من بداية الغيبة الكبرى كان خط المرجعية الدينية الممثل الفريد والوكيل الوحيد لبقية الله تعالى صاحب الزمان ارواحنا لتراب مقدمه الفدا، ولا نقصد بهذا الخط اسماً معيناً ولا شخصاً واحداً بل ما أقصده هو الخط النوعي بصفاته وخصوصياته فإن هذا الخط تميز على فرادته وتفرده بالتعددية المشروطة الدقيقة بشروط العلم والتقوى والعدالة وسلامة العقيدة وغيرها من الشروط، هذا الخط كان ولا يزال ذا معالم واضحة خطتها هذه المرجعية بالصبر والثبات دون التنازل عن المبادئ..
هذا الخط الذي طالما كان خطراً على السلطات الظالمة والحكومات الجائرة ومصدر قلقٍ للظلمة والطواغيت، لا لأنه يطلب عروشهم أو ينازعهم في ملكهم،حاشاه ، لكنهم يعلمون أن هذا المقام -مقام المرجعية- لا يمكن أن يُشترى ولن يستطيعوا شراءه كما فعلوا مع غيره من الخطوط المنحرفة والفرق الضالة، لأن هذا الخط هو المقتدي بآثار أئمته عليهم السلام الذين تجرعوا غصص الظلم بشتى أنواعه لكن لم يستسلموا بل نصروا دين الله فوضحوا الإسلام وأخلاقيته والحق وبراهينه مقابل من ادعى تمثيل الإسلام زوراً وعدوانا..
من هذا التأسي يظهر هذا المقام وهذا الخط بأسمى الصفات والخصائص، حيث أنه في صلابته في العقيدة تجده ليناً في التعامل وفي بساطته في العيش تجده عزيزاً في مواقفه هكذا كان خط المرجعية ولا يزال.
أما اليوم وبعد الخطبة الأخيرة يوم الجمعة ١٧ شعبان، والتصريحات السياسية المتتالية وكيف أن أغلب التوجهات -إن لم يكن جميعها- قد أذعن للتوصيات، ولا يستطيع أحدٌ أن يقول كلا للمرجعية، الحزب الذي تعاهد بعض أعضاءه على ضرب المرجعية إعلامياً إن تدخلت في السياسة، نفس هؤلاء يمدحون السيد السيستاني ليلاً ونهاراً، نفس الحزب الذي كان يرى أن قيادة الأمة حق للحزب لا للمرجعية يصمت أمام خطاب المرجعية ولا يلفظ ببنت شفة، بل يؤيد فور انتهاء الخطبة.
توجهٌ آخر كان يعيب على المرجعية سكوتها بل وتجاوز في بعض الأحيان الى الإستهزاء والهجاء بل إلى السب والشتم، يظنون أنفسهم أقرب إلى الحق من المجتهد العالم العادل ولكنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً!، لم يكونوا إلا أصواتاً فارغة وأفواهاً جاهلة دون علمٍ أو فهم، لكن بعد كل ما فعلوا لم ينظر المرجع الأعلى لهم إلا نظرةً أبويةً رحيمة، فجزاهم بالإساءة الإحسان، واليوم لا كلام لهم أمام كلمة المرجع وفتواه.
شخص آخر يدافع عن السكارى في كل حين، لا يستطيع اليوم إلا أن يستمع لخطاب المرجع ويحاول أن يجعل النار لقرص علمانيته دون أن ينكر أو يعارض.
لا أحد اليوم يستطيع أن يقول للمرجع لا، نعم يؤلون الخطاب، يحرفون الكلم، لكن لا يستطيعون أن يجحدوا، اليوم مقام المرجعية أصبح مهاباً ليس عند المرجعيين فقط، بل عند الجميع.
لا أعتقد أن المرجعية حظت بهذا المقام منذ زمن قريب، لا أقصد المقام الثبوتي بل الإثباتي، قد يتوهم البعض أن هذا المقام هو من صنع السيد السيستاني وحده، على فهمي القاصر هو ليس كذلك، مع ما للسيد السيستاني من الفضل الكبير والواضح، لكنَّ جزءاً من هذا المقام كان نتيجة صبر السيد الخوئي -قدس سره- طوال سنين وتجرعه ظلامات الطاغوت وصبره على ما جرى عليه، السيد الخوئي كان جبلاً من الصبر دافع بكل ما يملك عن حمى التشيع والإسلام، جزءٌ منه -من الفضل- كان للسيد محسن الحكيم قدس سره وذلك بفضل رسمه السياسة المرجعية والتي يرتسم معالمها اليوم السيد السيستاني كما يقول دام ظله، جزءٌ منه كان بفضل الدماء الطاهرة التي دفعتها الحوزة قرابة الثلاثين سنة.
لا تتخيلوا أن النتائج تأتي بشهر أو سنة بل هي سنوات وعقود، ما نشهده من قوة مرجعية اليوم لم يأتِ لصدفةٍ ولا لفعلٍ عابث، بل كان بالعمل الجاد الدقيق والتوفيق الإلهي، عملٌ كان ناتجه اليوم أن يَسمع الصديق ويَخرس العدو، السيد السيستاني برهنَ على أن العمل العلمي الدقيق وإن طال به الزمن هو المُجدي بعكس غيره.
من أراد أن يعمل لدينه وأهله ومجتمعه عليه أن يدرس هذا الخط جيداً ويتعلم كيف يخطط ويصبر لينصره الله نصر عزيز مقتدر كما نصر السيد المرجع دام ظله ورجاله وأبطال فتوته في الجهاد وغيره من الأزمات والمنعطفات.
|