• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : القمع الفكري ...وإلغاء الآخر .
                          • الكاتب : عبد الهادي البابي .

القمع الفكري ...وإلغاء الآخر

إن الآخر هو إنسان مثلنا،يملك فكراً ،ويملك مساحة من الرأي ،واسعة كانت أو ضيقة ،وليس من حق أحد أن يمنع أحداً من طرح فكره والتعبير عن رأيه بكل حرية ولكن في هذا المجال لابد لنا ،عندما نضع عنواناً آخر أمامنا من أن نلاحظ أي فكر يدعو إلى نشره ،فهل هو الفكر الذي يدعي حصراً إمتلاك  الحقيقة ، ويختزن في داخله مسألة إلغاء فكر الآخر ،الذي يقف بنظره عقبة أمام حركته التي يصر عليها.!!
فنحن نعتقد بالأيمان المنفتح ، ولانؤمن بالأيمان الأعمى ،وإن مسألة أن نمتلك فكراً وأن نعطي الآخر حظاً ،كي يسقط فكرنا وأن نقف  في حالة الحياد أمام قوة فكر الآخر ،هذه طبعاً مسألة ليست إنسانية ،حتى الديمقراطية تحتضن أكثر من فكر في داخلها ،بأعتبار أنها تمثل خطاً فكرياً تقمع الدكتاتورية ولاتسمح لها أن تأخذ مجالها في دائرتها ،لأنها تنفي نفسها عندما تفسح لها المجال ، من خلال ذلك لابد لنا من أن نفكر أن القضية ليست قضية أنك تحترم الآخر في فكرك ،ليكون ضدك وليلغيك بل المسألة هي كيف تتعايش مع الآخر وأنت تصارعه ؟كيف تلغي فكره بالوسائل التي لاتلغي فيها ذاته ؟
في هذا المفهوم يمكننا الأطلالة على الأسلام من موقعين ،الموقع الأول :هو موقع الفكر الذي يملك قاعدة وخطوطاً وآفاقاً معينة ، في مواجهة الفكر الآخر ،الموقع الثاني :هو موقع الفكر الذي يحرك الواقع ويحكمه ويجرب نفسه في الإشراف على  حركته ، وعندما ندرس الأسلام كفكر يدعو إلى نفسه ويدخل ساحة الصراع ،فأنه يفعل ذلك من موقع نقد الآخر لا من موقع نفيه بأعتبار أنه يدعو الآخر إلى الحوار معه ..
لقد كان رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم وهو  سيد العقلاء والمفكرين نراه يساوي نفسه بالآخر ويتلو كتاب الله [إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ]..ثم ينتقل إلى موقع آخر مع الآخر ،الذي يلتقي معه في بعض المواقع ،إنه يبحث عن مواقع اللقاء ،ليلتقي مع الآخر في القاعدة التي يستطيع أن ينفتح بها على بعض مفاهيم الآخرين وتصوراتهم [قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ] إنه يفكر مع الآخر في مايلتقي معه فيه في العنوان الكبير [الكلمة السواء ] وليس إلغاء الآخر ونفيه وإسقاطه بكافة السبل !
فمن الضروري دائماً أن نعيش إنسانيتنا في حركة ويقظة وأنفتاح ،بعيداً عن الضوضاء المفتعلة التي يسببها لنا البعض ،لأن مشكلة هذه الضوضاء - سواء كانت ضوضاء سياسية أو إجتماعية أو ثقافية- أنها تجعلنا نستغرق في كهوف شخصيتنا، بدلاً من أن ننطلق إلى الينابيع المنفتحة على كثير من تطلعات السواقي والأنهار ،التي تتجه لتّكون البحر الكبير ،ولذلك صغرنا ، وأصبحت القضايا الكبرى – كالأبداع والمحاولة والأرتقاء – غريبة عنا ،فإذا ماتحدثنا عنها وتناولناها في مواضيعنا وكتاباتنا صغرناها – وحجمناها – بل نطلق عليها رصاص الأفك والبهتان  !! 
فلماذا أصبحنا في كثير من حالاتنا ولاسيما في هذا البلد ،أصبحنا لانطيق أن يكون لدينا فكر منفتح ،يتنفس الهواء الطلق ، ويعيش في صحو الشروق ،هذا الفكر أصبحنا نعيش غرابته ، لأننا نبحث عن خصوصية الفكر لاشموليته في حركة الشخصية !
ربما نحتاج أمام كل هذا الضجيج الذي شغلنا عن أنفسنا حتى لم نعد نفكر بصفاء أن نعطي أنفسنا إجازة من كل هذه المفردات الكهوفية الصغيرة لنسلط عليها الضوء، وكذلك نسلط الضوء على الروح لنبعدها عن الوقوع في التجريد ، لتكون قيمة في حركة واقعنا ،لأن الأنسان له أكثر من بعد في عقله وروحه وإداركه وإرادته وكل نشاطاته في الحياة ، ونحن نستحضر الأبيات التي قالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
وتحسب أنك جرمٌ صغير       وفيك إنطوى العالم الأكبر
نحن عندما نبدع ..وعندما ننتج ...وعندما نحاول أن نكون بمستوى إنسانيتنا ،عندما نكون ذلك كله ،فنحن نكون العالم لأننا نحن الذين نصنع حركية العالم وإبداعاته فيما أعطانا الله من أمكانيات عقلية نستطيع من خلالها صنع الحياة الأفضل للجميع عبر قنوات الألتقاء والحوار  ..
فعلينا أن نقول للآخر :حاول أن تملك ثقافة تؤمن بها ، وتعال لنناقشك وتناقشنا ونحاورك وتحاورنا بكل حرية ، لأن الحوار الذي لايرتكز إلى موقع ثقافي ،يملك فيه كل طرف القاعدة الأساسية للحوار ،قد يتحول إلى حالة سطحية من المهاترات التي تؤدي بالنتيجة إلى التقوقع الذاتي حول المفاهيم والأفكار المختلفة  التي تؤدي حتماً إلى الأستبداد بالرأي والقمع الفكري ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10751
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28