• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تقبُّل النقد وآثاره الإيجابية .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي .

تقبُّل النقد وآثاره الإيجابية

النقد لغة: أصل يدلُّ على إبراز الشيء، فنقد الدرهم ـ مثلا ـ يعني الكشف عن حالة في جودته أو رداءته، وناقدت فلانا إذا ناقشته في الأمر.
وهو لا يبعد عن هذا المعنى في الاصطلاح: فهو دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها ومقابلتها بما يشبهها، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها.
لكن ما يؤسف له استعمال النقد في تعقُّب الآخرين للدلالة على عيوبهم وأخطائهم وإذاعتها، بقصد التشهير ونشر المثالب والعيوب، ومن هنا انعكس الانطباع السيء في مخيالنا الثقافي لعميلة النقد، فصرنا نتصورها عملية نشر للمثالب، وإسقاط للشخص أو لجهده أو عمله ........
أهميته
وتشكل عملية النقد ومناقشة الآراء، مؤشرا إيجابيا، وعاملا مهما من عوامل البناء والتقويم والتصحيح الأفكار والسلوكيات والممارسات، خصوصا إذا كان النقد صادرا ممن يتوفرون على الخبرة والتجربة في تلك المجالات.
فكلُّ فردٍ منَّا بحاجة الى نقد وتوجيه من هم أكثر منَّا خبرة، أو من يرون الحقيقة من جانب لا نراه سواء في الأفكار التي نتبناها، أو في سلوكياتنا اليومية، أو ممارستنا لوظائفنا وأعمالنا...... الخ.
وفي الواقع: إننا نخسر الكثير من الجهد والوقت والمال، ونقع في الكثير من المشكلات، ونصبح أحيانا عرضة للفشل، بسبب عدم تقبُّلنا للنقد، أو بسبب عدم وجود الناقد الحصيف، واليد الحانية التي تقدِّم النصح والإرشاد وتدلُّنا على الطريق القويم.
إن النقد خصوصا البنَّاء والصادر من أهل الخبرة، يشكل عنصرا من عناصر الوقاية من الوقوع في الأخطاء، أو انتهاج وسائل غير مجدية، أو إتباع أساليب عفا عليها الزمن في سلوكنا وممارساتنا.
أقسام النقد
يحدد الهدف من النقد دوره سلبا أو إيجابا، فإن كان يستهدف الإصلاح والتقييم، كان نقدا بناءا وإيجابيا، وإن كان يستهدف الإلغاء والتسقيط، كان نقدا هدَّاما وسلبيا.
لكن ذلك لا ينفي وجود بعض الحقائق الموضوعية للتفريق بين النوعين، والتي أشرنا إليها إجمالا في تعريف النقد، إلا أن الخوف يأتي من انطلاق النقد على أسس الموضوعية، ولكن الهدف منه يكون مشوها وتغيب عنه الموضوعية.
فلكي يكون النقد إيجابيا وبنَّاءا يحتاج الى تربية روحية وأخلاقية عالية، وحرص شديد على المصلحة العامة من الناقد، ودراية تامة بمداخل موضوع النقد مخارجه، وأسسه وقواعده، بحيث يتجرَّد الناقد أولا عن أنانيته ويوجه نقده في ثوب نصيحة للطرف الآخر. وإذا دخل النقد في باب النصح والإرشاد، وانطبقت عليه كل شروط النصيحة المطلوبة إسلاميا، كأن لا يكون على مسمع ومرأى من الناس مثلا (فإن النصح بين الملأ تقريع)، الى آخر الشروط التي تحددها الروايات الإسلامية في باب النصيحة، أصبح النقد إيجابيا وأمكننا جني ثمار فوائده.
كما على الناقد في هذا السياق أن يبين مواطن القوة والصواب في موضوع النقد، ليكون ذلك عاملا مشجعا على تقبل الطرف المُنتقد للنقد من جهة، ولئلا يخرج النقد عن موضوعيته من جهة أخرى، وليعطي انطباعا بتسلط الناقد على أوليات موضوع نقد. وإذا صار النقد بابا من أبواب النصح والإرشاد، كان ذلك لب وجوهر ما يدعو إليه الإسلام؛ لأن (الدين النصيحة) فالنقد الإيجابي عملة نادرة، وقد يستغرق الإنسان عمراً طويلاً وزمناً مديداً لكي يجد شخصاً يقدم له نقداً إيجابياً بناءاً.
وليس النقد الإيجابي هو الثناء والمديح والتزكية، ولكنه بذل جهد لوصف العمل وذكر سلبياته وإيجابياته بوجه منضبط. وهو الذي يدفع المركبة إلى الأمام، ويعطي الإنسان قدرة على الإنتاج والتطور.
والناقد الصادق يتجه نقده إلى صاحب العمل كيف يطوره ويرتقي به دون أن يدمره، فلا يكون هدفه إسقاط الآخرين أو إبراز ذاته من خلال نقده.
واعلم أنه من السهل جداً انتقاد الآخرين واكتشاف الأخطاء وإبرازها، ولكن من الصعب بمكان إكمال البناء وإتمام النقص وسد الثغرات.
مشكلات تواجه النقد
تواجه عملية النقد عدَّة مشكلات في مجتمعنا تمنعه من القيام بدروه الإيجابي في حياتنا، ومن أهم هذه المشكلات:
1 ـ عدم تقبُّل النقد:
وهي ظاهرة عامة فجلُّ أفراد المجتمع يقامون عملية النقد بكل قوة، حتى وإن علموا بقرارة أنفسهم صدق النقد وموضوعيته.
والواقع: إن ظاهرة عدم تقبل النقد هي سبب انتشار داء الغيبة في المجتمع، فإن الناقد يضطرُّ ومن أجل التعبير عن رأيه فينا أن ينتقدنا في مجلس لا نحضره، لأننا لا نقبل النقد المباشر.
2 ـ عدم احترام آراء الآخرين:
أن أتنازل عن وجهة نظري ولو مؤقتا، واستمع الى وجه نظر أخرى مخالفة، أمر ربما يندر وقوعه، ولعل ذلك يعود الى أننا تعودنا على الكلام، ولم نتعود على السكوت والاستماع، وبالتالي صار نطق الآخرين بمحضرنا نوعا من الجريمة التي يجب أن يعاقبوا عليها، فما بالك إذا كان كلامهم نقدا موجها إلينا، لقد تضخمت الأنا في نفوسنا حتى صارت آراؤنا وتصرفاتنا مقدسة يجب على الجميع احترامها والتصفيق لها، أما الرأي الآخر فلا يستحق تضييع الوقت للاستماع إليه.
3 ـ اعتبار النقد نوعا من الامتهان للشخصية:
وسبب هذه النظرة للنقد هو الموروث الثقافي والاجتماعي، فإننا لم ننشأ على ظاهرة تقبل النقد والرضا به، لذا يخيل إلينا عندما يوجه النقد إلينا بأن ذلك تهجم علينا، وامتهان لكرامتنا، فنثور ونرفض.
4 ـ اللغة المستخدمة في النقد:
اللغة المستخدمة في النقد هي الأخرى مسؤولة عن رفض النقد ومقاومته، إذ يجب على الناقد أن يختار في حواره النقدي عبارات وجمل لا تكون شديدة الوطئة على الطرف الآخر، والأجدر تجنب المصطلحات التي تستعمل في معنى يمنح العبارة انطباعا سلبيا، بل يجب إلباس العبارات ثوبا دبلوماسيا واستعمال مصطلحات وتراكيب في النقد لم تألف الأذهان حملها على معان سلبية.
5 ـ يعتقد البعض أن النقد يتسبب في فتنة ويؤدي الى التباغض والشحناء؛ وحينئذ فترك النقد والتغاضي عن الأخطاء أفضل من إبرازها. لكن هذا عود على بدء ووقوع فيما فررنا منه.
6 ـ النقد عن دراية:
وينبغي أن ينبثق النقد عن علم ودراية تفصيلية بالموضوع، والذين يوجهون انتقاداتهم الى الآخرين دونما يعرفوا ابجديات الموضوع يوجهون طعنة نجلاء للنقد ودوره الإيجابي في الساحة الثقافية والاجتماعية، فالذي لا يعرف أصول النقد الأدبي مثلا كيف يتمكن من نقد قصيدة أو قصة أو رواية، والذي يجهل منهج البحث التاريخي كيف يمكن أن ينتقد بحثا تاريخيا مثلا، قال الإمام علي عليه السلام (لو سكنت الجاهل لما اختلف الناس) لكن المصيبة أن الجاهل لا يسكت.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=112090
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18