• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ربنا هب لنا من أحزابنا قرة أعين .
                          • الكاتب : د . محمد شداد الحراق .

ربنا هب لنا من أحزابنا قرة أعين

السياسة فن و علم وممارسة. وهي فعالية نوعية لها خصائصها ووسائلها وطرق عملها في تدبير شؤون الجماعة، وفي تحقيق  المصالح والتطلعات الإنسانية. يقبل الناس عليها لأنها جزء من حياتهم وعامل أساسي ينظم شؤونهم ويحقق أهدافهم. لكنها حينما تصبح آلية لتكريس الصراع في المجتمع، وأداة لدعم العصبية القبلية و الوثنية والأيديولوجية، فإنها بذلك تفقد احترام الناس لها وإقبالهم عليها. فيزهدون فيها، و ينفرون منها، و يكفرون بها.
وحينما يتغلب منطق التعصب و الانغلاق على الذات،وتسود النظرة الأحادية إلى الحياة، وتسيطر ثقافة الإقصاء و الإلغاء ومصادرة الحق في الاختلاف،فحينئذ تتحول السياسة إلى مسرح للمواجهات، وإلى  مفاعل لتوليد التوتر و الصراعات.فتتواجه الخنادق و البنادق، و تتكاثر المؤامرات، وتشحذ الأقلام و الألسنة و الخناجر، وتتبارز السيوف والحناجر. فيسود الرعب و الحذر،و يجرف تيار المكر السياسي الناس إلى دوامة النفاق و العداء و الكراهية.
يميل البعض إلى هذا النوع من السياسة المرضية التي تنتج الإحباط و  تتبنى الصراع قيمة أزلية ثابتة. سياسة سادية تلون الحياة بلون الحداد، وتحجب كل شعاع عن الإنسان. سياسة يعيش أصحابها حياة معلبة في صناديق أيديولوجية مقفلة تجاوزها الزمن. يتخندقون في بعض الشعارات الصدئة التي فقدت دويها وبريقها. يجترون الأفكار و الأحلام القديمة التي لم تعد من أولويات هذا الجيل. يعيشون سنواتهم العجاف مرددين الخطب البالية التي لم تعد تهز الضمائر و الأفئدة. تعاقدوا مع الأوهام وأقاموا شراكة مع السراب. فهم لا يرون في الورد جمالا إلا إذا كان من حديقتهم، ولا يرون في الأرض رجالا إلا إذا كانوا من قبيلتهم.
هؤلاء يشوهون صورة السياسة ، ويرهبون الناس بها، و يدفعونهم إلى الإعراض عنها و النفور منها، و يكرسون لديهم الإيمان بأن السياسة رجس من عمل الشيطان،و يجعلونهم يقرنون السياسة بكل قيم الشر و العنف والانتهازية .هذا التوجه السياسي العقيم يعيد إنتاج الأزمات، ويزرع الألغام في الممرات، ويحول حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.
أما البعض الآخر من رجال السياسة فقد ألفوا لعبة التملق و التسلق، و أتقنوا فنون المكر وأساليب السحر و الخدع السياسية . يتدثرون بأردية النضال المزيف، ويلبسون لباس القديسين ،ويضعون أقنعة التخدير المؤدلجة للعقول،ويرددون شعارات موروثة أو مستعارة. فإذا سقط القناع ظهرت حقيقة صورهم البشعة، و انكشفت قواعد اللعبة السحرية التي يبهرون بها عقول الناس و يسحرون بها أعينهم و قلوبهم، و يسلبون منهم بواسطتها كل إرادة في التفكير و كل قدرة على التمييز.
لم يعد بإمكان هؤلاء إقناع الناس بشعاراتهم الجوفاء، ولا بمسرحياتهم السياسية المسلية التي تعرض في الأسواق الأسبوعية و اليومية. لم تعد عصاهم السحرية قادرة على تحويل الشوك ورودا  و المياه الجارية جليدا. فقدت كلماتهم طاقة الاختراق لطبقات الآذان وأعماق المسام.مضى عهد القطيع الوديع و الماشية الأليفة المعدة للبيع و الشراء و التصفيق.لم تعد للناس القابلية والاستعداد لسماع الخرافات القديمة و الأزليات المتواترة. ودع الناس عصر التنويم المغناطيسي للعقول و المشاعر. ودعوا حديقة الألعاب السياسية، عطلوا لعبة الأضواء الملونة و الكراكيز الموجهة، وبتروا الأصابع الخفية التي تعمل في السر من وراء حجاب.
لقد ذاق الناس كل أنواع المعروضات السياسية ، وتعرفوا طعم ما تنتجه كل المزارع وتروجه المطابع. جربوا المستوردات الشرقية و الغربية حتى أصيبوا بالدوار و الحيرة. حللوا كل المنتوجات الأيديولوجية وتعرفوا على موادها الخام، لكنهم تعرضوا للإحباط و الخيبة. يرفض الناس اليوم أن يكونوا سياجا يحمي مصالح اللقالق المتنقلة بين الأعشاش و المبادئ . يرفضون أن يكونوا بساطا تدوسه الأقدام و تعبر فوقه الأحذية نحو كراسي المجد و الجاه و السلطة.
  إن الناس لم يكفروا بالسياسة، فهي أكسجين عقولهم و أحلامهم، ولكنهم كفروا بكل خطاب يلوث جمال الوطن بقيم العصبية و النفاق و الانتهازية. كفروا بالجزر العائمة في محيط المصالح المادية. كفروا بالمراكب المثقوبة المتسابقة نحو بر الأمان. كفروا بالأسلوب الرعوي في سياسة البشر. كفروا بالوعود المناسباتية و بالمحبة المصطنعة و الكرم الموسمي. يتطلع الناس إلى سياسة مواطنة بدون ألوان ولا حسابات، وإلى كلمات صادقة تعيد الثقة إلى النفوس وترجع الجمال إلى الحياة. ينتظرون التغيير الحقيقي على يد عاشقي الوطن و الصالحين من رجاله ونسائه و مؤسساته. ولذلك فلسانهم يلهج بالدعاء: ربنا هب لنا من أحزابنا قرة أعين واجعلنا للوطن أوفياء  مخلصين..آمين.  



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10294
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3