• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : محمود درويش فراشة ترفرف في المكان .
                          • الكاتب : زوليخا موساوي الأخضري .

محمود درويش فراشة ترفرف في المكان

جلس المغني. شاب وسيم اسمه رشيد الشناني. عانق العود و انطلق سحر محمود درويش يعانق أوتار العود. هنا وقف النهار ما بيننا حارسا. تتكرر لفظة هنا كلازمة. حنين للمكان. مسرح محمد الخامس يحنّ لصوت محمود درويش كما كان محمود يحنّ لمسرح محمد الخامس. المسرح ممتلئ عن آخره. الناس الذين لم يجدوا مكانا يقفون أو يجلسون على الأرض بخشوع في الممرات. ينساب صوت محمود درويش نهرا من ألق. موسيقى دافئة تحلق بنا بعيدا إلى أرض فلسطين و إلى الإنسان في كل مكان. يا لسحر المكان و يا لسحر درويش. المكان يليق بالشاعر و الشاعر يليق بالمكان.
 
واصف منصور يجلس هناك في الطرف الأيمن من القاعة ينظر إلى المغني. هل كان يفكرّ مثلي في محمود درويش و  هو يستمع إلى شعره يعانق الفضاء و يعانق العود؟
 
حسن البقالي المحتفى بإبداعه هذا المساء من يوم أربعاء 30 نونبر بالمقهى الثقافي التابع لمسرح محمد الخامس. احتفاء من تنظيم و تأطير فرع الرباط لاتحاد كتاب المغرب رائد القصة القصيرة جدا يجلس بتواضعه المعهود. على الجانب الأيسر للمبدع تجلس ليلى الشافعي مقدمة فقرات البرنامج. بين الفينة و الأخرى تنحني على أذن المبدع توشوش له بانطباع أو فكرة. يهزّ حسن البقالي رأسه موافقا ثم ينصت بخشوع  إلى المغني.
 
يرفع بصره إلى الصورة الكبيرة لرئيس البلاد تتوسط الحائط. على يسار الصورة رسم لذراعين تحملان كمانا. على يمينها تمثال لأحد الحكماء. أرسطو أم فيتاغورس؟ الفارابي أم ابن سيناء؟ ديكارت أم نيتشة؟ هل هذا يهم؟ كل الحكماء و الفلاسفة و كل البدعين يلتقون في يم هذا البحر الهائج على الدوام. بحر الإنسانية العظيم.
 
 الطاولات المنتشرة في حديقة المقهى مليئة عن آخرها  برواد قذف بهم التعب اليومي إلى محاولة أخذ قسط من الراحة باحتساء قهوة أو شاي أو عصير و الدردشة مع الأصدقاء. لم يأتوا من أجل القصة و لا يحملون همومها. ربما يحملون هموما أخرى لكنهم لا يعيرون اهتماما لما يجري داخل القاعة رغم أن كل ما يقع داخلها يصل إلى مسامعهم عبر مكبّر الصوت.
 
النادلات والنادلون يتنقلون من طاولة إلى أخرى، يتصايحون. صوت الأواني يحدث ضجيجا عاليا يغطي أحيانا على صوت المتدخليّن. ليلى تحتج. لا أحد يهتم.
 
أحمد زنيبرأول المتدخلّين: قاص و ناقد يستعرض إبداع حسن البقالي المتنوع من رواية و قصة قصيرة و قصة قصيرة جدا بعد أن أعطى لمحة قصيرة عن تاريخ القصة القصيرة جدا ثم تحدث بإسهاب عن المجموعة القصصية لحسن البقالي: مثل فيل يبدو عن بعد.
 
محمد أيت حنّا قاص شاب ، يحفر في تراكم القصة القصيرة بالمغرب بأدواته الخاصة التي يمتزج فيها معرفة الدارس الخبير و المبدع المحنك فيبدو له المشهد ’’ عددا لا متناهيا من المواضيع يعبّر عنها عدد لا متناهي من القصّاصين’’
 
’’ لنفترض أن لدينا فندقا بغرف لا متناهية، يقيم بها زبناء بعدد لا متناه أيضا.. كيف نتيح لمجموعة لا متناهية من الزبناء الجدد أن يقيموا في ذات الفندق ذي الغرف اللانهائية و الزبناء اللانهائيين الأصليين؟’’ يقول السارد في أول قصة من مجموعة المبدع المحتفى به حسن البقالي: شرب الموسيقى كتابة القصة من مجموعته الأخيرة: الإقامة في العلبة. رهان وجودي يلتقي فيه القاص مع القارئ المتمرّس لقصصه.
 
يخصص محمد أيت حنّا  إبداع حسن البقالي بميزة اقتناص’’ التوقيت و المكان المناسبين’’ مع إخفاء بارع لهذا الإقتناص الشيء الذي يحقّق المتعة و الدهشة عند قارئ هذا المبدع.
 
بعينين يشعان ذكاء و طيبة يتابع حسن البقالي مداخلات زملائه و يفضل قراءة بعض من نصوصه عوض التعقيب على مداخلاتهم ثم يفسح المجال للحضور كي يدلي بدلوه كل من يشاركه همّ الكتابة عموما و القصة القصيرة خاصة.
 
ماء الأعماق، مثل فيل يبدو عن بعد و المجموعة الأخيرة لحسن البقالي: الإقامة في العلبة: نصوص تغرف من الواقع المعاش فيلّوّنها القاص بصبغة الشعرية الصوفية و الوجودية السارترية الجديرة بخلق المتعة و الدهشة و تصيب القارئ بظمأ لا متناهي لنصوص حسن البقالي.
 
ضريبة2:’’ تلقى المواطن الخبر بإقرار ضريبة  جديدة.. حوقل كما العادة.. و نفّس عن أوجاعه بالدردشة مع جلساء
 
المقهى. ثم قصد مصلحة الضرائب كي يؤدي الواجب الوطني.
 
قصة من الأضمومة الموسومة ب: مثل فيل يبدو عن بعد.
 
تماما مثل ’’ك’’ شخصية كافكا تضطرب الشخصية البقاّلية في شرنقة الواقع و لا تخرج منها. تذعن في الأخير للأمر الواقع و تنهزم أمام  جبروت أسوار القلعة.
 
في حوار شخصي مع المبدع عن ارتباطه بمكان ما قال حسن البقالي أنه ظل لا أقل و لا أكثر.
 
قصة الظل من نفس المجموعة: مثل فيل يبدو عن بعد:
 
ذلك المقيم على ضفة النهر
 
رأى ظل طائر يعبر كالحلم.
 
رآه واضحا في خفته و مروقه
 
في بهجة التحليق ضدا على رغبات الريح و الجذب
 
صار يذكره كل حين
 
و يعيد تشكيله حسب ساعات النهار و تلون المزاج..
 
حتى استقر على شكله النهائي:
 
صار ظل الطائر ظله الشخصي الذي يعبر النهر و يسرح بعيدا قبل أن يعود إليه محمّلا ببقايا العالم.
 
هل ساعدتني هذه القصة على تلمسّ حوافي عوالم حسن البقالي الإبداعية  أم على العكس تماما تلبّستني حالة الظلال و أدخلتني في يمّ التيه و بقيت أنا أيضا  ظلا للطائر الذي يقتات على بقايا العالم صورا؟
 
انتهت الأمسية. انتهيت من قراءة القصة و التهمت قصصا أخرى من المجوعات الثلاث و لم تهدأ حرقة الأسئلة. لكن طعم المتعة الأدبية فوق لساني كفاكهة طازجة.
 
حملت متعتي و سافرت إلى مدينتي تملأ عينيّ صور.. تشاكس عقلي أسئلة و ينثرني صوت محمود درويش  ألف شظية.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12133
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18