• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لنتفائل ...لأن الأوضاع في صالحنا...! .
                          • الكاتب : عبد الهادي البابي .

لنتفائل ...لأن الأوضاع في صالحنا...!

عندما يضعف عنصر السياسة في نسيج القوة مهما بلغت من التفوق والعنفوان، وتتحول السياسة إلى ضرب من الحماسة يفتقر إلى المشروع الممنهج والخطة المحكمة والعمل الممرحل، تفوت العقلاء وجوه للحل قد لا تصل كلفتها عشر معشار ما بذل أو نحتاج لبذله من دماء، وهدره من عرق، وحرقه من جهود!
إن مثلنا نحن أبناء العراق  في ضعف الأستفادة من قوتنا وخطل التعبير عن سياستنا، ونحن نعاني من وجود قوات الأحتلال كل تلك السنين الماضية، وماأفرزه ذلك الأحتلال من تدخلات أجنبية وأنفتاح العراق أمام دخول المنظمات الأرهابية ، كمثل ذلك الرجل الذي ظل يتلقى الضربات ويتأوه دون أن يحرك يديه ليرد بالمثل، غني عن القول أنني لم أقصد المعنى الحرفي للكلام، أي أننا لم نقم برد الضربة بالضربة والأعتداء بأعتداء مثله، وإنما قصدت أن الرد لم يكن مسدداً مخططاً له، قد دُرست منطلقاته ومآلاته بروية وتُؤَدة بعيداً عن لوثة الحماس، حتى وصلنا إلى حال من يتلقى الضربات ولا يقابلها بأكثر من التأوه والشكوى،  إضافة إلى أن الدستور العراقي الذي كتبناه بأنفسنا تعاملنا معه بأيدٍ مقيدة، وكان الصواب أن نطلق به تلك الأيدي (لنرد) به على واقعنا الصعب ، ولو فعلنا لكان الرد أقوى وأجدى،  لكننا بقينا ننظر إليه وكأننا لا نبصر منه سوى أنه رجس من عمل الشيطان واجب الأجتناب، مع أن خصومنا لما رأوا إعراضنا عنه وجهلنا به، صاروا لا يتخيرون منه سوى رجسه ليصبوه فوق رؤوسنا، ولو أننا نظرنا فتبصرنا لكنا قد أجبرناهم على الكف عما هم عليه من ظلم وسفاهة.
المشكلة، التي لا يعيها أو - بتعبير أصح - لا يريد أن يعيها الكثيرون أن القوة لم تصل بنا إلى أهدافنا، والسياسة كذلك (وهذا ليس فيه ذم للقوة والسياسة من حيث الأصل؛ فنحن مع السعي في جميع الأتجاهات) ثم أنه ليس هناك من أحد ننتظره ليضارب عنا، ولا من ملجإِ لنا سوى بلدنا، ولا الحل بأن نستسلم للمحتلين وأعوانهم من الأرهابيين ونبقى نتلقى ضرباتهم بالتأوه وإطلاق الصرخات والأستنكارات هنا وهناك !!
لم تكن وثيقة صلح الحديبية (التي هي بمثابة دستور ينظم العلاقة بين الطرفين) كلها بجميع تفاصيلها خيراً محضاً، لقد كان فيها نسبة من الشر الذي تحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  وأول شرها عدم الأعتراف بنبوته، وذلك ما رفضه الأمام علي عليه السلام  - الذي كان يكتب الكتاب - رفضاً قاطعاً، ومن شرها إلتزام طرف النبي بإرجاع من جاءه مسلماً إلى قريش، دون إلزامهم بإرجاع من جاءهم مرتداً إليه، وهذا ما رفضه الجميع سوى القلة من أصحاب النبي ! ولكن العاقبة والنتيجة في مجموعها كانت خيراً بصرف النظر عن تفاصيلها، وعندما تكون النتيجة كذلك، فهذا يعني أن الشر الجزئي ذاب في الخير الكلي.
إن الناظر في قواعد الشرع العظيم وسيرة المصطفى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يجد أن قوة نبينا الأكرم ما كانت تمضي في مسارها إلا في ضوء السياسة، وما كانت سياسته تحبك بالحماسة وحدها، بل كانت خطواتها محسوبة، وتخضع لخطة باتجاه هدف أقرب يؤدي إلى هدف أبعد، وهكذا حتى وصل إلى غايته، وإن خالف - كما يبدو - في كثير من الأحيان مقتضيات العنفوان والأعتزاز بالذات، فقد كان أصحابه يضربون ويسجنون، ووصل الضرب وما هو أبلغ إلى ذاته الشريفة! غير أنه كان يأمر أصحابه بالصبر والتصبر، وإن أدى بهم ذلك إلى الهجرة والتغرب عن الأوطان،  ولم يكن هذا من عادة العرب ولا يتفق مع شخصيتهم التي لا تصبر على ضيم، ولما مكن الله تعالى له، لم تفارقه السياسة الحكيمة رغم أمتلاك أصحابه القوة والهمة والعزيمة، ورغم أن العروض المطروحة عليه من أعدائه ربما بدت أنها تجانف العزة، لكنه كان يقبل بها ما دامت مآلاتها تفضي إلى تحقيق الهدف الكبير.
أن الأحداث الجارية والأوضاع الأقليمية المتحولة من حولنا ، تستدعي منا أن نعيش في أجواء التفاؤل ، ونستبشر بها خيراً ، لأن الأحداث المتسارعة اليوم تسوق أوضاع المنطقة إلى صالحنا، وأن المحتلين بحماقاتهم والأرهابيين بجرائمهم قد أيقظوا الشعور الوطني  في أوساطنا، وهذه نعمة عظيمة ومنة جليلة، علينا أن نستثمرها  قبل فوات الأوان !!
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=11368
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 11 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3