أثار قرار مجلس محافظة صلاح الدين بإعلان المحافظة فدرالية مستقلة ردود أفعال كثيرة محلية وخارجية فتحت كل الملفات المعلن منها والمخفي وجعل الجمهور العراقي في حالة اضطراب وضياع أمام تعدد الاتجاهات فالبعض يصور هذه الفدرالية بأنها جريمة أو مؤامرة لتقسيم العراق والبعض الآخر يرى أنها استحقاق دستوري وبين هذا وذاك يقف المواطن العراقي في حيرة من أمره ويحتاج لمحلل سياسي مستقل يضع النقاط على الحروف .
الفدرالية من حيث الشكل استحقاق كفله الدستور في إحدى مواده واشترط في ذلك آليات معينة يجب إن تتخذ بإعلان هذا الإقليم رغم إن البعض يعتقد بان هذا الحق الذي منحه الدستور يمثل استحقاقا لا يتمتع بالشرعية أو الوطنية وإنما يقضي إلى تدمير العراق وتقسيمه ويعتقدون في وضع هذه المادة كان يهدف بالأصل لتمزيق العراق ولضمان ارجحية لقومية معينة على حساب وطن بكامله وبعبارة صريحة فان الزعماء الأكراد هم الذين وضعوا هذا اللغم ألتدميري لغرض تفجير العراق وجعله شظايا تتناثر هنا وهناك في اللحظة التي يتمسكون فيها في مشروع إقامة كردستان كبرى بعد إن يتمكنوا في جني اكبر قدر من المكاسب في الوطن العراقي والإمعان في إضعاف المركز ليكون ذليلا أمام عنجهية البرزاني وبرودة أعصاب الطالباني وكليهما وظف كل الدهاء الكردي والغربي لغرض استثمار مناصبهم في الدولة العراقية لتمزيق العراق وبناء كردستان على حساب الوطن الأم.
وهذا ما يفسر الأزمات والمؤامرات المتلاحقة التي تنفذ ضد حكومة بغداد بل أنهم سيطروا على وزارة الخارجية كي يهيئوا الرأي العام العالمي لظهور كردستان الكبرى وترسيخ الاعتقاد بان دولة العراق فاشلة ولا تصمد أمام الإرهاب والفساد وعلى العالم إن يساند النظام الفدرالي وهو نظام لا يشابه الفدراليات في العالم لأنه في حقيقته لما موجود في كردستان ويسمى بالمفهوم السياسي كونفدرالية وليس فدرالية لان الثانية تعنى اتحاد والأولى تعنى دولة شبه منفصلة لها كامل الصلاحيات بل إن ما موجود الآن في الاقليم ابعد من الكونفدرالية نفسها وهو دولة داخل دولة لان حكومة الأكراد ومن خلال استيلائها على رئاسة الجمهورية في بغداد ووزارة الخارجية ومناصب سيادية أخرى جعلتهم يحكمون الجزء والكل في ذات الوقت وأصبحوا محط أنظار الآخرين وتحريضهم على إقامة أنظمة مشابهة لكردستان في المنطقة الغربية أو في جنوب العراق لأنهم على ضوء الحرمان الكبير والتخلف الذي تعيشه المحافظات يعتقدون إن أمام نظام مثل كردستان سيجعلهم يأخذون حصتهم من المركز ويستأثرون بسلطتهم بكل موارد المحافظة أو الإقليم وعلينا إن نتصور ظهور ثلاثة أقاليم عراقية على شاكلة كردستان فما هو الحال التي ستكون عليه حكومة بغداد .
إن حكومة المركز اليوم ذات سلطات مشتتة وفساد كبير ينخر في مواردها وهي مهددة في كل لحظة ومن شتى التهديدات متعددة المصادر ذات الأجندات الداخلية والإقليمية والدولية وأفضل مثال تهديدات صلاح الدين وقبل إن تصبح إقليما حيث هددوا بإيقاف إمدادات الكهرباء والمشتقات النفطية ويمكن لنا إن نتصور محافظة الانبار ستهدد مستقبلا بتحويل مجرى نهر الفرات وغلق الحدود الدولية ويحدث ذلك في الجنوب وربما ستعلن هناك جمهورية إسلامية مصغرة تحظى بدعم إيراني ليوازي الدعم السعودي للإقليم الغربي .
إن هذه الأقاليم جميعها تلقى دعما أمريكيا وبريطانيا وسعوديا وكويتيا ، فقد أعلن بايدن نائب الرئيس الأمريكي عن مشروع الفدراليات الثلاثة الكردية والسنية والشيعية ومنذ وقت مبكر بل إن بريطانيا ودول الخليج أرسلت مليارات الدولارات لعرابي فدرالية صلاح الدين لدعم البعثيين الصداميين الذين يرفعون شعارات الوحدة العربية وسيادة العراق بيد ويقسمون العراق ويمزقونه باليد الأخرى .
ويمكن لنا إن نستقرىء مواقف متناقضة من هذه الفدراليات ففي الوقت الذي يستنكر البعض فدرالية المنطقة الغربية ويعتقد أنها مستعمرة سعودية خليجية بريطانية وملاذ امن للمجرمين للبعثيين الصداميين المطلوبين للعدالة وكذلك ملجأ أمين للقاعدة والقتلة واللصوص والمتطرفين ونجد هناك من يستنكر إقامة فدرالية في الجنوب لأنه يعتقد بأنها ستكون مستعمرة ، ويؤكد هذا التحليل ما جاء في مذكرات شوارسكوف ( يوميات حرب الخليج ) الذي فسر عدم دعم أمريكا للانتفاضة العراقية عام 1991 معللا ذلك لاعتراضات دول الخليج من مخافة تشكيل إقليم شيعي جنوب العراق سيكون سندا لإيران ووسيلة للضغط على دول الخليج ولعل هذا التصور يتخذ بعدا دوليا عندما نتصور سقوط نظام بشار الأسد وظهور نظام إسلامي سلمي أو أمريكاني فالنتيجة واحدة هو الضغط لمحاصرة حزب الله في لبنان وهنا ستتضح المعادلة بضرورة المبادرة الفورية للضغط على الخليج لخلق موازنة تخفف من وطأة الحصار على إيران وحزب الله في الوقت ذاته .
خلاصة القول إن هذه المشاريع كان مخططا لها منذ اللحظة الأولى لوضع الدستور في العراق بعد عام 2003 وكان يفترض الإشارة لفدرالية واحدة مقيدة بسيادة العراق في كردستان لقطع الطريق على تقسيم البلاد ولهذا فان الحل الوحيد أمام القوى الوطنية العراقية هو دعوة الشعب العراقي لاستفتاء عاجل لتعديل الدستور ورفع كل الألغام الفدرالية والاكتفاء بفدرالية كردية تخضع لسيادة العراق دستوريا وواقعيا ولا تفتح الأبواب لشلة مغامرين لتدمير البلاد وحينها سيخسر الجميع وأولهم الأكراد قبل العرب والسنة قبل الشيعة لان ضياع دولة العراق سيجعل هذا البلد مجرد محميات وأقاليم ضعيفة تعيش تحت رحمة دول الخليج وأمراء الطائفية والقومية المتعصبة .
firashamdani@yahoo.com |