بأي عنوان اسلامي تحرك الامام الحسين (ع) ، هل تحرك بعنوان الجهاد، ام بعنوان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ام بعنوان الدفاع عن النفس ، ام بعنوان كونه اماما معصوما عليه حفظ الدين ورعاية الامة ، والتكليف الشرعي للامام يفرض عليه التحرك وفق الظروف المتاحة زمانيا ومكانيا ويتخذ الموقف الذي يراه مناسبا ليحقق النتائج الايجابية للدين والامة حتى وان لم تكن انية ، بل في المستقبل القريب او البعيد ، ام انه تحرك بجميع تلك العناوين، في رأينا ان الامام الحسين تحرك اولا بعنوان خصوصيته كأمام،وهذا بالنسبة له شخصيا عليه ان يتحرك ضمن خصوصيته الشرعية كأمام،لكن حركة الامام ضمن هذه الخصوصية لا تعني حرمان العناوين الشرعية الاخرى من الدخول ضمن ساحة حركة الامام،فبالامكان ان يخاطب الناس بالعناوين الشرعية المشتركة بينه وبينهم ، وهذا مافعله الامام الحسين في مخاطباته الى الناس منها قوله))اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي،ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر )) ، اما الاخرون الذين تحركوا معه ،فبأي دافع وعنوان شرعي تحركوا ؟ بحيث سمح لهم هذا العنوان بأن يقدموا ارواحهم تحت سقفه بعد تيقنهم من شرعيته ، نرى ان هؤلاء الذين صمدوا معه حتى استشهدوا بين يديه ، هم المؤمنون بالامامة ، والعارفون للامام ، والواعون والمدركون لواجبهم الشرعي لنصرة الامام ووجوب طاعته حتى لو تطلب الامر ان يضحوا بحياتهم وهذا ماحصل فعلا، وهؤلاء هم القدوة الى الناس الاخرين بوجوب طاعة الامام والتضحية من اجل قضيته ، لان قضيته هي قضية الاسلام ، وهؤلاء وامثالهم يعرفون ان النبي (ص) اختار عليا بأمر آلهي وليا وراعيا للدين والامة من بعده ، واختار الائمة الاحد عشر الاخرين من صلب علي وفاطمة ، من بعد علي،رعاة وولاة للدين والامة ايضا ، فالحسين (ع) هو حجة زمانه، وكل امام معصوم هو حجة في زمانه ،ولكل امام دوره ضمن مساحة المكان ومسافة الزمان،يؤديه استمرارا للدور الذي قبله ، واستمرارا لخط النبوة ، وتميز دور الحسين بالثورة ، لانه رأى الانحراف الكبير الذي قاده الامويون لابعاد الدين عن مساره الطبيعي ، اذ اخذ الامويون يطرحون دينا بعيدا عن الخط النبوي ، دين يدعو الى الاستسلام والخنوع للحاكم الظالم ويطلق يده في سلب الحرية والكرامة والمال العام والخاص،أي انهم قادوا حملة لتشويه الاسلام ، كما ان الامة في عهد الامويين،عندما استلم الحسين(ع) مسؤولية الامامة من بعد اخيه الحسن (ع) ، اصابها الخدر والكسل والخنوع والاستسلام للامر الواقع ، ووقفت الامة متفرجة امام افعال ملوك الامويين ، وازاء هذا الواقع المتردي رأى الامام وهو المكلف بحماية الدين ورعاية الامة ،ان لا شئ يهزالامة ويحرك ضميرها ، ويحافظ على الدين،وينبه على ما اصابه من تشويه وتحريف اقلّ من التضحية بالنفس،رأى ان لاشئ يوقض الامة من غفوتها وغفلتها، ويحافظ على الدين من التشويه والتزوير ، غير ان يقدم دمه الطاهر قربانا لله تعالى كي يستقيم امر الدين وتنتبه الامة لدسائس الامويين ، ويؤسس لمبدأ الثورة بوجه كل ظالم يريد مصادرة شعبه ويحكمها بالجور والظلم والزيف ، وهنا لابد من الاشارة الى بعض الاراء في هذه المسألة،منها رأي السيد محمد حسين فضل الله(رض) ،اذ يرى ان تحرك الامام بالثورة جاء بعنوانين اثنين اجتمعت مبررات الثورة بهما عنوان كونه اماما معصوما،وعنوانا عاما يشترك فيه المسلمون جميعا،وهو عنوان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد وضع هذا العنوان في واجهة حركته ليذكر المسلمين الذين يريد الامام ان يكونوا معه بالعناوين الشرعية التي تفرض عليهم التحرك معه ، وليحدثهم بأن مسألته ليست مسألة ثائر يتطلع الى السلطة من موقع الزهو والسيطرة الطاغية ، فليست القضية قضية تحديات المسألة الذاتية في مواجهة مسألة ذاتية اخرى ، بل للايحاء اليهم بأن هذه العناوين تفرض على كل الناس الاستجابة لاية قيادة تعمل من اجل تحويلها الى واقع حي،كما تفرض على القيادة ان تتحرك من اجلها ، هذاهو رأي للسيد محمد حسين فضل الله (رحمة الله تعالى عليه)،اما الرأي الذي يقول ان الامام الحسين (ع) قد تحرك من خصوصيته كأمام معصوم،ومن مسؤوليات الامام ان يتحرك في مثل هذه المواقف ، فلم تكن حركة الحسين وفق هذا الرأي تدخل ضمن العناوين العامة التي يتحرك فيها كل مسلم ، هنا لايؤيد السيد محمد حسين فضل الله هذا الرأي ويقول بما هو مفاده ، ان الامام لا ينطلق في حركته من خصوصيات المسؤولية الخفية التي لا يعرفها المسلمون معه ، لان القضية هي قضية الاسلام فيما يجب عليه ان يحرك الامة لتحقق له قوته وعزته وكرامته ، من خلال العناوين الكبيرة، والاهداف الواسعة،ولذلك فأنه ينطلق من قضايا الاسلام وعناوينه التي يشعر المسلمون انهم معنيون بها من خلال مسؤوليتهم عنها ، لا من خلال الطاعة العمياء للامام الذي يجب عليهم طاعته ،ويستوحي السيد فضل الله هذا الرأي من خلال بعض خطابات الحسين اذ انه كان يطرح شرعية المعركة من خلال عناوينها العامة لا من خلال خصوصية امامته،وهذا ما تقرأه في خطابه الذي بدأ به مسيرته((ايها الناس ان رسول الله (ص) قال : من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا بعهده ، مخالفا لسنة رسول الله ، يعمل بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله ، الا وان هؤلاء القوم قد تركوا طاعة الرحمن ولزموا طاعة الشيطان ، واظهروا الفساد وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفئ وانا احق من غيّر )) . وخطاب الحسين (ع) الآخر((اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا،وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ، ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن ردّ عليّ هذا ، اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين )) .
وفي ضوء هذه المعطيات يستوحي السيد فضل الله من موقف الحسين هذا الشرعية للتحرك والثورة في كل زمان ومكان اذا كانت المرحلة شبيهة بالمرحلة التي عاشها الحسين (ع) من حيث الظروف والاوضاع والمواقع ، وبذلك تخضع المسألة في حركة العناوين الكبيرة في واقع الامة لدراسة المرحلة الزمنية والسياسية في مدى الايجابيات التي توفرها للمصلحة الاسلامية العليا على صعيد تغيير الواقع ، او ايجاد الصدمة النفسية او السياسية التي قد تهز الامة من اجل اعدادها لمرحلة جديدة او الاعداد للخطة الطويلة التي تحتاجها الثورة في مواجهة التحديات الكبيرة للاستكبار ، فقد تحتاج القضية الى الاسلوب الكربلائي ، وقد تحتاج الى الاسلوب الهادئ الذي ينفتح على السلام على اساس المرونة العملية التي تمثل اسلوب الانحناء امام العاصفة ريثما تمر ليبدأ التحرك في اجواء طبيعية ملائمة ،وقد تمس الحاجة الى اسلوب متنوع فيما بين الرفق والعنف، فيتحدد الحكم الشرعي في نوعية الحركة تبعا لنوعية الظروف الموضوعية الموافقة او المخالفة ، وهذا ما يجب ان نرصده في اساليب ائمة اهل البيت(ع) فلم تكن المسالة مسألة اختلاف في النظرة الى طبيعة العمل،بين موقف يؤمن بالعنف ، وموقف يؤمن باللين لتكون ذهنية الموقف الموقف الاول ذهنية عسكرية في نظرتها الى طبيعة الصراع ، بينما تكون ذهنية الموقف الثاني ذهنية سلمية في دراستها للواقع ، بل كانت المسألة مسألة الاختلاف في الظروف الموضوعية التي تجعل من كل اسلوب ضرورة في مرحلته وفي علاقته بالهدف الكبير ، وهذا هو الاسلوب الاسلامي العام في خطوطه العريضة ، فليس هناك خط للعنف في كل المواقع والمواقف بشكل دائم ، وليس هناك خط للرفق في كل الساحات بطريقة مستمرة ، بل هناك النتائج الكبيرة في حاجتها الى هذا الاسلوب اوذاك ، فهي التي تحدد للانسان المسلم شرعية موقفه في القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والامنية في ذلك كله .
وهذا الرأي الذي تقدم هوتلخيص لرأي السيد فضل الله واستخدمنا احيانا نفس العبارات التي كتبها واحيانا غيرنا قليلا لنعبر عن رأيه بتصرف ليكون القارئ الكريم على بينة من ذلك .
وفي ضوء هذه المعطيات نرى ثلاث محاور تستحق المناقشة وابداء الرأي فيها ، المحور الاول حركة الحسين هو شخصيا بأي عنوان كانت ؟نرى ان حركته (ع) كانت بعنوان انه الامام المعصوم الواجب عليه حماية الدين ، بعد ان رأى ان الخط الاموي يريد ان يعطي للامة وجهااخر للاسلام غير الوجه الذي اراده الله تعالى والرسول الكريم (ص)، فمن واجبه وهو الامام المسؤول عن حماية الدين حسب التكليف الشرعي للامام ، حمايته من الزيف والانحراف والتحرك لحماية الخط الاصيل للاسلام حتى وان استوجب ذلك التضحية بالنفس في هذا الطريق ، والجود بالنفس اقصى غاية الجود ، وهذا ما قام به الحسين (ع) هذه الحالة ليست حالة عامة بل خاصة بالامام، كما انها لا تنطبق على دور كل امام من الائمة الاثني عشر بل لكل امام دوره حسب المرحلة والظروف الموضوعية التي يعيشها . والامام الحسين مرحلته استوجبت ان يضحي بدمه الشريف سلامة وحفظا للدين ، هذا من جهة ومن جهة اخرى ان الحسين تيقن تماما وبناء على مؤشرات وظروف موضوعية، ان الحاكم الاموي الطالب للسلطة وبأي ثمن لا يتركه وشأنه وهو الرافض للاعتراف بشرعية الحكم الاموي ، عليه فأن هذا الحاكم المتسلط على رقاب المسلمين لابد وان يسعى لقتله، بأي وسيلة وبأي صورة وبأي ثمن ،ولما كانت هذه النتيجة للامام شبه يقينية ، اذ بين ذلك من خلال الكلمات التي تبادلها مع من قدم له النصيحة بعدم الخروج من مكة والذهاب الى العراق ، وذكرنا نماذج من هذه الكلمات في الحديثين الاول والثاني، اذن لابد وان يكون استشهاده وهو المصرّ على عدم الاعتراف للامويين بشرعية حكمهم في الوقت والمكان المناسبين خدمة للدين، وكان بأمكان الحسين( ع )ان يتخلص من هذا الموقف لو اعترف بشرعية الحاكم الاموي وبايعه ، لكن مبايعته تعني الاقرار للحاكم الاموي بشرعية حكمه وصحة الاسلام الذي يطرحه للامة ، وهذا يتنافى مع مهمة ومسؤولية الامام الحسين (ع) ، لذا نرى رفض الامام وبشكل قاطع الاعتراف او البيعة ليزيد لان ذلك يوحي للامة بأن خط الاسلام الاموي صحيح وهذا ما يتنافى ومهمة ومسؤولية الحسين ،فمن الطبيعي ان يقبل الامام بما سيتولد من نتائج لهذا الرفض ، فقبل بالتضحية كوسيلة لحماية الدين ، ولكشف الزيف الاموي الذي جند كل الطاقات لتشويه صورة الاسلام بما يتناسب ومصالح الحكم الاموي ، فقد اقتنع الامام انه لابد من ان يضحي بحياته لاجل تحقيق هذا الهدف ، حيث وجد ان هذا السبيل هو الوحيد الذي يحمي الدين ، وينبه الامة الى خطر هذا الانحراف او التشويه الذي اسس له الامويون ، وارادوا عرضه على الامة كبديل عن الاسلام الاصيل ، وبثورة الحسين فشل هذا المخطط ، وعرف الناس ان الاسلام الذي عرضه الامويون الذي يهتم بالمراسم والشعارات، ويقر الظالم على ظلمه ويجامل الحاكم الظالم ضد مصلحة المظلوم ، يختلف عن الاسلام النبوي الذي ضحى الحسين (ع) من اجله .
هذا بالنسبة الى المحور الاول اما المحور الثاني فهو موقف صحابته واهل بيته الذين جاءوا معه من المدينة ، والذين رفضوا ترك الحسين بعد ان طلب هو من الناس ان يتركوه كون الحاكم الاموي لا يطلب ولا يبغي غيره ،فبعد وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة واخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر خطب الناس وبين لهم النتيجة التي ستؤول اليها المعركة، وهي حتمية الموت ،خاصة بعد وصول خبر استشهاد ممثليه في العراق ،ونكث العهود التي اعطاها اهل العراق له من خلال الرسائل الكثيرة التي وصلته ، هذا الموقف دفع الحسين لان يوضح للناس الذين ارادوا مرافقته الى العراق طريق المسير ونهايته المحتومة بالموت ، لعدم تكافئ ميزان القوى ، وهنا تصرف الحسين (ع) ضمن مسؤوليته كأمام اذ سمح للناس بالذهاب وترك المعركة ، في حين لم يسمح لنفسه بذلك ، لان مهمته كأمام للمحافظة على الدين لا تجيز له ان يترك الامر كما يتركه الاخرون ، فالناس الذين تحركوا معه على نوعين ، الاول تحرك بدافع انه الامام الواجب الطاعة وعندما يكون في موقف يحتاج الى النصرة فلا يجوز تركه ، هذه الثلة من الناس قليلة جدا وتمثل اصحابه واهل بيته الذين جاءوا معه ، ويعرفون حق الامام والامامة ، هؤلاء فقط من تحرك لنصرته عن مبدئية لمعرفتهم دوره ومعرفتهم مسؤوليتهم تجاه امام زمانهم ، ومن هؤلاء من انتصر له في كربلاء بعد ان توضحت لهم الصورة الحقيقية للزيف الاموي ، كالحر بن يزيد الرياحي ،وهذه الثلة المؤمنة تعرف الامام وتقدر دوره في المجتمع ، وتعي دور الامامة فلم يكن هؤلاء ضمن الفئة التي لا تعرف ( خصوصيات المسؤولية الخفية (للامام) التي لايعرفها المسلمون الآخرون ) كما سماها السيد فضل الله واظن ان السيد يعني ان هذه الخصوصية لايعرفها الغالبية من المسلمين وليس جميعهم ، والا كيف نفسر موقف صحبه الذين صمدوا معه ، فهؤلاء انطلقوا مع الحسين وهم يعرفون مسؤولية الامامة ومسؤوليتهم في نصرة الامام .
اما المحور الثالث الذي نبدي رأينا فيه هو ان الحسين (ع) تصرف هو شخصيا ضمن حدود مسؤوليته كأمام واتخذ قراره بأن يقدم على الشهادة حفاظا على الدين وخلقا لروح الثورة في الامة ضد الظلم والظالمين والمزيفين والمزورين لدين الله تعالى ، وبذلك وضع أسس الثورة على كل ظالم مستبد لا يعطي للامة دورها في البناء وتدبير شؤون البلاد ، وانه قال (ع) في احدى خطبه وهو في هذا الموقف التغييري( وانا احق من غيّر)، هذا من جانب ومن جانب آخر تحرك الحسين ايضا بالعنوان العام في تعامله مع الحدث مع عموم المسلمين سيما وان هذا العموم يجهلون دوره ومسؤوليته كأمام ، ويجهلون دورهم وواجبهم تجاه هذا الامام ، فالكثير من المسلمين لا يعرفون هذه ( الخصوصية ) حسب تعبير السيد فضل الله رحمة الله عليه ،وهنا نؤكد رأي السد فضل الله في هذا المجال ، اذ ان الحسين خاطبهم بعنوان الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا عنوان عام يشترك فيه جميع المسلمين اذ قال في احدى خطبه ( انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ) ،هذا الصنف من المسلمين الذين تحركوا معه اثناء مسيرته الى كربلاء تحت هذا العنوان العام ، خطب فيهم الحسين بعد ان علم باستشهاد مسلم بن عقيل سفيره الى الكوفة،واعطاهم السماح والاذن بأن يتركوه،لان ميزان القوى يؤشر ويوحي بأن النتيجة الحتمية لثورة الحسين (ع) هي الاستشهاد،وضمن العنوان العام (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، يسمح للمسلم ان يتحرك بخطوات ومراحل حسب مفهوم الحديث الذي يقول(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ) ،كذلك يجيز مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للمكلف ان يتوقف عن هذا الواجب ان كانت النتيجة ستؤدي به الى ضرر كبير كيف اذا ادت به الى الموت ،يقول السيد فضل بصدد هذا الموقف من الناحية الفقهية ((ان يأمن الآمر والناهي الضرر على نفسه وعرضه وعلى ما يهمه حفظه من المال المعتد به .. )) وفق هذا المبدأ العام اجاز الامام الحسين (ع) للناس الذين كانوا معه بأن يتركوه لمصيره ، لانه هو الامام المكلف بواجب التغيير ومعه الذين يؤمنون بأمامته حتى وان كلفه ذلك حياته ، فقال الى الناس الذين معه في خطبته لهم (( اما بعد فأنه قد اتاني خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر،وقد خذلنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج،ليس عليه منا ذمام )) .(( فتفرق عنه الناس يمينا وشمالا، حتى بقي في اصحابه الذين يريدون الموت معه ، واستمروا على عزمهم هذا الى اللحظة الاخيرة لكل منهم ، اللحظة التي ادى فيها ضريبة الدم كاملة )) ثورة الحسين ، محمد مهدي شمس الدين .
ليتخيل محبو وانصار الامام الحسين هذه اللحظات الحرجة للغاية الموقف والشعور والحالة النفسية للامام وهو ينظر الى الناس وقد تفرقوا عنه يمينا وشمالا وهو في هذا الموقف الذي يحتاج فيه الى النصرة والعون ، ولنا ايضا ان نتخيل مدى قوة وعزيمة وصلابة الامام في الثبات على الحق بوجه الظلم رغم قلة الناصر. لنتعلم من هذه الدروس ونستفيد منها لتغيير الواقع المؤلم لنا ولجميع الشعوب المظلومة ،وليستفد شعب البحرين وبقية الشعوب المظلومة من هذه الدروس القاسية للتصدي بوجه من يظلمهم من الحكام المفروضين على شعوبهم بالقهر والقوة والظلم ،ولتنظر هذه الشعوب المظلومة الى موقف الحسين ، ولتنظر الى اصحابه واهل بيته الذين جاءوا معه وصمموا على الشهادة مع الامام الحسين انتصارا للحق واسقاطا للظلم والظالمين،هؤلاء الاصحاب والاهل يعرفون الامام الحسين (ع) ويعرفون ايضا دورهم وواجبهم لنصرة الحق ونصرة امام زمانهم ، لهذا عندما طلب الحسين منهم ان يغادروا ويتركوه وحده في الميدان كما فعل الناس الاخرون رفضوا ذلك لانهم يعرفون الامام ويعرفون واجبهم تجاهه ، اذ قال زهير بن القين : (( سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك ، ولوكانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها )) وكذلك قال الاخرون مثل قوله ، لانهم تصرفوا بعنوان طاعة الامام الواجب الطاعة فهم يعرفون هذه الخصوصية وتصرفوا وفق خصوصية الامامة ،وازاء هذا الاصرار من صحابته واهل بيته على الشهادة معه قال لهم الامام الحسين (ع) : (( اما بعد فأني لا اعلم اصحابا اوفى ولا خيرا من اصحابي ، ولا اهل بيت ابرّ ولا اوصل من اهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعا ، الا واني اظن ان يومنا من هؤلاء الاعداء غدا ، واني قد اذنت لكم ، فانطلقوا جميعا في حلّ ، ليس عليكم مني ذمام ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم ، فأن القوم انما يطلبوني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري )) .
وهنا حتى اهل بيته واصحابه وضعهم امام خيار تركه وحيدا ليواجه مصيره ، الذي صمم على الوصول اليه وهو الشهادة في سبيل الله ، حفاظا على الدين ودفعا للانحراف ، وكشفا للاسلام الصريح الواضح الذي اراد الامويون طمس معالمه ،وتنبيها للامة من غفوتها ، لكن اصحابه واهل بيته العارفون لحق الامامة ولدوره كامام مكلف برعاية وحماية دين الله تعالى اصرّوا على الوقوف الى جنبه والاستشهاد معه وصولا الى الغاية التي اراد الحسين(ع) الوصول اليها ، ومشاركة منهم في تحمل مسؤولية الدفاع عن الدين ، واعلام الامة ولفت انتباهها الى خط الانحراف الاموي ، وفضحا للدين الذي يبشر به الامويون ، دين الظلم والخنوع والاستسلام للحاكم الظالم ، والتلاعب باموال ومقدرات الامة ،الدين الاموي الذي ارادوه بديلا عن الاسلام الاصيل ، فكان جواب اصحابه واهل بيته الرفض التام بالتخلي عن مسؤوليتهم الدينية والاخلاقية ، لانهم يعرفون الحسين كأمام ويعرفون حقه ودوره ، فقال مسلم بن عوسجة : (( أنحن نخلي عنك ولما نعذر الى الله في اداء حقك ؟اما والله لا افارقك حتى اطعن في صدورهم برمحي واضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك )) وهكذا كان موقف بقية الاهل والصحابة ، فهم يعرفون حقه عليهم ، ويدافعون عن هذا الحق حتى الموت .
علي جابر الفتلاوي
A_fatlawy@yahoo.com |