• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : (البنية التركيبية في مستويات النص ) .
                          • الكاتب : عقيل هاشم الزبيدي .

(البنية التركيبية في مستويات النص )

يمثل عقيل علي نموذجا مثاليا للشاعر الباحث عن المفارقة الدلالية لبنية النص، فتترك هامشا من القصدية في بنيتها السيميائية،إذ تخرج اللغة في شعره عن مجرد كونها تراكيب وجمل تنتظمها الانزياحات إلى مادة طيعة تتشكل بأشكال غير مالوفة للذائقة التقليدية ،وتتخذ الكلمات أدوارا أخر غير وظيفتها الدلالية لتكون لها أبعادا ثنائية  بين التقابل والتضاد وتلك هي فضاءاته  المأساوية في بلوغ النسغ الشعري التوالدي-، يحاول الشاعر بالإمساك باللحظة الشعرية و في تحولها من حال شعرية مهادنة إلى حال شعرية مفارقة ،وفي الوقت الذي تفيد فيه بعض قصائده ،هذه المفارقة كي تنزاح انزياحا مفارقا بمناخات تتجلى بالتنوع وتنضج تلك الاشراقة التي تنجز المفارقة الشعرية  المؤثرة،ويمثل نصه منجزا إبداعيا ذا فاعلية مهمة ة في الشعر العراقي الحديث ،وقد تمخض ذلك المنجز الإبداعي عن إبراز فرادة او محاولة تعين الأثر اللافت للانتباه بواسطة البنية التركيبية للنص المغاير- 
لابد من القول إن التشابك الدلالي للقصيدة والذي يستند إلى نظرية الخطاب الأدبي يتمثل في اعتبار ذات  الشاعر بنية لاتتجزا  أبدا ا تفضي إلى صوغ الصورة المنشودة في  ذائقة المتلقي!— 
لاكن اللافت للانتباه إن الشاعر قد تميزت تجربته الشعرية ببحثه الدائم  عن صورة مفارقة تخرج على السياق التقليدي لأقرانه الشعراء  إذ يبدو انه يدرك إن اللغة قد تكون أحيانا عاجزة عن نقل الصورة الشعرية نقلا أمينا ولذا فهو يجرب أدوات أخرى بغية رسم صورة بأعلى مايمكن من الدقة- 
لايخفى على المتلقي أن الشاعر ابن مجتمعه وأشياءه والدورة الزمنية ولذا فهو يمارس اغتراب حقيقي بين الذات والمجتمع ،وعندما يحلق في رؤاه إنما يستجمع تلك أشياءه الجميلة في الذاكرة عبر معايشته الحميمة والتلاحم الحار مع تلك المفارقات المتشابكة ،وعند الاستجماع حيث توجد الإرهاصات توجد الغربة فعلا على مستوى الرفض حين ما ينطوي إحساس الشاعر على رفض الواقع متمثلا بمشاعر الشعور الأبدي (الموت) 
الديوان مشحون بالحذر والخوف ففي قصيدة(جسد ينطق بأطرافه) يقول: 
إنني جسد ينطق بأطرافه،<br>
من اجل الشجاعة اقتنيت أزهار من أحب  
إنني أقف واغني دم هذا الفم الشائع  
خفوت الأعماق أمام الدقات البكر لأصابعك  
أريدك بسبب الطفل الذي يعكس التفاتته في المرأة  
أريدك-------------(ص8)  
إن القصيدة أية قصيدة تفصح عن حركية ذات الشاعر وهمومه ومهما حاول الشاعر أن يدعي غير ذلك تفضحه قصيدته بسبب إنها مكتوبة من الشاعر عنه واقتطاع موثق من مشاعره وتصورات مخيلته وتعبير يظل صادقا مهما مورس فيه التمويه والتعتيم على حالات ذلك الشاعر ودواخله  
في قصيدة (ذاكرة للحجر) 
المدن تذهب ،وتروح أيتها الأحجار الساقطة من يد الممرات 
أيتها الأحجار 
هي تماثيل مقتولة 
اتاملها بصياح مكتوم ،ولا اضجر من لصوصها 
إنهم بصبر يديرون رحاها –وقد مزقوا فجرا ،أو شردوا أشجارا----ص(21)
أية غربة يعيش الشاعر ونظرة ظلامية سوداء أن تجتمع كل الأحلام مع محرقة الموت في صورة شعرية مشوهة تلك التي لاتتعامل مع الجميل الذي يبهج القلب ويدخل إليه السرور ،إنما الصورة التي ينظر إليها غريبة كل الغرابة فهو يراها دمارا قا تما ومدنا لاتقام حين يقلب ذاتها وتخرج من صيرورتها ،إذ الوجود عدم لاحياة فيه ،حيث لامدن تقام بعد اليوم ولاحياة ولا اثر –انه إنسان أحكمت الغربة علية فلا يرى كما يرى الآخرون –
قصيدة(نشيد العزلة)
كيف ألقاك أيتها العزلة بكرم اللصوص ؟ماذا افعل بهفواتك؟
أنت يارحم الأحجار
ماذا افعل بك-أنت ياقامة الميت؟-------(ص39)
إن المرأة غائبة في هذه القصائد ولاتشعر بها إلا من خلال ضمير الجماعة الذي يشترك فيه معها الشاعر والطبيعة والرفاق الحالمون ،ولاكنها حاضرة بقوة من خلال فعل الطفولة ،وحين تفرض الطفولة حضورها بهذا الشكل الدافع في تجربة الشاعر تفرض المرأة تلقائيا حضورا مماثلا من خلال الفعل الجوهري لها-في قصيدة(الآمال الساهرة شمسها اعتمت)يقول:
كنت أراك تتعرين على سفوح جسدي المذعورة 
كنت عائدة من الخوف توا ،وعرقك اللدن يلامس حناياي بشك
ثم رويدا---رويدا وبخفة يأتيني الخوف الذي عدت منه ---مؤثرا 
إن يعضني هكذا كان يأتي –لم يكن غامضا
كان مثل ريح ،كنت أتعرى بشفقة على سفوحه ---كنت أتعرى من الألم الذي يشققني--------------(ص57)
لقد اعتمد الشاعر في قصائده على أسلوب البناء الحكائي الذي يشكل نوعا من التجنيس فقد يمارس بين الشعر والبنية السردية كأنها مدونة  مرثية ليخلق صورة رشيقة تتناسب مع مراثي ذات الإنسانية ،ذلك لان رثاءه لنفسه يتضمنه بسطا لمزايا الشخصية المتوخاة(الغائية)،أي استحضار قيم إنسانية مفتقدة بطريقة الحضور ومن هنا قامت قصائده على أسلوب  المغايرة، حتى كانت القصيدة تبدو منجزا سرديا يستحضر ماهو غائب على طاولة الحاضر –يقول:
من قصيدة(أعشاب أسيا)
عشب يجلس قبالتي ،منبثقا من نار كونه يتلظى ،هاهو يتلوى قبالتي ،يحدق ولاينطق
يستحيل القريب ،وقد انبثق فجأة من ظاهر جلده ،يستحيل هدوءا يغذي ثقوبا في جمجمة الموت 
ويضيق الداخل لموت الخارج ذريعة هاهي تتحلل قبالتي 
تنتحب ولا تنطق---------(ص72)
وأخيرا نقول إن الشاعر عقيل علي احد الأصوات الجدية في المغايرة والمغامرة في  النص  الشعرية والذي احدث الاختلاف منذ البداية ،وبالرغم من إن تجربته كانت تقرا داخل الإطار العام للمشهد الشعري ،وان وجود هكذا تجربة قد الفت  انتباه واهتمام المتلقي والنقاد على حد سواء فلقد بدأت مكملة لصوت جيل محدد وذلك لأنها لم تحدث قطيعة بل مكملة ،وعندما نقول انه برز كصوت :فان تأثيرات زمن القصيدة  قد طغى على تفرده كشاعر مهم 
إن قراءة أي نص  من نصوصه  يجد القارئ نفسه قريبا جدا من الشاعر ويعيش الاستسلام إلى جوار همومه المتلاحقة هذه القصدية أراد منها الشاعر المشاركة الوجدانية مع المتلقي ، إن خلخلة البناء الدرامي للبنية التركيبة لمعمارية النص جاء بشكل مرسوم له في لاوعي الشاعر لأنه عاش تلك المحنة بتفاصيلها فجاءت صادقة معبرة ،وبالرغم من أن هذه القصدية الذاتية لصورة الشاعر القاسية هي ذاتها متعة بنفس الوقت توقع قسوة على  بناء النص –!!
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=1426
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 11 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19