• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عورات ابن العاص وأشباه المثقفين في العراق .
                          • الكاتب : د . حامد العطية .

عورات ابن العاص وأشباه المثقفين في العراق

 كلما قرأت التاريخ طفرت إلى ذهني احتمالية لو، وبحرف لو فقط أعيد صياغة التاريخ، داخل عقلي بالطبع، فالتاريخ مسلسل في الزمن والحدث، وكل حدث يفضي إلى نتيجة، وهي الاخرى حدث أو أحداث تاريخية ، هكذا يتوالد التاريخ من نفسه، لو سقطت القسطنطينة في أول معركة فهل ستكون أوروبا كلها على دين الاسلام اليوم ؟ ولو دام حكم العرب في الأندلس سنين معدودات أخرى فلربما كان لهم السبق بدلاً من عدوتهم اللدودة الملكة إيزابيل في تمويل رحلة كولومبوس ولكان معظم سكان الأمريكيتين اليوم مسلمين ناطقين بالعربية بدلاً من الإسبانية والإنكليزية والبرتغالية.

     والأهم من ذلك كله عورة عمرو بن العاص، الذي تحفظ ذاكرة التاريخ منظر مؤخرته القبيح التي اتقى بها سيف الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، في واقعة صفين، كما روى البيهقي في كتابه المشهور المحاسن والمساوي) ج 1 ـ ص 38 ( : دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناس فلما رآه مقبلا استضحك ، فقال : يا أمير المؤمنين ؟ أضحك الله سنك وأدام سرورك وأقر عينك ما كل ما أرى يوجب الضحك . قال معاوية ؟ خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت أهل العراق فحمل عليك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما غشيك طرحت نفسك عن دابتك وأبديت عورتك ، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال ؟ أما والله لقد واقفت هاشميا منافيا ولو شاء أن يقتلك لقتلك. فقال عمرو : يا معاوية إن كان أضحكك شأني فمن نفسك فاضحك ، أما والله لو بدا له من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قذلك ، وأيتم عيالك ، وأنهب مالك ، وعزل سلطانك، غير أنك تحرزت منه بالرجال في أيديها العوالي ، أما إني قد رأيتك يوم دعاك إلى البراز فاحولت عيناك ، وأربد شدقاك ، وتنشر منخراك ، وعرق جبينك ، وبدا من أسفلك ما أكره ذكره . فقال معاوية : حسبك حيث بلغت لم نرد كل هذا".

   ويورد البيهقي أيضاً (ص 39) بأن "أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال زعم ابن النابغة إني تلعابة تمزاحة ذو دعابة أعافس وامارس لا رأي لي في الحروب هيهات يمنعني من العفاس والمراس ذكر الموت والبعث فمن كان له قلب ففي هذا عن هذا واعظ أما وشر القول الكذب أنه ليحدث فيكذب ويعد فيخلف فإذا كان البأس فأعظم مكيدته أن يمنح القوم أسته.."

      يومها لو لم يكشف إبن النابغة عن أسته لكان مصيره المحتم القتل، ولو هلك يومها، لما وجد معاوية ابن ابي سفيان من ينصحه برفع المصاحف، ولما حدثت فتنة الخوارج ولكانت نتيجة المعركة الهزيمة الكاملة والنهائية لمعاوية الفاسق وجماعته الباغية، ولانتصر الاسلام الحق بقيادة الإمام علي عليه السلام، ولكان تاريخ المسلمين باهراً، ولكان المسلمون آنذاك واليوم في أحسن حال.

  والعورة بالعورة تذكر، فكما أن كشف ابن النابغة لعورته جر على المسلمين الوبائل فكذلك عورات أشباه المثقفين العراقيين، وهي عورات معنوية متعددة، اجد نفسي مضطراً لتبيانها، خدمة لمصلحة العراق وأهله، الذين كانوا وما زالوا ضحايا لعورات وانحرافات أشباه المثقفين بين صفوفهم.

   هنالك اشباه مثقفين كثيرون في العراق، لم ير العراقيون منهم سوى العورات، ابتداءً بعبد المحسن السعدون وليس انتهاءً بالإسلاميين والأصح المستسلمين وأنصار الإرهاب ومزوري الشهادات ومختلسي الأموال العامة وسماسرة المحسوبية والمنسوبية ومحيي الطائفية والقبلية.

    كان النظام الملكي طائفياً وعنصرياً ومستغلاً وظالماً، لذا أنتج الكثير من أصحاب العورات، ونحتاج لمجلدات لتعدادهم وذكر عوراتهم، لذا سنكتفي بثلاثة عبد المحسن السعدون ورشيد عالي الكيلاني وساطع الحصري.

     عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء العراقي نموذج لرجال العهد الملكي، من خريجي جامعات الاستانة، أو معاهدها العسكرية، بدؤوا حياتهم عثمانيين، ثم تواطؤوا مع الإنكليز المحتلين، وانتهوا خاضعين لبريطانيا حتى تبددت عظمتها، أنهى السعدون حياته بالانتحار لأنه اتهم بالعمالة للإنكليز بعد اخفاقه في التوفيق بين إملاءات المحتلين ومطالب شعبه بالاستقلال والحرية، كا كتب في وصيته، وكان الأجدر به الوقوف مع شعبه ضد المحتلين، وما زالت عورته مجسمة في تمثاله في الشارع الذي يحمل اسمه وسط بغداد.

    رشيد عالي الكيلاني هو الآخر أراد الاستقلال والحرية لشعبه، أو هكذا ادعى، لكنه في نفس الوقت لا يثق بهذا الشعب وحسن نواياه وقدراته العظيمة، لذا وبدلاً من التوكل على الله والاستعانة بالشعب على المحتلين وعملاءهم لجأ للألمان النازيين، فهو أول من استن الاستعانة بالأجانب، وشرعن الانقلابات العسكرية لتغيير نظام الحكم.

     ساطع الحصري السوري المتجنس بالجنسية العراقية، من أشباه المثقفين، الذين ابتلى العراق والعراقيون بهم، هو معروف بأب القومية العربية بين العروبيين ومتهم بالطائفية بين شريحة كبيرة من العراقيين، والجمع بين هذين الصفتين عار على القوميين العروبيين، الذين اتخذوه رمزاً وقدوة، وبالمناسبة زاملت ولده الأستاذ خلدون، أو ربما الدكتور خلدون، اثناء دراستي بالجامعة الأمريكية في بيروت، وكان وقتها يحضر لشهادة الدكتوراة في التاريخ بالجامعة، وشاهدت مرات عديدة زوجته الفاضلة - وهي ابنة رشيد عالي الكيلاني – ملتاعة، تدور بين المقاهي والمطاعم القريبة من الجامعة باحثة عن زوجها خلدون ساطع الحصري، الذي كان يعاني من مشكلة الافراط في تناول الخمور، فتضطر زوجنه الكريمة لاستنقاذه واعادته لبيتهما، ولو انصرف ساطع الحصري لتربية ابنه بدلاً من تصديه الفاشل لتربية شباب العرب لأحسن صنعاً، لذا نقول مات الحصري العراقي السوري وترك وراءه عورات.

   عورات نظام عبد الكريم قاسم كثيرة، ويكفيك أنه جاء بانقلاب عسكري، وحكم بقاعدة فرق تسد، فألب كل حزب على الآخر، وكل فئة عرقية على غيرها، بل هو أول من ابتدع الفوضى الخلاقة، أو بالأحرى الهدامة، التي طبقها الاحتلال الأمريكي فيما بعد، والمصيبة أن كثيراً من اشباه المثقفين العراقيين ارتضوا العمل والتعاون مع هذا النظام على الرغم من ردائته الواضحة للعيان ونتائجه الكارثية على العراق ووحدة شعبه، وقد تسنى لي في لبنان اللقاء بأحد أركان هذا النظام وهو الدكتور  هاشم جواد رحمه الله، وقد سألناه يوما: لم تعاونت مع عبد الكريم قاسم على الرغم من سياسته الرعناء فجاء رده بما معناه: لمنعه من التمادي في رعونته!

  كل أشباه المثقفين الذين تعاونوا مع نظام البعث عورات، تهافتوا على الانتماء لحزبه، وتنافسوا على التملق له، وتزاحموا بالمناكب على المناصب في حكوماته، فما أكثر أصحاب الشهادات العليا المستوزرين في عهده، الذين لم يستنكفوا من العمل مع أعوان صدام من جلادي وجلاوزة الأمن ومخبري الحزب، وكان من المحتم أن يسيطر أشباه المثقفين على الجامعات ومراكز البحوث، فماذا كانت النتائج؟ يصف أحد أساتذة كلية العلوم بجامعة بغداد سابقاً الترقية العلمية لأساتذة الجامعات العراقية بالمهزلة المضحكة المبكية، وينقل بأن بعض البحوث العلمية التي قدمها أساتذة للحصول على ترقيات علمية أرسلت إلى مقيمين في الخارج فعادت وعليها تعليقات مقتضبة مثل: ارموها في القمامة أو شيء من هذا القبيل، لذا فقد لجأت الجامعة إلى القبول بالبحوث أو المقالات المنشورة في دوريات محلية غير محكمة، أي أن النشر فيها لا يخضع لشروط وضوابط التحكيم العلمي الرصين.

     ولعل البعض منكم يتذكر "بكرين" و"صدامين"، والضجة الإعلامية التي رافقت الاعلان عن اكتشافهما، والاطراء والثناء الذي أغدقه النظام على مخترعها، وصدق كثير من العراقيين السذج بأنهما بالفعل عقاران فعالان لمرض السرطان، وقد انطلت الخدعة على قادة النظام وأتباعه من الأكاديميين لأنهم من أنصاف وأشباه المثقفين والعلماء، وبالفعل فقد قاموا باستعماله في علاج بعض المرضى في مدينة الطب، فماتوا. ومراكز البحوث العلمية التي طبل لها النظام هي الأخرى لم تكن سوى خدعة كبيرة، أسسها النظام، واستغلها أشباه المثقفين والعلماء للحصول على المناصب الرفيعة والرواتب والمخصصات الكبيرة والإيفادات والبعثات والزمالات، ثم تبين فيما بعد بأنها مراكز عقيمة، بحوثها مستنسخة، ونتائجها مكررة، وأعجب ما فيها مركز لبحوث النخيل والتمور، ففي فترة نشاطه اندثر ما لا يقل عن ثلث نخيل العراق.

   كل أصحاب الشهادات الذين انضموا لحزب البعث وتعاونوا معه هم وصوليون انتهازيون سلبيون استعلائيون خائبون، كان أحدهم زميلاً لي بالدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت في الستينات من القرن الماضي، كان طالباً متفوقاً وشيوعياً متحمساً، واحترمته لمواقفه وإن اختلفت معه عقائدياً، وبعد تخرجه من الجامعة سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعود منها حاملاً شهادة الدكتوراة، بعد عشر سنين أو أكثر التقيت به صدفة في موقف سيارات الإدارة الحكومية التي عملت بها لسنوات ثلاث قبل الهجرة من عراق الطاغية صدام فعاتبني لأني لم أزره على الرغم من تجاور مقري عملنا، وكنت أنا في حينها موظفاً صغيراً مضطهداً من البعثيين وهو مدير عام، وبالطبع بعثي، وتأكد لي ذلك عندما فتح صندوق سيارته ليريني رشاش الكلاشينكوف قائلاً بأنه في طريقه للتدريب مع الجيش الشعبي، وانقطعت عني أخباره حتى الأمس القريب عندما قيل لي بأنه مرشح في الانتخابات الأخيرة في العراق، أي قيمة لهذه الحياة التي تبدأها شيوعياً ثم تصبح بعثياً من أجل منصب ثم تفقده وتعود لتطمح بمقعد برلماني، ولو نجح في الانتخابات فما الذي سيقدمه لهذا الوطن المنكوب بالعورات مثله من أشباه المثقفين الذين لا دين ولا قيم ولا اخلاق ولا وطنية لديهم.

    بعد سقوط النظام البعثي التسلطي استبشرنا خيراً وتطلعنا إلى عهد جديد لا تكون فيه مشاركة لأصحاب العورات من السياسيين وغيرهم، ولكن تبين وللأسف بأنه لا يختلف عن النظم السابقة فكل هم الحكام الجدد على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم السياسية البقاء في السلطة بأي ثمن، لذا أدنوا منهم المنافقين والمتملقين والوصوليين، وبالطبع كان لأشباه المثقفين حظوة خاصة لديهم، وهرع الكثيرون للحصول على شهادات مزورة، وتسابق البعض لنيل الدرجات العليا بالمراسلة، وهكذا تضافرت قوى الساسة المتهافتين على السلطة مع أشباه المثقفين المتهالكين على المناصب والمزورين الطامعين بالأموال العامة، وتكرر ما حدث في العهود السابقة لينطبق مرة أخرى المثل القائل بأن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.

    في أوائل الثمانينات وقبل هجرتي من العراق بفترة قصيرة سألني سائق أجرة  بعد أن عرف بأني من أصحاب الشهادات العليا: ماذا قدمتم انتم أصحاب الشهادات للعراق؟ فاحترت في الاجابة على سؤاله المحرج، وأظن كل أصحاب الشهادات الحقيقية الذين لم يلوثوا سمعتهم بالانتهازية والوصولية مازالوا محتارين في الإجابة على هذا السؤال حتى اليوم.

20 تشرين الأول 2011م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10634
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28