ليس جديدا على المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف أن تكون صاحبة الكلمة الحكيمة، والخطاب المعتدل الذي يشرح الصدور، ويضع النقاط على الحروف.
وبعد أن حقق العراقيون نصرهم العظيم على عصابات الجور والإفساد، ومنذ أيام تتجاذب هذا النصر المزاجات والتوجهات في مجالات عدة، فبعض يصدر النصر لجهات خارجية مدعيا أن لولاها لما تحقق النصر، وبعض يستنكر الفرحة بالنصر بدعوى أننا فقدنا شهداء، وبعض يصب جام غضبه على النازحين وسكان المناطق المحررة، وبعض يدعو لأن يكون الحشد خيارا سياسيا للمرحلة القادمة وغير ذلك من الكلام الذي كثر وكثر.
فأشرق خطاب الحكمة يوم الجمعة من منبر الصحن الحسيني الشريف لتضع المرجعية الكلمة الفصل للجدل الدائر في كل ذلك، ولنقف على أهم ما تضمنه خطاب المرجعية من مضامين إنسانية ووطنية هادفة تؤكد أن المرجعية هي لسان الدين والوطن والحكمة في هذا العصر.
- تعزيز الثقة بالنفس: بدأ الخطاب المبارك بشكر العراقيين ووصفهم بجميل الصفات التي تعزز ثقتهم بأنفسهم، وتجعلهم يفخرون بتضحياتهم وصمودهم وقدراتهم التي يسعى كثيرون للحط منها وإنكارها. وقد وصفتهم المرجعية بأنهم هم أصحاب النصر، مؤكدة على عظمة هذا الشعب وسمو تضحياته.
- الروح الأبوية لجميع العراقيين: وتضمن خطاب المرجعية توصيات تكللها روح الأبوة والعطف بكل من تضرر من الحرب على داعش من عوائل الشهداء والجرحى، ولم تقتصر وصية المرجعية على فئة من فئات الشعب العراقي بل جاء خطابها عابرا للانتماءات المذهبية والعرقية ليكون بلسما لكل جراحات العراقيين، فنجدها توصي بالنازحين الذين قاسوا الم التهجير والغربة، ولم تكتفِ بالدعوة لإعادتهم بل طفح خطابها بروح إنسانية عالية إذ أوصت بإكرامهم، وعدم إهانتهم، وعدم تكرير الأخطاء السابقة.
الحفاظ على المكانة الاجتماعية للمجاهدين: أكدت المرجعية في خطابها التاريخي أن المتطوعين الأبطال الذين لبوا نداءها لم يكونوا ذوي مآرب دنيوية أو مصالح سياسية بل هبوا للدفاع عن أعراض العراقيات ومقدسات العراق وأرضه، وهي بذلك قد حققت غايتين ساميتين:
١. الحفاظ على القيمة المعنوية للمجاهدين الأبطال، وعدم تشويهها بحرب التسقيط والمهاترات السياسية التي أودت بكثير من قيمنا المعنوية.
٢. قطع الطريق على الانتهازيين الذين يسعون لاستغلال الجهاد لتحقيق مصالح سياسية مخترقين مشاعر الناس المتعاطفة مع المجاهدين الذين حققوا الملحمة العراقية الكبرى في هذا العصر.
التأكيد على محاربة الفساد: لم تهمل المرجعية الآفة الكبيرة الثانية التي نخرت الجسد العراقي، فعادت وأكدت ما دعت إليه سابقا من الدعوة إلى مكافحة الفساد، والحرب عليه، وقد وصفت الحرب على الفساد بأنها لا تقل ضراوة عن الحرب على داعش.
هذه جولة سريعة في خطاب المرجعية لو تأملناها بعين الإنصاف لوجدنا خطابا حكيما يدعو لبناء دولة عادلة قوية فيها يشعر الفرد والجماعة كل بقيمته ودوره.
حفظ الله مرجعيتنا، ونصر وطننا، ورحم شهداءنا الأبطال.
|