطين محتلة ولم يفعل شي! او أعتقاد بعضهم ـ اي الجنود ـ ان العراقيين يخبئون الابقار والابل داخل الخيام ومن حليبها يصنعون الاجبان واشياء اخرى.. اضافة لايمانهم  بان الملك صاحب الفضل الاول عليهم في العيش على ارضه ومن حقه طردهم منها متى شاء ذلك !!
وهناك طرفة اخرى حدثت كانت حديث مجالس الشباب لايام فعند أقتحام القوات السعودية المعسكر ودخول احدى الخيم للتفتيش قام احد الجنود وكان يبدو انه افقههم .... لانه بدأ بترديد اسماء الائمة  الاثني عشر (عليهم السلام) المعلقة على جدار الخيمة فقد كتب عليها (اسماء اهل البيت)  ظنأ منه بانهم من سكان الخيمة!!!. وهناك طرفة اخرى ان احد الجنود كان ينادي على اسماء العراقيين للصعود الى الحافلة فلفظ اسم احد العراقيين ( مضرطه) وكررها مرات  ولم يفهم احد قصده الا بعد انتباه صاحب الاسم الحقيقي السيد  مُضر طه ,وطرائف اخرى يعرفها من سكن في ضيافة الملك السعودي فهد بن عبد العزيز في بداية تسعينات القرن الماضي, وليس هي محط اهتمامنا, قدر حرصنا على تصوير مستوى التفكير ومدى سذاجة الجنود الذين تكفلوا بحراسة العراقيين في معسكر الاجئيين, ولكن كلمة حق يجب قولها هي انهم يعرفون حقيقة واحدة لايراودهم الشك فيها ابداً... هي اننا مشركون ورافض ودمائنا حلال وقتل عشرة منّا تُدخل القاتل الجنة!!
الحدث الاهم والابرز قبل مغادرتي بسنة تقريبا من هذا القفص الرملي العملاق كان اندلاع  احداث حرق الاغاثة, وسميت كذلك لان احد حراس بوابة مقرالاغاثة الاسلامية في المعسكر كان السبب الرئيسي في انطلاق شرارة الكارثة التي اودت بحياة الكثير من شبابنا الابرياء بعد ذلك , لان هذا الجندي السعودي تعرض الى مجموعة من الشباب المتظاهرين في المعسكر والمطالبين بعودة  الوفود الاجنبية للعمل على اخراجهم من حجيم الحياة في "معسكر رفحاء" فما كان من احدهم والذي يطلق عليه "جبار ايتيم " الا انه  اقترب من الحرس اكثر من المعتاد متحدياً في الوقت ذاته باطلاق النار ان كان شجاعاً.... فما كان من هذا المعتوه  السعودي وربما بسبب خوفه من اقتراب المجموعة المتظاهرة منه... الا ان اطلق الرصاص وارداه قتيلاً امام الجميع ولم نعرف بعد ان حدثت جلبة كبيرة في المعسكر اثر الحادث... هل قُتل الجندي السعودي ايضا ام لا ؟... لكن رفاق جبار وربما بعض المغرضين نظموا تظاهرة اخرى في نفس اليوم وسط هتافات واهازيج وهوسات عشائرية تطالب بالثأرمرددين" دنية احسابج باطل مو هيج الموتيه" رغم شاهدة  بعض الشهود ان الدنيا كان حسابها صحيحاً , لان المدعو جبار (رحمه الله) لم يكن بالشاب المتزن والخلوق.
لكن ماحدث اثناء التظاهرة الثأرية الغاضبة اجج القضية اكثر فقد تسلق مجموعة من الشباب سياج مقر الاغاثة الاسلامية واضرموا النار في اكبر مجمع داخل المعسكر يضم الكثير من القاعات الرياضية والفنية ومراكز التدريس في كافة المجالات اضافة للمكتبة الكبيرة التي تضم اكبر واعظم المراجع والكتب الادبية والدينية والفلسفية, وكأن القضية متفق عليها , فمن اين اتوا بالنفط ؟ وكيف اشعلوا النار وهم في تظاهرة من اجل الخلاص ؟ حتى ان بعض الناس خلصت الى القول بان رجال المخابرات الصدامية الموجودين داخل المعسكر هم  وراء الحادث فليس من المعقول ان يقوم شباب  يطالبون بالحرية والانعتاق من سجن الصحراء المقيت ان يحرقوا مكتبة كبيرة يحتاجها الجميع ويرتادها الكثير من الشباب للقراءة.
في الجهة الاخرى من المعسكر صرخ احد المجانين في مكبر الصوت في  جامع الجوادين  قرب خلية بغداد" ايها المسلمون الشيعة افطروا بدمائكم " مستغلاً حالة الهستيريا التي رافقت حادث اغتيال "المناضل  جبار" وكان يدعى " ابو نور" واخذ مجموعة من الشباب  الذين تجمعوا في الجامع ليصلي بهم .. صلاة  لانعرف هل كانت  واجبة ام صلاة لغرض اشعال الفتنة وتأجيجها  اكثر ,واختار ان يصلي وصحبه السفهاء في باب المعسكر في تحدي واضح للقوات السعودية التي بدات استعدادتها بعد اطلاق النار على راس المغدور وجمعت قواتها ونشرت دباباتها حول المعسكر تحسبنأ " للثورة " التي ستصل ربما الى الرياض لاسقاط النظام الملكي وتعلن الجماهير الغاضبة ارض نجد والحجاز دولة شيعية!!
 وبناءاً على تصرفات مجموعة قليلة من المجانين وجبن وحقد الجيش الوهابي بدات القوات العسكرية باطلاق النار العشوائي بكل الاتجاهات مما اسفر عن سقوط ضحايا ممن كانوا قريبين  من الباب الرئيسي للمعسكر, وعند غروب الشمس اقتحمت القوات السعودية  المعسكر بعجلات "الهمر الامريكي" مع اطلاق نار استمر لفترة طويلة لم نكن نعرف ضد من!  فقد التجئ العراقييون الى بيوتهم وخيامهم, ولم نعد نسمع غير ازيز الرصاص وصياح الجنود السعوديين وعجلاتهم التي تجوب المعسكر لتعتقل كل من يقع بين ايديهم او يتعرض للضرب المبرح والهمجي, فقد ذكر احد الاخوة بانه تلقى ضربات في مناطق حساسة في جسده اثناء عودته الى بيته فالجنود يستعملون مؤخرات البنادق والهراوات والركلات كيفما اتفق ضد من يقع فريسة في ايديهم دون شفقة او رحمة.
بعد تلك الليلة السوداء كقلوب العسكر الوهابي بات العراقيون في قلق وخوف من الغد ومايضمره لهم مجموعة الوحوش الوهابية , حتى ان الذهاب الى الخلاء لقضاء الحاجة لم يكن بالامر الهين لانها بنيت ـ الخلاء ـ بين زقاقي ماكان يطلق عليها "الخلية"*... ففي وسع العسكر المرابط على اطراف الخلايا اطلاق النار عليه او في افضل الاحوال استدعائه لتمضية الوقت بالعبث معه بالضرب والاهانة وربما اقتياده الى خارج المعسكر مع المعتقلين الاخرين , بحجة الاشتباه به بحرق الاغاثة او اي سبب اخر يفتعلونه , وليس هناك من سوف يسأل عنه! او حتى يعرف مصيره, حتى ممثلي الامم المتحدة لم نسمع بهم في تلك الاحداث ولم نرهم الا بعد اشهر من انقضاء الازمة ربما كانوا في اجازة " مالية " يقضونها في جدة او الرياض فرئيسهم الاتاسي ـ سوري الاصل ـ في احد تصريحاته وصف معسكرنا بالذهبي بعد ان تسربت اخبار الى الاعلام  العالمي عن معاناة العراقيين هناك.
حاول بعض الشباب الهروب الى جهة المعسكر الخاص بالعوائل لاسيما ممن لديهم معارف اواقرباء هناك لان الاخبار كانت تشير الى ان ادارة المعسكر تتهم العزاب باحراق الاغاثة , لكن بعض العشائر وضعت مجاميع من ابنائها في اطراف الخلايا لمنع اي شاب الدخول الى مناطقهم حتى لايجد الجيش ذريعة لاقتحام بيوت العوائل بحجة البحث عنهم حسبما برروا فعلتهم بعد ذلك, والغريب ان السعوديين رغم ذلك اخضعوا المعسكر كله للتفتيش دون استثناء بطريقة مذلة وحقيرة اضافة لتمزيق الاغطية والمخدات وتحطيم كل الادوات الضرورية للاكل والشرب.
عندما اسفر الصبح عن وجهه العابس والمصحوب بعاصفة رملية ترشق الوجوه بحبيبات الرمل اللاذعه وفي تمام الساعة السادسة صباحاً بدأت تتعالى اصوات الجنود التي حطمت صمت المعسكر الذي كان يغط في سكون حذر ومريب, كان الجميع ينتظر الى ماستؤول اليه الامور, استطعت انا كاتب السطور من ايجاد ثقب صغير في جدار البيت الذي نسكنه  والمطل على المساحة الخالية بين خلايا المربع الاول, فاستطعت مشاهدة مجموعة من عجلات الجيش تقف على مسافات متقاربة وفي جاهزية كاملة لتنفيذ اجراءات التفتيش المزعومة والغريب الذي شاهدته تجمع بعض الجنود على شكل دائرة وهم  يجلسون القرفصاء وكأنهم يتناولون الطعام مع انها ايام رمضان وكان الجميع صيام , لان الجميع كانوا مسلمين والحمد لله !!! وقد تأكدت من ذلك بعد انقضاء ذلك اليوم العصيب بوجود عظام وبقايا طعام في الساحة الواقعة بين المربع الاول وبقايا مقر الاغاثة الاسلامية.
 وماهي الا لحظات حتى سمعنا نداءات عبرمكبرات الصوت في عجلاتهم العسكرية تردد كلمة " جهاد... جهاد ... جهاد " كررها المنادي ثلاث ومنها انطلقت العجلات باتجاه المربع الاول وخلفهم عجلات عسكرية( تشبه الايفا) لنقل الجنود قد استخدمت لنقل المشتبه بهم الى خارج المعسكر. بمعنى ان الجنود السعودين افطروا في رمضان لانهم في معركة جهادية مقدسة!! ضد المشركين  اوالصهاينة... ولانعرف من افتى لهم من الزناة في ساعة النحس تلك؟!
بدوا باخراج الشباب العراقي من البيوت تباعاً تحت وابل الضرب بالهراوات واعقاب البنادق واجبار من يبدي اي ممانعة او مقاومة على ركوب العجلات العسكرية, فقد اصطف الجنود في كلا الجانبين من الابواب وبمجرد خروج الشباب تنهال عليهم الجنود بالضرب المبرح على رؤوسهم وايديهم وظهورهم .
 لكن ولحسن حظ الباقيين فقد تعب العسكر الوهابي من هذه العملية وبسبب اعدادنا الهائلة خفت وتيرة الضرب عندما وصلوا لخليتنا ( و) فقد نال اصدقائي واخواني نصيبهم بقدر بسيط مقارنة باخواننا في الخلايا المجاورة, حتى اني كنت احدث نفسي بعدم تعرضي للضرب لحد الان بعد ان سألني النقيب السعودي بطريقة بدوية ...ليش عباس ؟ فلم افهم هل كان يقصد لماذا اسمي عباس؟ ام لماذا حرقنا الاغاثة؟....فقلت له امي اعطتني هذا الاسم ... فاراد ان يضربني كاشارة على سلامة موقفي وانصرافي لكن مجئ احد الاصدقاء بعد جلب بطاقته الشخصية حال دون اصابتي.. ولكن في طريقي الى باب الخيمة واثناء دخولي شعرت بانقطاع انفاسي اثر ضربة تلقيتها على ظهري من جندي بهراوته الثقيلة فقد كان هذا اللعين واقفاً في باب الخيمة دون ان انتبه لوجوده.
 ومن بيتنا من الشباب من أُصيب بمؤخرة راسة بقوة فارتطم انفه بالجدار الكونكريتي وبدأ ينزف واخريعبث احد الجنود بشعر رأسه لانه طويل مرددا ( ياحليلك .... ياحليلك ) ولانهم وجدوا في بيتنا عصا صغيرة قد وضع عليها مطاط مذاب وبدت كأنها ( مكًوار)  ربما كانت بقايا العاب اطفال العوائل الذين سكنوا هذه البيوت قبل قدومنا الى رفحاء.. اراد هذا النقيب المتخلف ان يعتبر ان هذه العصا اداة الجريمة التي اشتركنا بها في احداث الاغاثة فراح يضربنا بها, وتلقى احد اصدقائنا في راسه ضربات عديدة بها , حتى ظننا انه سوف يغمى عليه او يسقط ميتاً ,فقد كانت بيد هذا الضابط طوال فترة تدقيق معلوماتنا اما المنزل..وهناك اشياء اخرى فعلوها بحجة التفتيش والتحقيق اترفع عن ذكرها ولكم ان تتخيلوا وقاحة ووحشية من لايمتلك الضمير ولا الواعز الديني عن اهانة وقهر الاخرين المختلفين معه بالمذهب , فقد ترددت على اسماعنا كثيرا ً كلمات الشرك والكفر والروافض والمجوس بسبب وبدونه, وهناك قصص كثيرة مؤلمة ومبكية حدثت يوم التفتيش المشؤوم  تروي فداحة الجريمة التي ارتكبها الجيش الوهابي ضد العراقيين العزل في وسط الصحراء بسبب مجموعة صغيرة من المجانين والمدسوسين بين الاف العراقيين هناك.

 

كانت حصيلة ضحايا هذه الاحداث حسبما تبين ذلك داخل المعسكر اكثر من (35) شهيد عراقي تركت جثثهم في ثلاجات المركز الصحي ولم نعرف مصيرهم بعد ذلك, وربما سقط  اكثر من هذا العدد ضحايا الارهاب الوهابي وهمجية هذه الفئة الباغية بالتعامل مع ((ضيوف الملك))!!! ناهيك عن اعتقال اخرين في اوقات لاحقة وبقائهم في سجون المعسكر فترات طويلة يخضعون لانواع التعذيب والضرب وارغام بعضهم على العودة للعراق مع وجبات الراغبين حقاً بالعودة نتيجة المعاناة والقهر والضغوط النفسية التي نتعرض لها اضافة لصعوبة وقساوة العيش في الصحراء القاحلة على ان يتم تسليمهم للقوات الصدامية على الحدود ليواجهوا مصيرهم المحتوم.
كان هذا غيض من فيض وماأسعفتني الذاكرة به بعد مرور سنين طويلة على خروجي من هناك ,لذا اتمنى من كل القراء الاعزاء وكل من سكن تلك الديار الموحشة وتلك البقعة اللعينة في صحراء نجد والحجاز ان يشارك في فضح هذه الجريمة النكراء بما يعرف او يتذكر من احداث تلك الحقبة السوداء في تاريخ آل سعود وانصارهم الوهابيين القتلة.

 

 

 


عباس العزاوي

9.10.2011

* الخلية : مكونة من خطين  متوازيين ومتقابلين من البيوت شُيدت بالبلوك على شكل مربعات  تسع لنصب ثلاثة خيم داخله على ارض من الكونكريت والمُعد لهذا الغرض.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10215
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19