وكان يظن أن الثقافة بالأربطة السود والمعطف الطويل والعطر الذي يفوح على بعد مترين من أوجاع الناس !! فأخذه الغرور ليكبر انفه حتى صار وزن الأنف يخل بتوازن الشخصية إمام حقيقة الإبداع الثقافي !! ونسي المثقف الجديد ان حرفاً من الحروف قد يقتل كل غروره ويجعل منه صورته كوميدية .. وربما ثارت الهمزة على الإلف وانتحرت تاء التأنيث لعدم السماح لها بالحركة والوثوب في عالم الجمال والخيال .
ولي مع تاء التأنيث قصص غريبة فهي تطارد أحلامي وتجعلني أميرا يستلقي على سريرها الحريري المريح .. ولولا هذه التاء لأصبحت الثقافة صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع .
كانت تاء التأنيث تسرح شعرها إمامي وتضع العطر الجميل في تواضع الدلال الأنثوي وكنت اخجل من جمالِ تشرب منه روحي فأكتب في دفاتري الصغيرة معاني لم تخطر في بال .
فازداد تواضعاً وخوفاً من عبقرية الحروف التي تتمشى معي كالغزلان وهي تتقافز أمامي بعد أن رأت مني سلاماً واطمئناناً مريحين وذات يوم رأيت في احد أحلامي كوباً على طبلة خشبية قديمة وقد حركه قدر ما فسقط كالطفل الكسير وهو ينزف حروفاً متألقة بالجمال ولم تكن الحروف مختلفة بل كانت كلها تاءاً للتأنيث تتساقط الواحدة تلو الأخرى كقطرات الماء ببطء يعذب الحال وفي غمرة هذا الخيال أيقظتني بيدها الناعمة البيضاء فسلمت بنصف صباح الخير وتضاحكت تضاحك شارلي شابلن من ذاته وهي ممزقة الحال حين تخيلها صديق له ديكاً ليأكله في غمرة الجوع والجفاف والمحن .
كانت التاء تتخيلني (واواً) وهي في ذلك تلبسني ثوباً لم أعهده من قبل فهو فضفاض اردانه طويلة يغطي جسمي النحيل ورحت أفكر في أمر الثقافة والمثقفين وانأ مستلق على سريري الخشبي لماذا انا مستلق هكذا منذ عشرين عاماً ؟ وكان التساؤل كبيراً يهزني من الأعماق ، وحين قررت أن أحرر نفسي وجدت جسدي مقيداً بألف تاء للتأنيث فأدركت أن الثقافة لا يحدها حد ولا يصل لجوهرها عبقري مهما كانت عبقريته وإننا في بداية الطريق المؤدي إلى كنوز المجهول .
|