• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : أخبار وتقارير .
              • القسم الفرعي : أخبار وتقارير .
                    • الموضوع : المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: الجاهلُ الذي يعتقد نفسه عالماً لا يُمكن أن يتعلّم، وهذا من أصعب أنواع الجهل لأنّه جهلٌ مركّب... .
                          • الكاتب : موقع الكفيل .

المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: الجاهلُ الذي يعتقد نفسه عالماً لا يُمكن أن يتعلّم، وهذا من أصعب أنواع الجهل لأنّه جهلٌ مركّب...

بيّنت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا أنّ الفقرَ ليس فقر المال وإنّما فقر التعلّم، والجاهل الذي يعتقد نفسه عالماً هذا لا يُمكن أن يتعلّم، لأنّه هو يعتقد أنّه عالمٌ فهو عنده جهلٌ مركّب، ومن أصعب أنواع الجهل هذا الجهل، ونحن لا نريد أن نستذكر ونستعرض كما هي العادة، لكن نبيّن أنّ هذه المسألة ساريةٌ اجتماعيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً وفي كلّ شيء.
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (22 ربيع الأوّل 1440هـ) الموافق لـ(30 تشرين الثاني 2018م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر وكانت بإمامة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصُّها:
من كلامٍ لأمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: (لا غنى كالعقل، ولا فقرَ كالجهل، ولا ميراثَ كالأدب، ولا ظهيرَ كالمشاورة)، أرجو أن يلتفت الإخوة الى هذا الحديث الشريف والمقولة الجامعة لمعاني الكلم، كما هي عادتُه (سلام الله عليه) في تشخيص بعض الأدواء وأيضاً في تشخيص بعض الدواء.
الآن في كلّ المجتمعات هناك مشاكل، وعندما تدخل لبعضها تجد أنّ هذه المشاكل لم تكن أسبابها أسباباً حقيقيّة، وإنّما كانت أسبابها أسباباً بسيطة وتافهة ولم تكن تستوجب هذه النتيجة، وقد عرضنا سابقاً بخدمتكم مطلباً هو أنّ أيّ فعلٍ تُقابله ردّةُ فعل، والحديث هنا ليس عن قوانين الفيزياء فقط، وإنّما أفعال حتّى في الأمور الاجتماعيّة، الأنظمة الوضعيّة والسنن الإلهيّة وضعت حدوداً وقالت: هذا حدّك لا يُمكن أن تتجاوزه، ولفلانٍ من الناس هذا حدّك لا يُمكن أن تتجاوزه، فإذا تجاوزت الحدود لابُدّ أن تتحمّل جريرة هذا الفعل الذي قد يكون غير قانونيّ أو شرعيّ، لأنّي قد تجاوزت الحدود، فهذا الذي يكدّ ويتعب ويحصل على مالٍ ويضع ماله في مكانٍ، عندما أذهب أنا وآخذ المال بغير وجه حقّ، فإنّ القانون لا يسمح بمثل هذا التجاوز على حقّ الآخر، فالمالُ مالُه والجهدُ جهدُه وأنت لا حقّ لك في ذلك فأُعاقب.
إنّ الله تعالى أودع فينا ميزاناً كي نضبط تصرّفاتنا قبل الشارع المقدّس وقبل الأنظمة، هذا الميزان هو العقل، فكلّ إنسان منّا بسريرته يعلم أنّ هذا التصرّف ينبغي أن يكون أو لا ينبغي أن يكون، لا نستثني من ذلك أيّ أحدٍ منّا بل كلّنا، فالجوُّ العامّ يجعل الإنسان يتماشى وهو بداخله غير معتقدٍ بهذا التصرّف، لكنّه إمّا يُجامل أو يخاف أو التربية التي تربّى عليها هي تربيةٌ فاسدة، بحيث لو يُعزل ويُترك لوحده ويرى تصرّفاته يعيب هذه التصرّفات، يقول: هذه التصرّفات لا ينبغي أن تصدر منّي ولكنّها صدرت، وفرضاً عندما يُعرض عليه شريطٌ فيديويّ للعمل الذي قام به ويرى نفسه يقول: ما كان ينبغي عليّ أن أعمل هذا العمل، ويردّ ذلك وقد يردّه بشدّة.
أميرُ المؤمنين(عليه السلام) يقول: الذي يملك العقل هو الغنيّ، حقيقةً الذي عنده العقل لا غنى كالعقل، فأيّ غنىً ظاهريّ والإنسانُ سفيهٌ لا قيمةَ له، بالعقل يعرف الإنسانُ أين يضع موضع قدمه وكيف يتصرّف، ولاحظوا إخواني من فوائد التعقل أنّ الإنسان بنفسه يرى، وهذه نعمةٌ كبرى أن الإنسان يرى الأشياء، أنا لا أقصد أنّه يراها بعينيه، كلّ الناس ترى لكنّها قد تكون عمياء القلب، بالعقل الإنسان يرى الأشياء وبالتعقّل الإنسان عندما يرى ستكون الناس أيضاً منه في راحة، لأنّ هذا عاقلٌ حتّى وإن كان عدوّاً لك و(العدوّ العاقل خيرٌ من الصديق الجاهل)، لأنّ العدوّ العاقل تعرف كيف تتعامل معه.
التعقّل له ضوابط عكس الجهل الذي ليست له أيّ ضابطة، لذلك الإمام أميرُ المؤمنين(عليه السلام) يقول: (ولا فقرَ كالجهل)، الإنسان فقير المال ليست هذه مشكلة فالفقر ليس عيباً، أنبياء وعلماء وصلحاء تاريخهم حافلٌ بالفقر، وكان بعضهم يقرأ على ضوء القمر لأنّه ليس عنده مال حتى يشتري زيتاً للمصباح، وهذا ليس عيباً، وبحمد الله تعالى في هذه الأيّام التي خلت بعض شبابنا في الصفّ المتأخّر -الصفّ السادس- هم من عوائل فقيرة متعفّفة لكنّهم حصلوا على مراتب عُليا، فالفقر ليس عيباً ولا يقع عائقاً، لكنّ الإنسان إذا كان جاهلاً نعم.. سيكون فقيراً لا أفقر منه، ولا يُمكن أن ينتهي بالفقر إلّا أن يتعلّم، والجاهل الذي يعتقد نفسه عالماً هذا لا يُمكن أن يتعلّم، لأنّه هو يعتقد أنّه عالمٌ فهو عنده جهلٌ مركّب، ومن أصعب أنواع الجهل هذا الجهل، ونحن لا نريد أن نستذكر ونستعرض كما هي العادة، لكن أبيّن أنّ هذه المسألة ساريةٌ اجتماعيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً وفي كلّ شيء.
أعطِني عاقلاً متعقّلاً أستطيعُ أن أتحاور وأتفاهم معه، أمّا أن يكون جاهلاً بمعنى الكلمة فإنّه يغلبك في المناقشة، يغلبك للجهل الذي يحتويه لأنّك كيف ترفع الجهل عنه؟!، أمّا الذي عنده جهلٌ مركّب فهذه الطامّةُ الكبرى، الجاهلُ المركّب هو الذي لا يعلم بأنّه جاهل، وهذه مشكلة هو جاهلٌ لكنّه لا يعلم أنّه جاهل، الجاهل البسيط سهلٌ -مثلاً- أنا أجهل في هذا المرض فأذهب الى الطبيب، أو أجهل في هذه المسألة فأذهب الى أهلها، أمّا أن أعتقد أنّي أفهم في المسألة فقطعاً لا أذهب الى أهلها وأبقى في دائرة الجهل الى أن أموت، وقد ليس أنا الذي أضلّ فقط بل قد أضلّ غيري، أميرُ المؤمنين(عليه السلام) يقول: (لا غنى كالعقل) وحقيقةً الذي يملك العقل يملك مفاتيح كثيرةً للتوفيقات.
ثمّ قال: (ولا فقرَ كالجهل) وفعلاً قد يكون عند الإنسان ثراءٌ ظاهريّ ولكنّه من أجهل خلق الله تعالى، كأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: القيمة الحقيقيّة للجهل هذا، هناك أممٌ بكاملها وشخصيّات كانت ما شاء الله انتهت لأنّها كانت جاهلة، وحقيقةً الجهل من الصعب القضاء عليه إلّا بالعلم والتعلّم وبإحساس الناس بأهمّية التعقّل، طبعاً العقلُ والعلم نورٌ والعقل يأتينا بالعلم، والجهل حالةٌ من الضلال وحالةٌ من عدم المعرفة، ويكفيك أنّ الإنسان الآن إذا نعتّه بصفة الجهل يشمئزّ ويغضب، حتى الجاهل -لاحظوا- من قباحة الجهل لو قلتَ للجاهل: أنت جاهل سينتفض ويغضب، لأنّه يعلم أنّ الجهل شتيمة، لكن عندما تقول له: أنت فقير لا يغضب ويقول: نعم أنا فقير، أو تقول له: أنت مريض يقول: نعم أنا مريض، لكن عندما تقول له: أنت جاهل سينتفض ولا يرضى وهذه محنة، وأنت تعرف الآن كم جاهلٍ هو جاهلٌ له سلطنةٌ وله مواقعُ وله رأيٌ لكنّه جاهل، هل يُمكن لهذا الجاهل أن نحصل منه على رأيٍ حسن؟! ينبّهنا أميرُ المؤمنين(عليه السلام) الى ذلك، وطبعاً بالنتيجة إذا كان جاهلاً ويتحدّث مع جَهَلةٍ -أجلّ الله السامع- تنطلي الشبهة، لكنّ الجاهل لا يتكلّم مع المتعلّم.
ثمّ قال أميرُ المؤمنين(عليه السلام): (ولا ميراثَ كالأدب) الإنسان يورّث الأدبَ والأدبُ يُعطي شخصيّة، فيُقال: هذا إنسانٌ متعلّم ومؤدّب، والواقع إخواني هذا بابٌ واسعٌ جدّاً أنا لا أستطيع حتّى أن أدخل فيه، بابُ الأدب وبابُ التحضّر والاحترام ونوعيّة العلاقات هذا كلّه مبنيٌّ على أدب، فجميلٌ الإنسان عندما يوصف أنّه متأدّب ويحمل من الأدب الشيء الكبير، وتعرفون مقابلها ماذا يعني ذلك.
ثمّ قال (عليه السلام): (ولا ظهيرَ كالمشاورة) معنى الظهير هو المساعد أو المعين أو السند أو العضد، الإنسان إذا كان لا يملك أحداً من هؤلاء ماذا يفعل؟ قال: (لا ظهيرَ كالمشاورة) حتّى مع وجود هؤلاء شاورْ واستفسرْ واطرح الرأي، قد يكون عند البعض ما ينفعك أو قد لديه ما يُصلحك، البعض قد يكون عنده ما يُبعدك عن المشاكل فشاورْ و(من شاوَرَ الناسَ شارَكَهم في عقولِهِم)، وأنت تجد أفضل من هذه المشاركة؟! أنّ الإنسان يُشارك الآخرين في عقولهم، كم حالةٍ من الوقاية ستكون عنده إذا شاركهم في عقولهم، وكم حالةٍ من الوقاية سوف تكون لديهم، الشاهد هذا الذيل من المقولة يمنع التفرّد، حتّى يكون الإنسان لديه ظهير يقول: أنا أشاور، وقد رأينا وقرأنا وسمعنا أنّ الكثير من العلماء والأجلّاء والصُّلحاء والحكماء لا يبتّون بأمرٍ حتّى يشاوروا من هو جديرٌ بالمشاورة، حتّى يخرج الرأيُ رأياً حسناً ولا يخرج رأياً أَثِماً.
سدّدنا الله تعالى وإيّاكم ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإيّاكم التعقّل والعقل وأن يبعد عنّا الجهل، وأن يُعيننا على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم، وأن يغفر لنا ولكم ما تقدّم من ذنوبنا ويُسدّدنا في القادم من الأيّام -إن أبقانا الله-، اللهمّ أرنا في بلدنا كلّ خير وفي أهلنا ومحبّينا كلّ خير وادفع عنهم كلّ سوءٍ بمحمدٍ وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=127518
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 11 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28